تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الدكتور أمين الزاوي وجناية التساؤل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    7

    افتراضي الدكتور أمين الزاوي وجناية التساؤل

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
    وبعد:قرأت مقالا في جريدة الشروق بتاريخ 2011.03.09 تحت عنوان (هل كان طارق بن زياد ابنا لوادي سوف؟)للدكتور أمين الزاوي ومع علمي بأن الكاتب ليس مؤرخا ولا من أصحاب الدارسات التاريخية إلا أن العنوان أغراني بأن سأجد تحقيقا لقضية تاريخية أو توثيقا لشأن تراثي ولكن لما شرعت في قراءة المقال أفزعني صوت غريب بين سطوره وكلماته وجمله فتبينته فإذا هو:
    كشيش أفعى أجمعت لعض فهي تحك بعضها ببعض
    لقد عزم الزاوي في هذا المقال الموبوء أن يعيد رمة الشعوبية جذعة، وأن يستثير الثارات والأحقاد و الضغائن بين البربر و العرب (والفتنة مضطرمة لعن الله من زاد في تأجيجها).
    الزاوي يتطاول على تاريخنا وعلى من كتبوه
    لقد سلط الزاوي في هذا المقال علينا أقواسه([1])؛ فقد تطاول على تاريخنا وسماه (الكذب المقدس) وافترى على مؤرخينا فقال فيهم بملء فيه وبلا تحفظ ولا احتراس: (فتاريخنا كتبته أقلام عاشت على فتات موائد الملوك والسلاطين).
    تجرأ الزاوي قبلا على ابن خلدون في مقاله ( لهذا أنا لا أحب المتنبي ولا ابن خلدون) فأقذع فيه القول ثم تمادى وارتقى إلى القدح في جملتهم واستباح الطعن في عامتهم.
    عذيري من فتى أزرى بقومي وفي الأهواء ما يلد الهذاء
    ومحاولة مني للتصدي لأقواس الزاوي كتبت هذا المقال المتواضع. وأرى أن ما فيه من شدة ضرورة لا انفكاك عنها؛ ذلك أن (وقع السهام ونزعهن أليم ).
    هل يصلح الزاوي للدراسات التاريخية
    يقول الزاوي: (( وما نتساءل عنه وهو الذي يدخل في باب محاولة تفتيت ما أسميه بالكذب المقدس)). إن دراسة القضايا التاريخية تفتيتا أو تثبيتا هو شأن المؤرخين والعلماء لا القصاص والحكواتية وشأن العدول الثقات الأمناء لا من شهدت عليه صحفه وما يدونه من مجون وفسوق وفجور وخلاعة وهراء بأنه يصلح للنادلة وجر الذيول. فأعط الأقوس باريها.

    إقرار الزاوي بضآلة ما يعرفه عن طارق بن زياد
    استهل الزاوي مقاله بإقراره بضآلة ما يعرفه عن طارق ابن زياد فقال: ((كل ما نعرفه عن طارق بن زياد المغاربي الأمازيغي، هو نص تلك الخطبة التي ألقاها في جيوشه)).
    فمادام أنك لا تعرف عن طارق إلا ما يدون في الكتب المدرسية، فلم كل هذا التبجحوالصلف!؟ ومن جميل الوصايا التي كنا نتغنى به قديما:
    لي ما قرا علاش يكتب ويخسر حبر الدواية
    وبعبارة أفصح دع الكتابة لست منها ولو ملأ عفن ريح المومسات([2]) من تسويداتكشوارع إبليس ([3]) وأزقة باريس!!.
    حقيقة حجم خطبة طارق بن زياد
    قال الزاوي عن الخطبة التي تنسب لطارق ابن زياد خطبة: ((امتلأت بها كتبنا المدرسية)). أظن أنك لا تعرف عن طارق بن زياد حتى هذه الخطبة التي زعمت أنك تحفظها؛ ذلك أنها لا تزيد على ورقة فضلا أن تملأ كتابا. فتبين أن الأمر ليس في حجم هذا الخطبة بل في ما تتضمنه هذه الخطبة من شأن الجهاد والفتوحات والإقدام والنخوة والترغيب في الشهادة وهي أمور لو اجتمعت على سمع ونظر هؤلاء المسوخ لأذهبت رعشتهم.([4])
    فإذا تنبّه رعته وإذا غفا سلت عليه سيوفك الأحلام
    بلاغة الزاوي
    وصف الزاوي هذه الخطبة فقال ((يمكنكم الرجوع إليها فهي لا تزال مقررة في الكتب المدرسية على أطفال الجزائر وأطفال المغرب الكبير والمشرق حيث مطلع الشمس)).
    ما أدري موضع جملة (حيث مطلع الشمس) في كلامه؟ لو كان الشأن قصيدة لقلنا ربما أن سبب إقحام هذه الجملة لإقامة الوزن، ولو وافقت هذه العبارة ما سبق من مقاطع لقلنا أن ذلك لإصلاح السجعة وتساوي الفصول. فلم يبق إلا أن ندعي أن الزاوي يكتب وفي ذهنه أن من يقرؤون له ويدفعون له مقابل مقالاته هم من مستوى (والمشرق حيث مطلع الشمس).
    تطاول الزاوي على الثقافة العربية
    تطاول الزاوي على ثقافتنا فقال: ((الكذب المقدس الذي تكرس بشكل واضح ومتواصل في ثقافتنا العربية)).
    لا يخفى أن الثقافة التي ينتسب إليها الزاوي والأعرج وأركون وأضرابهم من ذيول التغريبيين هي التي تكرس فيها الكذب المقدس والتبعية المقدسة والعفن المفرنس، وأما الثقافة التي تنتسب لها هذه الأمة العربية فهي مثال مشرق للصدق والنـزاهة والأصالة وهي أبعد ما يكون عن الكذب وتكريسه لأن لأصحابها من دينهم وعقيدتهم ومثلهم وصرامة مناهج تلقيهم وتراث سلفهم عاصما وأيَّ عاصم.
    خطبة طارق والنقد
    ادعى الزاوي أن الخطبة التي تنسب لطارق بن زياد أضحت ((من المسلمات التي لا تمس ولا تنقد ولا تُراجَع)).
    لا شي في تقافتنا ومعارفنا يعلو عن النقد والمراجعة وهذه الأحاديث النبوية لا تزال تخضع لموازين النقد والمراجعة فكيف بغيرها. وعن خصوص خطبة طارق فطالما تناولتها يد النقاد والمراجعين من حيث ألفاظها زيادة ونقصا واختلاف روايتها والفروق بينها ومن حيث الظرف الذي قيلت فيه ومن حيث فصاحتها ومن حيث ثبوتها وعدمه ومن حيث إضافتها لطارق. فهل لم يطلع الزاوي على ذلك؟ أم أن الزاوي لا يعد النقد نقدا ولا المراجعة مراجعة إلا إذا صدرت من يراعه وسلت من أقواسه؟
    الجواب على شبهة عجز طارق عن إنشاء هذه الخطبة
    قال الزاوي معللا إنكار نسبة هذه الخطبة لطارق: ((كيف يمكن لطارق بن زياد الأمازيغي .... أن يتكلم بكل تلك الفصاحة العربية، تلك اللغة التي لم تكن قد حطت بعد رحالها في بلاد المغرب الكبير بشكل ديني وثقافي عميقين؟)) لماذا لا يسأل الزاوي أو يتساءل عن اسم طارق وعن اسم أبيه أهي أسماء بربرية أم عربية ؟ ولا شك أنها عربية في الصميم. فإما أن يكون طارق بن زياد عربي النسب وقد قال بذلك بعض المؤرخين، و إما أنه من أسرة قديمة الإسلام وقديمة الاتصال بالعرب، وبذلك يزول الإشكال. وقد أثبت المؤرخون لطارق بالإضافة إلى تلك الخطبة شعرا ورسائل تدل على تمكنه من اللغة العربية. ويمكن أن يقال أيضا أن هذه الخطبة كتبت للقائد طارق شأنها شأن الخطب الأميرية.
    الجواب على شبهة عجز البربر عن فهم هذه الخطبة
    قال الزاوي: ((كيف يمكن لهذا القائد الاستراتيجي أن يخاطب بلغة عربية عالية جنودا غالبيتهم إن لم أقل جميعهم من قبائل البربر وهم لا علاقة لهم بهذه اللغة الأدبية العالية؟)) إن اللغة العربية قد حطت رحالها في بلاد المغرب الكبير قبل فتح الأندلس مع الفاتحين الأوائل أبي المهاجر وعقبة بن نافع وغيرهم. ولقد كانت سرعة الفتح في المغرب والأندلس تشبه المعجزة كما يقول الشيخ البشير الإبراهيمي فكذلك كان انتشار الإسلام وانتشار العربية.
    ومن الأسباب التي أدت إلى ترسيخ اللغة العربية جهود الفاتحين ومنهم موسى بن نصير رحمه الله في نشر التعليم بين كتائب البربر. وكذلك لما يتميز به البربر من طلاقة ألسنتهمباللغات الأجنبية عامة، ولأن اللغة العربية هي لغة الفاتحين والبربر لم يكونوا استثناء من قاعدة التكيف المعروفة أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته ولغته وسائر أحواله وعوائده .
    ويمكن أن يقال إن المقصود بهذه الخطبة ابتداء هم قادة الكتائب وقد كان غالبهم من العرب بدليل ما جاء في الخطبة: ( وقد اختاركم أمير المؤمنين من الأبطال عربانا).
    خطبة طارق والمصادر التاريخية
    لقد حكم الزاوي وجزم بأن هذه الخطبة من (الكذب المقدس) ولم يشفع لها أنها وردت في جملة من المصادر التاريخية المهمة كتاريخ عبد الملك بن حبيب والإمامة والسياسة لابن قتيبة وسراج الملوك للطرطوشي ووفيات الأعيان لابن خلكان وتحفة الأنفس لابنهذيل ونفح الطيب للمقري التلمساني. ربما أن وظيفة الزاوي السابقة مديرا للمكتبة الوطنية جعلته يظن نفسه أنه فوق الكتب وأعلى من الطروس!.
    تجاهل الزاوي لأجوبة الباحثين حول ما أثير حول صحة خطبة طارق
    لقد قضى الزاوي بأن هذه الخطبة من (الكذب المقدس) ولم يلتفت إلى إجابات وتحقيقات العلماء والباحثين الذين بينوا صحة هذه الخطبة وأجابوا عن تلك الشبهات التي يذكرها المنكرون لها ومن هؤلاء الدكتور عبد السلام الهراس والأستاذ عبد الله كنون والعلامة شكيب أرسلان والأستاذ محمد الطيب والأستاذ إبراهيم يوسف والدكتور علي لغزيوي والدكتور عباس الجراري والعلامة محمود شاكر. أم أن الشأن عند الزاوي فيما خط قلمه هو وما لسواه نهي ولا أمر
    ودع كل صوت بعد صوتي فإنني أنا الصائح المحكي والآخر الصدى
    إيهام الزاوي أنه أول من أثار التساؤلات حول خطبة طارق
    من يقرأ المقال يرى كيف يحاول الزاوي أن يسوق الكلام في صورة تضع في مخيلة القارئ أن خطبة طارق بن زياد لم يتعرض لإنكارها أحد قبله والواقع خلاف ذلك؛ فقد كانت هذه الخطبة محل تشكيك قديما وحديثا وقد تبنى ذلك جملة من المستشرقين والباحثين العرب أذكر من هؤلاء الدكتور أحمد هيكل والدكتور عمر الدقاق والأستاذ محمد عنان والدكتور أحمد بسامالساعي والدكتور محمود علي مكي والدكتور عبد الحليم عويس وغيرهم كثير.أوليس من الخيانة العلمية والصعلكة الفكرية أن يوهم أن هذه التساؤلات والتشكيكات والإشكالات من كنانته؟ فأين الزاوي من الأمين؟
    الزاوي يتحامل على ابن خلدون بسبب عدم ذكره لوفاة طارق
    قال الزاوي: ((إذا كان ابن خلدون قد غفل ذلك ـ أي وفاة طارق ابن زياد ـ وهو الذي لم يترك لا صغيرة ولا كبيرة إلا وذكرها)). لا عتب على ابن خلدون في ذلك فالمؤرخون على جهة العموم قد فاتهم من الحوادث الجليلة الكثير وقيدوا من الأمور ما لا يستحق الذكر. وقد بين هذه الحقيقة ابن الأثير في الكامل فقال: (( فقد ترك كلهم العظيم من الحادثات والمشهور من الكائنات. وسود كثير منهم الأوراق بصغائر الأمور التي الإعراض عنها أولى وترك تسطيرها أحرى)) وابن خلدون من جملتهم فقد فاته كثير من المسائل المهمة عن تاريخ المغرب والأندلس عموما وعن شؤون فتح الأندلس على وجه الخصوص وقد ذكر المقري التلمساني أن ابن خلدون أجمل في شأن فتح الأندلس. ثم إن ابن خلدون متأخر يذكر ما يقع له في كتب من سبقه ولا نجد في الكتب المتقدمة ذكر للوفاة حتى يقال أن ابن خلدون أغفلها.
    عجيب أمر أهل تلمسان فإذا كان سلفهم سلبوا ابن خلدون كل شيء حتى ثيابه فكيف طاب لهم أن يتركوا الزاوي التلمساني يريد أن يسلبه ما بقي من مكانته العلمية ؟ إنه يلزم أهل تلمسان أن يشدوا على يد الزاوي وأن يقدموا اعتذارا خاصا لابن خلدون ولمحبيه .
    تفسير الزاوي للبرنس
    أورد الزاوي قصة المغاربة الذين هاجروا إلى مكة فسأل عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم ومما ذكر فيها: ((إنهم من بلاد المغرب الأمازيغ، بلاد البرنس، اللباس التقليدي المغاربي)) تفسيره لبلاد البرنس باللباس التقليدي المغاربي أظنه من كيسه، ذلك أن ما نعرفه أن المقصود بالبرنس هنا هم البربر فالبرانس من أكبر قبائل البربرية وعلماء النسب متفقون على أن البربر قسمان (البرانس) و(البتر) وهما كما يقول الشيخ عبد الرحمن الجيلالي رحمه الله: ((جذمان عظيمان يجتمع عندهما كل ما تفرق من الفروع البربرية المنتشرة في الشمال الإفريقي كله من أقصاه إلى أقصاه)).
    وأما وصفه للبرنس بأنه اللباس التقليدي المغاربي ففيه قصور ذلك أن البرنس ليس مختصا بالمغرب بل عرف أيضا في المشرق قديما، ففي الحديث الشريف ((لا يلبس ـ المحرم ـ القميص ولا العمامة ولا البرنس)). وقال الإمام مالك عن البرنس ((كان يلبس ها هنا)). بل كان البرنس منتشرا عند كثير من الأمم. يقول الشيخ مبارك الميلي عن البرنس: ((وهو قديم بينهم ـ أي البربر ـ ومعروف عند غيرهم أيضا فقد كان لباسه شائعا بين اليونان والرومان )).
    هل تكلم النبي صلى الله عليه وسلم البربرية
    غريب أمر الزاوي ذكر رواية حكاها له زميله دون زمام ولا خطام ومفادها أن جد طارق بن زياد وسبعة من الرجال لما سمعوا بالدين الجديد سافروا إلى مكة لمقابلة النبي صلى الله عليه وسلم فلما التقوا به أخذ يكلمهم بلغتهم أي اللغة الأمازيغية وجعل الزاوي من ذلك مشكلة وختم مقاله باستفهام استبعادي استنكاري تهكمي: ((وهل تكلّم الرسول اللغة الأمازيغية؟)).
    إن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم الأمازيغية أو بأي لغة أعجمية ليس مما يتعجب منه لأن العقل لا يحيله فالأنبياء مؤيدون بالمعجزة. وفي قوله تعالى ‏}وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه{ فيه إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف جميع الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته كما ذكر ذلك بعض أهل التفسير وأما عن ثبوت ذلك واقعا فصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تكلم ببعض العبارات الأعجمية ولكن لم يثبت أنه تكلم بكلام تام لا بلغة السريان ولا لغة التمازيغت. ولكن ورد في بعض الروايات الغريبة أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم البربرية ولكنها لا تصح عند التحقيق.

    هل كان هدف الفاتحين المكث بالأندلس
    يحاول الزاوي اختصار أهداف فتح الأندلس في تحقيق العرب للسكنى والمكث فيقول في معرض ذكره لطارق ((أهم شخصية سياسية وعسكرية تاريخية أوصلت العرب إلى الأندلس ليمكثوا فيها ثمانية قرون؟)) إنه لم تضق نجد والحجاز ومصر بالعرب حتى يطلبوا من طارق أن يجد لهم ملجأ ليمكثوا فيه، لو كان الأمر في المكث والسكنى لأمكنهم المكث في (امسيردا) فهي كما يقول الزاوي (أعظم وأجمل من واشنطن ومن بيكين)([5]) وقد كانت امسيردا تحت حكم العرب وولايتهم يومئذ.
    إن الوصول إلى الأندلس لم يكن هدفا للعرب فحسب بل هو مقصد مشترك للمسلمين عامة عربيهم وبربريهم وفارسيهم وحبشيهم ولم يكن هدفه المكث بل هو حلقة في سلسلة الفتوحات المباركة التي ابتدأها النبي الكريم نشرا للهداية وتبليغا للإسلام، وأتمها المسلمون من بعده وشعارهم وهدفهم من ذلك ما قاله ربعي بن عامر لقائد الفرس لما سأله ما الذي جاء بكم؟ فقال رضي الله عنه : ((إن الله قد ابتعثنا لإخراج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)).
    والمعروف تاريخا أن موسى بن نصير لم يبق في الأندلس بعد الفتح وتوفي بالمشرق رحمه الله وترك الأندلس ليمكث فيها جد الزاوي وسلالته ألست القائل: ( إنك من سلالة الملك الأندلسي الأمير زاوي) ([6]).
    الزاوي وعلم الأنساب
    وهذا النسب ذكره الزاوي مقرا فقال: ((كان الأستاذ حسني ـــــ أستاذ الأدب المغربي القديم بجامعة وهران ــ يقول لي وأنا أدرس عليه الأدب المغربي القديم والأدب اليوناني تعليقا على اسمي: "إنك من سلالة الملك الأندلسي الأمير زاوي)). عجيب كيف يدعي الزاوي التحقيق والتفتيت التاريخي ثم يتقبل بمجرد هذه المشابهة اللفظية تحقيق نسبه وأصله!؟ ولو كان إثبات النسب بهذه الطريقة السهلة لزعم واسيني الأعرج أنه من سلالة التابعي الجليل عبد الرحمن بن هرمز المدني المشهور بالأعرج!
    الزاوي يجهل معاني الكلمات والألفاظ ومقامات الظرف
    أورد الزاوي قصة مفادها أن مجموعة من البربر هاجروا إلى مكة ( ثم سألوا عن مكان إقامة رسول الدين الجديد واقتيدوا إليه) فما أدري محل كلمة (اقتيدوا) في موضع يناسبه القرى والترحيب ؟ فهل تعمد الزاوي استعمالها مع ما فيها من إساءة وإكراه وعنف وإذلال؟ أم أن الزاوي يجهل حتى معاني الكلمات والألفاظ ومقامات الظرف؟.
    التساؤلات التي هي أصل المعرفة الزاوية
    بنى الزاوي مقاله على طرح التساؤلات (( وما نتساءل عنه)) ((وما لم نتساءل عنه)) وتجنب استعمال السؤال الذي يستلزم وجود سائل ومجيب وجاهل وعارف ويقتضي الاعتراف بالدون والإقرار بالافتقار. وأما التساؤلات التي هي أصل المعرفة الزاوية فهي أمر ذاتي داخلي تتقارضه الأعضاء والجوارح والأحشاء والأبخرة !.
    إن إثارة التساؤلات والإشكالات والاعتراضات يحسنها كل الناس بل تكثر بشكل مقلق عند الصبيان لأنها معان قريبة المأخذ والذهن لا يتوقف عن إنشائها في سلسلة بنت سليسلة والزاوي يخبر عن نفسه وهو طفل صغير يحمل (أسئلة تدور في رأسه تتجاوز سرعة دوران الأرض) ([7])وإنما يظهر فضل الكاتب أن يحسن الإجابة على الأسئلة ، ويتقن الإبانة عن الاعتراضات وتوضيح الإشكالات.
    إن طرح التساؤلات والأسئلة قد يكون مفيدا إذا كان وسيلة للوصول إلى القطع واليقين نفيا أو إثباتا، ولكن الزاوي يثير تساؤلاته وشكوكه ليجعل منها الحقيقة، فهو ينفي ما ينفيه أو يثبت ما يثبته دون بيّنات أو براهين بل لمجرد أنه صار موضوعا لتسائله.
    إن إثارة التساؤلات والأسئلة قد يكون دليلا على يقظة ذهنية كما قد يكون عرضا لحالة مرضية ولوساوس قهرية ومن ذلك تساؤلات الزاوي التي من أغربها سؤاله الأخير هل الأبجدية العربية في حاجة إلى حروف جديدة!!! وذلك أنها لا يوجد في العربية حرف G وحرف P وحرف V!!وكأنني بالزاويوقد رأى حشرة أم أربعة وأربعين(mille-pattes) تتبختر وتزهو في مشيتها فحسب أنه تنقصه أربعون رجلا ففقد توازنه وسقط على قفاه!!
    وربما في نوبة جنون أخرى يسأل الزاوي هل يمكن أن ننقص من الأبجدية العربية بعض الحروف كالقاف مثلا لأن أهلامسيردا وتلمسان والغزوات لا يستعملونه؟ فالمعروف أن أهل امسيردا وأهل تلمسان ينطقون بدل القاف ألفا فيقولون عند نطق ثقافة (ثآفة) وهكذا وأهل الغزوات ينطقون بدل القاف كافا فيقولون عند نطق القهوة (الكهوة) ـ والسوأة السوآء في ذكر القمر ـ فالحمد لله على نعمة العقل.
    بل كان الأولى مادام أنه يحسن الفرنسة وله فيها قراء أن يسأل هل الابجدية الفرنسية ينقصها بعض الحروف؟ كالقاف مثلا حتى يستيطعوا أن يقرؤوا أقواسك
    أو أن يتساءل هل يمكن أن نضيف للعربية شيئا من أبجدية فحيح الأفاعي لكي يتسنى للقارئ معرفة ما يرمي إليه الزاوي ـ مع الاحتفاظ بحقوق التساؤل ـ لأن الزاوي مولع بسرقة الأسئلة التي لم تدر قط في رأسه.
    حقيقة ما وقع بين موسى بن نصير وطارق بن زياد
    قال الزاوي ((وما لم نتساءل عنه كمثقفين وباحثين منشغلين بتاريخ الشأن الثقافي واللغوي، هي تلك الغيرة السياسية الحمقاء النارية التي سكنت موسى بن نصير الذي رأى أن هذا البربري بفتحه الأندلس، دون أن يرخّص له بذلك، قد صادر منه كل شرف الفتح وكثرة الغنائم. هذه الغيرة التي ستكون السبب في موت طارق بن زياد)). يظن الزاوي أن الناس يصدقون ما يتوهمه من نفسه من أنه باحث منشغل بالشأن الثقافي واللغوي !
    وإن ادعاء أن ما وقع بين موسى بن نصير و طارق بن زياد من هنات سببه الحسد ذكره جمع من المؤرخين قديما، ولو كان لنا بعض من (تصحاح الوجه) الذي يملكه الزاوي لزعمنا أنه من (الكذب المقدس) ولكننا نعرف قدر أنفسنا ونعلم أن ذلك ورد في بعض المصادر التاريخية المعتبرة ولهذه المصادر هيبة في صدورنا، ومع ذلك نقول إن مجرد ورود ذلك في المصادر لا يلزم منه القبول ذلك أن الحسد والغيرة أمر قلبي لا يمكن الاطلاع عليه والجزم به، وإنما هو تعليل قيل عن اجتهاد. ومن عرف ترجمة موسى بن نصير وهو الذي جمع خصال الخير من عقل وعلم وإقدام وجهاد وعبادة وتواضع ونشر العلم يستبعد ذلك. ويرى بعض المؤرخين والباحثين أن ما وقع بين موسى وبين طارق لا يعدو أن يكون من الأمور التي تقع بين القادة وبين من هم تحت إمرتهم فقد نُقل أن موسى غضب على طارق إذ غزا بغير إذنه واندفع بحماس زائد مما أعطى الفرصة لجيوش العدو لتطويقه فكتب طارق إلى موسى بأنه زحف عليه العدو بما لا طاقة له به، وقد ذكر الزاوي نفسه أن علة نقم موسى على طارق هو (فتحه الأندلس، دون أن يرخّص له بذلك ).
    وإن ما حققه وأنجزه موسى بن نصير مع طارق ابن زياد متعاونين ومتكاملين هو التاريخ الحقيقي الذي دونه الزمان ولا قدرة لمعاول الزاوي على تفتيته .
    مشكلة الكتابة التاريخية
    قال الزاوي: ((مشكلة كتابة التاريخ عند العرب المسلمين اختلاط الخرافي بالواقعي وتقاطع الحقيقي بالأسطوري)) لم يقل أحد أن الكتابة التاريخية مبرأة من الغلط والوهم ولا شك أن بعض الروايات ينطوي على دخل، ولكن ذلك لا يعد مشكلة إلا إذا وقعت الكتب التاريخية في يد أمثال الزاوي من العوام والسوقة وأما إذا كانت هذه الكتب بيد المختصين والمثقفين والذين شأنهم التمحيص والتحقيق فالأمر ليس كذلك إذا علم أنها كتب مسندة غالبا أو فيها إحالة إلى المصادر والقاعدة أن من أسند أو أحال فقد وضع أمام الباحث برهان القبول أو الرد.
    إن المشكلة تظهر بجلاء في الكتابة التاريخية عند غير العرب والمسلمين لتمكن الإلحاد والأهواء والعصبيات فيهم ولافتقار كتابتهم التاريخية للأسانيد ولقواعد تقويم الرواة. والواقع أكبر شاهد على ذلك فالكذب المقدس هو أساس ديانتهم من دعوى الصلب والتثليث والهيكل والكتب المحرفة وهو أساس كثير من علومهم الإنسانية والاجتماعية كالدارونية والفرويدية والكذب المقدس هو الذي جعل طارق بن زياد في كتب التواريخ الغربية لا يعرف إلا بالأعور كما قال ذلك أمين الزاوي.
    المؤرخون العرب وإهمال ذكر طارق بن زياد
    يقول الزاوي: ((وحده طارق بن زياد وهو العَلاَمَة الكبيرة في تاريخ البحر الأبيض المتوسط والعالم الإسلامي مَنْ سقط نسيا منسيا. قد نفهم ونَتَفَهَّم تناسي المؤرخين الغربيين لذكره، ... ولكن أن يمحو العرب والمسلمون ذكره في التاريخ فهذا من غريب الأمور))؟
    هكذا يختلق الزاوي البهتان المقدس وهو يزعم تفتيته ففي غفلة من تفطن القارئ يرتقي الزاوي من دعوى إسقاط تاريخ وفاة طارق بن زياد إلى القول بأن طارقا سقط نسيا منسيا من تاريخنا ثم يزيد في الدعوى فيقول بأن العرب والمسلمين أزالوا ذكر طارق من التاريخ .
    إنه لا تلازم بين عدم ذكر تاريخ الوفاة وبين مطلق الذكر فالإشادة بطارق وذكره لا يخلو منه كتاب من كتب التاريخ فذكر الفاتحين ومنهم طارق هم جمال الكتب والسير بل ألفت في طارق كتب مستقلة تذكر حياته وظهوره ونسبه وخططه العسكرية ووقائعه في الأندلس والمغرب. ولكنها تتعامى الأبصار إذا فسدت البصائر.
    أمين الزاوي ومن الحبة قبة
    قال الزاوي ((ألا نتعجب كيف يمكن للمؤرخين العرب والمسلمين إسقاط تاريخ وفاة أهم شخصية سياسية وعسكرية تاريخية)).
    ليس في الأمر ما يثير العجب ذلك أننا كثيرا ما نصادف في ترجمة المشاهير والأعلام من تجهل سنة وفاته، ثم إن ذكر سنة الوفاة ليس فيه منقبة للمتوفى لأنه ليس من أعماله الكسبية ومن جهة أخرى فذكر سنة الوفاة ليس له كبير أهمية إلا فيما يتعلق بالرواية لبيان إمكانية الأخذ من عدمه. ولقد ذكر المؤرخون العرب والمسلمون لطارق جميل المناقب ومحاسن الفضائل كفتحه للأندلس وإقدامه وتواضعه وبلاغته وغير ذلك مما هو غاية الرفعة والمجد .
    غريب كيف تحترق أوصال الزاوي من أجل تفاصيل لا تستوجب كل هذا العويل وهاهو الزاوي هذا الأسبوع كتب مقالا بعنوان ((بين أحمد شوقي ومفدي زكرياء)) يحاول أن يغرق الأمة في هذه التفاصيل فيقول: ((من منا لم يتساءل مثل هذه الأسئلة المحرقة والمفصلية: أين هو بيت الشيخ عبد الحميد بن باديس؟ أين هي أغراضه، ألبسته وعصاه وأشياؤه الخاصة؟ أين هي مكتبته وأقلامه وأوراقه؟ أين هو سريره وغطاؤه؟)) يريد الزاوي من الأمة أن تقيم المناحات من أجل عصا ابن باديس وأقلامه وأوراقه . ويغض الطرف عن السؤال المحرق حقيقة أين مشروع ابن باديس الإصلاحي؟ هذا السؤال هو الذي يقض مضاجع الصادقين من أبناء هذا الوطن وهو الذي وجدت الشيخ أبو القاسم سعد الله يطرحه والأسى يعتصره فيقول: ((إن أفكار ابن باديس وسيرته لا تقدم صورة إنسان عادي بل صورة رجل له مشروع حضاري وضع أسسه وبدأ في تنفيذه، ولكن المنية اخترمته وبقي المشروع معلقا كالجسر والسؤال المحير من المسؤول عن وقف عملية البناء؟؟ ومن الذي يفترض فيه إنجاز المشروع على الطريقة الباديسية ؟؟؟
    إن أقلام ابن باديس التي يسأل عنها الزاوي ميراث تقاسمته أيدٍ وفية وأنامل مباركة لا تزال تخط في ديوان الإصلاح صفحات مشرقة إن أقلام ابن باديس لا تزال في يد الشيخ محمد صالح الصديق ويد الشيخ عبد الرزاق قسوم ويد الشيخ أبو القاسم سعد الله ويد الشيخ الهادي الحسني وفي يد كل دعاة الإصلاح .
    وأما عصا ابن باديس التي يبحث عنها الزاوي فلا يزال أثرها في رأسه يوم أن انهال بها عليه الشيخ شيبان لما تجرأ الزاوي على استقدام المأفون الذي يسمى بأدونيس لأرض الشهداء ليتطاول على الإسلام وعلماء المسلمين. ولا تزال عصا ابن باديس مصلتة في وجه التغريبيين (يحذر أمرهاويرغب في المرضاة منها وتُرهب) .
    دعوة الزاوي لسؤال الصدق في الكتابة التاريخية
    ختم الزاوي مقاله (تلك دعوة لنهضة سؤال الصدق في الكتابة التاريخية في العالم العربي والإسلامي. تلك دعوة لمناهضة الكسل الفكري ورجم الكذب المقدس) بل تلك دعوة مشبوهة الغرض منها تسميم النظرة إلى التراث .وإحداث القطيعة مع التاريخ. وجعل الأمة تؤمن بحضارة غير حضارتها وتنسى أمجادها ودورها الحضاري ورسالتها العالمية،وهي دعوة لاستضافة فكرية لأدونيس رغم أنف الجزائريين.
    لقد أخبر الزاوي أنه )دفن رأسه في الكتب(([8]) وتمنت أمه الحاجة رابحة )أن تجعل منه الكتب رجلْ ونصفْ(([9]) غير أنه لما أخرج الزاوي رأسه من بين الكتب كان قد استحال إلى (أرَضة ونصف) محركا لمته صارخا: (هذا أنذا) ([10])شرها من نهش الكتب وتفتيت التراث وخرق الثوابت ـ فيا خيبة أمه الحاجة رابحة ـ ويا ربح من يتبرع لنا بالمبيدات !!

    [1]أقواس عمود في جريدة الشروق يكتب فيه أمين الزاوي كل خميس مقالاته.

    [2] إشارة لرواية أمين الزاوي "ريح الأنثى".

    [3] إشارة لرواية أمين الزاوي "شارع إبليس".

    [4] إشارة لرواية أمين الزاوي "الرعشة".



    [5] مقال في جريدة الشروق لامين الزاوي بعنوان (نعم،امسيرداأعظموأجملمنواشنطنومنبيكين ) .

    [6] مقال في جريدة الشروق لامين الزاوي بعنوان (نعم،امسيرداأعظموأجملمنواشنطنومنبيكين).



    [7] مقال في جريدة الشروق لامين الزاوي بعنوان (هل الأبجدية العربية في حاجة إلى حروف جديدة؟) بتاريخ 21 أفريل 2011

    [8] مقال في جريدة الشروق لامين الزاوي بعنوان (أمي الحاجة رابحة عند ايرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو)

    [9] مقال في جريدة الشروق لامين الزاوي بعنوان (أمي الحاجة رابحة عند ايرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو )

    [10] مقال في جريدة الشروق لامين الزاوي بعنوان (هل الأبجدية العربية في حاجة إلى حروف جديدة؟) بتاريخ 21 أفريل 2011

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    الدولة
    ~✿على ضفة البحر الأبيض المتوسط✿~
    المشاركات
    4,884

    افتراضي رد: الدكتور أمين الزاوي وجناية التساؤل

    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم أخي الفاضل ... مقال مميز فعلا ... بوركتم .
    لا تستغرب أخي ... ليس غريبا عمن إذا قابلته بادرك بصباحك سعيد ومساءك سعيد ...
    اللهم ارزق أمتك شميسة ووالديها حُسن الخاتمة
    اللهم ارزقني الإخلاص في القول والعمل

  3. #3

    افتراضي رد: الدكتور أمين الزاوي وجناية التساؤل

    بارك الله فيك أخي الكريم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •