أن سورة الإخلاص قد عرفت الخلق بخالقهم بما فيها من التوحيد والتنزيه والتمجيد؛ فإذا قرأت القرآن وتدبرته على ترتيبه، ووجدت توحيد الله منبثاً في آياته وسوره، متجلياً ذلك التجلي الباهر بما عرضه وصوره، ساداً ببراهينه على النفوس كل ثنية وكل مطلع- كانت آخر مرحلة يقطعها فكرك من مراحل التوحيد في القرآن، هذه السورة المعجزة على قصرها، فكأنها توكيد لما امتلأت به نفسك من معاني التوحيد، وكأنها وصية مودع مشفق بمهم يخشى عليك نسيانه؛ فيعمد فيها من الكلام إلى ما قل ودل ولم يمل.
ومن صدقك في توحيدك لله في ربوبيته وإلهيته أن تنقطع عن هذا الكون وتكون منه وكأنك لست منه بصدق معاملتك لله، وإخلاص توحيدك إياه، فأنت وقد آمنت وصدقت، وخرجت من سورة الإخلاص متشبعا بمعانيها، ومنها معنى الصمد- تستشعر أن العالم كله عجز وقصور، وأن خيراته مكدرة بالشرور، وأن لا ملجأ إلاّ ذلك الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فتجيء المعوذتان بعد الإخلاص مبينتين لذلك الإلتجاء الذي هو من تمام التوحيد. ولأجل هذه المناسبة والارتباط بين السور الثلاثة جمع بينهن في التسمية:
ففي الصحيح عن عائشة- رضي الله عنها- "أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينفث عن نفسه بالمعوذات" (1) .
وسياق النسائي (2) لحديث عقبة بن عامر المتقدم: "أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ وقرأت معه في الإخلاص، ثم: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. فلما ختمهن، قال: «ما تعوذ بمثلهن أحد» ".
وكما جمع - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهن في التسمية والتعوذ، جمع بينهن عملياً في قراءة الوتر.
هذا إجمال المناسبة الخاصة بين السور الثلاث.
***