بسم الله الرحمن الرحيم
- ومنْ ذَا الّذِي حصَلَ لهُ غَرضٌ ثُمَّ لَمْ يُكَدّر ؟ هَذا آدمُ ، طَابَ عَيْشُه فِي الْجَنّة ، وأُخْرِجَ مِنْهَا ، وَنُوح سَألَ فِي ابنِهِ فَلَم يُعْطَ مُرَاده ، والْخَلِيلُ ابتلِيَ بالنّار ، وإسْماعِيلُ بالذّبح ، وَيَعْقُوبُ بِفَقْدِ الْوَلَد ، وَيُوسُفُ بِمُجاهَدة الْهَوَى ، وأيُوبُ بالبلاء ، وداودُ وَسُلَيْمانُ بالْفِتنة ، وجميعُ الأَنبياء عَلَى هَذا .
وأمّا ما لقِيَ محمّد صلّى الله عليه وسلم منَ الجُوعِ والأذَى وكدَرِ الْعَيْشِ فَمَعْلُوم . اهـ صيد الخاطِر ص 441
- يَا مُخَنثَ العزْمِ أيْنَ أَنْتَ وَالطّريقُ ؟ طَريقٌ تَعِبَ فِيهِ آدمُ ، وناحَ لأَجْلِهِ نُوح ، وَرُميَ فِي النَّار الْخَلِيلُ ، وأضْجِعَ للذّبْحِ إسْماعيلُ ، وَبِيعَ يُوسُف بثَمَنٍ بَخْس ولَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنين ، وَنُشِرَ بالْمِنْشَار زكريا ، وذُبِحَ السّيدُ الْحصورُ يَحْيَ ، وَقَاسَى الضُّرّ أيوبُ ، وزادَ عَلى المِقْدارِ بُكَاءُ داود ، وسَارَ معَ الْوَحْشِ عِيسى ، وعَالجَ الْفَقْرَ وأنواعَ الأذَى محمّد صلّى الله عليه وسلم ، تزْهَا أنت باللّهوِ وَاللّعِب ِ :
فَيَا دَارَهَا بالْحزْنِ إنَّ مَزَارَهاَ ... قَريبٌ وَلَكِن دونَ ذَلِكَ أهْوالُ
قيل لبعْضِ العبّاد : إلَى كمْ تتعب نفْسَكَ ؟ فقالَ : راحتَهَا أُريدُ . اهـ مختصراً كتاب الفوائِد لابن القيم ص 54 .
- طُرِدَ الرَّسولُ صلى الله عليهِ وسلم من مكّةَ فَأقَامَ فِي الْمَدينةِ دوْلَةٌ مَلَئَتْ سَمْعَ التّاريخِ وبَصرَهُ . سُجِنَ أحْمدُ بنُ حنبلَ وجُلِدَ ، فَصَارَ إمَامَ السُّنّة ، وحُبِسَ ابنُ تَيْمية فَاُخْرِجَ منْ حَبْسِه علْماً جماًّ ، ووضِعَ السّرخَسِيُّ فِي قَعْرِ بِئْرٍ مُعطّلة فأخْرجَ عِشْرينَ مُجَلّداً فِي الفِقْهِ ، ، وأقْعِدَ ابنُ الأثير فَصنّفَ جَامِعَ الأصول ، والنهاية في غَريب الحديث من أشهر وأنفَع كتبِ الحديث ، ونُفِيَ ابنُ الجَوزي من بغْدادَ ، فَجَوّد الْقِراءات السّبع ، وأصابت حمّى الْموت مالِكَ بنَ الرّيب فأرْسَلَ قَصِيدَتَهُ الرّائِعةَ الذّائِعةَ الِتي تَعْدِلُ دَواوين شُعَراء الدّولةِ العبّاسية [ مبالغة وغلو وإفْراط ] ، ومات أبناء أبي ذُؤَيب الهُذَلِي فَرَثَاهُم بإلْياذَةٍ أنْصَتَ لها الدّهْرُ ، وذُهِلَ مِنْها الجُمْهُورُ ، وصفّقَ لَها التّاريخ . لاتحزن ص 27 بتصرّف .
- فالدّنيا وضِعتْ للْبَلاء ، فيَنْبَغِي للْعَاقِلِ أن يُوطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى الصّبْر ، وأن يَعْلَمَ أَنّ مَا حصَلَ من المُراد فَلُطف ، ومَا لم يَحْصُل فَعَلَى أصْلِ الخلقِ والجبلة للدّنيا ، كما قيل :
طُبِعت على كدرٍ وأنتَ تُريدُها ... صَفْواً منَ الأقْذاءِ والأكْدارِ
ومُكَلِّفُ الأيّام ضِــدّ طِبَاعِها ... مُتَطَلِّبٌ فِي الْماءِ جَذْوَةَ نَارِ
وهَا هُنا تتبيّنُ قُوّةُ الإيمانِ وضَعْفُهُُ ، فَلْيَسْتَعْمِل الْمُؤْمِنُ منْ أدْويَةِ هذا المرَضِ التّسْليمَ للْمَالِكِ ، والتّحكيم لِحِكْمَتِهِ ، وليَقُلْ : قدْ قِيل لِسيد الكُل : " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيءٌ " [ آل عِمران : 128 ] . اهـ صيد الخاطِر ص 441 – 422
قلتُ صدَقَ الشاعر إذْ يقول فِي هذا الْمعنى:
الْهولُ في دَرْبي وفي هـَدَفي ... وأظَلّ أمضي غيرُ مضطربِ
ماكنت من نفسي على خَوَرٍ ... أو كنت من ربي على رَيبِ
مـــافي المنايا ما أحاذره ... الله مـلءُ القصد والأَرَبِ