بسم الله الرحمن الرحيمالدعوة إلى الله بالصورة الجماعيَّة :
( والدعوةُ إلى الله ، وهي واجبٌ على كلِّ مُسلمٍ ومسلمة كما قلنا ، قد تؤدَّى بصورةٍ فرديَّة ، وقد تؤدَّى بصورةٍ جماعيَّة ، وإذا أردنا الدقَّة بالتعبير قلنا : إنَّ هذا الواجب يُـــؤدَّى على نـحوين : الأوَّلُ : نحوٌ فردي بأن يقوم بهِ المسلمُ بصفتهِ فردًا مُسلمًا ، والثاني : يُؤدِّي هذا الواجب أو جانبًا مِنهُ بصفتهِ فردًا في جماعة تدعو إلى الله تعالى . يدل على هذا كلهِ قول الله تبارك وتعالى : {ولتكن مِنكم أمَّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن الـمُنكر وأولئك هم المفلحون} ، قال الإمامُ ابن كثير في تفسير هذه الآية : (والـمَقصودُ مِن هذه الآية أن تكونَ فرقَةٌ مِن هذه الأمَّة مُتصدية لهذا الشأن ، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد مِن الأُمَّةِ بحسَبه ، كما ثبتَ في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مَن رأى مِنكم مُنكرًا فليغيرهُ بيده فإن لم يستطع فبلسانهِ فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعفُ الإيمان" ) . والواقعُ أن تَجمُّع الدعاةِ للقيام بواجب الدعوة بصورة جماعيَّة يكون ضروريًا كلما كانت مهمَّة الدعوة جسيمَة ، كما لو أريد نشر الدعوة إلى الله في المجتمعات الوثنية الجاهلية التي عشعشَ فيها الشيطان وبيَّض وصدَّ أهلها عن سبيل الله وأركسهم في حمأةِ الشرك ، كما في الأقطار الوثنيَّة في أفريقيا ونحوها ، فإنَّ مثل هذه الأقطار تحتاجُ إلى جهود كبيرة جدًا ومنظمة لنشر الدعوة إلى الله وتعليمهم أمور الإسلام مما لا يقوى عليه جهد فردٍ ولا جهود مبعثرة لبعض الأفراد . ويُؤيِّدُ هذا التبشيرُ بالإسلام على شكلٍ جمعي ، ما جاءِ في السنَّة النبويَّة ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرُ مَن يُسلم بالتحول إلى دار الهجرة ، ليضم جهدهُ إلى جهود الـمُسلمين ، وتوجيهها التوجيه السليم مِن قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما أنَّنا نجدُ في قولهِ تعالى : {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} دليلاً آخر على مشروعيَّة التجمع والدعوة الجماعيَّة ، بل ووجوبها إذا كان البر لا يُمكنُ تحصيلهُ بدون ذلك . وقد أشارَ الإمامُ أبو حنيفَة على ما رواهُ الجصاص عنهُ ، إلى ضرورةِ التجمع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتوجيهُ الجهود الجماعية لتحقيق هذا المقصود ) انتهى . مِن كتاب "أصول الدعوة" للدكتور عبد الكريم زيدان .