قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
ولا ينفق الباطل في الوجود إلاَّ بشوبٍ من الحقّ
هذا كلامٌ نفيسٌ ، قاله عن دليل التَّتبُّع والاستقراء وهو استقراء وأيُّما استقراء من مثل الإمام الهمام
معني هذا : أنَّ الباطل لا يروج في الغالب إلاَّ إذا كان مشوبًا بحقِّ ، وذلك أنَّ الحقَّ إذا كان حقًّا محضًّا لم نختلف فيه ، وكذلك الباطل إذا كان باطلاً محضًّا لم نختلف فيه ، وهذا الشَّوب الَّذي عناه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو عين لَبس الحقِّ بالباطل الَّذي نهى الله عنه اليهود .
شوب الحقِّ بالباطل هو صفة المغضوب عليهم ، قال تعالى : ﴿وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة : 42]
قال ابن كثير رحمه الله :يقول تعالى ناهيًا لليهود عمَّا كانوا يتَعمَّدونَه من تلبيسِ الحقِّ بالباطل وتَمويه به ، وكتمانِهم الحقَّ وإظهارِهم الباطلَ ﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ فنهاهم عن الشَّيئَين معًا ، وأمرهم بإظهارِ الحقِّ والتَّصريح به ، لهذا قال الضَّحاك ، عن ابن عبَّاسٍ ﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ ﴾ لا تخلطوا الحقَّ بالباطل ، والصِّدق بالكذب .
وقال أبو العالية ﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ ﴾ يقول : ولا تخلطوا الحقَّ بالباطل ، وأدُّوا النَّصيحة لعباد الله من أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم .
ويروى سعيد بن جبير والرَّبيع بن أنس نحوه .
وقال قتادة : وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ ولا تلبسوا اليهوديَّة والنَّصرانية بالإسلام وأنتم تعلمون أنَّ دينَ الله الإسلام وأنَّ اليهوديَّة والنَّصرانية بدعةٌ ليست من الله
إنَّ لكلام شيخ الإسلام أمثلةٌ كثيرة أحببت أن أنبِّه عليها حتَّى لا يغترَّ بها من وقفَ عليها، فمثلا عندنا فى مصر :
1- الخَامْسة والخميسة (وهى تميمة ): الَّتي يعلِّقها النَّاس على أبوابهم وسيَّاراتهم : هذه التميمة الَّتى هي عبارة عن يد بها خمسة أصابيع قد كتب عليها قول الله تعالى : ﴿فاللهُّ خَيْرُ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ ﴾ [سورة يوسف]
فالآية حقٌّ والخامسة باطلٌ، فإذا ما جاء هذا العامِّيُّ المسكينُ الَّذي لا علمَ عنده ورأى هذه الخامسة وقد كتب عليها ﴿فاللهُّ خَيْرُ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ ﴾ ، وقد شاع أنَّها تستعمل لدفع العين ، ظنَّ أنَّها حقٌّ ، فيشتريها ويعلِّقها والله المستعان ، وما درَى المسكينُ أنَّها من جنسِ التَّمائم الَّتى قال فيها النَّبيُّ صلى الله عليه سلم : "إنَّ الرُّقَى والتَّمائِمَ وَالتِّولَةَ شِرْكٌ " ، وهذا شوبٌ للحقِّ بالباطل .