أخي الفاضل، المعاني الباطلة لا يجوز نسبتها إلى الله تعالى لأنها باطلة في نفسها لا لأنها لا يمكن تصورها!أما الأسئلة الأخري اذا سئل سائل مثلا هل يقدر سبحانه أن يجعل الواحد أكبر من الثلاثة نقول نعم لأنه قادر علي كل شيء وان زعمتم أن هذا ليس بشيء قلنا أنه سبحانه أخبر عن نفسه فقال (فعال لما يريد) فلو أراد ذلك سبحانه لفعله وان لم نستطع نحن تصور ذلك لأن العقل الذي نحكم به علي هذا أنه مستحيل والقانون الذي نقول به أن الواحد لا يمكن أن يكون أكبر من الثلاثة كل ذلك مخلوق وليس أزليا لنحكم به علي الشيء حكما مطلقا أنه غير ممكن الوجود أو أن معني وجوده نفسه باطل
فقولك إن الواحد يمكن أن يكون أكبر من الثلاثة يلزم منه فساد معنى الواحد نفسه! (1) وقد تقدم أن التشكيك في ضروريات العقل لا يفضي إلا إلى السفسطة!
قولك إن القانون الذي نحكم به مخلوق وليس أزليا صحيح من وجه وباطل من وجه.
فهو صحيح من جهة أن الله قد ركب في عقولنا إدراك المعاني والحقائق، فهي من هذا الوجه مخلوقة. ولكنه باطل من جهة أن المعاني نفسها التي يدركها العقل بذلك هي حقائق وجودية وتجريدية إنما أدركناها بعدما تعلمنا أسماءها. هذه الحقائق منها ما هو ممكن ومنها ما هو ضروري. والذي يعنينا ههنا الحقائق التجريدية الضرورية التي تقوم عليها اللغة. ومن تلك الحقائق التجريدية قولنا (مثلا) إن المعدوم ليس بموجود، أي أن الصفتين متناقضتان، فلا تجتمعان ولا ترتفعان. هذا تناقض ضروري لا يمكن أن يتخلف فيما بين المعنيين أو الصفتين، إذ لو تخلف لبطلت اللغة نفسها (أو ما تعبر عنه من حقائق)، ولجاز حينئذ أن نقول إن الله معدوم وموجود معا! ومثال آخر، قولك إن الأزلي هو ما ليس قبله شيء! فإن العقل يقرر هذا المعنى من قبيل الضروريات التجريدية، فلا يعقل خلافه! فمن قال إن الله يمكن أن يخلق خلقا يجعلون الأزلي في لغتهم وعقولهم مسبوقا بشيء قبله، فقد أبطل بذلك معنى الأزلية وأبطل صفة من صفات الله تبارك وتعالى، فتأمل!
فإن قلت إن هذه العقول التي قد يجعل الله فيها الأزلي مسبوقا، سيكون لمعنى الأزلية في لغتها لفظة أخرى، فقد أثبتّ بذلك ما نريده، وهو أن تلك المعاني التجريدية صحيحة في نفسها مهما اختلفت عليها الألسنة وأدوات الإدارك والتصور، لا يمكن أن تتبدل (وإلا جاز إبطال صفات الله كلها رأسا!!) وإنما ركب الله فينا العقول لتدركها على ما هي عليه.
فقول القائل مجموع الواحد والواحد يساوي اثنين، هذا تركيب لمعاني لغوية تعبر عن حقائق تجريدية في الواقع لا يمكن أن تبطل في نفسها، فمهما غيرنا من تلك الألفاظ، فسيظل الواحد وما في معناه، مضافا إلى الواحد وما في معناه، يساوي الاثنين وما في معناها! فلا يعقل أن يقال لو شاء الله لجعل الواحد أكبر من الثلاثة، إذ لا معنى للواحد في اللغة (تبعا للضرورة التجريدية) إلا أنها ثلث الثلاثة! فلو صيره الله مساويا للثلاثة فإن معناه حينئذ يتغير ولابد فلا يبقى هو الواحد!
والحاصل من هذا كله أن تلك المعاني التجريدية الضرورية لا تعلق لها بقدرة الله تعالى، وإلا لجاز أن يقال إن الله لو شاء لخلق عقولا تجيز انعدامه من الوجود، أو أن يصبح اثنين أو ثلاثة أو ثلاثين، أو أن ينقسم إلى قسمين، أو أن يفعل كذا وكذا مما هو باطل في معناه بتلك الضرورة التجريدية على أي لسان كان فهمها وإدراكها!
أرجو أن تتأمل هذا الكلام جيدا بارك الله فيك، ففيه - إن شاء الله - رفع الإشكال ودفع الالتباس.
--------------
(1) ولو فسد هذا لانسحب معه بطلان معنى واحدية الله جل وعلا، واستواء الواحد بالثلاثة كما هي عقيدة النصارى، فتأمل ما يلزمك من إبطال صروريات العقل بارك الله فيك!