لُصُوصُ النُّصُوصِ !!!
شرعَ الله عز وجلّ الحدودَ الشرعية لحفظ المجتمع من الجريمة والفساد، ولتبقى كرامة الإنسان محفوظةً أبدَ الدَّهر، ويسودَ الأمنُ في أرجاء الأرض، فتسعَدَ الأُمة بمنهج الله، وتطمئنَّ إليه.
ولا شكَّ ولا ريب أنَّ حدَّ السَّرقة - بقطع يد السارق - من الحدود العظيمة التي تُحفظ بها الحقوق، وتُصان الأمانات، فتُقام للعدل سارية..
والسّارق في عُرف العامّة هو الذي يصاحب اللَّيل، يستفيد من ظُلمته ليستخفي عن الأنظار، فيسطو على بيتٍ أو محلٍّ تجاريٍّ أو سيارة، يسرق مالاً أو متاعاً، تساعده على ذلك سرعةُ حركته، وخفّةُ يده، وقوةُ انتباهه، وجرأتُه على الإقدام والمواجهة.
لو سرقَ هذا ما سرقَ، فلن يكون ما يسرقه أغلى وأثمن من العلم الذي تُبدعه العقول والأحاسيس والجوارح. إنَّ جوارح الإنسان كلَّها تشاركه نتاجَه العلميَّ الذي يسهر من أجله الليالي الطَّويلة، يغالب النوم، ويصارع الهموم، ويستعلي على متطلبات الحياة الأرضية، ويهجر العوائد والملذّات، ويُعرض عن الأماني والشّهوات، في صراعٍ يَسهُل حسمُه على أصحاب العزائم الباسقة، التي ترى الجبال الشاهقة سهولاً يسيرة السُّلوك.
هذا العلمُ الذي يتمخّض عن مكابدةٍ تُفتّت الأكباد، أصبح اليوم نَهْباً لتُجّار الكتب، وسَلْباً لطلاب الدُّنيا الذين يشترون بالعلم ثمناً قليلاً.. تنتفخ به جيوبهم و(عُشوشُهم)، وتكبُر موائدُهم و(كروشُهم)، وتُشيَّدُ قصورُهم و(عروشهم)، وتتوالد أموالُهم و(قروشُهم)، وتُجمَّلُ قبورُهم و(نعوشُهم)..
ثمَّ ماذا بعدَ الموتِ هُم فاعلون؟!
إنّ من الواجب على علماء الأُمّة ومفكّريها أن يضعوا حدّاً لهذه السّرقات العلميّة التي تملأ ساحة التأليف والتصنيف، وأن يتعاملوا مع هذه الظاهرة بجديّة وحَزْم.. فإنّ سارق المال والمتاع تُقطع يدُه، فما حُكم الشّرع فيمن يسرق العلم، الذي قال فيه الإمام أحمد: ((الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يُحتاج إليه بعدد الأنفاس))!
أيصلُح بعدُ أن يُسكَت عن هذه الظاهرة، وأن توارَى السّرقات خلف دعوى الانتساب لمنهج الكتاب والسنّة، وأن يُستَرَ على أصحابها - وهم مصرُّون على إفكهم، غير تائبين منه - بحجّة ((مصلحة الدعوة !!)) و((عدم تجريء النّاس على أهل العلم !!)).
لقد آنَ لهذه الأقلام المُشرَعَةِ أن تُكسَر، آنَ للقراطيس الكبيرةِ أن تُمزَّق، آنَ للأيدي السّالبةِ أن تُبتَر، آنَ للأسماء البرّاقةِ أن تُطفأ، آنَ للبطن الممتلئةِ حراماً أن يُفرَّغ ما فيها من سُحت.
جاء في ((مجموع فتاوى الألباني)) (تحت الطبع) السؤال رقم (6837):
(انتشرت ظاهرة نقل كلام الغير دون عزوه إليه، وقد قيل قديماً: إن ذلك يمحق بركة العلم. فما نصيحتكم لمن يفعل ذلك؟)، فكان جواب الشيخ الألباني - رحمه الله - قوله:
" نقلُ كلام الآخرين دون عزوه إليهم، يمكن أن نسميه (سرقة حديثة)، أو (بدعة جديدة)، لا يعرفها العلماء من قبل ! وليست المسألة انتفاء بركة هذا العلم المسروق فحسب، بل في ذلك دلالة واضحة جدّاً على أن هذا العلم ليس لله، لأنه لو كان لله عز وجل لما وقع في وعيد قوله عليه السلام: (المتشبع بما لم يُعط، كلابس ثوبَي زور) " اهـ.
ولقد أصابَ الشيخ - رحمه الله - موضع الداء، وهو انتفاء الإخلاص وانعدامه، فلو كان هذا العلم لله، لَما اختلط بالسحت، و(ما نبتَ من سُحت فالنار أولى به)، وكما قال الإمام الشافعي: " نصنّف ويصنّفون، فما كان لله بقي أبد الدهر "، وهو استنباط من قوله تعالى: {فأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناسَ فيمكث في الأرض}.
فأبشروا.. ستذهب هذه الكتب المسروقة المنهوبة جُفاءً، والمالُ المتكسَّب بها لا يخالطه بركة ولا يَصْحبه مُكثٌ، ومهما حاول لصوص النصوص إخفاء سرقاتهم، فإنّ الله كاشفٌ أمرَهم لا محالة، وكما قال ذو النون - رحمه الله -: " مَن خان الله في السرِّ، هتكَ الله سترَهُ في العلانية ".
بقلم الأستاذ / وائل البتيْري وفّقه الله