المسألة الثالثة : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح القراءة في الصلاة كبر ، ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ، ثم يقول : لا إله إلا أنت ، ثلاثا . ثم يقول : الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه } ، ثم يقرأ . هكذا رواه أبو داود وغيره ، واللفظ له . وعن أبي سعيد الخدري { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة } ، وهذا نص في الرد على من يرى القراءة قبل الاستعاذة بمطلق ظاهر اللفظ . وقال مالك : لا يتعوذ في الفريضة ، ويتعوذ في النافلة ، وفي رواية : في قيام رمضان . وكان مالك يقول في خاصة نفسه : " سبحانك اللهم وبحمدك " قبل القراءة في الصلاة .

وقد روى مسلم أن عمر بن الخطاب كان يجهر بذلك في الصلاة ، وحديث أبي هريرة صحيح متفق عليه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة فقلت : يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي ، كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد } .

وما أحقنا بالاقتداء برسول الله في ذلك ، لولا غلبة العامة على الحق .

وتعلق من أخذ بظاهر المدونة بما كان في المدينة من العمل ، ولم يثبت عندك أن أحدا من أئمة الأمة ترك الاستعاذة فإنه أمر يفعل سرا ، فكيف يعرف جهرا . ومن أغرب ما وجدناه قول مالك في المجموعة في تفسير هذه الآية : { فإذا قرأت القرآن } الآية قال : ذلك بعد قراءة أم القرآن لمن قرأ في الصلاة ، وهذا قول لم يرد به أثر ، ولا يعضده نظر ; فإنا قد بينا حكم الآية ، وحقيقتها فيما تقدم ، ولو كان هذا كما قال بعض الناس إن الاستعاذة بعد القراءة لكان تخصيص ذلك بقراءة أم القرآن في الصلاة دعوى عريضة لا تشبه أصول مالك ، ولا فهمه ، والله أعلم بسر هذه الرواية .