المكتبة الوطنية البريطانية مثالاً

الدكتور/ محمود السيد الدغيم

باحث في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية –جامعة لندن

تشكل الكتب العربية المخطوطة أوعيةً تحفظ تراث الشعوب العربية الحضاري، ورغم أهمية المخطوطات فإنها لم تنل حقَّها من اهتمام المعنيين بها، ولو قارنا بين بين اهتمام العرب وغيرهم بالمخطوطات لجاء العرب في ذيل القائمة، حيث نجد الأمم الحية والميتة قد اهتمت بمخطوطاتها صِيانةً وفَهْرَسَةً، وتحقيقاً ونشراً، ولم يتوقف اهتمام الأمم الحيّة عند حدود الاهتمام بمخطوطاتها بل اهتمت بمخطوطات الشعوب الأخرى، ومَنْ يستعرض أوضاع المخطوطات يجد أن المخطوطات الإسلامية تأتي في مقدمة المخطوطات العالمية من حيث العدد والتنوع، وهي تشمل معظم لغات شعوب الأمة الإسلامية، وتتفاوت أعداد مخطوطات الشعوب الإسلامية بحسب لغاتها، وأكثر تلك المخطوطات عدداً قد كُتِبَ باللغة العربية، وتليها التركية والفارسية والأوردية والملاوية وغير ذلك من لغات المسلمين في آسيا وإفريقيا وأوروبا.

إنّ مَن يستعرض المعلومات المتوفرة عن مكتبات التراث المخطوط يجد أنّ المخطوطات العربية محفوظة في المكتبات الأجنبية الإسلامية وغير الإسلامية، وقد تنبهت الأمم الحية إلى أهمية المخطوطات فاقتنتها بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة، ومازالت عمليات النهب مستمرة، فعندما تعرضت البوسنة والهرسك للعدوان الصربي الكرواتي نُهبت مخطوطاتها وبيعت في المزادات العالمية، وحلَّ بمخطوطات أفغانستان والعراق نفس المصير المشؤوم، والعاقلُ يحار لعدم اهتمام الحكومات العربية بشراء المخطوطات العربية التي تُهرَّب، وتُعرض للبيع في المزادات العالمية أو في أسواق التحف والعاديات، ورغم أن معهد المخطوطات العربية في القاهرة قد تأسس بناءً على قرار مجلس جامعة الدول العربية في 4/4/1946م فإن منجزات المعهد مازالت متواضعة وهزيلة قياساً على ما حققته بعض المؤسسات الأجنبية، فمنشورات المعهد من الكتب التراثية المحققة لم تتجاوز الثلاثين كتاباً، وأفضل ما أنجزه المعهد هو المجلة وأخبار التراث، أما محفوظاته المصورة على الميكروفيلم والميكروفيش فقد أصبحت متخلفة بلغة العصر الرقمية.

المكتبة الوطنية البريطانية العامة

مدينة لندن مدينة تجمع بين المحافظة والمعاصرة بامتياز، وتحتضن متاحفُها ومكتباتُها التراث العريق والإبداع المعاصر، ويتعانق الماضي مع الحاضر تحت رعاية حكومية وشعبية واعية، وتُعتبر المكتبة الوطنية البريطانية درة تاج المخطوطات والمطبوعات في بريطانيا حيث تتوسط بناءها مكتبة الملوك.
افتُتِحَ المتحف البريطاني سنة 1753م، وضم المتحف دائرةً للمطبوعات، ثم افتتحت مكتبة تراثية هي مكتبة المتحف البريطاني التي اعتنت باقتناء المخطوطات والمطبوعات الشرقية والغربية، وبعد ذلك افتتحت مكتبة مكتب الهند سنة 1801م ضمن إطار شركة الهند الشرقية التي بدأت نشاطها سنة 1600م، واهتمت هذه المكتبة باقتناء مخطوطات ووثائق مكتب الهند، وكانت المكتبتان منفصلتين عن بعضهما سابقاً حيث كانت مخطوطات مكتبة المتحف في المتحف البريطاني، ومخطوطات مكتب الهند في بناء آخر قرب نهر التايمز، وبعد بناء المكتبة الوطنية البريطانية في شارع يوستون في محلة "سانت بانكراس" بلندن تَمَّ جمعُ مخطوطات المكتبتين فيها إلى جانب محتويات مكتبات أخرى، والبناء الجديد يقع بين محطة قطارات وحافلات كنغزكروس، ومحطة قطارات وحافلات يوستون، ولا تقتصر مقتنيات المكتبة البريطانية على مقتنيات المكتبتين المذكورتين بل تضم مقتنيات العديد من المجموعات التي كانت مستقلة سابقا، ومنها مخطوطات الجمعية الملكية والكثير من المعاهد البريطانية.

قدمت الحكومة البريطانية سنة 1974م مبلغ 6 ملايين جنيه إسترليني من أجل بناء المكتبة البريطانية، وبعد جمع الأموال اللازمة استمر العمل سنوات، ثم افتتحت ملكة بريطانيا وإيرلندة المكتبة سنة 1998م، ويعمل في المكتبة أكثر من 1600 موظف، وفيها أكثر من ستة ملايين كتاب بين مخطوط ومطبوع، وملايين الوثائق والصحف والمجلات، وتتوفر فيها أفضل الخدمات للباحثين في كافة مجالات العلوم والفنون الإنسانية.

تتفاوت أوضاع مخطوطات المكتبة الوطنية البريطانية، فمنها ما هو معروف ومتداول، ومنها ما هو محفوظ لم يفهرس، ولم تُتح فرص الاطلاع عليه بعد، ومنها مقتنيات جديدة تحت الصيانة والفهرسة، ولذلك لا يمكننا إعطاء رقم دقيق حصري بما تقتنيه من مخطوطات عربية وغير عربية، ولكن المعلومات المنشورة المتوفرة تفيد أن عدد المخطوطات الشرقية يقارب 23500 مخطوط.

وتتنوع مخطوطات المكتبة البريطانية فمنها ما هو عربي الخط أعجمي اللغة، ومنها ما هو عربي اللغة أعجمي الخط، وتأتي المخطوطات العربية الخط واللغة في مقدمة مقتنيات المكتبة البريطانية، إذ يُقدَّر عددها بعشرة آلاف وست مائة مخطوطة، وتليها المخطوطات الفارسية ثم العثمانية التركية ثم الأوردية و السريانية والعبرية والبرديات المصرية، وتوجد عشرات المخطوطات ببعض اللغات الشرقية مثل لغة الملايو والسند والبنجاب والبشتون والسواحلية وغيرها، وتوجد في المتحف البريطاني عشرات آلاف الرّقم الفخارية والطينية باللغات المسمارية بعضها معروض، وأكثرها في المخازن.

تتعدد مصادر المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية البريطانية، فبعضها كتب في البلاد العربية، وبعضها كتب في البلدان الإسلامية من الأندلس غرباً حتى إندونيسيا شرقا، والجامع المشترك بين تلك المخطوطات هو العلوم الإسلامية، واللغة العربية، أو الخط العربي، وتتنوع موضوعات المخطوطات لتغطي كافة العلوم والفنون الإنسانية الدينية والدنيوية.

لقد اهتم الإنكليز بفهرسة مخطوطات مكتبة المتحف البريطانية، وقد أعد ريتش فهرس المخطوطات التي اقتنتها المكتبة لغاية سنة 1825م، وطبع الفهرس ما بين سنتي 1846 و 1871م، وتتابع الاهتمام الإنكليزي بفهرسة مخطوطات مكتبة المتحف وغيره، وتتابع صدور الفهارس - في أربع مجلدات وكشاف - من سنة 1877م حتى سنة 1991م، وتعتني - بشكل مستمر - مجلة المتحف البريطاني بنشر معلومات حول المخطوطات التي لم تُفهرَس، والتي يَتِمُّ اقتناؤها، وتوجد في المكتبة فهارس لم تتم طباعتها، وإنما هي مسودات أو نسخ فريدة مكتوبة على الآلة الكاتبة، بالإضافة إلى بطاقات الأرشيف الورقية والإليكترونية التي أصبحت متوفرة على شبكة الإنترنت، وتصدر المكتبة البريطانية تقريرا سنوياً يتضمن معلومات عن جديد المكتبة.

وعلى صعيد اهتمام العرب بالمخطوطات المهاجرة يعتبر الراحل أحمد تيمور من الرواد العرب الذين اهتموا بالمخطوطات العربية حيث كتب سنة 1919م مجموعة مقالات حول نوادر المخطوطات في مكتبات لندن وأُكسفورد، وقد كتب عبد الله يوسف الغنيم كتابا عن المخطوطات الجغرافية في المتحف البريطاني، ونشره المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت سنة 1974م، وبعد ذلك بسنة أعدَّ سامي حمارنة فهرس المخطوطات العربية في الطب والصيدلة المحفوظة في المكتبة البريطانية ، وعددها 380 مخطوطة، ونشرته دار النشر للجامعات في القاهرة 1975م، وفي سنة 1980م نشرت دار المختار بدمشق مصادر التراث اليمني في المتحف البريطاني من إعداد حسين عبد الله العمري.

تضم المكتبة الوطنية البريطانية عددا وافراً من المخطوطات النادرة تشمل الكتب الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية، وعلى رأسها مخطوطات التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، ثم كتب الآداب والعلوم الدينية، وتوجد من القرآن الكريم مخطوطات بالخط الكوفي أحدها منسوب إلى الإمام علي رضي الله عنه، وبعض مخطوطات القرآن الكريم مكتوب على رُقوق جلد الغزال، وأكثرها مكتوب على الورق بكافة أنواعه.

وإلى جانب مخطوطات الكتب الدينية توجد مخطوطات التاريخ والطبقات مثل العقود اللؤلؤية في أخبار الدولة الرسولية لعلي الخزرجي، ورقم هذه المخطوطة 710 في محفوظات المكتب الهندي، وكتاب تحفة المجاهدين، ورقمه 714 – المكتب الهندي، وهو يؤرخ لظهور الإسلام في مليبار، وما تبع ذلك، ومخطوطة عجائب المقدور في نوائب تيمور لابن عربشاه ت: 854 هـ/1450م، ورقم المخطوط 711، ويقع في 99 ورقة، وتوجد مخطوطات في الفلسفة والمنطق ومنها الترغيب في كشف رموز التهذيب تأليف محيي الدين الكافيجي الحنفي ت: 879 هـ/1474م والإشارات والتنبيهات لفخر الدين الرازي توجد منه عدة نسخ، كما توجد مخطوطة شرح الإشارات لقطب الدين الرازي التحتاني، وتوجد مجموعة من مخطوطات التصوف للغزالي وعبد القادر الجيلاني والنفري وغيرهم.

وتوجد مخطوطات أدبية منها ديوان أبي تمام ويقع في 212 ورقة، وديوان المتنبي ويقع في 155ورقة، وكتاب الدرة المكللة في فتوح مكة المبجلة لأبي الحسن البكري، ويقع في 98 ورقة، وتوجد نسخة من كتاب ألف ليلة وليلة، وتقع في 128 ورقة، وتوجد مخطوطات في علم العروض والبلاغة والنحو العربي والمعاجم، وإلى جانب المخطوطات المفردة لعنوان خاصّ مُعين توجد المجاميع التي تضم عشرات العناوين للكتب الصغيرة والرسائل.
وتوفر المكتبة البريطانية الخدمات للباحثين البريطانيين والأجانب على حدٍّ سواء، من الساعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً، وتمنح المشتركين بطاقات خاصة لدى إبرازهم مايثبت شخصيتهم العلمية، ومنح البطاقة لا يستغرق أكثر من ربع ساعة، ومن أراد الاطلاع على فهارس المكتبة عن بُعدٍ يمكنه ذلك من خلال الموقع الإليكتروني الخاص بالمكتبة على الرابط التالي:



منقول