القواعد الفقهية
أعده
أبو عبد الحفيظ بن الطيب بن عبد القادر الجزائري


وكذلك تأتي القواعد بمعناها المعنوي في القواعد من النساء: وهي المرأة الكبيرة المسنة: وسميت قاعدا: لأنها قعدت عن الحيض والولد. وقال الزجاج في تفسير قوله تعالى:{ والقواعد من النساء} النور 58، هي اللواتي قعدن عن الأزواج.[1]
ومن معاني القاعدة في اللغة: الضابط وهو: الأمر الكلي ينطبق على جزئيات، مثل قولهم: كل أذون ولوج وكل صموخ بيوض.[2]
تعريف القاعدة في الاصطلاح:
عرفها العلماء بعدة تعريفات،، نذكر هنا أوجزها عبرة، وأشمله من حيث العبارة، وسيأتي التفصيل عند تعريفها لقبا.
عرفها صدر الشريعة:
«القواعد قضايا كلية»[3].
2- تعريف الفقهية:
الفقهية نسبة إلى الفقه، وبقولنا الفقهية، نخرج القواعد اللغوية، والنحوية، والأصولية، وغيرها من القواعد.
الفقه:
عرف الفقه بعدة تعريفات، والذي اخترناه، أن الفقه في اللغة: هو مطلق الفهم،وهذا التعريف اختاره جمع من الأصوليين، منهم : الآمدي، وابن عقيل، وابن قدامة.[4]
تعريف الفقه في الاصطلاح:
عرف الفقه في الاصطلاح كذلك بتعريفات كثيرة، أشهرها، والذي لاقى استحسانا كبيرا من أهل العلم.
«العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية».[5]
تعريف القاعدة في الاصطلاح الفقهي:
لم تتفق كلمة العلماء على تعريف محدد لمعنى القاعدة في الاصطلاح:
وذلك لأسباب التالية منها:
1- موضوع القاعدة، حيث إن لكل علم من العلوم قواعده الخاصة به.
2- الاستثناء من القواعد وهل هي دائما كلية أو تكون في بعض العلوم أكثرية وأغلبية، لأن لكل قاعدة استثناء وخاصة القواعد المبنية على الوضع والاستقراء. كقواعد الأصول والفقه.
3- جنس القاعدة الأعلى ماهو.
حيث ذهب بعضهم إلى أنه: الأمر وبعضهم إلى أنه الحكم.وقال بعضهم: بل هو القضية.
أما الأمر: قد انتقض بعضهم لفظ الأمر، لأنه يوهم إرادة « المفهوم الكلي» وهو ما لا يمنع تصور الشركة فيه بل قد توهمه بعضهم لكن التهناوي انتصر لرأيه ونعت هؤلاء المتوهمين بالقاصرين.
والحق أن التعبير عن القاعدة بالأمر فيه من التعميم ما ليس في القضية أو الحكم.[6]
وكذلك انتقد على تعريف القاعدة بالأمر، بأنه مبهما وغير محدد، فلا يصلح أن يكون جنسا لتعريف القاعدة.[7]
أما الحكم: فلا يصلح جنسا للقاعدة لكومنه أخص من القاعدة إلا على تأويل أنه أعظم أجزاء القصية أو القاعدة وذلك من باب المجاز وهو غير مقبول في التعاريف إذا لم يشتهر أو تصحبه قرينة تعين المراد منه.
أما القضية: فكونها جنسا للقاعدة فقد اختاره كثير من العلماء لسلامته مما ورد على غيره من «الأمر»«و الحكم». والقضية وإن كان فيها عموم وإبهام إلا أنها أولى منهما لاشتمالها على جميع أركان القضية التامة.[8]
وسنذكر هنا بعض ما اخترناه من تعريفات للقاعدة الفقهية عند العلماء، مع مراعاة التقسيم الذي سار عليه الفقهاء في تعريف القاعدة، من أنها كلية،أو أنها أكثرية، أو أغلبية.
تعريف الفريق الأول الذين قالوا بأنها قضية كلية:
1- عرفها الجرجاني بأنها: قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها.[9]
2- عبارة عن صور كلية تنطبق كل واحدة منها على جزئياتها التي تحتها.[10]
3- هي القضايا الكلية التي تعرف بالنظر فيها قضايا جزئية.[11]
4- أصول فقهية كلية في نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكاما تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحث موضوعها.[12]
5- أصل فقهي كلي يتضمن أحكاما تشريعية عامة في القضايا التي يدخل تحث موضوعه.[13]
6- الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته.[14]
والقيد الأخير في القاعدة وهو ( على جميع جزئياته) ليس من ماهية القاعدة، وإنما هو ثمرة القاعدة وبيان كيفية تطبيقها على أفراد موضوعها.[15]
تعريف القضايا: جمع قضية سميت بذلك لاشتمالها على الحكم لأنه أهم أجزاء القضية، ويسمى الحكم قضاء كما في قوله تعالى: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} الإسراء 23، والقضية تشمل على جميع أركان الحكم: من الحكم، والمحكوم به، والمحكوم عليه،[16]
ومنهم من عرفها بالحكم، لأن الحكم معظم القضية، واهم ما فيها، لأنه مناط القاعدة ومناط التصديق والتكذيب، ثم إن وجوده يستلزم وجود الطرفين، المحكوم، والمحكوم عليه.[17]
وانظر ما تقدم من الكلام على انتقاد بعض الفقهاء تعريف القاعدة بالحكم.
الفريق الثاني الذين قالوا بأن القاعدة حكم أكثري:
هؤلاء نظروا إلى أن القاعدة قضية أغلبية نظرا لما يستثنى منها، فعرفوها بأنها:
عرفها الحموي: حكم أكثري لا كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه.اهـ[18]
عرفها صاحب التحقيق الباهر: وعند الفقهاء: قضية أكثرية تنطق على أكثر جزئيات موضوعها.اهـ[19]
عرفها الدكتور أحمد بن حميد- حفظه الله-: حكم أغلبي يتعرف منه حكم الجزئيات الفقهية مباشرة.اهـ[20]
خلاصة الأقوال:
إن من وصف القاعدة بالكلية نظروا إلى أصل القاعدة ، كما أنهم نظرورا إلى معناها اللغوي، ومن وصفها بالأغلبية نظروا إلى الفروع الفقهية التي خرجت عن القاعدة وشذت عنها، فأصبحت مستثناة منها.
والقول الأول هو قول الجمهور، والقول الثاني هو قول لبعض الحنفية، واختاره بعض المعاصرين.
والذي نراه في هذا المقام، أن القواعد توصف بالكلية، وأن ما شد عن القاعدة فهو نادر، والنادر لا حكم له. وأن هذا الاستثناء وعدم الاطراد، لا ينقض كلية تلك القواعد و لا يقدح في عمومها للأسباب الآتية:
أولا: لما كان مقصد الشارع ضبط الخلق إلى القواعد العامة- وكانت القواعد التي قد جرت بها سنة الله أكثرية لا عامة، وكانت الشريعة موضوعة على مقتضى ذلك الوضع- كان من الأمر الملتفت إليه إجراء القواعد على العموم العادي لا على العموم الكلي العام الذي لا يتخلف عنه جزئي ما.
ويقول الشاطبي: في موافقاته تأبيدا لهذا: إن المر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضاه لا يخرجه عن كونه كليا، وأيضا فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار القطعي.
ثانيا: إن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت، وهذا شأن الكليات الاستقرائية – وغنما يتصور أن يكون تخلف بعض الجزئيات قادحا في الكليات العقلية.
فالكليات الاستقرائية صحيحة: كما يقال كل حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ. وهذه قاعدة كلية استقرائية خرج عنها: التمساح، حيث يقال: إنه يحرك فكه الأعلى حين المضغ فخروج التمساح عن القاعدة لا يحرجها عن كونها كلية. فكأنه قيل: كل حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ إلا التمساح.
فالعموم العادي المبني على الاستقراء لا يوجب عدم التخلف بل الذي يوجب عدم التخلف إنما هو العموم العقلي لأن العقليات طريقها البحث والنظر، وأما الشرعيات فطريقها الاستقراء و لا ينقضه تخلف بعض الجزئيات.
فهذا من أقوى الحجج على أن القواعد الفقهية مبني عمومها وكليتها على العموم العادي لا العقلي، ومن المعلوم أن العموم العادي لا يقدح الاستثناء في عمومه فيظل عاما وإن استثنى منه، بخلاف العموم العقلي فهو الذي يقدح فيه الاستثناء.
وتوضيح هذا مثلا أن كل واحد يجمع مع اثنين يساوي ثلاثة وهذا عموم عقلي فلا يوجد واحد يجمع على اثنين فيكون غير ثلاثة أبدا و إلا قدح في هذا العموم وأبطله.
بينما نجد مثلا أن الشارع أناط وضع التكليف بالبلوغ لأنه مظنة وجود العقل على العموم، ومع هذا هناك من يكتمل عقله قبل البلوغ، وهناك من يبلغ ولم يتم عقله، ولم يقدح هذا في العموم الذي بنى الشارع الحكم عليه. وقواعد الفقه عمومها من هذا الباب لا من باب العموم العقلي[21].
الثالث: ومن ناحية أخرى فإن تخلف مسألة ما عن حكم قاعدة ما يلزم منه اندراج هذه المسألة تحث حكم قاعدة أخرى، فالمسألة المُخرجة تندرج ظاهرا تحث حكم قاعدة، ولكنها في الحقيقة مندرجة تحث حكم قاعدة أخرى وهذا من باب تنازع المسألة بين قاعدتين.
فليس إذا استثناء جزئية من قاعدة ما بقادح في كلية هذه القاعدة و لا بمخرج لتلك الجزئية عن الاندراج تحث قاعدة أخرى.[22]
قال الحموي: فلأن ما فسر به القاعدة نقلا من شرح التوضيح وشرح التنقيح غير صحيح هنا لأن القاعدة عند الفقهاء غيرها عند النحاة والأصوليين إذ هي عند الفقهاء حكم أكثري...[23]
لأن قواعد الفقه لها صور مستثناة منها، ولا ينطبق عليها حكمها، ويلاحظ هذا الأمر من يطالع كتب قواعد الفقه.[24]
التعريف المختار:
قضية كلية شرعية عملية يتعرف منها أحكام جزئياتها.
شرح التعريف:
قولنا قضية: جمع قضايا لاشتمالها على الحكم، وقد تكلمنا عليها من قبل.
كلية: وهو قيد أساس في القاعدة لأن معناها لا يتحقق من دونه، والمراد بها القضية المحكوم على جميع أفرادها.
والكليات الاستقرائية صحيحة وإن تخلف عن مقتضاها بعض الجزئيات.[25]
شرعية: أي ما كان مستندها شرعيا تستقي منه حجيتها وشرعيتها. لأن التقعيد ضرب من الاستنباط لكن للكليات لا للجزئيات، ولإخراج ما ليس شرعيا من أحكام العلوم الأخرى.
العملية: قيد آخر يميز القاعدة الفقهية من غيرها من القواعد الشرعية الأخرى، كقواعد العقائد نحو: «القدرة لله واجبة.».
يتعرف: وهذه أولى من استخدام لفظة ينطبق ، لأن يتعرف فيها دلالة على أن فهم الحكم من القاعدة يحتاج إلى إعمال ذهن، ولا يعرف من القاعدة بديهة.
أحكام جزئياتها: وفيه تحديد لعنصر مهم من عناصر القاعدة وهوالاستعاب والشمول فإذا لم يكن حكما مستوعبا للجزئيات كان حكما جزئيا لا كليا.
والمراد بالجزئيات: أفراد ذلك المفهوم الكلي الذي هو موضوع القضية والتي لها زيادة تعلق بتلك القضية بأن يتوقف صدق كلية القضية على وجود تلك الجزئيات.
وتوضيح ذلك في قاعدة المشقة تجلب التيسير، فالمشقة مفهوم كلي هو موضوع القاعدة له أفراد في الخارج كتجنب ذرق الطيور وطين الشوارع او دم البراغيث من اجل الطهارة. وحمل المفهوم الكلي على هذه الأفراد، نقول تنجب ذرق الطيور مشقة و كذا طين الشوارع ودم البراغيث وبانطباق المر الكلي على هذه الأفراد تعرف أحكامها وهي أنها تجلب التيسير.[26]
وقد تقدم القول على أن القيد الأخير في القاعدة، ليس من ماهية القاعدة، وإنما هو ثمرة القاعدة وبيان تطبيقها على أفراد موضوعها.[27]

يتبع meazilahcene@hotmail.com


[1]لسان العرب ج/3/ 361.

[2]المعجم الوسيط ج/2/255. ومعنى هذا الضابط: إن ما كان له أذن خارجية فهو يتكاثر عن طريق الولادة، وما كان له صماخ – أذن وسطى فقط – فهو يتكاثر عن طريق البيض كالطيور والسمك. ( موسوعة القواعد الفقهية ج/1/20.)

[3]التوضيح بحاشية التلويح ج/1/20.

[4] أنظر الواضح ج/1/7، والأحكام ج/1/19، والروضة ص/5.

[5]أنظر البحر المحيط ج/1/21.وللمزيد أنظر كتابي سلم الوصول إلى علم الأصول.

[6]المسائل المستثناة ج/1/27.

[7]قاعدة الترك فعل 15.

[8]قاعدة الترك فعل. ص 15.

[9]لتعريفات للجرجاني ص 177.

[10]شرح الكوكب المنير ج/1/44، وصور: جمع صور- والمراد بها هذا المقام – القضية – أو- الأمر. ( انظر إيضاح المبهم ص 4، والتعريفات 177.)

[11] شرح مختصر الروضة ج/1/120.

[12] المدخل الفقهي العام للأستاذ مصطفى أحمد الزرقا ج/1/975.

[13]القواعد الفقهية للندوي ص 5.

[14]المصباح المنير للفيومي ج/2/74.

[15]المدخل الفقهي العام للشيخ أحمد الزرقا ج/2/974.

[16]المسائل المستثناة ص 25.

[17]القواعد الفقهية للندوي ص 5.

[18]غمز عيون البصائر ج/1/51.

[19]التحقيق الباهر شرح الأشباه والنظائر لمحمد هبة الله التاجي (28/أ ).

[20]مقدمة تحقيقه لكتاب القواعد للمقري ج/1/107.

[21]القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية ج/1/123.

[22]الموسوعة الفقهية ج/1/23.

[23]غمز عيون البصائر ج/1/51.

[24]مقدمة كتاب القواعد ج/1/22.

[25]الموافقات للشاطبي ج/2/52/53.

[26]المسائل المستثناة من القواعد الفقهية ص 38.

[27]أنظر القواعد الفقهية للباحسين ص 47.