للفقه الإسلامي مصادره الخاصة والتي يمتاز بها عما سواه من القوانين، كما أنه له نظريات وقواعد التي تؤكد عمق الفكر الفقهي وأصالته لدى الفقهاء المسلمين، وله كذلك مصطلحاته التي تعبر عن أبوابه وفصوله ومسائله أدق تعبير.
ومما لا خلاف فيه بين الفقهاء والأصوليين أن النص الشرعي قرآنا أو سنة هو المصدر الأول للفقه الإسلامي، وأن الفقه بهذا المصدر يختلف عن كل القوانين التي عرفتها البشرية قديما وحديثا.
ويلي هذا المصدر الاجتهاد، فهو المصدر الثاني، وهو ليس إلا وسيلة لفهم النص، وتطبيقه، واستلهام روح التشريع ومقاصده، وقواعده في الكشف عن الأحكام التي لم يتناولها النص بأسلوب صريح أو غير مباشر.
فمصادر الفقه إذن نص واجتهاد، نص جاء وحيا باللفظ والمعنى، وهو القرآن الكريم، أو وحيا بالمعنى فقط وهو السنة النبوية.
وأما الاجتهاد فقد دعا إليه النص، فهو من ثم ليس له استقلالية عنه، أو خروج عليه، لأنه محكوم به، ومقيد بالضوابط والقواعد التي دل عليها النص صراحة أو ضمنا، ولهذا كان الاجتهاد في خدمة النص دائما، يدور في فلكه، ويعمل في نطاقه، كما كانت الآراء الاجتهادية- وإن كانت فهما بشريا للنص وما استمد منه من قواعد ومبادئ- ليست كالآراء البشرية الخالصة، فلها صبغتها الدينية التي تجعل من الالتزام بها التزاما بالشريعة ذاتها.. . والاجتهاد له وسائله المتعددة، من أهمها الإجماع والقياس والاستحسان ، والاستصلاح، والعرف والاستصحاب، وسد الذرائع، ويطلق العلماء على النص والاجتهاد بكل وسائله مصادر الفقه أو أدلته أو حججه، لأن الأحكام الفقهية انبنت عليها وأخذت منها، ولأنه يلزمنا الرجوع إليها من حيث العمل بها شرعا.[1]
واختلف العلماء في تصنيف مصادر الفقه، فمنه من يرى أنها نوعان:
1- مصادر أساسية: وهي القرآن والسنة، والإجماع، والقياس.
2- مصادر تبعية: وهي ما عدا هذه المصادر الأساسية الأربعة، وسميت تبعية لأنها متفرعة عن المصادر الأساسية، فهي راجعة إليها وليست زائدة عليها في رأي كثير من العلماء، ومن أهم هذه المصادر: الاستحسان، و الاستصلاح، والعرف.
ومنهم من يرى أنها نوعان: أصلية، وتبعية.
فالأصلية: القرآن والسنة.
والتبعية: الإجماع والقياس والاستحسان، وسد الذرائع، والعرف، ومذهب الصحابي، وشرع من قبلنا والاستصحاب.
ومنهم من يجعلها، مصادر عقلية، ومصادر نقلية.
النقلية: القرآن، والسنة، وشرع من قبلنا.
وكذلك نقلية من غير طريق الوحي وهي: الإجماع، والقياس، وقول الصحابي، والعرف.
وأما المصادر العقلية: القياس، والاستحسان، والاستصحاب، والاستصلاح، وسد الذرائع.
ومنهم من جعلها ثلاثة أقسام:
1- مصادر مجمع عليها: وهي النص الشرعي قرآنا وسنة صحيحة، والعلاقة بينهما أن السنة – قولية كانت أو فعلية أو تقريرية- بيانا للقرآن، وهو الذي دل عليه قوله تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم ).[2]
2- مصادر متفق عليها بين جمهور العلماء: وهي الإجماع والقياس، وقد أنكر الظاهرية، حجية القياس[3]
3- مصادر مختلف فيها: وتشمل ما دون النص والإجماع والقياس، مثل الاستحسان، والاستصحاب. . . إلخ.[4]
وإن كان هذا الاختلاف بين العلماء في مصادر الفقه الإسلامي، ليس اختلافا جوهريا، لأنهم متفقون على أن النص من كتاب وسنة، هو الأصل، والمصدر الأول: وما عداه يدور في فلكه ويخدمه.



[1] مقدمة في دراسة الفقه الإسلامي ص 259.

[2] سورة النحل (44).

[3] أنظر إعلام الموقعين، في الرد على نفاة القياس، فقد أجاد وأفاد كما هي عادته ابن القيم رحمه الله، في الردعليهم.

[4] أنظر الدخل الفقهي العام (73)، أصول الفقه الإسلامي ( 87)، مقدمة في دراسة الفقه الإسلامي (259/261)،الفقه الإسلامي ( 9).