في مرحلة إنجاز رسالة الماجستير كنت اطلعت على بعض مباحث هذا الكتاب ، وكنت قد وقفت على بعض المسائل النحوية الواردة فيه ، فأحببت التأكد من صحة ما كتبت معترضًا على ما أورده الدكتور شعبان صلاح - حفظه الله - في مسائل قليلة في كتابه تعرضت لها في بحثي الموسوم بـ ( أسلوب التوكيد في شعر أبي تمام ) دراسة نحوية .
مما جاء في الرسالة الاعتراضُ على كلام المؤلف - حفظه الله - في مسألة زيادة (إن) بين (ما) والفعل الناقص (زال) :
قال وليد حفظه الله ( اللي هو أنا ) 

:
أما عن زيادة ( إن ) بعد (ما ) الداخلة على ( زال ) فقد قـــال شعبان صــــلاح : " وردت هذه الظاهرة في شعر أبي تمام مرة واحدة في قولـه([1]):
وَما إن زالَ في جَرمِ بنِ عَمرٍو
كَريمٌ مِن بَني عَبدِ الكَريمِ
ولم أسمع بمثل هذا الموضع من قبل ، ولا قرأته في مصدر من مصادر النحو "([2])، وبانتفاء السماع سقط من أيدينا أحـــد سببين ، ولم يبق إلا السبب الآخـر تُعلل به هـــذه الزيادة ، وهـــو القياس ، قال شعــبان صــلاح : " وليس لمثل هذا الوارد تفسير – في نظري – إلا القياس ، فقــــد علــــم أبو تمــام بزيـــادة ( إن ) بعــــد ( مــا ) النافــية : مطــلق ( ما ) النافية ، فلم يأبه بالسماع : هل ورد أم لا ؟ وزاد ( إن ) بعد ( ما ) النافية الداخلة على ( زال ) ، خاصة إذا أعانه السياق في أن يفهم الناس عنه مراده دون أن يكون في الجملة لبس يؤاخذ عليه أبو تمام "([3]).
يمكن أن نقبل هذا التعليل لو كان أبو تمام متفردًا بهذه الزيادة ، لكنه ليس متفـــردًا بها ، فشعــراء عصره زادوا ( إن ) بعد ( ما ) النافــية الداخلة على ( زال ) أو ( يزال ) أو ( تزال ) ، وهذا ظاهر واضح في أشعارهم ، ومن ذلك قول أبي نواس([4]):
فَتى ما دانَ لِلرَحمَنِ دينًا
وَما إن زالَ يَسجُدُ لِلصَّليبِ
وقول البحتري(
[5]):
ما إن تَزالُ لَهُ وإن أَحبَبتُهُ
عِندي إساءة مُخطئٍ أَو عامِدِ
وقول ابن الرومي([6]):
ما إن يزال مُساجِلًا لِسَحائِبٍ
بعطائه ومُباريًا لرياح
ولو توغلنا ونظرنا في نتاج شعراء عصور الاحتجاج لوجدنا هذه الزيادة ثابتة في أشعارهم ، فهذه ليلى بنت النضر تقول(
[7]):
أبلِغ بها مَيتًا بأن قصيدةً
ما إن تَزالُ بها الرّكائبُ تَخفِقُ
ويقول الفرزدق([8]):
رأيتُ تَباشيرَ العُقوقِ هي الَّتي
مِنِ ابنِ امرِئٍ ما إن يَزالُ يُعاتِبُه
إذن هذه الزيادة ثابتة ، يؤيدها السماع ويقرها النقل ، وهذا ابن هشام يتحدث عن مواضع يطرد فيها حذف الكلام بجملته ، ويذكر منها حرف الجواب ، ثم يستشهد بقول الشاعر([9]):
قالوا : أخفت ؟ فقلتُ : إنّ ، وخيفتي
ما إن تزالُ منوطةً برجائي
لقد سيق هذا الشاهد من أجل بيان أن ( إنّ ) تكون حرف جواب بمعنى ( نعم ) وأن هناك حذفًا لكلام بعدها دل عليه ما قبلها ، إلا أن الزيادة التي أتحدث عنها ظاهرة بارزة فيه ، وإذا كان الأمر كذلك ، فلا عجب أن نجــد مثل هــذه الزيادة عند أبي تمام ، وهي لم ترد عنده في بيت واحد فقط - كما قال شعبان صلاح - بل في خمسة أبيات ، هي([10]):
- مُحَبَّبَةً ما إن تَزالُ تَرى لَها
إلى كُلِّ أُفقٍ وافِدًا غَيرَ وافِدِ
- وَما إن زالَ في جَرمِ بنِ عَمرٍو
كَريمٌ مِن بَني عَبدِ الكَريمِ
- ما إن تَزالُ لَهُم مَراوِدُ ساسَمٍ
مُتَغَلغِلاتٌ في مَكاحِلِ عاجِ
- ما إن يَزالُ بِحَدِّ حَزمٍ مُقبِلٍ
مُتَوَطِّئًا أَعقابَ رِزقٍ مُدبِرِ
- لَهُ هِمَمٌ ما إن تَزالُ سُيوفُها
قَواطِعَ لَو كانَت لَهُنَّ مَقاطِعُ
([1]) الديوان : 3 / 161
([2]) شعر أبي تمام ( دراسة نحوية ) : 149 - 150
([3]) نفسه : 150
([4]) ديوان أبي نواس : 97
([5]) ديوان البحتري : 1 / 305
([6]) ديوان ابن الرومي : 2 / 84
([7]) ينظــر : البيان والتبيين : 4 / 44 ، نســــب البيت فـــيه لليلـى بنت النضــر بن الحــارث بن كــلـدة ، ونســــبه أبو الفرج الأصفهاني لقتيلة بنت الحــارث بن كلدة . ( ينظر : الأغاني : 1 / 23 )
([8]) الأغاني : 10 / 330 ، 21 / 330 ، ولم أجده في الديوان .
([9]) مغني اللبيب : 2 / 648 ، خزانة الأدب : 11 / 215 ، ولا يعرف قائله .
([10]) الديوان : 2 / 78 ، 3 / 161 ، 4 /330 ، 4 / 452 ، 4 / 583
****************************** *******
- أرجو التعليق ، فلعلي أكون مخطئًا في بعض ما كتبت .
- إذا استطاع بعض الإخوة عرض ما كُتب على الدكتور - حفظه الله - فسأكون له شاكرًا .
- في رسائلنا الجامعية لا نكتب كلمات مثل : الدكتور ، بل نكتب الاسم مباشرة .
بارك الله فيكم