السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وقفة على جريمة ( مؤتمر الخريف )


لقد دعت الولايات المتحدة الأميركية إلى عقد مؤتمر دولي لإنهاء القضية الفلسطينية وإحلال السلام في المنطقة في واشنطن في نوفمبر تشرين الثاني المقبل ، وقد أطلق على هذا المؤتمر في وسائل الإعلام اسم ( مؤتمر الخريف ) ،هذا المؤتمر الذي وصفه ( رئيس وزراء سلطة أوسلو ) المدعو سلام فياض بأنه "فرصة" لدفع القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام الدولي مجدداً .

أيها المسلم الحرّ الغيور المعتز بربّه ودينه :

في غياهب هذه المؤامرات الصليبية... وفي أوحال هذه الخيانات التي تتكاتف مع بعضها للنيل من قدسية الأقصى ، وإسلامية فلسطين لجرّها بعيداً عن البديهيات التي وطد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أركانها بدماء الشهداء وجماجم الفاتحين ... نقف هنا متمترسين كالجبال لنسأل :

منذ متى كانت فلسطين لأهل فلسطين دون المسلمين ؟ ومن أين لهم الحق بالتصرف في شأنها بمعزل عن بقية المسلمين ؟ وهل هذا المؤتمر يمثل فرصة لحل القضية الفلسطينية ؟ وهل يرجى من أميركا رأس الكفر المجرمة خيرٌ للإسلام والمسلمين ؟ أم هل كان اليهود أصحاب العهود والمواثيق ليأمن المسلمون جانبهم ؟!

أما فلسطين وبعد ضربنا عرض الحائط بخرافة الحق التاريخي لإثبات أحقية المسلمين بها ... ذلك الحق الموهوم المزعوم الذي لا يثبت للمسلمين حقاً لا في فلسطين ولا في الأندلس ولا في غيرهما ، لأن إسلامية فلسطين إسلامية عقائدية إيمانية ، قبل أن تكون إسلامية تاريخية جغرافية ، وقد أصبحت إسلاميتها القرآنية أرسخ من كل حقائق التاريخ والجغرافيا منذ أن أصبحت مسرى رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد ترجمت هذه الإسلامية الفلسطينية إلى إسلامية تاريخية جغرافية بالفعل عندما فتحها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... قال تعالى في محكم سورة الإسراء : ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ ( الإسراء/ 1). فقد قرن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة بين قدسية المسجد الأقصى وقدسية المسجد الحرام سواء بسواء، كما ان الله سبحانه وتعالى جعل من المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى وثالث المساجد التي لا تشدّ الرحال إلاّ إليها.

إنّ فلسطين أرض لجميع المسلمين في كلّ أرجاء المعمورة ، وهي ليست ملكاً لأهلها أو ساكنيها من ( الفلسطينيين ) ، ذلك لأن الإسلام قد جعلها أرضاً خراجية لا يملك رقبتها أحد ، بل تكون ملكية رقبتها لعموم المسلمين حتى يوم القيامة، فقد قال الله تعالى فيها و في أمثالها من الأراضي الخراجية :
- ﴿مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الحشر 7 .
- ثم أضاف إلى هؤلاء غيرهم فقال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الحشر 9 .
- ثم زاد وأضاف غيرهم حتى شملت الآيات المسلمين جميعاً إلى يوم القيامة فقال سبحانه : ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ الحشر 10 ...
وعليه فلا يجوز أن يكون التصرف فيها خاصاً بالفلسطينيين فقط حتى ولو كان تصرفهم بها موافقاً للحكم الشرعي، فما بالك بهذا التصرف إذا كان هذا مخالفا لبديهيات الإسلام ، بل كان ذاك التصرف خيانة عظمى وجريمة كبرى في حق أرض الإسراء والمعراج ، وحق الفاتحين ، وحق أهلها من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمشردين .
- روى الإمام ابن سعد في طبقاته عن الأمام الأوزاعي رضي الله عنه أنه قال : " أول من تولى قضاء فلسطين عبادة بن الصامت, وكان معاوية قد خالفه في شيء أنكره عليه عبادة في الصرف, فأغلظ له معاوية في القول, فقال له عبادة‏:‏ لا أساكنك بأرض واحدة أبداً ورحل إلى المدينة. فقال‏:‏ له عمر ما أقدمك فأخبره, فقال‏:‏ ارجع إلى مكانك فقبح الله أرضاً لست فيها ولا أمثالك‏.‏ وكتب إلى معاوية لا إمرة لك على عبادة‏ .‏ " ... هذا وغيره الكثير من الأخبار يثبت أن فلسطين هي تلك الأرض المباركة التي حوت قبور وعظام عبادة بن الصامت وشداد بن أوس وغيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين , فهل سيترك المسلمون المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأولى القبلتين وثالث الحرمين يدنس من قبل المجرمين إخوان القردة والخنازير؟؟ وهل سيتركون عظام أصحاب رسول الله عبادة وشداد وغيرهم تداس من قبل أرجل يهود النجسة ؟؟ فإنهم إن فعلوا ذلك فإنما هو خزي الدنيا والآخرة ، نعوذ بالله من ذلك.

أما أميركا ودول الغرب الكافر قاطبة فهي دول عدوة لله ولرسوله وللمسلمين ، ولا يُرجى منها خير للمسلمين مقدار قطمير ، يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل :

- ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ البقرة120 .
- ويقول أيضاً : ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ البقرة 105 .
فهل يُرجى من مؤتمرهم هذا خير للمسلمين ؟؟ وهل تتمثل فيه حقاً فرصةً لحلّ قضية فلسطين ؟؟

أما يهود فإنهم لم يكونوا يوماً ولن يكونوا في يوم من الأيام أصحاب عهود ومواثيق ، بل إنهم هم الذين كان وما زال ديدنهم نقض العهود والخيانة قال تعالى : ﴿أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ البقرة 100 .


أيها المسلم الحرّ الغيور المعتز بربّه ودينه :

إن فلسطين بدأت مشوارها درةً في تاريخ المسلمين منذ أن ربطها الله سبحانه مع بيته الحرام برباط واحد لمّا أسرى برسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، مصداقاً لقوله تعالى : ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ ( الإسراء/ 1). فجعلها أرضاً طيبةً مباركةً. وقد شدّ قلوب المسلمين إلى حاضرة فلسطين (بيت المقدس) بأن جعلها قبلتهم الأولى قبل أن يولي الله المسلمين قبلتهم الثانية (الكعبة المشرفة) بعد الهجرة بستة عشر شهراً. وقد كان هذا كله قبل أن تصبح فلسطين تحت سلطان الإسلام الفعلي عندما فتحها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15 للهجرة، وقد تسلمها من صفرونيوس وأعطاه عهدته المشهورة (العهدة العمرية) التي كان من نصوصها، بناءً على طلب النصارى فيها، ( أن لا يساكنهم فيها يهود ) .
لقد كانت فلسطين درةً في تاريخ المسلمين قبل أن تفتح وبعد أن فتحت، وقد كانت وما زالت مركز الثقل في بلاد المسلمين، فكلما اعتدى عليها معتدٍ تحطَّم جبروته وتكسّر عدوانه على صخرة إسلامها مهما طال هذا الجبروت والعدوان . فيها كانت المعارك الفاصلة مع الصليبيين في حطين (583هـ - 1187م) ، وفيها كانت المعارك الفاصلة مع التتار في عين جالوت (658هـ - 1260م) ... وسـتـتبعـها بإذن الله المعـارك الفاصـلة التي ستمحو منها أي أثر لكيان يهود ، لتعود بإذن الله فلسطين كما كانت خالصةً نقيةً إلى ديار الإسلام.

أيها المسلم الحرّ الغيور المعتز بربّه ودينه :

- لقد بدأت قضية فلسطين تتحرك دولياً في العصر الحديث منذ عهد الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني رحمه الله، حيث سعى دهاقنة يهود بالتعاون مع دول الكـفـر آنذاك، وبخاصة بريطانيا ليجدوا لليهود موطئاً في فلسطين محاولين أن يستغلوا الأزمة المالية لدولة الخـلافة العثمانية، فعرض هرتزل كبير يهـود في عام 1901م دفـع الأمـوالٍ لخـزينة الدولة مقابل ذلك، فرفض الخليفة عبد الحميد مقابلته ، وكان جواب الخليفة المشهور الموجه للصدر الأعظم لينقله لهرتزل جواباً على عرضه المالي المغري : " انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطواتٍ جديةً في هذا الموضوع، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني ، بل ملك الأمة الإسلامية ، لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض وروّاها بدمه ... فليحتفظ اليهود بملايينهم ، وإذا مزّقت دولة الخـلافة يوماً ما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن ... أما وأنا حيّ ، فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخـلافة، وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة " . وقد صـدق توقعه رحمه الله، فبعـد أن قُضي على الخـلافة جاء من الحكام العملاء في بلاد المسلمين من مكّن اليهود من احتلال فلسطين، بل والهيمنة على غير فلسطين.

- وقد استمرت أطماع الكفار الحاقدين على الإسلام ودرته فلسطين دون انقطاع ، منذ التحرير الصلاحي الذي قضى على رجس الاحتلال الصليبي ، حتى إذا دخلوا فلسطين في 11/12 1917م في الحرب العالمية الأولى قال قائد جيش الحلفاء الجنرال الإنجليزي ألنبي: " الآن انتهت الحروب الصليبية " معتبراً أن الخـلافة العثمانية ليست إلا استمرارا لنفس السلطان والحكم الإسلامي الذي دحر احتلال أسلافه من الصليبيين قبل ثمانية قرون، وأن الإنجليز بهدمهم للخـلافة واحتلالهم لفلسطين أعادوا الصليبيين مرة أخرى إلى بلاد المسلمين ، ممنياً نفسه أن تكون هذه المعركة نهاية مطاف الحروب الصليبية.

- وفي يوم 2/11/1917م من السنة نفسها أعطى الإنجليز وعداً سمي ( بوعد بلفور ) على اسم وزير خارجيتهم آنذاك، تتعهد بريطانيا فيه أن تمكّن اليهود من احتلال فلسطين وإنشاء دولة لهم فيها.
- وعند القضاء على دولة الخلافة العثمانية مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، أنشأت الدول المنتصرة (عصبةَ الأمم) التي فرضت بدورها (صك الانتداب) البريطاني على فلسطين في عام 1922م، ذلك الصكّ الذي ترجمت فيه بريطانيا تنفيذ ( وعد بلفور ) تنفيذاً عملياً بفرضه أمراً واقعاً جديداً في فلسطين .
- وقد توالت بعد ذلك سلسلة من المحطات التاريخية على قضية فلسطين , فجاء تشجيع الإنجليز لهجرة يهود إلى فلسطين , ليتبعه عام 1947م صدور قرار هيئة المم المتحدة رقم 181 القاضي بتقسيم أرض فلسطين لدولتين يهودية وعربية ، ثم أعقبت ذلك مسرحية حرب عام 1948م المهزلة ، التي هزمت فيها جيوش ست دول عربية آنذاك أمام جيش كيان يهود الهزيل, ثم جاء اعلان الاستقلال المزعوم لهذا الكيان المسخ الذي تلاه تسابق الدول الكبرى النصرانية للاعتراف به مباشرة .
- ثم جاءت حرب عام 1956م , التي تبعتها سريعاً مسخرة ما يسمى بحرب الأيام الستة في عام 1967م .
- ثم جاء بعد ذلك مؤتمر مدريد ، فأتبعه اتفاق أوسلو ، ثم اتفاقية وادي عربة, ثم واي ريفر, وخرائط الطرق المتعددة .
- وما بين هذا التنازل وذاك عقدت قمم عربية كثيرة, بدأت قراراتها بضرورة مكافحة الهجرة اليهودية في قمة أنشاص عام 1946م , ثم لاءات الخرطوم الثلاث, فاعتراف بحصر التمثيل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية , لتختتم مسيرة القمم العربية في بيروت باعتراف كامل بكيان يهود مع دعوة للتطبيع مقابل ما بقي من الضفة وغزة...

نعم ... هذه هي قضية فلسطين منذ هدم الخلافة الإسلامية ، أحداث تدافعها أحداث ... مؤامرات تتلوها مؤامرات ... نكبات تتلوها نكسات... مشاريع دولية حثيثة لحلّ مشكلة اليهود بتثبيت كيانهم في فلسطين على حساب وجود أهلها المرتبط بجذورها وجذورهم الإسلامية ... هذا وغيره الكثير ، والكل يعلم أنّ الدور المركزي الأساسي المحرك والمقرّر في كل هذا ليس إلا الدول الكبرى, وما الأنظمة العربية في ذلك كله إلا بيادق شطرنج تحركها الدول الكبرى متى شاءت وكيفما شاءت وأنّما شاءت ... انقلبت كل لاءات حكام الخسة والعار إلى نعم ... وتحولت كل الثورات بتآمر الحكام إلى عدم ... فلبئست البداية بدايتهم بعد هدمهم للخلافة وتآمرهم على فلسطين ، ولبئست الخاتمة خاتمة كلّ من سلّم وتآمر وركع وخنع منهم عند عودة دولة الخلافة لتحرير فلسطين ...

أيها المسلم الحرّ الغيور المعتز بربّه ودينه :

لقد حققت الدول الكبرى أهدافاً كثيرة بعد أن عبثت في قضية فلسطين عبث المغتصبين بالأخيذة البكر, فكان من أهم ما حققه المستعمرون الأوباش المغتصبون هدفين كبيرين :-
الأول : أنهم نجحوا بزرع جسم غريب بين المسلمين في المنطقة يعوق تواصلهم ويبعد وحدتهم في دولة واحدة .
والثاني : أنهم استطاعوا إلهاء المسلمين عن عدوهم الأصلي ، بحصر الصراع في المنطقة مع يهود دون العدو الغربي الصليبي .

إن المراقب للسياسة الغربية يرى أنّ القوم قد دخلوا بقضية فلسطين هذه الأيام في المرحلة الأخيرة من جرائمهم, إنها مرحلة تصفية القضية تصفية نهائية بمعاونة الأنظمة والأدوات العربية ، وعلى رأس هذه الأدوات سلطة أوسلو ودول الطوق وما يسمى بالدول العربية الكبيرة, فكلّ هذه الأدوات الخانعة المهطعة رأسها قد استجابت لدعوة إلهها الأميركي للذهاب إلى مؤتمر الخريف القادم الذي دعا إليه ربّهم الفرعون بوش, وقد أعلنوا أن هذا المؤتمر لن تبحث فيه إلا قضايا الحل النهائي, اللاجئون والقدس ، إيذاناً بتصفية ما تبقى من قضية فلسطين ...

إن المتتبع لما يصدر عن الساسة المجرمين ليجزم أو يكاد بأن حلّهم لمشكلة القدس سيكون بتقسيمها ، وإعطاء سلطة أوسلو سلطة إدارية على جزء منها, وابقاء الصلاحيات الأمنية فيها بيد كيان يهود, ليبقى بذلك مسرى رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يئن تحت حراب يهود ( الشرعية ) المشرعة , وقد أعلن محمود عباس رئيس سلطة أوسلو أنه سيطرح ما تتمخض عنه مفاوضات ( مؤتمر الخريف ) التآمري الاستسلامي على استفتاء شعبي ...
أما قضية اللاجئين ، فبعد أن حوّلوها إلى قضية مالية بدل أن تكون كما ينبغي أن تكون قضية تحرير ، أصبح حلّ هذه القضية عند القوم يتمثل في توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم في دول الشتات مع دفع شيء من التعويضات ... لتؤول أراضيهم وبيوتهم لليهود بصك ملكية شرعي مدموغ باعتراف الخونة وشرعة التآمر الدولية...

أيها المسلمون الأحرار الأغيار المعتزون بربّهم ودينهم :

لقد كان من أكبر الضلال والتضليل تحويل قضية فلسطين إلى قضية قومية عربية، وكان من أكبر الظلم والتجني تحويلها إلى قضية وطنية فلسطينية ... وكان من أعظم الجرائم عقد وحضور مثل هذا المؤتمر الذي يكرس هذا التقسيم وهذه التجزئة لترسيخ فصل قضية فلسطين عن باقي قضايا الأمة الإسلامية ، لذلك كان من أعظم الواجبات إعادة قضية فلسطين إلى وضعها الأصلي الذي وضعها الله سبحانه وتعالى فيه ، بأن تكون قضية كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله في كلّ أرجاء المعمورة .

إنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم علمنا أن لا نكره أحدا على اعتناق العقيدة الاسلامية، ولكنه علمنا أيضأً أن قضية بسط سلطان الإسلام على كل الأرض هي قضية مصيرية ، وفرضية حتمية تحمل بالدعوة والجهاد ، وتبذل في سبيلها المهج والأرواح ، وعلمنا كذلك صلى الله عليه وآله وسلم أن الأرض إذا هاجمها الكفار لانتزاعها من يد المسلمين ، أضحى الجهاد لمنع وقوعها تحت سلطان الكفر فرض عين على كل المسلمين ، حتى تخرج الأمة دون إذن وليها ، والولد دون إذن أبويه ، والعبد دون إذن سيده ، وفي كلّ الأحوال تبذل كلّ المهج وألأرواح لمنع وقوعها تحت سلطان الكفار. ولئن كان هذا هو حكم الله في كل بقعة فتحها المسلمون عامة ، فإن قداسة فلسطين التي لم يرد ذكرها في كتاب الله إلا مقروناً بالبركة والتقديس... كان الجهاد لإرجاعها درة لتاج الدولة الإسلامية من أشرف الأعمال وأعظمها عند كل مسلم حرّ غيور معتزّ بربه ودينه .

فكيف بنا اليوم ونحن نرى أقواماً يسارعون في نقيض ذلك كله، فيتآمرون على هذه البقعة المشرفة المقدسة المباركة ليهبوها لأنذل خلق الله من يهود ، ويوقعوا معهم الصكوك المشفوعة بالتنازل تلو التنازل، ويتصرفون بها كما لو كانت ملك أيمانهم، ويلهون بقداستها كما لو كانت دماء أشراف الصحابة ممن رووا هذه الأرض، ودماء الشهداء الذين علقت أرواحهم في أجواف طير خضر أحياء عند ربهم يرزقون، كأن هذه الدماء الطاهرة عبر التاريخ كانت من أجل أن يتسلم هؤلاء الخونة المتآمرون حكماً مسخاً أشوه في كانتون لا يتحرك وزير من وزرائه عبر الحواجز إلا بإذن أصغر صعلوك من صعاليك يهود.

أيها المسلمون الأحرار الأغيار المعتزون بربّهم ودينهم :

لقد أصبح من البديهي لديكم أن حكامكم لا يبذلون ملياراتكم في تجهيز الجيوش وتسليحها إلا من أجل الاستعراضات أو قتلكم ، أومن أجل حماية أنظمتهم الغارقة في العمالة للكفار المستعمرين ، فقد جعلوا من جيوشكم خطوط دفاع عن الكافر المستعمر لا تسمح لنملة أن تعبر الحدود لقتال الأعداء ، علاوة على أن تعبروها مجاهدين في سبيل الله باذلين المهج والأرواح لتحرير مقدساتكم وانقاذ أهلكم ، بل لقد أصبح حكامكم الذين لا يستحيون من الله بأنفسهم مقدمة لجحافل الصليبيين لبسط سيطرتهم على بلاد المسلمين ثغرا إثر ثغر ...

أيها المسلمون الأحرار الأغيار المعتزون بربّهم ودينهم :

إنّ إثم التخاذل عن نصرة العاملين المخلصين لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ... لإثم عظيم عظيم ...
إن جرم القعود عن تجييش هذه الجيوش تحت راية خليفة المسلمين لتحرير فلسطين والعراق والشيشان وكشمير وغيرها من بلاد المسلمين ... لجرم فظيع فظيع ...

فاعملوا على نفض غبار الواقع الفاسد عنكم، واخلعوا رداء اليأس والركون إلى الدنيا عن كاهلكم ، واعملوا مع العاملين المخلصين لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ، لتحرر فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين من سلطان الكافرين فتعودوا كما أراد الله لكم دولة قوية واحدة ترهبون عدو الله وعدوكم ... اللّهم إنّا قد بلغنا ، اللهم فاشهد .

كتائب العقاب لحمل الدعوة