بسم الله الرحمن الرحيم
محاضرات
فك الوثاق
بشرح كتاب الرقاق
فضيلة الشيخ
أبي إسحاق الحويني
حفظه الله
[1]
ترجمة الإمام أبي عبد الله البخاري وثناء شيوخه عليه.
_____________________________
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
______________________________ ______
أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه في أول كتاب الجزية والموازعة من حديث جبير بن حية -رحمه الله- قال:" ندبنا عمرُُ بن الخطابِ -رضي الله عنه- إلى غزو كسرى، وأمر علينا النعمان بن مقرن، فلما وصلنا إلى أرض العدو خرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفًا وقال لترجُمانِهِ: ليكلمني أحد منكم، فقال له المغيرةُ بن شعبه -رضي الله عنه- سل عما شئت، قال ما أنتم؟ _ولم يقل لهم من أنتم احتقارًا لهم_ فقال المغيرة نحن ناسٌ من العرب كنا في بلاءٍ شديد وشقاءٍ شديد، فبينما نحن كذلك إذ بعث رب السماوات والأرضيين تعالى ذكره وجلت عظمته رسولاً من أنفسِنا نعرفُ أباه وأمه فدعانا إلى عبادة الله -سبحانه وتعالى- قال: كنا نلبَس الشعر ُوالوبر ونعبدُ الشجرَ والحجر حتى أتانا رسول ربِنا تعالى ذكرُهُ وجلت عظمته فدعانا إلى الله -سبحانه وتعالى- وأمرنا أن نقاتلَكُم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- عن رسالة ربنا -تبارك وتعالى- أن من مات منا دخل جنةً لم ير مثلها قط، ومن عاش منا ملك رِقَابَكُم.
من آخر كلام المغيرة -رضي الله عنه- آخذ الخيط في هذه الحلقة التي أجعلها مقدمة بين يدي شرحي لكتاب الرقاق من صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري _رحمه الله تعالى ورضي عنه_.
مشكلتنا الكبيرة هي ضعف الانتماء. نحن أمة ولادة، ليست هناك أمةٌ من الأمم على الإطلاق فيها من نباهة الرجال وصدق انتمائهم مثل ما لأمتنا.
تلخيص المغيرة القضية كلها وتبين دور الأمة وما بعثت له.
لخص المغيرة القضية كلها وبين دور هذه الأمة وأنها بعثت لتعم عبادة الله -عز وجل- الأرض، وأنه لا يجوز أن يرفع رأسه في الأرض إلا هذه الأمة التي وحدت ربها -عز وجل- وأن الكافر لا يجوز أن يرفع رأسه لأنه لا يستحق أن يأكل وأن يشرب من هذا الخير الذي جعله الله -عز وجل- بين يديه إما أن يدفع الجزية صاغرًا وإما أن يعبد الله -تبارك وتعالى
هذه الرجولة والرجولة معنى كبير ليست مرادفة للذكورة، إن بعض النساء فيه من صفات الرجولة ما ليس عند الذكور.
الرجولة:نباهةٌ وفداءٌ ونجدةٌ ونبلٌ ومروءة.
كان الصحابة الأوائل الذين قاموا بهذا الدين رجالاً كما وصفهم الله -عز وجل-﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾.... (الأحزاب23) وفي مسند الإمام أحمد -رحمه الله- بسندٍ صحيحٍ وصححه بن حبان وغيره من حديث جابر -رضي الله عنه- قال( ظل رسول الله ﷺ عشر سنين يدعو الله الناس إلى الله ويتتبع الناس في بيوتهم وفي المواسم –أي في مواسم الحج- يقول من يؤويني ومن ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؛ حتى إن الرجل ليخرج من مُضَرَ فيأتيه قومه فيقولون له احذر غلام قريش لا يفتنك، وكان يمشي بينهم يدعوا إلى الله -عز وجل- يشيرون إليه بالأصابع –أي احتقارًا له- كما قال الله تعالى ﴿﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾(القلم51).
( يُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ )أي ينظرون إليكم النظر الشظر احتقارًا ويقولون إنه لمجنون.
قال جابر -رضي الله عنه- (حتى بعثنا الله -عز وجل- إليه من يثرب، فأتيناه فآمنا به وصدقناه، وكان الرجل منا يسمع منه الكلام فينقلب إلى أهله فيتلوه عليهم فقل بيت من بيوت المدينة –طيبة- إلا وفيه نفر من المسلمين يظهرون الإسلام، ثم إإتمرنا جميعًا وكانوا سبعين رجلاً فقلنا إلى متى يُطرد النبي ﷺ فيه جبال مكة ويُخاف. _هذا معنى الرجولة: إلى متى يطرد وإلى متى يخاف_ فواعدناه شعب العقبة فلما وافوه في موسم الحج، قالوا يا رسول الله علام تبايعنا؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر ولا تخافون في الله لومة لائم، وإذا أتيت إليكم تمنعوني مما تمنعون منه نساءَكُم وأبناءَكُم ولكم الجنة؛ فقام أسعد بن ظُرارة –وكان أصغر السبعين- فقال: هلم، قال: للذين معه على رسلكم، فوالله إنا لم نضرب إليه آباط المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ولكن إخراجه هو مفارقة العرب كافة وقتل خيارِكم وأن تعضَكُم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وإما إذا آنستم منكم جبنًا فيبنوا فهو أعذر لكم.
المراد بكلام أسعد بن زرارة -رضي الله عنه-:
هذا كلام أسعد يقول إن تبني هذه الدعوة معناها أننا سنفارق العرب وسنقاتل العرب فيقتل خيارنا وأن تمسنا السيوف، إما أنكم رجال تصبرون على ذلك ولكم الجنة، وإذا خشيتم من أنفسكم جبنًا فبينوا من الآن حتى يكون أعذر لكم عند الله -عز وجل- أي لا تقل أنا رجل ولست برجل لا تقل أنا أستطيع وأنت غير مستطيع.
فلما قال أسعد ذلك قالوا أمط عنا يدك يا أسعد فوالله لا نقيل هذه البيعة ولا نسليها فقمنا إليه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة.
أمتنا أمة ولادة، نحن أمة متخصصة في صناعة الرجال، نحن أمة جنباتها ملآنة بالمواهب فما الذي جرى؟! إننا نسمع اليوم أصوتًا ينعق أصحابها بسب السلف الأوائل، وتحقيرهم وإظهارهم كأنهم قوم لا يفهمون،
يحدث فضيلة الشيخ ,عن برنامج رآه في بعض القنوات الفضائية عن الإمام البخاري عنوان الحلقة (النقل والعقل)
قبل أن آتي إلى هنا كنت عند بعض إخواني فرأيت في بعض القنوات الفضائية برنامجًا يعني لم يستغرق نظري إليه أكثر من خمس دقائق ثم انصرفت عنه، في هذه الدقائق الخمس كان الحوار عن الإمام البخاري، وكانت الحلقة فيما يبدو عن النقل والعقل،.
فأورد المتحدث مسألتين، وتكلم عن البخاري وأن ليس كل كلام جاء في البخاري نسلم به..
المقطع الأول من كلامه كان يتعلق بحديث المسور بن مخرمة وهو مروان بن الحكم في صلح الحديبية،.
هذا حديث رواه الإمام البخاري -رحمه الله- في هذا الحديث لما جاء عروة بن مسعود الثقفي وكان إذ ذاك كافرًا وكان فيه مفاوضات بديل بن ورقاء جاء قبل عروة بن مسعود وفاوض النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال له ما قالت قريش، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لبديل نحن ما جئنا لقتال وإن شاءت قريش ماددتهم مدة أخرى على أن يخلوا بيني وين البيت، بيني وبين الناس، وإلا والله لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرج سالفتي –أي صفحة العنق- سأقاتلهم ولو لم يبق معي أحد، ولو قاتلت أنا وحدي، سأقاتل على هذا الأمر؛ قال بُديل: سأبلغهم ما قلت؛ ثم جاء الدور على عروة بن مسعود الثقفي، قبل أن ينطلق عروة جاء أشراف قريش، قال لهم: ألستم بالوالد –أنتم مني بمنزلة الوالد- قالوا بلى، قال: ألست بالولد-أنا منكم بمنزلة الولد- قالوا بلى، قال هل تتهمونني، قالوا لا، قال دعوني حتى أذهب إليه، فجاء عروة بن مسعود الثقفي إلى النبي ﷺ وهو جالس مع أصحابه وفيهم أبو بكر -رضي الله عنه- فبدأ عروة كلامه متنفخًا متبجحًا قال: يا محمد إنها واحدة من ثنتين سيحدث حرب وقتال بينك وبين قومك، فهل رأيت أحدًا اجتاح قومه قبلك؟ وإن كانت الأخرى فوالله ما أرى حولك إلا أوباشًا خليقًا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر أنحن نفر وندعه! انصص بظر اللات، فلما سمع عروة هذا الكلام انزعج فهذا سب بليغ لآلهتهم فقال من هذا؟ قال النبي ﷺ إنه ابن أبي قحافة، فقال عروة له لولا أن لك علي يدًا لأجبتك انتهى الكلام .
رأى عروة أعجب من العجب.
جيء بوضوء، النبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ، رأى عروة أعجب من العجب، ما سقطت قطرة ماء على الأرض، الصحابة يتلقفون بقايا وضوءه ﷺ ما تنخم النبي ﷺ نخامة فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يرفعون الصوت عنده، ولا يحدون النظر إليه تعظيمًا له، رأى عروة هذا المنظر فرجع إلى قومه –
أن تستحضر الآن طريقة كلامه الأولى، كما قلت جاء متنفخًا من مركز قوة، قريش منعته عن الوصول إلى البيت وحبسته-
رجع عروة إلى قريش ورفع التقرير التالي:[ قال يا قوم والله لقد وفدت على الملوك وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي فوالله ما رأيت أصحاب ملك يعظمون مليكهم كتعظيم أصحاب محمدٍ محمدًا، فوالله ما سقطت قطرة ماء على الأرض، ولا تنخم نخامة فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يحدون النظر إليه تعظيمًا له، ولا يرفعون الصوت عنده، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها].
من قليل كان يقول لمحمد _صلي الله عليه وسلم _ ما أرى حولك إلا أوباشا أي لا تتكثر بهم فإنهم أوباش من رعاع الناس وسقطتهم فلا تتكئ عليهم فلما رأى هذا المنظر علم أن أمثال الذين يتقاتلون على نخامته ﷺ لا يسلمونه أبدًا حتى تخرج الروح.
اعتراض المتكلم علي الحديث وسبب تكذيبه له:
اعتراض المتكلم، يقول بأي شيء نقدم الإسلام إلى الناس نخامة! هذا شيء يقرف، تقع النخامة في يد رجل يدلك بها وجهه وجهه وجلده! هذا شيء يقرف ! هذا الحديث مكذوب .
لماذا كذبه؟
لأنه لم يذق طعم الحب الذي ذاقه الصحابة ومن ذاق عرف، ويا لائمي لو كان قلبك عند قلبي لعذرتني.
ثم ضرب_ فضيلة الشيخ_ مثلاً في دنيا الناس.
مثلا في دنيا الناس الآن الأم لما أبنها الصغير يلفظ الطعام من فمه, ومع ذلك تأكله الأم ولا تشعر بهذا القرف الذي يتكلم عنه هذا المتكلم. الإنسان العاشق، الإنسان المحب لا يسيره إلا مراضي من يحب، كل شيء يأتيه من حبيبه فهو حسن، لا يرى في حبيبه عيبًا إذا كانت محبته كاملة، فمن رأى في حبيبه عيبًا فمحبته معلولة،.
أكثر الذين يعترضون على أحاديث النبي ﷺ بلا كتاب منير ولا بينة واضحة.
فيعترض بمثل هذا، لكنه كما قلت لا ذاق ولا عرف. إن أكثر هؤلاء يعترضون على أحاديث النبي ﷺ بلا كتاب منير ولا بينة واضحة وليس عندهم من الأصول العلمية التي كانت عند علمائنا ما يتكئون عليه في تسديد الفهم، لم يقرءوا بل لعل واحد من هؤلاء لا يحسن أن يقرأ في كتاب الله آية على الوجه الذي نزلت به
الحديث الثاني - الذي كذبه: وقال هذا مكذوب حديث عمرو بن ميمون- قال:" رأيت الرجم في الجاهلية –قبل أن يسلم- رأيت قردة زنت، فاجتمعت القرود ورجمتها ورجمتها معهم" يقول هذا الكلام مكذوب, لأن الرجم في بني آدم وليس في الحيوانات وليس في القرود،.
القصة هكذا أوردها الإمام البخاري مختصرة، لكن هذه القصة أوردها –أبو بكر الإسماعيلي- في مستخرجه على البخاري من طريق آخر عن عمرو بن ميمون مطولة.
الشاهد:
هل يمكن لإنسان أن يتصور أن البخاري -رحمه الله- مع ما رزقه من الفهم العالي جدًا كما سيمر بنا وسترون إن شاء الله -عز وجل- العجب العاجب من تبويبات البخاري ومن فهم الإمام البخاري لأحاديث النبي ﷺ هذا الإمام الذي عقدت عليه الخناصر وصار كلمة إجماع وصار اسمه مع مدار القرون كالشمس في رابعة النهار يجهل أن الحيوانات غير مكلفة!؟
في أي موضع روى البخاري هذا الحديث؟
هل أورده في كتاب الحدود مثلاً في باب الرجم؟
حتى يُقال أورده في باب الرجم إذاً هو يرى أن القرود لما رجمت كانت مكلفة! لا.
أين وضع البخاري هذا الحديث في صحيحه،؟
وضعه في كتاب مناقب الأنصار تحت تبويب باب القسامة في الجاهلية.
ما قصد البخاري قط أن يقول إن القرود رجمت لأنه لو أراد هذا المعنى لوضعه في كتاب الحدود باب الرجم. الإسناد صحيح لأنه ورد من طريق آخر.
المتكلم يقول:مهما كان الإسناد صحيحًا فالمتن فيه علة، ماهي العلة؟ قال: القرود غير مكلفة.