السيرة النبوية تطبيق عملي للقرآن الكريم
الدرس الأول
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرر أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
المراد بسيرة النبي r:أيها الكرام فهذه دروس كما طلبتموها في سيرة النبي r فسيرة النبي r أي حياته، أي منهجه، أي علمه، ومعنى السيرة ليست تاريخا يذكر في الكتب كما فعل المستشرقون، ولكنها تطبيق القرآن تطبيقًا عمليًا في واقع الأمر، فحياته r نبراسٌ لنا وهدى، ومن هداية حياته r نأخذ، فقد كان طفلاً :
فكيف يتعلم الطفل من طفولته r:الطموح، والصبر على المآسي، والصبر على الابتلاءات واليتم وغيره وكيف يصارع الحياة وهو يتيم الأبوين فلابد للطفل أن يدرس هذه الحياة له أن يدرس طفولة النبي r وكيف تغلب على هذا اليتم وعلى هذه الصعوبة حتى وصل للرأس ولقمة المجتمع.
وستعلم بعدما، ننشأ في دراسة منهجية لهذا المعترك كما قصرنا في تربية أبنائنا، وفي تعليم نساءنا وفي تعليم الأمة، لأن هذا هو القرآن العملي، وهذا هو المنهج الواجب علينا أن نتخذه، ولذلك لما سئلت أمنا عائشة_ رضي الله عنها _عن خلق رسول الله r قالت: «كان خلقه القرآن» أي أن حياته هي القرآن فإذا أردت أن تدرس القرآن دراسة عملية وليست دراسة نظرية نعم أنت حفظت جزاك الله خيرا لك أجر، ولابد لك أن تبدأ في ترجمة هذا القرآن ترجمة حياتية، ولذلك لما استفادت الأمة بهذا القرآن في يوم من الأيام سادت الدنيا وقادت العالم،وهذا يبين لك أن.
الأمة بدون منهجية القرآن لا تساوي شيئا، نعم القرآن في كتبها وفي صدورها، ماذا صنع لهم القرآن؟ لا شيء، ولكن لما كان القرآن منهج حركة، ويأخذون منه المدد والحياة سادوا العالم كله، قادهم القرآن إلى أن يكونوا رؤوس الدنيا ومن فيها، طبقوه منهجا، صار منهجا عمليا وليس منهجا نظريا.
الفرق بيننا وبين أسلافنا في طلب العلم: كان العلم عندهم ممنهج، إذا تعلم حرفا واحدا من كتاب الله تعالى عمل به، وهذه نصيحة أم سيفان الثوري رحمها الله تعالى لسفيان لما قالت له: «يا سفيان تعلم العلم وسأكفيك بمغزلي» وهي يا لها من أم، وكن النسوة ينشئن مصانع في بيوتهن يتقوتن من أثار هذه الصنعة صناعات وهي الغزل والنسج.
وهذه وظيفة ليس فيها اختلاط، ولذلك للمرأة أن تتعلم كيف تزيد من دخلها كما فعلت أم سفيان بمغزلها، «تعلم العلم وسأكفيك بمغزلي» فلم ذهب إلى الأستاذ يتعلم في أول يوم تتعهده، تعلمنا أن الوالد لا بد أن يتعهد الولد، فليس دور الوالد دفع المقابل المادي للمدرس فقط ويظن الوالد أنه أدي ما عليه، فهذا قد حول الحياة العلمية إلى حياة نظرية فقط، وترك الحياة العملية تماما.
القرآن منهج عمل وليس منهج نظر: قال ذلك النبي r كما جاء عن أصحاب السنن عن زياد بن لبيد رضي الله تعالى عنه لما تكلم النبي r يوما عن العلم ثم نظر إلى السماء وقال: «ذلك يوم أن يذهب العلم» فقال زياد: كيف يذهب العلم يا رسول الله ونحن نحفظ القرآن؟ ونحفظه أبناءنا ونساءنا؟ وسيعطيه أبناؤنا ونساؤنا أبناءهم ونساءهم؟ وسيعطيهم من ورائهم إلى من ورائهم إلى أن تقوم الساعة؟.
هو لا يعترض على النبي r ولكنه، ليس عنده نوع من التصور، لأنه تصور أن المسألة،علم نظري، طالما أخذت شهادة ومعي بكالوريوس أو دكتوراه هذه شهادة نظرية، أنا أريد مردود هذا العلم في واقع الحياة.
لما قامت الثورة الصناعية في أوروبا وفي أمريكا حولوا العلم العربي علم الطب وعلم الهندسة والفلك، هذا علم عربي، حولوه من الكتب، من الكلام النظري إلى واقع ملموس، وصرنا نحن نأخذ منهم هذا العلم واقع ملموس منهج حركي نستفيد به، وهو عندنا نظريات نحفظها ، فهذا أستاذ في الجامعة ، ماذا صنعت؟ هذا أستاذ طبيب ماذا صنعت؟ لا بد أن ينزل هذا العلم إلى الشارع لا بد أن ينهض بالأمة ويرتفع بها وإلا لا قيمة لكل هذه العلوم، ولكل هذه الجامعات دمدم عليها.
فلما قال زياد: كيف يذهب العلم يا رسول الله ونحن نحفظ القرآن؟ ونحفظه أبناءنا ونساءنا، وسيعطيه أبناؤنا ونساؤنا أبناءهم ونساءهم، وسيعطيهم من ورائهم إلى من ورائهم إلى أن تقوم الساعة قال النبيr: «ثكلتك أمك يا لبيد إن كنت لأظنك من أفقه أهل المدينة -أي كنت أظنك فقيها فاهما– هذه اليهود والنصارى بين أيديهم التوراة والإنجيل هل أغنيا عنهما شيئا».
وجه الدلالة: أن التوراة والإنجيل بين أيدي اليهود والنصارى، فماذا فعلوا بها؟ وهذه أمم بادت، وسبب إبادتها أنها لم تعمل بمفهوم نصوص هذه الكتب كان مقصود كلام النبي r أن الكتاب غير الفاعل في واقع الحياة لا قيمة له كأنه غير موجود أنت تحفظ القرآن ولا تعمل بمنهج السنة فيه بمفهومه لا تقوم على أحكامه ولا على حدوده، ما قيمة حفظ القرآن؟.
إذن نترجم لحياة النبي r، كيف ترجم لنا هذا القرآن في واقع الحياة واقع عملي فيتعلم الطفل ، من أبنائنا كيف يتربى، يقول: أنا يتيم ولم أجد أب ولم أجد كذا وكذا، أقول لك لا للأسف لم تجد معلما يعلمك كيف تربى النبي r وهو يتيم وكان فاقد الأبوين،وفي بيئة جاهلية لعلك الآن في بيئة إسلامية ترحمك هذا يتصدق عليك، وهذا يعينك، وهذا يقربك، وهذا يرحمك، ولكن النبيr كان في بيئة جاهلية لا يرحم أحدٌ أحدا، إذن لا بد أن نعلِّم وندرِّس لأطفالنا هذه المسائل.
كيف يتعلم الشاب من حياة النبي r شابًا؟ويتعلم من حياته شابا r كيف كان يرعى الغنم ليتقوت، ليعين عمه أبو طالب الذي رباه، حتى وإن كان العائد قليلا ،فلابد أن يتعلم الشاب كيف كان شباب محمد r ماذا كان يعود عليه من رعي الغنم؟ دريهمات قليلة لا تساوي شيئا، قد لا يحصل قوته اليومي من هذا الأجر ولكنه نوع من العمل كأنه ينبئ عمه الذي يقوتَه ويعوله أنه ليس عاطلا ولا يجلس ليستفيد من غيره، ولكنه يحاول مع قلة الدخل ولم يطلب لنفسه منصبا، فقد كان النبيr يرعى الغنم على قراريط وهي اسم عملة أقل من الدرهم ، رغم أنه مما رءاه من الله تعالى من رؤى وعناية ،فقد رأى من الله ما لم يراه أحد، ما أعطاه هذا نوع من الشموخ والصلف والكبر، أي أنه وجد في نفسه تميزا عن غيره وعن أطراده، إذن يطلب وظيفة أعلى وأشمخ من وظائف أصحابه ولكنه التواضع يعمل من خلال المتاح والميسر هلا علمنا شبابنا هذا الكلام؟،إذن ما درسنا سيرة محمد r هو مجرد تاريخ مكتوب في الكتب يتعرض للنقد كما كان فلان وفلان من هؤلاء المستشرقين يهاجمون سيرة النبي r.
سبب مهاجمة المستشرقين لسيرة النبي:r لأسباب كثيرة عندهم، لأن السيرة صارت تاريخا في الكتب، يقولون عندهم نماذج وعلوم ونظريات وهم متخلفون، يقرأ القرآن يجد فيه كلام يسود الأمم إلى أعلى السيادة ويقول لك وهم قاعدين لأن هذا منهج متهم، يتهمون منهجك، يتهمون سنة حبيبك r بسببك؛ لأنك ما تفاعلت مع هذا المنهج وصار سيدا تقدمه لكل الشعوب تريدون أن تتقدموا خذوا هذا القرآن، خذوا هذه السنة منهج محمد لكي تصلوا إلى عليين.
ولكنا حفظنا القرآن وعرفنا هذه المسائل علوم نظرية فقط وجلسنا ننتقدها أحيانا ونناقشها بعض الأحيان، إذن من :
أهمية دراسة السيرة: دراسة حياة محمد بالتفصيل، ودارسة حياته كرجل، كرجل سياسة يتعلم منه الساسة، ولذلك أي سياسي على وجه الأرض ،لم يدرس سياسة محمد r سياسي فاشل، أعظم ساسة العرب بعد النبي r كان أبو بكر وعمر والخلفاء، والذي أخذ على منوالهم معاوية بن أبي سفيان، قمة في العمل السياسي والعلم السياسي نماذج أي حاكم على وجه الأرض لم يقرأ سيرة محمد السياسي لا يعرف شيئًا فلقد صالح وعاهد وحارب وأسر وأخذ فيئا، وراسل الملوك وسفرائها للمملوك والرؤساء العالم سياسي من الدرجة الأولى لا بد أن تدرس ذلك جيدا وتعلمه، متى يصالح، ومتى يحارب، مستوى عالي جدا في السياسة.
انظر وهو يخرج بني قينقاع من المدينة وعبد الله بن أبي يمسك به لا تخرجهم هؤلاء أحلافي وحلفائي، قال له أرسلني يا ابن أبي ،وغضب النبي r وقال: والله لا أتركك حتى تعطيهم لي، قال: «تركتهم لك أحياء ولكن يخرجوا من المدينة بغير مال ولا سلاح» ، فكأنه قتلهم قتلا من نوع آخر، وهذا لا يكون إلا من سياسي داهية إنسان أريب، هذه مواقف لابد أن يتعلمها السياسيون.
لما لم يقتله؟ لأن كان ملك المدينة وله أتباع وأحلاف كثيرة جدا من العرب، وقتله يجر عداوات على الصحابة وهم في المدينة غرباء ،فسينتج عن قتله حرب أهلية داخل البلاد، إذن لا بد أن يكون واسع النظر في عواقب الأمور عندما يأخذ قرار يأخذه ويرى عواقب هذا الأمر، وإذا أخذ هذا الأمر يجرده من كل زيادة ونقصان إنه محمد r.لو لم ندرس هذا كيف نتعلم السياسة؟ كيف سنعامل الدول؟ كيف نخاصم ونصالح؟ فالسياسي يتعلم منه r كيف يكون سياسيا؟.