وَهُمْ فَسَدُوا ومَا فَسَدَ الزَّمَانُ !!!
أبو جعفر الشّيباني قال : أتانا يوْماً أبو ميّاس الشّاعر ونحن في جماعةٍ فقال : ما أنتم فيه وما تتذاكرونَ ؟ قلنا : نذكُرُ الزّمانَ وفسادَهُ . قالَ : كلاّ ، إنّما الزّمان وِعاء ، وما ألقيَ فيهِ من خيرٍ أو شرٍّ كانَ على حالهِ ، ثُمّ نشأ يقولُ :
أرى حُلَلاً تُصانُ على أناسٍ ... وأخلاقاً تُداسُ فما تُصــانُ
يقولون الزمان به فسـادٌ ... وهم فسدوا وما فسدَ الزمانُ
قال ربيع بن المدني الأديب : كنت في حيرةٍ من أمري في هذه المسألة ، لأنني رأيتُ في كُتُبِ كثيرٍ من العلماء المؤرّخين وغيرهم يذُمّونَ الزّمان وهذا منهيٌّ عنه كما هو معروف ، حتى وقفتُ مؤخّرا على كلام رصين للشّاعر الكبير محمود سامي البارودي - رحمهُ اللهُ - في مقدمة ديوانه يقولُ فيها : (( وَقَدْ يَقِفُ النّاظِرُ في ديواني هَذاَ عَلَى أبْيَاتٍ قُلْتُهَا فِي شَكْوى الزّمانِ ، فيَظُنَّ بي سُوءاً منْ غَيْرِ رويَّةٍ يُجِيلُها ، ولا عِذْرَةٍ يسْتَبينُهَا ، فَإنِّي إِنْ ذَكَرْتُ الدَّهْرَ فَإِنَّمَا أَقْصِدُ بهِ العالَمَ الأرْضِي لِكَوْنِهِ فيهِ ، مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الشّيءِ باسْمِ غَيْرِهِ لِمُجَاوَرَتِهِ إيّاهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالى " واسألِ القَريةَ " أي أهل القرية ، وكما قال أبوكَبيرٍ عَامِرُ بنُ حُلَيْس الهُذَلِي :
عَجِبْتُ لِسَعْي الدَّهْرِ بَيْني وبَيْنَهَا ... فَلَمّا انْقَضَى مَا بيْنَنَا سَكَنَ الدَّهْرُ
فَإنّهُ أرادَ بِسَعْي الدَّهْرِ سعيَ أهل الدّهر بالنّمَائِمِ والوِشاياتِ ، فلمّا انقضى ما كان بينَهُمَا من الوَصْلِ ، سَكَنُوا وَتَرَكُوا السِّعَايةِ ، ولهذا أمثلةٌ كَثيرةٌ .)) اهـ انظر مقدمةَ ديوانه ج 1 ص 7 .
فأحببتُ تسجيلَهُ هُنَا لتعمَّ الفائدَة ، وليُحمل كَلام علماءنا على هذا ... ومن كان عنده كلاماً يفيدنا أكثر فليُتحفنا به وجزاكم الله خيراً