المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر المعاضيدي
السلام عليكم ورحمة الله
في السؤال الثاني:
المعروف أن النحاة يقولون بإفادة الهمزة للاستفهام أما معنى التقرير فهو مأخوذ من التركيب كاملا وليس من استعمال المفردة فقط.
وفقكم الله
بارك الله فيك شيخي على التوضيح ، لكن قوله تعالى (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح:1]فيه معنى التقرير متأتي من الهمزة ، فلمَ كان التركيب في الأول هو الذي أفاد معنى التقرير وفي الآية الهمزة فقط ؟
وفقكم الله وزادكم علماورفعة .
الهمزة حرف مهمل، يستخدم في الاستفهام أو النداء، وباقي أقسام الهمزة ليس من حروف المعاني، وهمزة الاستفهام حرف مشترك، يدخل على الأسماء والأفعال والحروف، نحو: أزيد قائم؟ و: أتصدق أن عمرًا سيأتي؟ و: {أثم إذا ما وقع}، وقد راعوا تقديم الهمزة لا سيما في الحروف لأصالتها، فهي أصل أدوات الاستفهام، وإلا فكان الأصل: ثم أإذا ما وقع، أو: فـ ألا تعقلون، فهي من الجمل المعطوفة، ولكن لأصالتها قدمت وصدرت، وهذا رأي الجمهور، خلافًا للزمخشري ومن تبعه.
وهمزة الاستفهام تأتي لمعان تتحدد بحسب المقام، وكلها تصب في معنى الاستفهام، ومن هذه المعاني: التقرير، والتذكير، والتعجب، والتهديد، والتوبيخ، وغير ذلك، وكثيرًا ما يتنازع التقرير والتوبيخ في هذه الهمزة.
وما يهمنا من هذه المعاني هو التقرير، ويراد به: حمل المخاطب على الإقرار بما يعلم ثبوته أو نفيه، وقد نص النحاة على أن همزة الاستفهام إذا جاءت بعد «لم» و«لما»، فيراد بها:
أ- إما التقرير، كقول الله: {ألم نشرح لك صدرك}، و{ألم يجدك يتيمًا فآوى}، وقول عمرو بن كلثوم في «معلقته» (صـ 84):
82- أَلمَّا تعرفوا منا ومنكمْ * كَتائِبَ يَطَّعِنَّ وَيَرْتَمِينا
وقد يشترك في قول الله: {ألم يجدك يتيمًا فآوى} معنى التذكير أيضًا.
ب- وإما التوبيخ، كقولك: ألم تذنب! ألم تسفه على فلان! وكقول الله حكاية عن فرعون: {ألم نربك فينا وليدًا}، ففي هذا كله تقرير وتوبيخ في ذات الوقت.
وبالنسبة للآيات، فللعلماء توجيهات في مثل هذا التركيب وأمثاله، منها ما يلي:
1- أن «لم» حرف نفي وقلب، يقلب المضارع المجزوم بعده ماضيًا كما قال ابن هشام، وهو ظاهر، والهمزة الداخلة عليه إنكارية، فالاستفهام بها على سبيل الإنكار، ولما كان الإنكار يتضمن نفيًا كامنًا، تسلط هذا النفي الكامن على ذاك الصريح في الحرف «لم»، فأثبت الفعل المنفي بها بعدها، إذ نفي النفي يئول إلى معنى الإثبات، فيكون الوجه: انقلاب مضارعة الفعل بعد «ألم» إلى ماضويته، وانقلاب نفيه إثباتًا، وعليه فقول الله تعالى: {ألم يعدكم ربكم وعدًا حسنًا}، يعني: وعدكم وعدًا حسنًا، وقوله: {ألم نشرح لك صدرك} يعني: شرحنا لك صدرك، على الوجه الذي ذكرنا.
2- أن الهمزة إذا جاءت بعد النفي في القرآن، فأكثر ما يراد بها التقرير، قاله أبو حيان في «البحر»، وهذا من استقراء آيات القرآن، كمثل قوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك}، و{ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا}، و{ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}، و{أولم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا}، وكل هذا واقع لا محالة، فشرح الصدر للنبي واقع، وقول الخضر لموسى: {إنك لن تستطيع معي صبرًا} واقع، والعلم بأن الله على كل شيء قدير واقع، وهكذا.
وأما عن حكمة إدخال النفي بعد الهمزة على الفعل، فقال الشيخ محمد الطاهر: «لأن غالب الاستفهام التقريري يُقْحَمُ فيه ما يفيد النفي؛ لقصد التوسيع على المُقَرَّر، حتى يُخَيَّل إليه أنه يُسْأَل عن نفي وقوع الشيء، فإن أراد أن يزعم نفيه، فقد وَسَّعَ المقرر عليه ذلك، ولكنه يتحقق أنه لا يستطيع إنكاره، فلذلك يقرره على نفيه، فهذا قانون الاستفهام التقريري الغالب عليه، وهو الذي تكرر في القرآن»، انتهى بتصرف يسير.
قلت: وتوضيحًا للكلام السابق، فالشيخ يريد أن إدخال النفي على الفعل؛ لتقرير المُخاطَب على نفيه، محرضًا له - أي: المخاطَب - على الاعتراف به بطريق المخالفة، وهذا بناء على أنه لا يرضى بأن يكون ممن يجهله، يوضحه مثلًا قوله تعالى: {ألست بربكم}، فهذا استفهام تقريري، فإشهاد الله لنا واقع لا محالة، وعلى الرغم من عدم علمنا به على وجه الحقيقة إلا أننا لا ننكره بل استقر عندنا ثبوته بإخبار الله تعالى، فكان الجواب بـ: {بلى}، إقرارًا بالشهادة، وهذا هو الاستفهام التقريري.
وعلى هذا، فمعنى التقرير - والله أعلم - من التركيب لا من الهمزة، نعم همزة الاستفهام تفيد التقرير، ولكن مع سبقها لحرف نفي؛ لتقرر هذا الكلام، والله أعلم.
وأخيرًا ... هذا ما مَنَّ اللهُ به عليَّ ووفقني إليه، فإن كان من خطإ أو سهوٍ فأرجو التنبيه والتذكير، سيما وقول الله تعالى: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، وأعتذر عن هذا التطويل، فما أردت إلا الفائدة لي ولإخواني، وجزاكم الله خيرًا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته