التعريف بالإمام البِرْمَاوي وكتابه: "اللّامع الصّبيح بشرح الجامع الصّحيح"

الحمد الله الذي أعزنا بالإسلام، وأكرمنا بالإيمان، ورحمنا بأنْ أرسل إلينا خيرة خلقه المصطفى عليه الصّلاة والسّلام، فألَّف به بين قلوبنا، ونصرنا على عدونا، ومكّن لنا في البلاد.

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، تركنا على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

وبعد ... فإنّ للسنة النبوية المكانة السّامية التي لا تخفى على كل ذي لُبٍّ، ولذلك هيأ الله تعالى منذ فجر الرسالة المحمدية رجالاً قاموا بتلقي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدائه وتبليغه للنّاس، إلى أن جاء عصر التدوين، فقام العلماء بتدوين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتثبت من صحته ونَقَلَتِهِ، والرحلة في طلبه، ووضع القواعد لصيانة السنّة من الباطل والدّخيل.

وكان من بين أولئك الحفّاظ، والجهابذة النّقاد: محمد بن إسماعيل البخاري، الذي وضع كتاب: "الجامع الصّحيح"، فكان أوّل مصنَّفٍ في الصّحيح المجرّد، واتّفق جمهور العلماء على أنّه بالجملة أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى.

وقد تفانى أهل العلم قديماً وحديثاً في شرحه، وكان من بين أولئك العلماء: محمّد بن عبد الدّائم البرماوي، المتوفّى سنه (831) هـ، حيث وضع كتابه: "اللامع الصّبيح بشرح الجامع الصّحيح".

وتتجلَّى أهمية كتاب "اللامع الصبيح بشرح الجامع الصّحيح" للشّيخ البِرماوي رحمه الله أنه جمع بين شرحين هامين للجامع الصّحيح، وهما "الكواكب الدَّراري" للكرماني، و"التنقيح" للزَّرْكَشِي في كتابٍ واحدٍِ مع الاختصار، وحذف ما وقع فيهما من التكرار، وزاد على ذلك فوائد لا يُستغنى عنها تلقّاها من شيخه شيخ الإسلام أبي حفص عمر البُلقيني، ودَفعَ فيه بعض الاعتراضات التي وجّهت للجامع الصّحيح، بالإضافة لما تضمنه الكتاب من مسائل متفرقة في شتى العلوم.

وهذا بحث بسيط من ورقات عن الإمام البِرماوي وكتابه ضمنته ثلاثة أبحاث:
المبحث الأول: لمحة تاريخية موجزة عن عصر الإمام البِرماوي.

المبحث الثاني: التعريف بالإمام البِرْمَاوي شارح صحيح البخاري.

المبحث الثّالث: التعريف بكتاب اللّامع الصّبيح للإمام البِرماوي.

المبحث الأول: لمحة تاريخية موجزة عن عصر الإمام البرماوي:
الحالة السّياسية
التعريف بالمماليك
أهمّ سمات هذا العصر
الحياة الاجتماعية
الحياة العلمية والدّينية
أهم المراكز العلمية في عهد المماليك (المكاتب، المدارس، الجوامع، خزائن الكتب)
الخلفاء من بني العباس الذين كانوا في عصر الإمام البرماوي
بعض الأحداث السّياسية والطّبيعية والاجتماعية والدّينيّة في عصر الشّيخ البرماوي
بسم الله الرحمن الرحيم
لمحة تاريخية موجزة عن عصر الإمام البرماوي
الحالة السّياسية:
عاش الشّيخ البرماوي بين عامي (763) هـ و(831) هـ، وكان ذلك في ظلّ الخلافة العباسية التي كان مركزها مصر بعد سقوط بغداد سنة (626) هـ على أيدي المغول، ولكنّ الحكم الفعلي للبلاد لم يكن في تلك الحقبة من الزّمان بيد الخليفة العباسي بل كان بيد المماليك الذين امتلكوا القوة العسكرية، فالخليفة العبّاسي لم يَعُدْ له سوى حضوره الأدبي والروحي باعتباره أمير المؤمنين، واكتُفِيَ بأنْ يُدعَى له على المنابر، وكان يظهر في المناسبات الوطنية والدّينية[1].

التعريف بالمماليك:
اتّخذت كلمة (مماليك) في التّاريخ الإسلامي مدلولاً خاصاً حيث يُطلَق هذا اللّفظ على أصحاب الدّولة التي كَوَّنَهَا هؤلاء المماليك دون مَنْ تَقَدَّمَهُم من الأيوبيين والفاطميين أو مَن تأخّر عنهم من العثمانيين، والذين استمرّ حكمهم قرابة ثلاثة قرون من عام (648) هـ، وهي فترة انقضاء عهد الأيوبيين، وانتهى عصرهم بحدود عام (923) هـ[2].

وكان أوّل مَن استقْدَمَهُم إلى مصر وجعلهم عمدة جيشه أحمد بن طُولون[3].

وينقسم المماليك إلى دولتين:
الدّولة البحرية: حكمت نحو مائة وثلاثين سنة، من سنة (648) هـ، إلى سنة (784) هـ. مؤسِّسها: "عزّ الدّين أَيبك".

قد سبق أنّ ابن طولون أوّل مَن استقدمهم لمصر، وتزايد عددهم في عهد الملك نجم الدّين أيوب، فاستكثر منهم، ونشّأهم نشأةً عسكريةً، فعاثُوا في الأرض فساداً ونهباً، فبنى لهم نجم الدّين قلعةً خاصّة بجزيرة الروضة ليقيموا بها، فمن هنا سُمُّوا: "البحرية"، وعلى يدهم انتقل المُلْكُ من بني أيوب إلى المماليك، وتعاقب منهم على العرش (24) مَلِكاً، من بينهم (14) مَلِكاً من أسرة قلاوون[4].

وأمّا الدّولة الثّانية: فهي البُرجية أو الجركسية، حكمت من سنة (784) هـ، إلى سنة (923) هـ. أمّا تسميتهم بالبُرجية فلأنّ النّاصر قلاوون أكثر من شرائهم وأسكنهم أبراج القلعة فسمّوا بالبُرجية. وأمّا الجركسية: لأنّ غالب سلاطينهم كان من أصلٍ جَرْكَسيّ[5].

والحقّ أنّهما لا تفترقان في شيءٍ جوهريٍّ، فالملوك مِن معتوقي المماليك أو أبناءهم. وكذا اتّبعوا في الحُكْمِ نظاماً واحداً، وفي عهدهم كُبِح جماح التّتار والفرنجة والسّلاجقة[6].

بَرَزَ من دولة المماليك بشقّيها رجالٌ عظامٌ مثل: "بيبرس وقلاوون وبرسباي".

أهمّ سمات هذا العصر تتلخّصُ في نقاطٍ هي:
- العصبيّة: فلكلّ أميرٍ عصبيّتهُ من المماليك، ومن هنا كَثُرَتِ الانقلابات العسكرية السّياسية على منصب السّلطة.

- المماليك لم يختلطوا بسكان البلاد الأصليين، ولم يتزوجوا منهم، محافظةً على نقاوة جنسهم.

- الانقسام الدّاخلي بين المماليك مع أنّ ذلك لم يُؤثِّر على وحدتهم خارجياً.

- كثرة الضّرائب والمغارم، مع وجود الأمراض وقلّة مياه النّيل[7].

الحياة الاجتماعية:
قال ابن خلدون عن تلك الحقبة: "فمُلْكُ مصر في غاية الدَّعَةِ ... إنّما هو سلطانٌ ورعيةٌ"[8].

فكان المجتمع مجتمعاً طبقياً، طبقةٌ حاكمةٌ مسيطرةٌ تمثّل السّادة من المماليك، وطبقةٌ من المحكومين المغلوبين على أمرهم، وهو يُمثّلون فئات الشّعب من أهل مصر.

فلم تكن العلاقة بين السّلطان والرعية قائمةٌ على أساس الحقوق والواجبات المتبادلة، بل على الضرائب التي كانت تُعْرَفُ باسم المظالم والمغارم[9].

وقد قسّم المقريزي المتوفّى سنة (845) هـ المصريين في عهده إلى سبع فئات وهم:
- أهل الدولة، وهم المماليك الذين سيطرو على البلاد.
- مياسير التّجار وأولو النّعمة.
- أصحاب البزّ وأرباب المعايش.
- أصحاب الفلاحة والحَرْث.
- الفقهاء وطلاب العلم.
- أرباب المهن والأجراء والحمّالون والخدم.
- أهل الخَصَاصَةِ والمسكنة[10].

الحياة العلمية والدّينية:
على الرغم من النّزاعات والفتن الدّاخلية، والحروب الخارجية في عصر المماليك، فإنّه عصرٌ تجلّت فيه حركةٌ على مختلف الأصعدة، فغدت مصر في عصر المماليك ميداناً لنشاطٍ علميٍّ زاخرٍ، يَدُلُّ على ذلك التّراث الضّخم الذي أُلِّفَ في تلك الفترة[11].

فقد تضافرت عدّة جهود في ازدهار هذا النشاط العلمي منها:
- تشجيع بعض سلاطين المماليك للعلم والعلماء من دافع الغيرة على الدّين والشّعور بالمسؤولية، فلقد كان لهم دورهم الحضاري حيث زادت المؤسسات التعليمية والدّينية.

- عَقْدُ المجالس العلمية والدّينيّة.

- رَصْدُ الأوقاف للمدارس، والمساجد، ودور التّعليم[12].

أهم المراكز العلمية في عهد المماليك:
المكاتب:
وهي عبارة عن مرحلة التعليم الأساسي في أيّامنا، حيث مناهج التعليم فيها: تعليم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب والعربية، وتعليم القرآن وآداب الدّين.

عُرِف من المكاتب نوعان:
الأوّل: المكاتب الأهلية: وهي التي يتمّ التعليم فيها بأجرٍ.

الثاني: المكاتب العامة: وهي بدون أجرٍ للأيتام والفقراء المعْدَمِين[13].

المدارس:
قال ابن بطُّوطة عن مدارس مصر: "لا يُحيط أحدٌ بحصْرها لكثرتها"[14].

اهتم الأمراء في عهد المماليك بإنفاق الأموال لبناء المدارس، ووقفوا لها الأوقاف، ومن تلك المدارس:

المدرسة الحجازية: أُنْشِأَت عام (761) هـ، كان يُدَرّسُ فيها الفقه الشّافعي والمالكي، وبها خزانةٌ للكتب.

المدرسة الجمالية: أُنْشِأَت عام (730) هـ، كان يُدَرَّسُ فيها الفقه الحنفي.

المدرسة المحمودية: أُنْشِأَت عام (797) هـ.

المدرسة البرقوقية: أُنْشِأَت عام (783) هـ.

مدرسة السّلطان حسن بالقلعة: من أضخم مدارس القاهرة، تضمّ أربع مدارس، كلُّ واحدةٍ منها تختصّ بمذهبٍ معيّنٍ من المذاهب الأربعة. وغيرها[15].

الجوامع:
مع وجود المدارس وكثرتها بقيت المساجد تقوم بدورها الشّعائري العبادي إلى جانب دورها التعليمي، ومن أبرز هذه الجوامع:

- جامع عمرو بن العاص: أسّسه فاتح مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه، وذلك عام (21) هـ في الفسطاط، ويُقال له الجامع العتيق، وهو أوّل مسجدٍ أسِّسَ في الدّيار المصرية، وامتاز في ذلك العصر بكثيرٍ من الدّراسات الدّينية واللّغوية والأدبية[16].

- جامع ابن طولون: تمّ بناؤه سنة (266) هـ، وفي عهد المماليك كانت تُعقَد فيه دروسٌ في التفسير، والحديث، والفقه على المذاهب الأربعة، والقرآت، والطبّ، والميقات[17].

- الجامع الأزهر: تمّ بناؤه سنة (361) هـ، أغدق عليه المماليك الأموال، وأمّه كثيرٌ من النّاس من شتّى البقاع، وكانت تُدَرَّسُ فيه علوم الدّين، والمذاهب الأربعة، واللّغة، والآداب[18].

خزائن الكتب:
قلّ في ذلك العصر أنْ تُبْنَى مدرسةٌ أو مسجدٌ أو دارٌ تعليمية إلا وتُزَوَّدُ بخزانةِ كتبٍ تُعِينُ المدرسين والطّلاب، وكان سلاطين المماليك أنفسهم قد احتفظوا بخزانة كتبٍ كبيرةٍِ جليلةٍ حَوَتْ الكتب الدّينية وغيرها[19]. ومن هذه الخزائن:

خزانة الكتب بجامع الحاكم بأمر الله.

خزانة الكتب بالقبّة المنصورية.

خزانة الكتب بالمدرسة النّاصرية.

خزانة الكتب بالمدرسة الحجازية.

خزانة الكتب بجامع المؤيّد. وغيرها[20].

الخلفاء من بني العباس الذين كانوا في عصر الإمام البرماوي:
المتوكل على الله محمّد بن المعتضد بالله بن المستكفي بالله، فترة خلافته من سنة (763) هـ، إلى سنة (805) هـ.

الواثق بالله عمر بن إبراهيم بن المستمسك بالله بن الحاكم، فترة خلافته من سنة (805) هـ، إلى سنة (808) هـ.

المستعصم بالله زكريا بن إبراهيم بن المستمسك بالله، فترة خلافته خلال عام (808) هـ.

المستعين بالله العباس بن المتوكل، فترة خلافته من سنة (808) هـ، إلى سنة (815) هـ.

المعتضد بالله داود بن المتوكل، فترة خلافته من سنة (815) هـ، إلى سنة (824) هـ([21]).

المستكفي بالله سليمان بن المتوكل، فترة خلافته من سنة (825) هـ، إلى سنة (854) هـ. وفي فترة خلافته كانت وفاة الشّارح شمس الدّين البرماوي رحمه الله[22].

بعض الأحداث السّياسية والطّبيعية والاجتماعية والدّينيّة في عصر البرماوي:

في سنة (769) هـ وقع وباءٌ بالدّيار المصرية حتى بلغ عدد الموتى في اليوم أكثر من ألفِ نَفْسٍ، وأقام نحو الأربعة أشهر وارتفع[23].

في نفس السّنة (769) هـ قصدت الفرنج مدينة طرابلس الشّام[24].

في سنة (772) ظهر في الشّام وحمص وحلب بعد العشاء حمرةٌ عظيمةٌ كأنّها الجَمْرُ، وصارت في خلال النجوم كالعُمُدِ البيض حتى سدّت الأفُقَ ودام إلى الفجر، فَخَفِيَ بسببه ضوء القمر، فتباكَى النّاس وضَجُّوا بالدّعاء.

في سنة (773) هـ أحدث السّلطان الملك الأشرف العلامة الخضراء، حيث وضعها الشّرفاء من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم[25].

في سنة (774) هـ حدثَ وباءٌ بدمشق دام حوالي ستة أشهر، وبلغ عدد الموتى في كلّ يومٍ مائتي نفر[26].

في سنة (781) هـ حلَّ الطّاعون بالدّيار المصرية وضواحيها، ومات فيها عالَمٌ كثيرٌ[27].

في سنة (785) هـ أحدث المؤذنون عقب الأذان الصّلاة والتسليم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وذلك بأمر نجم الدّين الطنبذي المحتسب[28].

في سنة (787) هـ حدث طاعونٌ عظيمٌ بحلب، بلغَ عدّة الموتى فيه في كلّ يوم ألفَ نفسٍ[29].

في سنة (790) هـ أصاب الحجَّاج في رجوعهم ليلة تاسع المحرم سيلٌ عظيمٌ، مات فيه عددٌ منهم غرَقاً[30].

في سنة (795) هـ عاث تيمورلنك بالعراق، وخرّب بغداد وتبريز وشيراز وغيرها، ووصلَ خبر ضرره إلى مصر، فارتاع كلّ قلبٍ لما يُحْكَى عنه، فإنّه أوسع القتلَ والنّهب والأَسْرَ ببغداد وما حولها وما داناها، ثم توجه نحو الشَّمَال[31].

في سنة (803) هـ كان ورود تيمورلنك إلى البلاد الشّامية، ومات بسيفه ولقدومه خلائقُ لا يعلمُها إلا الله تعالى[32].

في سنة (813) ضرب الطّاعون بالدّيار المصرية، ومات منه عدّةٌ كبيرةٌ من النّاس.

في سنة (816) هـ ظهر الخارجي الذي ادّعى أنّه السّفيانيّ، وهو رجلٌ عجلونيٌّ يٌسمَّى عثمان بن ثقالة، اشتغل بالفقه قليلاً بدمشق، ثم قدم عجلون فنزل بقرية الجيدور، ودعا إلى نفسه، فاجتمع عليه خلقٌ كثيرٌ من عربٍ وتُرْكٍ، وعمل له ألويةً خضراء، وبثّ كتُبَهُ إلى النّواحي، فسار إليه في أوائل ربيع الآخر غانم الغزاوي وجهز إليه طائفة وطرقوه وهو بجامع عجلون، فقاتلهم فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من أصحابه، فاعْتُقِلَ الأربعةُ، وكتب إلى المؤيّد بخبره، فأرسلهم إلى قلعة صرخ[33].

في سنة (817) هـ دخل الفرنج مدينة سبتة من بلاد المغرب وخرّبوها، وأخذوا ما كان فيها من الأموال والذّخائر حتى الكتب العلمية، وتركوها قاعاً خراباً[34].

في سنة (819) هـ أمر السّلطان الخطباء إذا وصلوا إلى الدّعاء له في الخطبة أنْ يهبطوا من المنبر درجةً أدباً ليكون اسم الله ورسوله في مكانٍ أعلى من المكان الذي يُذكر فيه السّلطان، فصُنِعَ ذلكَ واستمرّ[35].

في سنة (825) هـ أخذ الفرنج مدينة سبتة من أيدي المسلمين.

وفيها كان الطّاعون الشّديد بحلب حتى خَلَى أكثر البلد من النّاس[36].

المبحث الثاني: التعريف بالإمام البِرْمَاوي شارح صحيح البخاري، وفيه:
اسمه ونسبه
ولادته ونشأته
شيوخه
تلامذته
من اشتهر من العلماء في عصره
الوظائف التي شَغَلَهَا
وفاته
آثاره ومصنفاته
ثناء العلماء عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
التعريف بالإمام البِرْمَاوي[37]
اسمه ونسبه:
محمّد بن عبد الدّائم بن موسى بن عبد الدّائم بن فارس بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم، النُّعَيْمِي[38]، العسقلاني[39]، البِرماوي[40]، القَاهري.

كنيته أبو عبد الله. لقبه شمس الدّين، وعُرِفَ بالشّمس البرماوي[41].

ولادته ونشأته:
ولد الشّمس البرماوي في منتصف ذي القعدة من سنة (763) هـ.

كان أبوه زين الدّين عبد الدّائم مؤدِّباً لأطفال بلدته بِرمة، فنشأ في حجره فحفظ على يديه القرآن الكريم، وكتباً.

بعض شيوخه:
قال السّخاوي: "أوّل ما تخرّج بقريبه المجد إسماعيل، ولازم البدر الزّركشي، وتمهر به، وحرّر بعض تصانيفه، وحضر دروس البُلقيني وقرأ عليه، وأخذ أيضاً عن الأبناسي، وابن الملقّن، والعراقي وغيرهم ..."[42].

ذكر مترجموه عدداً لا بأس به من شيوخه، وبعضهم يُعدّ من كبار علماء ذلك العصر، منهم:
المجد إسماعيل البرماوي شيخه، المتوفَّى سنة (834) هـ.

وفخر الدّين، إبراهيم بن إسحاق الآمدي، المتوفَّى سنة (778) هـ.

وإبراهيم بن عبد الرحيم بن جماعة، برهان الدّين، المتوفَّى سنة (790) هـ.

والبدر الزّركشي، محمّد بن بهادر، المتوفَّى سنة (794) هـ.

وإبراهيم بن أحمد التنوخي، المتوفَّى سنة (800) هـ.

وبرهان الدّين، إبراهيم بن موسى الأبناسي، المتوفَّى سنة (801) هـ.

وابن الملقِّن، عمر بن علي بن أحمد سراج الدّين، المتوفَّى سنة (804) هـ.

والسّراج البُلقيني، عمر بن رسلان، المتوفَّى سنة (805) هـ.

وزين الدّين العراقي، عبد الرحيم بن الحسين، المتوفّى سنة (806) هـ.

وابن الفصيح الصمداني، عبد الرّحيم بن أحمد، المتوفَّى سنة (795) هـ.

وآخرين غيرهم[43].

تلامذته:
قال السّخاوي: "انتفع به خلقٌ بحيث صار طلبته رؤوساً في حياته"، وقال: "انتشرت تلامذته في الآفاق"، وقال: "وحدّث بالقاهرة، ومكّة، ودمشق، وبيت المقدس"[44]. نذكر منهم:

المُناوي، علي بن أحمد بن عثمان، المتوفَّى سنة (877) هـ.

الجلال المحلّي، محمّد بن أحمد، المتوفَّى سنة (864) هـ.

عمر بن حسين العبّادي، المتوفَّى سنة (885) هـ.

ابن ناصر الدّين الدمشقي، محمّد بن أبي بكر بن عبد الله، المتوفَّى سنة (842) هـ.

وزين الدّين، رضوان بن محمّد بن يوسف القاهري، المتوفَّى سنة (852) هـ.

وتقي الدّين، محمّد بن محمّد بن محمّد بن فهد الهاشمي المكّي، المتوفَّى سنة (871) هـ. وآخرين غيرهم[45].

من اشتهر من العلماء في عصره:
شهد عصر شمس الدّين البرماوي وجود ثلّةٍ من كبار العلماء المصنفين، نذكر منهم:

تاج الدّين السُبكي، المتوفَّى سنة (771) هـ.

الإسنوي جمال الدّين، المتوفَّى سنة (772) هـ.

ابن كثير الدّمشقي، المتوفَّى سنة (774) هـ.

ابن رجب الحنبلي، المتوفَّى سنة (795) هـ.

ابن حجَر الهيثمي، المتوفَّى سنة (807) هـ.

ابن الجزري، المتوفَّى سنة (833) هـ.

الحافظ ابن حجر العسقلاني، المتوفَّى سنة (852) هـ. وغيرهم.

الوظائف التي شَغَلَهَا:
بعد إفتائه وتدريسه بمصر استدعاه القاضي نجم الدّين بن حجِّي ـ وكان رافقه في الطّلب عند شيخهما الزّركشي - إلى دمشق سنة (821) هـ، فأكرمه القاضي، واستنابه في الحكم وفي الخطابة.

ووُلِّي إفتاء دار العدل، ثم تدريس الرواحية[46] ونَظَرَهَا، ثمّ تدريس الأمينية[47] لكن قُدّر له أن يُدرّس بها يوماً واحداً لمجيء خبر موت ولده محمّد بالطّاعون ولم يكمل العشرين سنة من عمره، زوّده القاضي ابن حجِّي عند رجوعه إلى مصر، وكتب له إلى معارفه بالقاهرة، فوصلها سنة (826) هـ، وقد اتّسع حالُه، فتصدى للإفتاء والتدريس والتصنيف، وباشر وظائف الولي العراقي بعد موته.

وفي القاهرة عُيِّن لتدريس الفقه بالمُؤَيَّدِيَّ ة[48]، وتدريس التفسير بالمنصورية[49].

وفي سنة (830) هـ ارتحل إلى بيت المقدس، وهناك تولّى التدريس في الصّلاحية[50] بالقدس، ثمّ نَظَرَها، ولم يزل قائماً بنشر العلم تصنيفاً وإقراءً حتى مات بها[51].

وفاته:
مات رحمه الله في القدس متعللاً بالقرحة، وذلك يوم الخميس ثاني عشر جمادى الثّانية سنة (831) هـ ودُفِنَ في مقبرة ماملا رحمه الله تعالى[52].

آثاره ومصنفاته[53]:
ترك الشّمس البرماوي مجموعةً من التصانيف في الحديث النّبوي، والفقه على مذهب الإمام الشّافعي، وبعضها في علوم العربية والتّاريخ، منها ما هو تأليف، ومنها ماهو شرحٌ وتعليقٌ وتلخيصٌ، وفيها أراجيز منظومة لتسهيل حفظها على طلبة العلم.

ففي الفقه:
1) تلخيص المهمات على الروضة للإسْنَوي.

2) شرح البهجة الوردية: وهو منظومة للحاوي الصّغير في الفروع لعبد الغفار القزويني ألّفها عمر بن مظفر الوردي.

3) شرح العمدة في فروع الشّافعية للإمام الشّاشي.

4) منهج الرائض بضوابط الفرائض: منظومة في الفرائض، وقد قام بشرحها.

5) شرح خطبة المنهاج للنّووي في مجلد كبير.

وفي الأصول:
6) ألفية في الأصول، ثمّ شرحها وسماه: النبذة الألفية في الأصول الفقهية، واعتمد فيها على البحر المحيط لشيخه الزّركشي[54].

وفي الحديث:
7) جمع العدّة لفهم العمدة: شرح فيه عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي، قال السَّخَاوي: "وقد لخصه من شرحها لشيخه ابن الملقِّن من غير إفصاحٍ بذلك مع زياداتٍ يسيرةٍ"[55].

8) شرح ثلاثيات البخاري.

9) اللامع الصّبيح بشرح الجامع الصّحيح، وسيأتي الكلام عنه.

وفي التصوف:
10) تلخيص قوت القلوب لأبي طالب المكّي.

وفي اللّغة:
11) شرح الصُّدور بشرح زوائد الشّذور.

12) شرح لامية الأفعال لابن مالك.

13) شرح اللُّمحة البدرية في علم العربية لأبي حيان الأندلسي.

14) المقدّمة الشّافية في علمي العروض والقافية.

وفي التّاريخ والسِّيَر:
15) مختصر في السّيرة النّبوية وكتبَ عليها حاشيةً.

16) الزّهر البسّام فيما حوته عُمْدَةُ الأحكام من الأنام: وهو أرجوزة ابتدأ فيها بالنّبي صلى الله عليه وسلم ثمّ الخلفاء الأربعة، والباقي على حروف المعجم، ثم شرحها وسمّاه: سرح النّهر بشرح الزّهر.

ثناء العلماء عليه:
قال الحافظ تاج الدّين بن الغرابيلي الكركي: "هو أحد الأئمّة الأجلّاء، والبحر الذي لا تكدره الدّلاء، فريد دهره، ووحيد عصره، ما رأيتُ أقعدَ منه بفنون العلوم مع ما كان عليه من التواضع والخير، وصنّف التصانيف المفيدة ... وحشَّى الحواشي المفيدة، وعَلَّق التعاليق النّفيسة، والفتاوى العجيبة، وكان من عجائبِ دهره"[56].

قال الحافظ ابن حجر: "كان حَسَنُ الخطٍّ، كثير المحفوظ، قويُّ الهمّة في شغل الطّلبة، حسن التودد، لطيف الأخلاق، ضيّق المال، كثير الهمّ بسبب ذلك، ثم اتسع حاله بآخِرَةٍ".

وقال: "كان للطّلبة به نفعٌ، وفي كلّ سنةٍ يتمّ كتاباً من المختصرات فيأتي على آخره ويعمل له وليمة"[57].

وقال ابن قاضي شَهْبَة: "وَفَضَلَ وَتَمَيَّزَ في الفقه والحديث والنّحو والأصول، وكانت معرفته بهذه العلوم الثّلاثة أكثر من معرفته بالفقه"[58].

وقال فيه السَّخَاوي: "وكان إماماً علّامة في الفقه وأصوله والعربية وغيرها، مع حسن الخطِّ، والنَّظْمِ، والتودُّد، ولُطْفِ الأخلاقِ، وكَثْرَةِ المحفوظ، والتلاوة، والوقار، والتواضع، وقلَّة الكلام، ذا شيبة نَيِّرَة، وهمَّةٍ عليةٍ في شغْل الطّلبة وتفريغ نفسه لهم"[59].

المبحث الثّالث: التعريف بكتاب اللّامع الصّبيح، وفيه:
تحقيق اسم الكتاب
صحة نسبة الكتاب لمؤلّفه
سبب تأليف الكتاب
بيان للرموز الواردة في "اللّامع الصّبيح"
ترجمة موجزة لبعض العلماء الذين أكثر البرماويُّ النقل عنهم:
(الكَِرماني – الزَّرْكَشِي - القاضي عِياض - ابن بطَّال المالكي - الإمام الخطّابي - الإمام النّووي - المهلّب بن أبي صُفرة)
وصف بعض النّسخ المخطوطة.

تعريف بكتاب اللّامع الصّبيح للإمام البرماوي
تحقيق اسم الكتاب:
اسم الكتاب كمّا سمّاه مؤلّفه قد جاء في مقدمته قول البرماوي: "وقد سمّيته اللامع الصّبيح بشرح الجامع الصّحيح". وذكر النُّسَّاخ هذا الاسم على غلاف المخطوط.

ولا يُعلم في عنوانه خلافٌ يُذكر إلا في حرف الجر:
فذكر بعض النُّسَّاخ في الصّفحة الأخيرة: "اللّامع الصّبيح لشرح الجامع الصّحيح"[60].

أمّا مصنفو تراجم الكتب:
فمنهم من ذكر العنوان كاملاً مع اختلاف في حرف الجر كحاجِّي خليفة وإسماعيل باشا فقالا: "اللّامع الصّبيح في شرح الجامع الصّحيح"[61].

أمّا الزركلي وكحالة فقالا: "اللّامع الصّبيح على الجامع الصّحيح"[62].

وأمّا شرّاح الحديث، ومترجموا الأعلام:
فمنهم من اقتصر على جزء من العنوان كالقسطلاني والمباركفوري، فقالا: "اللّامع الصّبيح"[63].

ومنهم مَن قال: "ومن مصنفاته شرح البخاري" كابن حجر العسقلاني والسّخاوي وابن العماد والشّوكاني[64].

صحة نسبة الكتاب لمؤلّفه:
إثبات صحّة نسبة كتاب: "اللّامع الصّبيح" للشّيخ محمّد بن عبد الدّائم البرماوي كان من خلال ما صرَّح به النُّسَّاخ من كتابة اسم الشّيخ على غلاف المخطوط وآخر صفحةٍ منه، وأيضاً من خلال ما ذكره مصنفو تراجم الأعلام والكتب، وكذلك شرَّاح الحديث كما سبق.

سبب تأليف الكتاب:
ذكر الشّارح ـ رحمه الله ـ في مقدمة شرحه: "اللّامع الصّبيح" سبب تأليف الكتاب، فقال بعد ذكر فضل كتاب الصّحيح: "وقد لهج أهل هذا الزّمان، في مصر ونحوها من البلدان، بكتابين أحدهما: شرح العلامة شمس الدّين الكرماني نحو خمسة أسفار، تتبّع فيها ألفاظه وأوضحها بالضّبط والإعراب بأحسن اختصار، وشحنه بفوائد كثيرة، ولطائفَ غزيرة، إلا أنّه كرّر فيه كثيراً، لا سيما في التراجم والأسماء فإنّه زاد تكريراً، وربما أغلق في بعض العبارة، وأطال بما يمكن أنْ يُشار إليه بأخصر إشارة، وربما قدَّم ما يحسن تأخيره، وأخَّر ما يحسن تقديمه وتوفيره، وربما غاير بين أقوالٍ راجعة في المعنى إلى واحدٍ، حتى كاد أن يُلَبِّس في ذلك المقاصد.

والثّاني: كتاب التنقيح، سِفرٌ كبير جمعه شيخنا الإمام العلامة بدر الدين محمّد الزّركشي، في ضبط ألفاظه وبيان غريبها وإعراب ما أشكل، والجواب عمّا لعله يُستشكل، فعمَّ نفع هذين الكتابين ببركة قصدهما الجميل، وفضلهما الجزيل، لكنْ ربّما وقع فيهما بعض أوهام، ولا سيما التنقيح فربما وقع فيه تصحيف من النّساخ لاستغلاق خط مصنِّفه الدّقيق مع قصور الأفهام، وربما تعرَّض لبيان الواضح، لقصده في الأصل نفع المبتدي في قراءة البخاري ... فأردتُ أنْ أجمع بين هذين الكتابين باختصار ..."[65]. ثمّ بيّن منهجه في هذا الاختصار، وسيأتي.

بيان للرموز الواردة في اللّامع الصّبيح:
بيَّن الشيخ رحمه الله في مقدمة شرحه أنّه قام بوضع بعض الرّموز للدّلالة على بعض العلماء الذين يُكثر من النّقل عنهم.

قال البرماوي: "ولطلب الاختصار أيضاً رمزتُ في ذكري للكرماني بحرف كـ، وللزّركشي ش، وللقاضي عياض ع، ولابن بطّال ط، وللخطّابي خ، وللنّووي ن، وهذه السّتة تتكرر كثيراً، وهذا كما يشير النُّحَاة إلى سيبويه بحرف س، وللكوفيين بحرف كو، وللبصريين بص، وغير ذلك"[66].

ومن ذلك يعُلَم مصادر الشّارح البرماوي في كتابه.

ترجمة موجزة لبعض العلماء الذين أكثر البرماويُّ النقل عنهم:
وفيما يلي ترجمة موجزة لأئمّة الحديث الذين ذكرهم البرماوي، ونقل عنهم، على حسب ترتيبه هو مع بيان كتبهم التي نقل الشّارح منها:

الكَِرماني:
هو محمّد بن يوسف بن علي الكَِرماني، الشّافعي، شمس الدّين، ولد سنة (717) هـ، من علماء الحديث واللّغة والمنطق، من مصنفاته: "ضمائر القرآن، والنّقود والردود في الأصول"، مات سنة (786) هـ[67].

وأمّا كتابه الذي اختصره البرماوي فهو "الكواكب الدّراري في شرح صحيح البخاري"، فقد سبق كلام الشّارح البرماوي فيه في بيان سبب تأليف الكتاب.

وقال حاجي خليفة عنه: "وهو شرحٌ وسطٌ، مشهورٌ بالقول، جامعٌ لفرائد الفوائد، وزوائد الفرائد، وسمّاه مؤلفه "الكواكب الدراري"، وذكر فيه أنّ علم الحديث أفضل العلوم، وكتاب البخاري أجلُّ الكتب نقلاً، وأكثرها تعديلاً وضبطاً، فشرح الألفاظ اللّغوية، ووجَّه الأعاريب النّحوية البعيدة، وضبَط الروايات، وأسماء الرجال، وألقاب الرواة، ووفَّق بين الأحاديث المتنافية، وفرغ منه بمكة المكرمة سنة (775) هـ"[68].

قال ابن حجر فيه: "وهو شرحٌ مفيدٌ على أوهامٍ فيه في النّقل، لأنّه لم يأخذه إلا من الصّحف"[69].

وقال ابن قاضي شهبة: "شرح البخاري شرحاً جيداً في أربع مجلدات، وفيه أوهامٌ فاحشةٌ وتكرارٌ كثيرٌ لا سيما في ضبط أسماء الرّواة"[70].

الزَّرْكَشِي:
وهو من شيوخ البرماوي كما سبق في بيان شيوخه[71]، وهو: أبو عبد الله، محمّد بن بهادُر الزَّرْكَشِي، بدر الدّين، الشّافعي، ولد سنة (745) هـ، من كبار العلماء بالفقه والأصول، من تصانيفه: "التنقيح لألفاظ الجامع الصّحيح، والبحر المحيط في أصول الفقه"، مات سنة (749) هـ([72]).

أما عن كتابه الذي اختصره البرماوي فهو: "التنقيح لألفاظ الجامع الصّحيح"، فقد سبق كلام الشّارح البرماوي فيه في بيان سبب تأليف الكتاب.

وقال حاجي خليفة عن كتابه: "هو شرحٌ مختصرٌ في مجلد، قصد فيه إيضاح غريبه، وإعراب غامضه، وضبْط نَسَبٍ، أو اسم يُخشى فيه التصحيف، منتخباً من الأقوال أصحّها، ومن المعاني أوضحها، مع إيجاز العبارة والرمز بالإشارة، وإلحاق فوائد يكاد يستغني به اللبيب عن الشّروح، لأنَّ أكثر الحديث ظاهر لا يحتاج إلى بيان، كذا قال، وسماه التنقيح، وعليه نكت للحافظ ابن حجر، وهي تعليقة بالقول ولم تكمل"[73].

وقال ابن حجر: "وشرع الزّركشي في شرح البخاري فتركه مسودة، وقفت على بعضها، ولخّص منه التنقيح"[74].

القاضي عِياض:
أبو الفضل، عِياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، المالكي، ولد سنة (476) هـ، من كبار المحدثين، ومن العلماء بكلام العرب وأنسابهم وأيامهم، مات بمراكش سنة (544) هـ[75]. من مصنفاته: "إكمال المعلم بفوائد مسلم، ومشارق الأنوار على صحاح الآثار"، وهذا الأخير هو الذي أكثر النقلَ منه البرماويّ، حيث إنّ القاضي جمع الألفاظ الغريبة والمشكلة الواردة في الصّحيحين والموطأ، وضبطها، وشرحها، وضبط الأسماء والكنى والأنساب، وأسماء الأماكن والبلدان، مع التنبيه على ما يقع في ذلك من وهم أو تصحيف أو لبس، ومع التنبيه أيضاً على اختلاف ألفاظ الرواة، وقد اختصره ابن قُرقُول في كتاب سماه: "مطالع الأنوار على صحاح الآثار"[76]. فأكثر البرماوي في الأخذ منه في ذكر اختلاف روايات الصّحيح.

ابن بطَّال المالكي:
أبو الحسن، علي بن خلف بن عبد الملك بن بَطَّال القرطبي، من كبار المحدثين والفقهاء.

له شرحٌ لصحيح البخاري: وهو يهتم بالفقه المالكي مع ذكر مذاهب الفقهاء في المسائل، وهو من المصادر التي اعتمد عليها ابن حجر في فتح الباري، مات سنة (449) هـ[77].

قال حاجي خليفة عنه: "وغالبه فقه الإمام مالك من غير تعرض لموضوع الكتاب غالباً"[78].

ومنه نقلَ الكرماني المسائلَ الفقهية، ومذاهب العلماء فيها، وتبعه البرماوي في ذلك.

الإمام الخطّابي:
أبو سليمان، حَمد بن محمّد بن إبراهيم البُسْتِي، الخطَّابي، الشّافعي، ولد سنة (319) هـ، كان إماماً في الفقه والحديث واللّغة، مات سنة (388) هـ[79].

من مصنفاته: "معالم السّنن"، و"غريب الحديث" و"أعلام الحديث"[80]: وهذا الأخير شرحٌ مختصرٌ لصحيح البخاري، لم يشرح فيه مؤلفه سوى أحاديث لا تتجاوز ربع أحاديث صحيح البخاري تقريباً، تكلم فيه عن رجال الإسناد إن احتاج لذلك، وشرح غريب الحديث، وبيَّن بعض الأحكام الفقهية، والأصولية والعقدية بإيجاز، وكذا بعض الآداب الشرعية[81]. ومنه نقل البرماوي في اللّامع الصّبيح.

الإمام النّووي:
أبو زكريا، يحيى بن شرف، الملقّب محي الدّين، النّووي، الشّافعي، ولد في نَوَى سنة (631) هـ، من كبار أئمّة الحديث والفقه، مات سنة (676) هـ[82].

من مصنفاته: "المجموع شرح المهذب"، و"روضة الطّالبين وعمدة المفتين"، و"المنهاج في شرح صحيح مسلم": وهو شرح متوسط بين المختصرات والمطوَّلات، اشتمل على بيان أسماء الرّجال، وضبط المشكلات، وشرح الألفاظ، وبيان الأحكام الفقهية ومذاهب العلماء، وفيه فوائد كثيرة وعلوم غزيرة. وعنه أخذ البرماوي في اللّامع الصّبيح.

ومن الذين نقل عنهم البرماوي في شرحه وأكثر:
المهلّب بن أبي صُفرة:
أبو القاسم، المهلب بن أحمد بن أبي صفرة، أُسيد بن عبد الله الأسدي، الأندلسي، المربِّي، كان أحد الأئمّة الفصحاء، الموصوفين بالذَّكاء، شَرَح صحيح البخاري، روى عنه أبو عمر ابن الحذَّاء ووصَفَهُ: "بقوَّة الفَهْمِ وبرَاعة الذِهْنِ"، وُلِّيَ قضاء المرية، مات سنة (435) هـ[83].

وشَرْحُهُ للبخاري مفقود، نقل عنه البرماوي في اللّامع من شرح ابن بطّال، فإنّ المهلّب شيخ ابن بطّال وينقل عنه كثيراً.


وصف بعض النّسخ المخطوطة:
النسخة الأولى: محفوظة بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، تحت رقم /1997/.
وفيما يلي وصفه:

بلد المصدر: سورية - دمشق.

المكتبة: مكتبة دار الكتب الظّاهرية.

رقمه في مكتبة الأسد: (2344).

العنوان: اللّامع الصّبيح بشرح الجامع الصّحيح.

المؤلّف: محمّد بن عبد الدّائم البرماوي.

بدايته: أوّل كتاب الجنائز.

نهايته: باب: إثم الغادر للبر والفاجر، أي: آخر كتاب: الموادعة والجزية.

النّاسخ: محمّد بن العظمة.

تاريخ النّسخ: سنة (850) هجرية.

عدد الأوراق: (262).

عدد الأسطر: (27).

عدد الكلمات في السطر: (12).

نوع الخطّ: نسخي مقروء.

مميزات هذه النسخة:
- كُتِب على غلافها: وقف باسم الوزير أسعد بن إسماعيل باشا المتوفّى سنة (1171) هـ.

- وضع خاتم باسمه وخاتم باسم المكتبة الظاهرية.

- كُتب في أعلى بعض الأوراق: "وقف"، ووضع على الهوامش خاتم باسم أسعد بن إسماعيل باشا.

- وتمتاز هذه النسخة بأنها مصححة ومقابل عليها، بدليل الاستدراكات السّاقطة التي وضعت علىالحواشي مع بعض التعليقات.

- أسماء الأبواب والكلمات المشروحة كُتبت باللّون الأحمر.

- كُتب على الورقة الأولى: "من نعم الله على عبده عبد الكريم بن عبد الله بن علي بن محمود بن الحبال الغزي الشافعي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، آمين".

- المخطوط متأثر ببعض الرطوبة.

النسخة الثانية: محفوظة بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي تحت رقم /3639/.

وفيما يلي وصفه:
بلد المصدر: الولايات المتحدة الأمريكية، برنستون، نيوجيرسي.

مكتبة: جامعة برنستون.

رقمه في مكتبة جامعة برنستون (2372) (580).

العنوان: توضيح في الحديث على البخاري، اللّامع الصّبيح شرح الجامع الصّحيح.

المؤلّف: محمّد بن عبد الدّائم البرماوي.

بدايته: مقدمة البرماوي، "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه وسلم، الحمد لله المرشد إلى الجامع الصّحيح ...".

نهايته: باب: إثم الغادر للبر والفاجر، أي: آخر كتاب: الموادعة والجزية.

الناسخ: محمّد بن عبد الغالب الدّيري الحنفي.

تاريخ النّسخ: ربيع الأوّل سنة (906) هجرية.

عدد الأوراق: (347).

عدد الأسطر: (31).

عدد الكلمات في السطر: (14).

نوع الخطّ: نسخي جيد.

ملاحظات:
- أسماء الأبواب والكلمات المشروحة كُتبت باللون الأحمر.

- جاء في آخره قول ناسخه: "هذا تمام السّفر الأول من اللّامع الصّبيح لشرح الجامع الصّحيح، تأليف الشّيخ العلامة، بقية السلف، وعمدة الخلف، الجامع لأنواع العلوم الشرعية، والآخذ بزمام العقلية: أبي عبد الله محمّد بن عبد الدّائم البرماوي الشّافعي طيّب الله ثراه ...".

والحمد لله رب العالمين.

[1] انظر: عصر سلاطين المماليك (1/1/12)، وتاريخ الشّعوب الإسلامية لكارل بروكلمان (ص365)، والعصر المملوكي (ص226).

[2] انظر: عصر سلاطين المماليك (1/1/12).

[3] انظر: المرجع السّابق، وصبح الأعشى (3/491).

[4] انظر: عصر سلاطين المماليك (1/1/22).

[5] انظر: المرجع السّابق (1/1/41).

[6] انظر: عصر سلاطين المماليك (1/1/41).

[7] انظر: تاريخ المماليك البحرية، ومصر في العصور الوسطى (ص219)، وعصر سلاطين المماليك (1/1/290)، والعصر المملوكي (ص247).

[8] انظر: مقدمة ابن خلدون (ص183).

[9] انظر: موسوعة الحضارة العربية الإسلامية (ص8).

[10] انظر: إغاثة الأمّة بكشف الغمة (ص98).

[11] انظر: عصر سلاطين المماليك (1/2/21).

[12] انظر: صور من الحضارة العربية الإسلامية في سلطة المماليك (ص135)، وعصر سلاطين المماليك (1/2/22).

[13] انظر: الحركة العلمية في مصر (ص35).

[14] انظر: صبح الأعشى (3/364).

[15] انظر: موسوعة الحضارة العربية الإسلامية (3/47)، والعصر المملوكي (ص256).

[16] انظر: عصر سلاطين المماليك (1/2/33)، وموسوعة الحضارة العربية الإسلامية (3/32).

[17] انظر: حسن المحاضرة (2/154)، وموسوعة الحضارة العربية الإسلامية (3/34).

[18] انظر: المراجع السّابقة.

[19] انظر: موسوعة الحضارة العربية الإسلامية (3/67).

[20] انظر: عصر سلاطين المماليك (1/2/32).

[21] وهِم السّيوطي في عدّ الشّمس البرماوي ممّن مات في حياته. انظر: تاريخ الخلفاء (437).

[22] انظر: تاريخ الخلفاء (ص430) وما بعد.

[23] انظر: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (11/17).

[24] انظر: المرجع السّابق (11/56).

[25] انظر: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (11/56)، وشذرات الذّهب (6/225).

[26] انظر: شذرات الذّهب (6/229).

[27] انظر: المرجع السابق (11/60).

[28] انظر: شذرات الذّهب (6/285).

[29] انظر: المرجع السابق (6/294).

[30] انظر: المرجع السابق (6/309).

[31] انظر: المرجع السابق (6/336).

[32] انظر: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (12/166).

[33] انظر: شذرات الذّهب (7/114).

[34] انظر: المرجع السّابق (7/123).

[35] انظر: المرجع السّابق (7/133).

[36] انظر: المرجع السّابق (7/167).

[37] مصادر ترجمته: طبقات الشّافعية لابن قاضي شبهة (4/101)، وإنباء الغُمْر بأبناء العمر لابن حجر (2/60)، والضّوء اللّامع للسّخاوي (7/280)، وشذرات الذّهب لابن العماد (4/197)، والبدر الطّالع للشّوكاني (2/181)، وهدية العارفين لإسماعيل باشا (2/186)، والأعلام للزركلي (7/60)، ومعجم المؤلفين لرضا كحالحة (10/132).

[38] نسبة إلى نُعَيْم بن عبد الله المُجْمِر،أبو عبد الله، المدني، مولى آل عمر بن الخطاب، ثقة، وإنّما قيل له ذلك لأنّه كان يبخر المسجد بالطّيب، صحب أبا هريرة عشرين سنةً. قال ابن حجر: "وُصِفَ هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخران مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وزعم بعض العلماء أنَّ وَصْفَ عبد الله بذلك حقيقة ووصف ابنه نُعيم بذلك مجازاً". انظر: تهذيب التهذيب (10/414)، وهدي السّاري (ص235).

[39] نسبة إلى عَسْقَلان، مدينة في بلاد الشّام، على ساحل البحر في فلسطين. انظر: معجم البلدان (3/228).

[40] بكسر الباء، نسبة إلى بِرْمَة: بُليدةٌ فيها أسواق من نواحي الغربية في مصر على طريق الإسكندرية. انظر: معجم البلدان (1/403).

[41] انظر: الضّوء اللّامع (7/281).

[42] انظر: المرجع السّابق (7/281).

[43] انظر: الضّوء اللّامع (7/281)، وشذرات الذّهب (4/197)، والبدر الطّالع (2/181).

[44] الضوء اللّامع (7/282).

[45] انظر: الضّوء اللّامع (7/281)، وشذرات الذّهب (4/197)، والبدر الطّالع (2/181).

[46] المدرسة الرواحية: تقع في دمشق قرب الجامع الأموي، بناها هبة الله بن محمّد أحد التجار المعروفين، ووقفها على الشافعية، وفوَّض تدريسها ونظرها إلى الشّيخ ابن الصّلاح. انظر: الدارس في تاريخ المدارس (1/199).

[47] المدرسة الأمينية: تقع في دمشق قرب الجامع الأموي، قيلَ: إنّها أوّل مدرسةٍ بُنيت بدمشق للشّافعية، بناها أتابك العساكر كمشتكين بن عبد الله الطغتكيني. المرجع السابق (1/133).

[48] المدرسة المؤيدية: وقد أنشأها الملك المؤيد سنة (822) هـ. انظر: تاريخ الخلفاء (ص454).

[49] المدرسة المنصورية: تقع في القاهرة، أنشأها الملك المنصور سيف الدّين قلاوون عام (648) هـ. انظر: المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار للمقريزي (4/513).

[50] المدرسة الصلاحية: ويقال لها النّاصرية، بناها السّلطان نور الدين محمود الزنكي العادل، وتسمى الصّلاحية نسبة إلى الملك النّاصر صلاح الدّين الأيوبي فاتح القدس. انظر: الدّارس في تاريخ المدارس (1/250).

[51] انظر: طبقات الشّافعية (4/102)، وشذرات الذّهب (7/197). والضّوء اللامع (7/281).

[52] انظر: المراجع السّابقة.

[53] انظر: مصادر الترجمة.

[54] وقد ذكرها في أوّل كتاب الشّروط، فقال وهو يتحدّث عن الشّرط عند الأصوليين وأتى ببعض التعاريف: "وقَدْ حَرَّرْتُ ذلكَ وبيَّنْتُ المُرَادَ في كلِّ موضِعٍ في شرحِ العُمْدَةِ، وفي شرحِ ألفيةِ الأصولِ، يَتَعَيَّنُ على مَنْ يريدُ التَّحقيقَ الوقوفَ عليهِ".

[55] انظر: الضّوء اللامع (7/282).

[56] انظر: شذرات الذّهب (4/197).

[57] انظر: إنباء الغمر بأبناء العمر (2/60).

[58] انظر: طبقات الشّافعية (4/102).

[59]) انظر: الضّوء اللامع (7/281).

[60] منهم النّاسخ الذي نسخ النسخة الثّانية التي اعتمدتها في التحقيق حيث قال آخرها كما سيأتي مصوّراً: "هذا تمام السّفر الأوّل من اللّامع الصّبيح لشرح الجامع الصّحيح ...".

[61] انظر: كشف الظنون (1/547)، وهدية العارفين (2/186).

[62] انظر: الأعلام (6/189)، ومعجم المؤلفين (10/132).

[63] انظر: مقدمة إرشاد السّاري (1/41)، ومقدمة تحفة الأحوذي (ص203).

[64] انظر: إنباء الغُمر بأبناء العمر (2/60)، والضّوء اللّامع (7/282)، وشذرات الذّهب (4/197)، والبدر الطّالع (2/181).

[65] اللّامع الصّبيح [(ب)2- أ].

[66] اللّامع الصّبيح [(ب)2_ب].

[67] انظر: الدّرر الكامنة (4/310)، وطبقات الشّافعية لابن قاضي شهبة (3/180).

[68] انظر: كشف الظنون (1/546).

[69] انظر: الدرر الكامنة (4/311).

[70] انظر: طبقات الشافعية (3/180).

[71] انظر صفحة (44).

[72] انظر: الدرر الكامنة (5/134). وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (3/167).

[73] انظر: كشف الظنون (1/549).

[74] انظر: الدّرر الكامنة (5/134).

[75] انظر: سير أعلام النّبلاء (20/212)، والقاضي عياض للدكتور الحسين شواط.

[76] انظر القاضي عياض (ص221).

[77] انظر: سير أعلام النّبلاء (18/47)، والأعلام (5/96).

[78] كشف الظّنون (1/541).

[79] انظر: سير أعلام النّبلاء (17/23)، وطبقات الشّافعية للسّبكي (3/282)، والإمام الخطّابي للدكتور عبد الله الباتلي.

[80] وقيل: أعلام السّنن، وقيل: أعلام البخاري، وقيل: غير ذلك. انظر: الإمام الخطَّابي (ص229).

[81] انظر: الإمام الخطَّابي (ص229).

[82] انظر: تذكرة الحفاظ (4/1470)، وطبقات الشّافعية للسّبكي (8/395).

[83] انظر: سير أعلام النبلاء (17/579)، وشجرة النور الزكية (ص114).