بسم الله ابدأ مستعينة بالله تعالى ، وسأقسم الشرح في اليوم إلى أجزاء حتى يسهل فهمها وتدارسها :
المتــن :
(بسم الله الرحمن الرحيم اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل؛ الأولى: العلم وهو: معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة )
الشــرح
(1)
بسم( ١) الله(٢ )
١) ابتدأ المؤلف رحمه الله كتابه بالبسملة اقتداء بكتاب الله عز وجل مبدوء بالبسملة،
واتباعًا لحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر"( ١) واقتداء بالرسول
صلى الله عليه وسلم، فإنه يبدأ كتبه بالبسملة.
الجار واﻟﻤﺠرور متعلق بمحذوف فعل مؤخر مناسب للمقام تقديره بسم الله أكتب أو
أصنف.
وقدرناه فعلا ً لأن الأصل في العمل الأفعال.
وقدرناه مؤخرًا لفائدتين:
الأولى: التبرك بالبداءة باسم الله سبحانه وتعالى.
الثانية: إفادة الحصر لأن تقديم المتعلق يفيد الحصر.
وقدرناه مناسبًا لأنه أدل على المراد فلو قلنا مثلا ً عندما نريد أن نقرأ كتابًا بسم الله نبتدئ ما يدري بماذا نبتدئ؟ لكن بسم الله أقرأ يكون أدل على المراد الذي أبتدئ به.
٢) الله: علم على الباري جل وعلا وهو الاسم الذي تتبعه جميع الأسماء حتى إنه في قوله
تعالى: ﴿الر كِتَابٌ َأنْزَْلنَاهُ إَِليْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُُّلمَاتِ إَِلى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إَِلى
صِرَاطِ اْلعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي َلهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الَْأرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ (إبراهيم
لا نقول إن لفظ الجلالة ﴿الله﴾ صفة بل نقول هي عطف بيان لئلا يكون لفظ الجلالة
تابعًا تبعية النعت للمنعوت
(2)
الرحمن( ١) الرحيم(2) اعلم(3)
١) الرحمن: اسم من الأسماء المختصة بالله عز وجل لا يطلق على غيره والرحمن معناه
المتصف بالرحمة الواسعة.
٢) الرحيم: يطلق على الله عز وجل وعلى غيره، ومعناه ذو الرحمة الواصلة، فالرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة فإذا جمعا صار المراد بالرحيم الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده كما قال الله تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإَِليْهِ تُقَلبُون﴾ العنكبوت
٣) العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا
ومراتب الإدراك ست:
الأولى: العلم وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا.
الثانية: الجهل البسيط وهو عدم الإدراك بالكلية.
الثالثة: الجهل المركب وهو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه.
الرابعة: الوهم وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح.
الخامسة: الشك وهو إدراك الشيء مع احتمال مساو.
السادسة: الظن وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح.
والعلم ينقسم إلى قسمين: ضروري ونظري.
فالضروري ما يكون إدراك المعلوم فيه ضروريًا بحيث يضطر إليه من غير نظر ولا
استدلال كالعلم بأن النار حارة مثلا.
(3)
رحمك الله( ١) أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل( ٢)؛ الأولى: العلم وهو: معرفة الله( ٣)
١) رحمك الله أفاض عليك من رحمته التي تحصل ﺑﻬا على مطلوبك وتنجو من محذورك،
فالمعنى غفر الله لك ما مضى من ذنوبك، ووفقك وعصمك فيما يستقبل منها هذا إذا
أفردت الرحمة أما إذا قرنت بالمغفرة فالمغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة والتوفيق للخير
والسلامة من الذنوب في المستقبل.
وصنيع المؤلف رحمه الله تعالى يدل على عنايته وشفقته بالمخاطب وقصد الخير له.
٢) هذه المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى تشمل الدين كله فهي جديرة بالعناية
لعظم نفعها.
٣) أي معرفة الله عز وجل بالقلب معرفة تستلزم قبول ما شرعه والإذعان والانقياد له،
وتحكيم شريعته التي جاء ﺑﻬا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويتعرف العبد على ربه
بالنظر في الآيات الشرعية في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والنظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات، فإن الإنسان كلما نظر في تلك الآيات
ازداد علمًا بخالقه ومعبوده قال الله عز وجل: ﴿وَفِي الَْأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ *وَفِي َأنْفُسِكُمْ َأَفلا تُبْصِرُون﴾الذا يات
(4)
ومعرفة نبيه( ١) ومعرفة دين الإسلام(2)
١) أي معرفة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المعرفة التي تستلزم قبول ما جاء به من الهدى ودين الحق، وتصديقه فيما أخبر، وامتثال أمره فيما أمر، واجتناب ما ﻧهى عنه
وزجر، وتحكيم شريعته والرضا بحكمه قال الله عز وجل: ﴿َفلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ُثمَّ لا يَجِدُوا فِي َأنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا َقضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
النساء وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قوْ لَ الْمُؤْمِنِينَ إَِذا دُعُوا إَِلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ أًنْ يَُقوُلوا سَمِعْنَا وََأطَعْنَا وَُأوَلئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (النور: ٥١ ). وقال تعالى: ﴿َفإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ َفرُدُّوهُ إَِلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِ نْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ َذلِكَ خَيْرٌ
وََأحْسَنُ تَْأوِيلاً﴾ (النساء:الآية ٥٩ ) وقال عز وجل: ﴿َفلْيَحْذَر الَّذِينَ يُخَالُِفون َ عَنْ َأمْرِهِ َأن ْ
تُصِيبَهُمْ فِتْنٌَة َأوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ َألِيمٌ﴾ (النور:الآية ٦٣ ) قال الإمام أحمد رحمه الله: "أتدري
ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك".
٢) قوله معرفة دين الإسلام: الإسلام بالمعنى العام هو التعبد لله بما شرع منذ أن أرسل الله
الرسل إلى أن تقوم الساعة كما ذكر عز وجل ذلك في آيات كثيرة تدل على أن الشرائع
السابقة كلها إسلام لله عز وجل: قال الله تعالى عن إبراهيم: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَْلنَا مُسْلِمَيْنِ َلكَ
وَمِنْ ُذرِّيَّتِنَا أُمًَّة مُسْلِمًَة َلكَ وََأرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عََليْنَا إِنَّكَ َأنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ البقرة
والإسلام بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يختص بما بعث به
محمد صلى الله عليه وسلم لأن ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم نسخ جميع الأديان
السابقة فصار من أتبعه مسلمًا ومن خالفه ليس بمسلم ، فأتباع الرسل مسلمون في زمن
رسلهم،فاليهود مسلمون في زمن موسى صلى الله عليه وسلم والنصارى مسلمون في زمن عيسى
صلى الله عليه وسلم، وأما حين بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به فليسوا
بمسلمين.
وهذا الدين الإسلامي هو الدين المقبول عند الله النافع لصاحبه قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ
الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام﴾ آل عمران وقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ َ غيْرَ الإسلام دِينًا َفَلنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ آل عمران وهذا الإسلام هو الإسلام
الذي امتن به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ َأكمَْلتُ َلكمْ
دِينَكُمْ وََأتْمَمْتُ عََليْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ َلكُمُ الإسلام دِينًا﴾
(5)
بالأدلة( ١)
(1)قوله: بالأدلة جمع دليل وهو ما يرشد إلى المطلوب، والأدلة على معرفة ذلك سمعية
وعقلية، فالسمعية ما ثبت بالوحي وهو الكتاب والسنة، والعقلية ما ثبت بالنظر والتأمل،
وقد أكثر الله عز وجل من ذكر هذا النوع في كتابه فكم من آية قال الله فيها ومن آياته
كذا وكذا وهكذا يكون سياق الأدلة العقلية الدالة على الله تعالى.
وأما معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بالأدلة السمعية فمثل قوله تعالى:﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ
اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ (الفتح:الآية ٢٩ ) الآية. وقوله: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول َقدْ خََلتْ مِنْ َقبْلِهِ
الرُّسُل﴾ آل عمران بالأدلة العقلية بالنظر والتأمل فيما أتى به من الآيات
البينات التي أعظمها كتاب الله عز وجل المشتمل على الأخبار الصادقة النافعة والأحكام
المصلحة العادلة، وما جرى على يديه من خوارق العادات، وما أخبر به من أمور الغيب
التي لا تصدر إلا عن وحي والتي صدقها ما وقع منها.
انتهى شرح هذا اليوم نكمل الشرح الأسبوع القادم إن شاء الله واعتذر لتأخر شرح اليوم إذ كان المفروض أنه يوم الأربعاء لكن لظروف تأخرت