.. من (فقه اللغة: مفهومه _ موضوعاته _ قضاياه)
للعرب طريقة في التعامل مع الألفاظ الأعجمية، وقد بين ذلك العلماء الذين تكلموا على المعرب، ويأتي على رأس أولئك أبو منصور الجواليقي حيث عقد في كتابه بابًا تحت عنوان (باب معرفة مذاهب العرب في استعمال الأعجمي).
وتحت هذا العنوان بين هذه المذاهب بقوله: اعلم أنهم كثيرًا ما يجترئون على تغيير الأسماء الأعجمية إذا استعملوها؛ فيبدلون الحروف التي ليست من حروفهم إلى أقربها مخرجًا، وربما أبدلوا ما بعد مخرجه أيضًا. والإبدال لازم؛ لئلا يدخل في كلامهم ما ليس من حروفهم.
وربما غيروا البناء من الكلام الفارسي إلى أبنية العرب، وهذا التغيير يكون بإبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف. أو لإبدال حركة بحركة، أو إسكان متحرك،أو تحريك ساكن.
وربما تركوا الحرف على حاله لم يغيروه.
فمما غيروه من الحرف ما كان بين الجيم والكاف، وربما جعلوه جيمًا وربما جعلوه كافًا، وربما جعلوه قافًا؛ لقرب القاف من الكاف، قالوا: (كُرْبَجٌ) وبعضهم يقول: (قربق).
قال أبو عمرو: سمعت الأصمعي يقول: هو موضع يقال له: (كُرْبَكٌ) قال: يريدون (كربج).
قال سالم بن قحفان في (قربق):
ما شربت بعد طوى القربق ... من شربة غير النجاء الأدفق
وكذلك يقولون: (كيلَجَة) و(كِيلَقَة) و(وقِيلقة)، و(جُرْبُز) للكُرْبُز، و(جورب) وأصله (كورب)، و(مُوزج) وأصله (مُوزة).
وأبدلوا الحرف الذي بين الباء والفاء فاءً، وربما أبدلوه باءً، قالوا: (فالوذٌ) و(فِرِنْد) وقد قال بعضهم (بِرند).
وأبدلوا السين من الشين، فقالوا للصحراء: (دَسْت) وهي بالفارسية: (دشت). وقالوا: (سراويل) و(إسماعيل)، وأصلها (شروال) و(إشماعيل) وذلك لقرب السين من الشين في الهمس.
وأبدلوا اللام من الزاي في (قَفْشَليل) وهي المَغْرَفَة، وأصلها (كَفْجَلاز) وجعلوا الكاف منها قافًا، والجيم شينًا، والفتحة كسرة، والألف ياء.
ومما أبدلوا حركته (زور) و(آشوب).
ومما ألحقوه بأبنيتهم: (درهم) ألحقوه بـ (هجْرَعِ) و(بَهْرَج) ألحقوه بـ(سَلْهَب)، و(دينار) ألحقوه بـ (ديماس)، و(إسحاق) بـ (إبهام)، و(يعقوب) بـ(يربوع)، و(جورب) بـ (كوكب)، و(شُبارِق) بـ (عُذَافر)، و(رُزْداق) بـ(قُرْطاس).
ومما زادوا فيه من الأعجمية ونقصوا (إبْرَيْسَم) و(إسرافيل) و(فيروزو) و(قهرمان) وأصله (قِرْمان).
ومما تركوه على حاله فلم يغيروه (خُراسان) و(خُرَّم) و(كُرْكم).
قال أبو عمر الجَرْمي: وربما خلطت العرب في الأعجمي إذا نقلته إلى لغتها، وأنشد عن أبي المهدي:
يقولون لي شَنْبِذْ ولستُ مشنبذًا
ولا قائلًا زُوذًا ليعجَلَ صاحبي * طُوال الليالي أو يزولَ ثَبِيرُ
ولا تاركًا لحْني لأَحْسَنِ لَحْنِهمْ * وبِسْتَانُ في صدري عليَّ كبيرُ
... ولو دار صرف الدهر حين يدورُ
(شَنْبَذْ) يريدون (شون بوذي)
(زوذ) (اعجل) و(بستان) (خذ).
قال: وإذا كان حُكي لك في الأعجمية خلاف ما العلامة عليه فلا ترينه تخليطًا؛ فإن العرب تُخَلِّطُ فيه، وتتكلم به مُخلطًا؛ لأنه ليس من كلامهم، فلما اعْتنقوه وتكلموا به خلَّطوا.
وكان الفراء يقول: يُبنى الاسم الفارسي أيَّ بناءٍ كان، إذا لم يخرج عن أبنية العرب.
وذكر أبو حاتم: أن رؤبة بن العجَّاج والفصحاء كالأعشى وغيره ربما استعاروا الكلمة من كلام العجم للقافية؛ لتُستطرف، ولكن لا يستعملون المستطرف، وربما يُصرِّفونه، ولا يشتقون منه الأفعال، ولا يرمون بالأصلي، ويستعملون المستطرف، وربما أضحكوا منه، كقول العَدَوي:
أنا العربيُّ الباكْ
أي: النقي من العيوب.
وقال العجاج:
كما رأيتَ في المُلاءِ البَرْدَجاَ
وهم السبي، ويقال لهم بالفارسية: (بَرْدَه) فأراد القافية.