بسم الله الرحمن الرحيم


’’ فليُسعد النطق إن لم تُسعد الحال ‘‘


أكتب اليوم و قلبي يعتصر من الألم و الحزن، ولكني تذكرت قول الله في كتابه : { و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }[آل عمران:139]، فاللهم رحماك.

و صدق الله إذ يقول ـ مخاطبا نبيه الكريم ـ : (( إنا كفيناك المستهزئين )) [الحجر:95].

قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله في "تفسيره" (ص410):

( و قد فعل تعالى، فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه و سلم و بما جاء به؛ إلا أهلكه الله و قتله شر قتله ).

ذكرت بعض الصحف المحلية عندنا أن أحد العمال الأمريكيين في إحدى الشركات البترولية العاملة في صحراء الجزائر كتب رسالة إلكترونية مسيئة لله تعالى و لرسوله و للإسلام، ثم قام بإرسالها لعدد من العمال المسلمين في الشركة في أول أيام شهر رمضان المبارك.

فما كان من العمال المسلمين في تلك الشركة إلا الإضراب عن العمل؛ احتجاجا على ما قام به ذلك الحاقد الموتور، حتى اضطر مدير الشركة إلى انهاء عقده و ترحيله من الجزائر، و إصدار بيان يعتذر فيه عن تلك الجريمة النكراء. [ انظر جريدة "الخبر" و جريدة "الشروق اليومي" بتاريخ (02/10/2007م)]

و انظر أيها المسلم إلى هؤلاء الكفار الذين يعيشون على نهب ثرواتنا، ثم يسبون نبيَّنا و يسفهونا ديننا، كما قيل في المثل الشعبي عندنا: يأكل الغلَّة و يسب الملًّة، و الله المستعان على غربة الدين في هذه الأوطان.

و نحن ـ باسم جميع المسلمين الجزائريين ـ إذ نشكر لعمال تلك الشركة هبتهم لنصرة نبيهم و دينهم، ندعو الحكومة إلى الوقوف بحزم لمثل هذه الأفعال الشنيعة، حتى لا يحدث ما لا تحمد قعباه.

قال سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله:

( معلوم أن أنبياء الله ورسله هم خير البشر، وهم الذين اختارهم الله لحمل رسالاته، وإبلاغها لعامة الخلق، فواجب الخلق تجاههم الايمان بهم، ونصرتهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم، وقبول ما جاءوا به من عند الله، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَّبِّهِ وَالمُؤمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}[البقرة:285].

وقد أخبر سبحانه أن رسله منصورون بنصره، فقال: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ}[غافر:51].

وإننا إذ نستنكر هذا البهتان العظيم الموجه لنبي الاسلام وخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام لعلى يقين بأن الله سبحانه ناصر لنبيه، وخاذل لأعدائه، كما قال سبحانه: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَد نَصَرَهُ اللّهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثنَينِ إِذ هُمَا فِي الغَارِ إِذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحزَن إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}[التوبة:40]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة:61]، وقال سبحانه: {إِنَّا كَفَينَاكَ المُستَهزِئِينَ }[الحجر:95]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَاباً مُّهِيناً}[الأحزاب:57]، وقال سبحانه: {وَاللّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67]، وقال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ}[الكوثر:3]، ووعده سبحانه حق، وقوله الصدق.

ومعلوم أن سب الرسول والاستهزاء به؛ انتهاك لحرمته، وتنقيص لقدره، وإيذاء لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، وتشجيع للنفوس الكافرة والمنافقة على اصطلام أمر الاسلام، وطلب إذلال النفوس المؤمنة، وإزالة عز الدين، واسفال كلمة الله. وهذا من أبلغ السعي فسادا، وقد أخبرنا الله سبحانه أن أعداءه سيواصلون شرهم وأذاهم، وأمرنا بالصبر والمصابرة. فقال تعالى: {لَتُبلَوُنَّ فِي أَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُمء وَمِنَ الَّذِينَ أشركوا أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ}[آل عمران:186].

ويجب على كل مسلم نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره، كما قال تعالى: {لِتُؤءمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}[الفتح:9]، وتعزيره: يشمل نصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الاجلال والاكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار )اهـ. "موقف علمائنا الأبرار في الانتصار للنبي المختار" ( ص5-7 ـ ط. منار السبيل/ الجزائر).

و قال فضيلة الشيخ ربيع بن هادي وفقه الله:

( ونقول لهؤلاء المجرمين ولمن وراءهم من الحاقدين في أوروبا وأمريكا : رمتني بدائها وانسلت.

فمحمد صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وصحابته الأكرمون لم ينشؤوا مصانع حتى للأسلحة البدائية من السيوف والرماح فضلاً عن القنابل الذرية والصواريخ العابرة للقارات وسائر أسلحة الدمار الشامل .

لم ينشيء محمد صلى الله عليه وسلم مصنعاً واحداً لأنه بعث رحمة للعالمين ولهداية البشر أجمعين إلى ما يسعدهم في دنياهم وأخراهم وليقوموا بحق خالقهم الذي خلقهم لعبادته فمن أبى ذلك فهو مجرم يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة من رب العالمين سيد هذا الكون وخالقه.

أما أنتم أيها الغربيون المُدّعون للحضارة فنقول: إن لديكم الدساتير والقوانين التي تدمر الأخلاق وتبيح ألوان المحرمات ومنها الزنا والشذوذ الجنسي ومنها الربا الذي يدمر اقتصاد الأمم ومنها إباحة أكل الميتة ولحوم الخنازير التي تورث الدياثة فلا يغار الرجل على زوجته وأخته وبنته فلها أن تزني وتخادن من شاءت وهذه من وسائل الدمار التي حرمتها كل الرسالات .

أما القنابل وسائر أسلحة الدمار ووسائلها من طائرات حربية ودبابات وصواريخ عابرات القارات فأنتم مهندسوها وصُنّاعها بعقولكم الشيطانية التي لا تفكر إلا في البغي والعدوان والظلم والبطش والطغيان والاستعلاء على أصناف البشر واستعبادهم وسفك دمائهم وابتزاز ثرواتهم ولا تفكر إلا في إبادة من ناوأكم ووقف في وجه مطامعكم وبغيكم وعدوانكم وكل ذلك مغلف باسم الحضارة وحقوق الإنسان والحرية والعدالة .

وكل عقلاء البشر يعرفون هذا عنكم وتاريخكم الأسود زاخر بأعمالكم الوحشية والإرهابية ذلكم التاريخ الذي سجله عليكم العدو والصديق )اهـ. "حقوق النبي صلى الله عليه و سلم و الانتصار له و لشريعته" ـ مجموعة مقالات للشيخ ربيع ـ ( ص76-77 ـ ط.مجالس الهدى/ الجزائر)، و "موقف علمائنا الأبرار" ( ص9-10).

و إنه لمن عاجل بشرى المسلمين في الجزائر؛ أن عدد الغربيين الذين أشهروا إسلامهم بين ظهرانيهم في تزايد مستمر، و خاصة في هذا الشهر المعظم حيث لا تكاد تخلو صحيفة في يوم من الأيام بأخبار من اعتنق الإسلام حديثا في عدد من مدن البلاد، و لله الحمد.

قال الله جل و علا: { هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون }[الصف:9]، و قال سبحانه: { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون }[التوبة:32].

و ما أحسن ما قاله العلامة ابن القيم رحمه الله في خاتمة "نونيته":

هذا و نصر الدين فرض لازم * لا للكفاية بل على الأعيان

بيد و إما بلسان فإن عجز * ت فبالتوجه و الـدعا بجنان

بحياة وجهك خير مسئول به * و بنور وجهك يا عظيم الشان

و بأنك الله الإله الحق معـ * ـبود الورى متقدس عن ثان

إنا توجهنا إليك لحـاجة * ترضيك طلـبها أحق معـان

انصر كتابك و الرسول و دينك * العلي الذي أنزلت بالبرهان

و انصره بالنصر العزيز كمثل ما * قد كنت تنصره بكـل زمان

يا رب انصر خير حزبينا على * حزب الضلال و عسكر الشيطان

يا رب و اجعل حزبك المنصور * أهل تراحم و تواصل و تدان

يا رب و اهدهم بنور الوحي كي * يصلوا إليك فيظفروا بجنان

يا رب كن لهم وليا ناصرا * واحفظهم من فـتنة الفتَّان

و انصرهم يا رب بالحق الذي * أنزلـته يا مـنزل القرآن

و أقم لأهل السنة النبوية الـ * أنصار و انصرهم بكل زمان

و أعزهم بالحق و انصرهم به * نصرا عزيزا أنت ذو سلطان

و اغفر ذنوبهم و أصلح شأنهم * فلأنت أهل العفو و الغفران

و لك المحامد كلها حمدا كما * يرضيك لا يفنى على الأزمان.


آمين ، و الحمد لله رب العالمين.

فريد المرادي : في 21 رمضان 1428هـ

الجزائر العاصمة ـ حرسها الله و سائر بلاد المسلمين ـ.