تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: من مآسينا..(عن لغتنا العربية) - تقرير

  1. #1

    افتراضي من مآسينا..(عن لغتنا العربية) - تقرير

    من مآسينا..(عن لغتنا العربية) - تقرير

    أحمد الشجاع -

    صدق من قال إن قوة اللغة من قوة الأمة، وواقع الناس اليوم وكل يوم يشهد على ذلك؛ فالأمم القوية تشد من أزر لغتها وكلما قويت أمة قويت لغتها وزادت انتشاراً..والعكس صحيح كحال أمتنا الخائرة بعد همة والغائرة بعد فورة والحائرة بعد إدراك..
    لغتنا كانت لغة العلم الأولى واللغة المفضلة لدى الأمم الأخرى. كان ذلك حين كانت أمتنا على رأس الأمم في كل المجالات، معتزة بدينها متمسكة بكتابها.
    لكنها اليوم تكاد تكون أدنى الأمم بما جناه أبناؤها على أنفسهم كأنهم "براقش".. تركوا دينهم وأهملوا لغتهم؛ فنظروا بعين الضعف والذل إلى الأمم الأخرى التي استعبدتهم وجاست خلال الديار.
    أصبحت لغتنا عند كثير من أبناء قومنا لغة الهوان والتراجع، وأصبح التحدث بلغة الآخرين مصدر فخر وتفاخر خادع.. والمشكلة الأكبر أن معرفة اللغات الأخرى لا تعتمد – عند الكثيرين- طريق (من عرف لغة قوم أمن شرهم)، ولا ترتجى منها فائدة تعود على الإسلام والمسلمين، بل العكس هو القائم: (من عرف لغة قوم غرف شرهم).. أي أن محصلة هذه المعرفة هي الانغماس في محيط الثقافات الأخرى دون التمسك بحبل الدين الإسلامي ولغته العربية؛ فكانت النتيجة الغرق في ذلك المحيط..
    ومن خلال هذا التقرير سنتعرف على أهمية وواقع لغتنا العربية والمخاطر التي تهددها من الداخل والخارج..
    أهميـة اللغــة:
    توصف اللغة بأنها فكر ناطق، والتفكير لغة صامتة, واللغة هي معجزة الفكر الكبرى.
    إن للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة فإنها الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم؛ فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة ، وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم. إن القوالب اللغوية التي توضع فيها الأفكار، والصور الكلامية التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف لا تنفصل مطلقاً عن مضمونها الفكري والعاطفي .
    إن اللغة هي الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحمي كيانها. وقد قال فيلسوف الألمان فيخته: "اللغة تجعل من الأمة الناطقة بها كلاً متراصاً خاضعاً لقوانين. إنها الرابطة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان".
    وينقل الدكتـور فرحـان السـليـم عن مصطفى صادق الرافعي قوله: "إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ صفة الأمة. كيفما قلّبت أمر اللغة - من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها - وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها".
    وعن الراهب الفرنسي غريغوار مدافعاً عن لغته: "إن مبدأ المساواة الذي أقرته الثورة يقضي بفتح أبواب التوظف أمام جميع المواطنين، ولكن تسليم زمام الإدارة إلى أشخاص لا يحسنون اللغة القومية يؤدي إلى محاذير كبيرة، وأما ترك هؤلاء خارج ميادين الحكم والإدارة فيخالف مبدأ المساواة، فيترتب على الثورة - والحالة هذه - أن تعالج هذه المشكلة معالجة جدية؛ وذلك بمحاربة اللهجات المحلية، ونشر اللغة الفرنسية الفصيحة بين جميع المواطنين".
    وعن فوسلر: "إن اللغة القومية وطن روحي يؤوي من حُرِمَ وطنَه على الأرض".
    أهمية اللغة العربية
    اللغة - عند العرب - معجزة الله الكبرى في كتابه المجيد.
    لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، وحملوا معه لغة القرآن العربية واستعربت شعوب غرب آسيا وشمال أفريقيا بالإسلام فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة القرآن، أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم، فهجروا ديناً إلى دين، وتركوا لغة إلى أخرى.
    لقد شارك الأعاجم الذين دخلوا الإسلام في عبء شرح قواعد العربية وآدابها للآخرين فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة.
    واللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة..
    إن اللغة العربية أداة التعارف بين ملايين البشر المنتشرين في آفاق الأرض، وهي ثابتة في أصولها وجذورها، متجددة بفضل ميزاتها وخصائصها .
    كما نقل الدكتـور فرحـان السـليـم شهادات لبعض العلماء الأجانب والعرب في أهمية اللغة العربية. يقول الفرنسي إرنست رينان: "اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة".
    ويقول الألماني فريتاغ: "اللغة العربية أغنى لغات العالم".
    ويقول وليم ورك: "إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر".
    ويقول الدكتور عبد الوهاب عزام: "العربية لغة كاملة محببة عجيبة، تكاد تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياة".
    ويقول مصطفى صادق الرافعي: "إنما القرآن جنسية لغوية تجمع أطراف النسبة إلى العربية، فلا يزال أهله مستعربين به، متميزين بهذه الجنسية حقيقةً أو حكماً".
    ويقول الدكتور طه حسين: "إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضاً".
    نبذة عن اللغة العربية
    جاء في (الموسوعة العربية العالمية):
    هي إحدى أكثر لغات العالم استعمالاً، وهي اللغة الأولى لأكثر من 300 مليون عربي، واللغة الرسمية في 18 دولة عربية، كما يُجيدها أو يُلِمُّ بها أكثر من 200 مليون مُسْلم من غير العرب إلى جانب لغاتهم أو لهجاتهم الأصلية. ويُقبِل على تعلُّمها كثيرون آخرون من أنحاء العالم لأسباب تتعلَّق بالدين أو بالتجارة أو العمل أو الثقافة أو غير ذلك.
    ويشير عضو المجمع اللغوي في القاهرة شوقي حماده – في مقابلة مع قناة الجزيرة – إلى أن المراجع جميعاً ذكرت أن أول من نطق بها هو آدم عليه السلام وقيل هو إسماعيل عليه السلام ثم قيل هود ويعرب بن قحطان إلى آخره.
    والثابت – حسب قوله- أن اللغة العربية نشأت مع عدنان وقحطان وهما من جدود العرب المستعربة في شبه الجزيرة العربية، هذه هي الجذور الأولى للغة العربية قبل أن ينزل بها القرآن الكريم.
    والعربية هي اللغة السَّامية الوحيدة التي قُدِّر لها أن تحافظ على كيانها وأن تصبح عالمية. وما كان ليتحقَّق لها ذلك لولا نزول القرآن الكريم بها؛ إذ لا يمكن فَهْم ذلك الكتاب المبين الفَهْم الصحيح والدقيق وتذوُّق إعجازه اللغويّ إلا بقراءته بلغته العربية.
    كما أن التُّراث الغني من العلوم الإسلامية مكتوب بتلك اللغة..ومن هنا كان تعلُّم العربية مَطْمَحًا لكلِّ المسلمين الذين يبلغ عددهم أكثر من مليار مُسلم في شتَّى أنحاء العالم. ويمكن القول إن أكثر من نصف سكان إفريقيا يتعاملون بالعربية.
    خصائص وتاريخ اللغة العربية
    أولاً الخصائص
    تتميز اللغة العربية بمجموعة من الخصائص قل مثيلها في اللغات الأخرى؛ مما جعلها أرقى اللغات وأغناها، ومن بين هذه الخصائص كما تقول (الموسوعة العربية).
    الأصوات:
    كما يقول الدكتـور فرحـان السـليـم فإن اللغة العربية تملك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات، حيث تتوزع مخارج الحروف بين الشفتين إلى أقصى الحلق. وقد تجد في لغات أخرى غير العربية حروفاً أكثر عدداً، ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون مجتمعة متكاثرة في الشفتين وما والاهما من الفم أو الخيشوم في اللغات الكثيرة الغنة (الفرنسية مثلاً)، أو تجدها متزاحمة من جهة الحلق.
    وتتوزع هذه المخارج في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات. ويراعي العرب في اجتماع الحروف في الكلمة الواحدة وتوزعها وترتيبها فيها حدوث الانسجام الصوتي والتآلف الموسيقي.
    فمثلاً لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال. ولا تجتمع الجيم مع القاف والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين، ولا الخاء قبل الهاء، ولا النون قبل الراء، ولا اللام قبل الشين.
    وتتميَّز العربية بما يمكن تسميته مركز الجاذبية في نظام النُّطق، كما تتميَّز بأصوات الإطباق؛ فهي تستخدم الأعضاء الخلفية من جهاز النُّطق أكثر من غيرها من اللغات، فتوظِّف جذْر اللسان وأقصاه والحنجرة والحَلْق واللَّهاة توظيفًا أساسيًّا؛ ولذلك فهي تحتوي على مجموعة كاملةً لا وجود لها في أيِّ لغة سامية فضلاً عن لغات العالم.
    المفردات:
    الكلمات في اللغة العربية لا تعيش فرادى منعزلات بل مجتمعات مشتركات كما يعيش العرب في أسر وقبائل.
    وللكلمة جسم وروح، ولها نسب تلتقي مع مثيلاتها في مادتها ومعناها : كتب - كاتب - مكتوب - كتابة - كتاب.. فتشترك هذه الكلمات في مقدار من حروفها وجزء من أصواتها.
    ويُعَدُّ مُعجم العربية أغنى معاجم اللغات في المفردات ومرادفاتها (الثروة اللفظية)؛ إذْ تضُمُّ المعاجم العربية الكبيرة أكثر من مليون مفردة. وحَصْرُ تلك المفردات لا يكون بحَصْر مواد المعجم؛ ذلك لأن العربية لغة اشتقاق، والمادة اللغوية في المعجم العربي التقليدي هي مُجرَّد جذْر، والجِذْر الواحد تتفرَّع منه مفردات عديدة، فالجذْر (ع د) مثلاً تتفرَّع منه المفردات: عادَ، وأعادَ، وعوَّدَ، وعاودَ، واعْتادَ، وتَعوَّدَ، واستعادَ، وعَوْد، وعُود، وعَوْدة، وعِيد، ومَعَاد، وعِيادَة، وعادة، ومُعاوَدَة، وإعادة، وتَعْوِيد، واعتِياد، وتَعَوُّد، واسْتِعَادَة، وعَادِيّ. يُضاف إليها قائمة أخرى بالأسماء المشتقَّة من بعض تلك المفردات. وكلُّ مفردة تؤدِّي معنًى مختلفًاً عن غيرها.
    والعربية تتطوَّر كسائر اللغات؛ فقد أُميتَتْ مفردات منها واندثرت، وأُضيفَتْ إليها مفردات مُولَّدة ومُعَرَّبة ودخيلة، وقامت مجامع اللغة العربية بجهد كبير في تعريب الكثير من مصطلحات الحضارة الحديثة، ونجحت في إضافتها إلى المعجم المستَخدَم، مثل: سيَّارة، وقطار، وطائرة، وبرقيَّة، وغير ذلك.
    التلفُّظ والتهجِّي:
    تتكوَّن الألفباء العربية من 28 حرفًاً، فضلاً عن ألف المدِّ. وكان ترتيب تلك الحروف قديماً أبجدياً على النحو الآتي: أبجد هوَّز حطِّي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ.
    وتُكتب لغات كثيرة في العالم بالحروف العربية، مع استبعاد أحرف وإضافة أخرى، منها الفارسية، والأُردية، والبَشْتُو، ولغة الملايو، والهَوْسا، والفُلانيَّة، والكانوري.
    وكانت التُّركيَّة والسَّواحيليَّة والصُّوماليَّة تُكتَب إلى عهد قريب بالحروف العربية.
    وتعتمد العربية على ضَبْط الكلمة بالشَّكْل الكامل لتؤدِّي معنًى محدَّدًا, فالكلمات: عَلِمَ، وعُلِم، وعَلَّمَ، وعِلْمٌ، وعَلَمٌ، هذه الكلمات كلها مُتَّفِقة في التَّهجِّي، مختلفة في التَّلفُّظ والمعنى.
    ومن سِمات العربية أن تهجِّي الكلمة فيها موافقٌ للتلفُّظ بها، وهذه ميزة تمتاز بها العربية عن بعض اللغات الأوروبية. وهي ظاهرة عامة في العربية، إلا في بعض الحالات القليلة، كنُطق ألف لا يُكتب، في نحو: هَذَا، ولكنْ. وكتابة الألف الليِّنة على هيئة ياء، نحو: مَضَى الفَتَى.
    الصَّرْف:
    تقوم الصِّيغ الصَّرفية في العربية على نظام الجِذْر، وهو ثلاثي غالبًا، رباعي أحيانًا.
    ويُعبِّر الجِــذْر ـ وهو شيء تجريدي - عن المعنى الأساسي للكلمة، ثمَّ يُحدَّد المعنى الدقيق للكلمة ووظيفتها بإضافة الحركات أو مقاطع من أحرف مُعيَّنة في صَدْر الكلمة أو وسطها أو آخرها.
    وتُقسِّم العربية الاسم إلى جامد ومُشتقّ، ثم تُقسِّم الجامد إلى أسماء الذَّوات المادية، مثل: شجرة، وأسماء المعاني، مثل: قراءة، ومصادر الأسماء المشتقَّة، مثل: قارئ، ومقروء.
    ولا تعرف العربية الأسماء المركَّبة إلا في كلمات نادرة تُعَبِّر عن الأعلام، مثل: (حَضَرَمَوْت) المركَّبة تركيبًا مَزْجيًّا، و(جاد الحقّ) المركَّبة تركيبًا إسناديًّا.
    إلا أن المضاف والمضاف إليه يرتبطان ارتباطًا وثيقًا، يصل أحيانًا إلى حالة شبيهة بالتركيب، وخاصة في الأَعلام، مثل: عبدالله، وصلاح الدِّين.
    وتتميَّز العربية عن لغات كثيرة بوجود صيغة للمُـثـنَّى فيها. وتنفرد هي والحبشية عن سائر اللغات السَّامية باستعمال جمع التَّكسير، فإلى جانب الجمع السَّالم الذي ينتهي بنهاية تَلْحَق الاسم، كما هي الحال في اللغات الأوروبية، تصوغ هاتان اللغتان جمع التَّكسير بتغيير الاسم داخليًّا. وتُصنِّف العربية أسماءها إلى مذكَّر ومؤنَّث، وتترك المذكَّر دون تمييزه بأيِّ علامة، وتميِّز طائفة من الأسماء المؤنَّثة، إمَّا بالتَّاء، وإمَّا بالألف الممدودة، ثم تترك الطائفة الأخرى من الأسماء المؤنَّثة دون علامة.
    النَّحو:
    العربية من اللغات السَّامية القليلة التي احتفظت بنظام الإعراب. ويستطيع مُجيد العربية أن يقرأ نصاً غير مضبوط، وينطق العلامات الإعرابية نُطقًاً صحيحاً، كما يستطيع من خلال ذلك أن يفهم النص فهماً تامّاً...
    ومن أهم خصائص العربية ميلها إلى الإيجاز المعبِّر عن المعنى، وتلجأ في سبيل التعبير عن المعاني المختلفة ومناسبتها للمقام إلى وسائل، منها: التقديم والتأخير، والفَصْل والوَصْل، والحَذْف، والتَّأكيد، والقَصْر، والمجاز.
    الخَط العربي:
    يحتلُّ الخطُّ العربيُّ مكانة فريدة بين خطوط اللغات الأخرى من حيث جماله الفنِّي وتنوُّع أشكاله، وهو مجالٌ خصب لإبداع الخطَّاطين، حيث بَرَعُوا في كتابة المصاحف، وتفنَّنوا في كتابة لوحات رائعة الجمال، كما زَيَّنوا بالخطوط جدران المساجد وسقوفها. وقد ظهرت أنواع كثيرة من الخطوط على مرِّ تاريخ العربية، والشَّائع منها الآن: خطوط النَّسخ والرُّقعة والثُّلُث والفارسي والدِّيواني، والكوفي والخطوط المغربية.
    ثانياً التاريخ
    العربية إحدى اللغات السَّامية، وهي تنتمي إلى الفرع الجنوبي من اللغات السًامية الغَرْبية، ويشمل هذا الفرع شمالي الجزيرة العربية وجنوبيها والحبشة، بحسب (الموسوعة العربية).
    وقد نشأت العربية الفصيحة في شمالي الجزيرة، ويرجع أصلها إلى العربية الشمالية القديمة التي كان يتكلَّم بها العدنانيُّون. وهي مختلفة عن العربية الجنوبية القديمة التي نشأت في جنوبي الجزيرة وعُرفَتْ قديمًا باللغة الحِمْيَريَّة وكان يتكلَّم بها القحطانيون، ومازالت تستخدم في منطقتي (المهرة وسقطرة) اليمنيتين.
    وتُعَدُّ النقوش القليلة التي عُثِرَ عليها الدليل الوحيد لمعرفة المسار الذي سارت فيه نشأة العربية الفصيحة.
    ويمكن القول من خلال تلك النقوش إن أسلاف العربية الفصيحة هي: الثَّمودية واللحيانية والصَّفويَّة، وتشمل معاً فترة تقارِب ألف عام؛ إذْ يُؤرَّخ أقدم النقوش الثمودية بالقرن الخامس قبل الميلاد، ويُؤرَّخ أحدثها بالقرن الرابع أو الخامس الميلاديين، وترجع النقوش اللحيانية والصَّفوية إلى زمن يقع في الفترة ذاتها.
    أمَّا أقدم نصٍّ وُجِدَ مكتوبًا بالعربية الفصيحة فهو نقش (النَّمارة) الذي يرجع إلى عام 328م، ولكنه كان مكتوباً بالخط النَّبطي. ويُلاحَظ في ذلك النَّص التطوُّر الواضح من الثمودية واللحيانية والصَّفَوِية إلى العربية الفصيحة.
    وأمَّا أقدم نصٍّ مكتوب بالخط العربي فهو نَقْشُ (زَبَد) الذي يرجع إلى سنة 513م، ثم نَقْشَا (حَرَّان) و(أم الجِمَال) اللذان يرجعان إلى عام 568م. وقد لوحظ أن الصورة الأولى للخَـط العربي لا تبعـد كثيراً عن الخــط النَّـبطي، ولم يتحـرَّر الخط العربي من هيئته النَّبطية إلا بعد أن كَتَبَ به الحجازيُّون لمدة قرنين من الزَّمان. وظلَّت الكتابة العربية قبيل الإسلام مقصورة على المواثيق والأحلاف والصُّكوك والرسائل والمعلَّقات الشعرية، وكانت الكتابة آنذاك محصورة في الحجاز.
    ويُعدُّ القرن السابق لنزول القرآن الكريم فترة تطوُّر مُهمَّة للعربية الفصيحة، وصلَتْ بها إلى درجة راقية. ويدلُّ على ذلك ما وصل إلينا على ألسنة الرُّواة من الشِّعر والنَّثر الجاهليين.
    العربية في ظل القرآن الكريم
    كان نزول القرآن الكريم بالعربية الفصحى أهمَّ حَدَث في مراحل تطوُّرها؛ فقد وحَّد لهجاتها المختلفة في لغة فصيحة واحدة قائمة في الأساس على لهجة قريش، وأضاف إلى معجمها ألفاظًاً كثيرة، وأعطى لألفاظٍ أخرى دلالات جديدة. كما ارتقى ببلاغة التراكيب العربية. وكان سبباً في نشأة علوم اللغة العربية كالنحو والصرف والأصوات وفقه اللغة والبلاغة، فضلاً عن العلوم الشرعية، ثمَّ إنه حقَّق للعربية سعة الانتشار والعالمية.
    أثر العربية في الأمم الأخرى
    لقد حَمَلَت العربية الفصيحة القرآن الكريم، واستطاعت من خلال انتشار الإسلام أن تبدأ زَحْفَها جنوباً لتحلَّ محلَّ العربية الجنوبية القديمة، ثمَّ عَبَرَت البحر الأحمر إلى شرقي أفريقيا، واتَّجهت شمالاً فقَضَتْ على الآرامية في فلسطين وسوريا والعراق، ثم زَحَفَتْ غربًا فحلَّت محلَّ القبطية في مصر.
    وانتشرت في شمال أفريقيا فَخَلَفَتْ لهجات البَرْبَر، وانفتح لها الطريق إلى غرب أفريقيا والسودان، ومن شمال أفريقيا انتقلت إلى أسبانيا وجُزُر البحر المتوسط.
    كما كان للعربية أثرٌ عميق في لغات الشعوب الإسلامية؛ فتأثيرها واضح في الفارسية والأردية والتُّركية والبَشْتُو ولغة الملايو واللغات واللهجات الأفريقية. ومن غير الممكن الآن معرفة لغة أيِّ بلد إسلامي وأدبه ومناحي تفكيره معرفة جيّدة دون الإحاطة الجيِّدة بالعربية.
    وحين أخذ الأوروبيون ينهلون من الحضارة الإسلامية في الأندلس دَخَلَتْ ألفاظ عربية كثيرة إلى اللغات الأوروبية، ففي الإنجليزية مثلاً ألفاظ عديدة ترجع إلى أصل عربي، كالجَبْر، والكحول، وتَعْرِيفَة، ومَخْزَن، وعُود، وغير ذلك كثير.
    وخَطَت العربية خطواتها الأولى نحو العالمية في الثلث الأخير من القرن الأول الهجري، وذلك حين أخذت تنتقل مع الإسلام إلى المناطق المحيطة بالجزيرة العربية..وفي تلك الأمصار، أصبحت العربية اللغة الرسمية للدولة، وأصبح استخدامها دليلاً على الرُّقي والمكانة الاجتماعية.
    وظلَّت لغة البادية حتى القرن الثاني الهجري الحُجَّة عند كلِّ اختلاف. وكان من دواعي الفخر للعربي القدرة على التحدُّث بالعربية الفصحى كأحد أبناء البادية.

    ( مجموعة طالب العلم البريدية )
    نسعد بتواصلكم
    للاقتراحات والملاحظات
    المراسلة على البريد التالي
    talbalelm@gmail.com

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    المشاركات
    65

    افتراضي رد: من مآسينا..(عن لغتنا العربية) - تقرير

    الله الله ..ما أجمل هذه الرسالة و أوفاها في الحديث عن اللغة العربية
    بارك الله فيك و زادك يقينا و علما

  3. #3

    افتراضي

    وشكرا اخي على الطرح

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •