كتب ـ أحمد فضل شبلول
ينضوي شعر أبي حيان الأندلسي تحت ما يسمى "شعر العلماء"، ويرى المحقق د. وليد بن محمد السراقبي أنه نظم أراد به صاحبه أن يخرج من ميدان العلم الصارم والحزم، ميدان علوم العربية ونحوها وصرفها، إلى ميدان المنظوم الذي يعكس حالة نفسية، أو يعبر عن تجربة شعورية اصطلى بنارها، أو التعبير عن مقدرة على ارتياد آفاق الشعر.

ويشير السراقبي في دراسة ديوان "أبي حيان الأندلسي" إلى أنه لا يمكن أن نقول بالقيمة الفنية العالية التي يتصف بها شعره، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نصل به إلى مصاف الشعراء المبدعين، على الرغم من أن في شعره غير قليل من الأشعار الجيدة السبك، الجميلة التصوير، ويستشهد على ذلك برأي ابن تغري بردي الذي قال "ومذهبي في أبي حيان أنه عالم لا شاعر".

وعلى الرغم من ذلك يقوم المحقق السراقبي بدراسة الديوان والتعليق عليه، ولعل ما دفعه إلى ذلك، هو اكتشاف نسخة فريدة من هذا الديوان، بعد أن قرَّ عند د. أحمد مطلوب، ود. خديجة الحديثي أن النسخة الخطية للديوان الذي أخرجاه سنة 1969 هي النسخة الوحيدة، وما هي بتلك، حيث قدَّم له د. محمد خير البقاعي في عام 2006 صورة من نسخة فريدة من ديوان شعر أبي حيان، قائلا له: "أنا أعرف اهتمامك بأبي حيان الأندلسي، وهذه نسخة فريدة آمل أن تخرجها للناس".

ويوضح المحقق أن الفنون الشعرية التي نظم عليها أبوحيان الأندلسي (654 هـ/1256 ـ 745 هـ) والموضوعات الشعرية التي طرقها قد تعددت، فقد نظم القصائد والمعارضات والأراجيز والموشحات، ويعد من أفحل شعراء الموشحات المغاربة في رأي ابن تغري بردي، ويضرب مثالا على ذلك بموشحته التي يقول فيها:

إن كان ليلٌ داجْ ** وخاننا الإصباحْ

فنورها الوهاجْ ** يُغني عن المصباح

سلافةٌ تبدو ** كالكوكب الأزهرْ

مزاجها شهدُ ** وعرفها عنبرْ

يا حبذا الوردُ ** منها وإن أسكرْ

قلبي بها قد هاجْ ** فما تراني صاحْ

عن ذلك المنهاجْ ** وعن هوى يا صاحْ

ويدلنا السراقبي أن أبا حيان الأندلسي "ترك ديوانا شعريا حافلا بموضوعات شى من حكمة وزهد وصبوة وحنين وغزل ووصف ومدح ورثاء، وهي كلها لا تعدو أن تكون في حقيقة الأمر نفثة مصدور، وآهة مشتاق، وتسبيحة معجب، وثناء شاكر مقر بفضل الآخرين وفضلهم في عنقه".

يقول في زوجته وأم ولده حيَّان، معبرا عن شدة شغفه بها، ويبدو أنها كانت سمراء أو سوداء اللون:

جُننتُ بها سوداءَ لونٍ وناظرٍ ** ويا طالما كان الجنونُ بسوداءِ

وجدتُ بها بردَ النعيمِ وإن يكُنْ ** فؤاديَ منها في جحيمٍ ولأواءِ

وشاهدتُ مغنى الحسنِ فيها مُجَسَّدًا ** فاعجبْ لمعنىً صارَ جوهرَ أشياءِ

أطاعنةً مِنْ قدِّها بمُثقَّفٍ ** أصبتِ وما أغنى الفتى لبسُ حَصْدَاءِ

لقد طعنتْ والقلبُ ساهٍ فما دَرَى ** أبالقدِّ منها أم بصعْدةِ سمراءِ؟

ويؤكد المحقق أن أبا حيان في شعره كله لم يخرج عن القوالب الشعرية التي صاغ عليها الشعراء شعرهم على مر العصور حتى عصره، إلا ما كان من نظمه موشحين لم يؤثر عنه غيرهما، وهما اللذان دفعا ابن تغري بردي إلى جعله أستاذ هذا الفن، على الرغم من أن ديوانه لم يحو من هذا الفن إلا ما نظم بعد أن حط عصا التسيار والترحال في مصر، فلم يؤثر عنه موشحات نظمها في الأندلس أرض الموشحات.

يذكر أن ديوان أبي حيان الأندلسي صدر مؤخرا ضمن سلسلة "من تراثنا الشعري" التي يصدرها مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية الذي يشرف عليه د. محمد مصطفى أبوشوارب، بمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري بالكويت، ويحمل الرقم 11. وقد وقع الديوان في 500 صفحة، وبلغ عدد أبيات الشعر فيه 2888 بيتا.

وأوضح المحقق د. وليد بن محمد السراقبي أن أبا حيان غادر الأندلس في بداية عام 678 هـ وحطَّ رحاله وألقى عصا التسيار في مصر بعد أدائه فريضة الحج، تاركا مسقط رأسه الأثير غرناطة، حيث كانت مصر في ذلك الوقت مهوى أفئدة الأدباء والعلماء ومحط أنظار المسلمين والعرب، وموئل الوافدين إليها بعد النكبات التي عصفت ببغداد والمدن الأندلسية وتهاويها مدينةً تلو مدينة.

وفي مصر أخذ أبوحيان يدرس النحو في جامع الحاكم سنة 704 هـ، والتفسير في قبة السطان الملك المنصور، ثم تسنم مناصب علمية كثيرة منها: منصب الإقراء بجامع الأقمر، أحد مساجد العصر الفاطمي.

يقول أبوحيان الأندلسي معارضا قصيدة "بانت سعاد" في قصيدة بلغت 90 بيتا:

لا تَعذُلاه فما ذو الحُبِّ معذولُ ** العقلُ مختبلٌ والقلبُ مَتبولُ

هزَّتْ له أسمرًا من خُوطِ قامتِها ** فما انثنى الصبُّ إلا وهو مقْتولُ

جميلةٌ فُصِّلَ الحسنُ البديعُ لها ** فكمْ لها جُمَلٌ منهُ وتَفصيلُ

فالنَّحرُ مَرمَرةٌ، والنَّشرُ عَنبرةٌ ** والثغرُ جوهرةٌ، والريقُ معسولُ

والطرفُ ذو غَنجٍ، والعرفُ ذو أرجٍ ** والخَصْرُ مُختطفٌ، والمتنُ مجدولُ

هيفاءُ ينبسُ في الخَصرِ الوشاحُ لها ** درماءُ تخرسُ في الساقِ الخَلاخيلُ

من اللواتي غذاهُنَّ النعيمُ فما ** يَشقَينَ آباؤها الصيدُ البهاليلُ

لقد توقف المحقق عند محطات هامة في حياة أبي حيان الأندلسي، وعرَّفنا على شيوخه (30 شيخا) وتلاميذه، وآثاره، ووفاته سنة 745 هـ بعد أن فقد بصره. كما أوقفنا على وصف المخطوط الذي استقى منه ديوان أبي حيان، والذي وقع في مئة وخمس عشرة صفحة مختلفة القياس، ومنهجه في تحقيق الديوان الذي نشر في سلسلة "من تراثنا الشعري" مرتبا على حروف المعجم، ومزودا بعدد من الفهارس، منها: فهرس الآيات القرآنية، وفهرس الحديث، وفهرس الأشعار (تبعا للقوافي)، وفهرس الأعلام، وفهرس اللغة، وفهرس الكتب التي رجع لها المحقق، وفهرس الأقوام والقبائل والجماعات، وفهرس الأماكن والبقاع.