زيادة ( لا ) :
زيدت في قولـه تعالى : } لِئَلّا يَعلَمَ أَهلُ الكِتابِ .. {([1]) أي : ليعلم أهل الكتاب([2])، ومن هذا قول الشاعر([3]):
تَذَكَّرتُ لَيلى فَاعتَرَتني صَبابَةٌ
وَكادَ ضَميرُ القَلبِ لا يَتَقَطَّعُ
فالمعنى : يتقطع .
وتزاد ( لا ) المذكــورة بعـــد حــــرف العطف لتوكيد النفـــي ، كما في قولــه تعـالى : } وَلا تَسـتَوي الحَســَــنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ... {([4]) ، " وتزاد لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب ، كقولـه([5]):
وَجهُكَ البَدرُ لا بَلِ الشَّمسُ لَو لَم
يُقضَ لِلشَّمسِ كَسفَةٌ أَو أُفولُ
ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي ، ومنع ابن درستويه([6]) زيادتها بعد النفي ، وليس بشيء ؛ لقولـه([7]):
وَما هَجَرتُكِ لا بَل زادَني شَغَفًا
هَجرٌ وَبُعدٌ تَراخى لا إِلى أَجَلِ "([8])
وفي شعر أبي تمام وردت زيادتها في مواضع معروفة مألوفة ، كقولـه([9]):
- فَلَو كانَ ما يُعطيهِ غَيثًا لأمطَرَت
سَحائِبُهُ مِن غَيرِ بَرقٍ وَلا رَعدِ
- وَكُنتُ بِها المُمَنَّعَ غَيرَ وَغدٍ
وَلا نَكدٍ إذا حَلَّ العَظيمُ
وزيدت لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب كما في قوله([10]):
- بِأَحاظي الجُدودِ لا بَل بِوَشــ
ـكِ الجِدِّ لا بَل بِسُؤددِ الأَجدادِ
- لَهفَ نَفسي عَلَيَّ لا بَل عَلَيكا
إِذ تَجولُ العُيونُ في خَدَّيكا
ومن زيادتها بعد النفي قولـه تعــالى : } ... غَيرِ المَغضـــوبِ عَلَيهِم وَلا الضّــــــالّين َ {([11])، " فـ ( لا ) زائدة ، لتوكيد النفي . قــالوا : وتعين دخــولــها في الآيــة ، لئلا يتوهم عطف ( الضالين ) على ( الذين ) "([12]).
والحقيقة أننا لا نحتاج لمثل هذا التعليل القائم على دفع التوهم ؛ إذ هناك نماذج كثيرة ، المعنى فيها واضح بيّن ومع ذلك جيء بـ ( لا ) زائدةً ، إذن العرب تؤكد النفي بالنفي ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، منها قول أبي تمام([13]):
- فَلَو كانَ ما يُعطيهِ غَيثًا لَأَمطَرَت
سَحائِبُهُ مِن غَيرِ بَرقٍ وَلا رَعدِ
- آثارُ أَيدي آلِ مُصعَبٍ الَّتي
بُسِطَت بِلا مَنٍّ وَلا إِخلافِ
ولم يكتف أبو تمام بزيادتها مع المعطوف بل زادهــا في بعض أبياته مع المعطوف عليه ، ومن ذلك قوله([14]):
- مِثلُ السَّبيكَةِ لَيسَ عَن أَعراضِها
بِالغَيبِ لا نَدُسًا وَلا بَحّاثا
- كانَت حَوادِثُ في موقانَ ما تَرَكَت
لِلخُرَّميةِ لا رَأسًا وَلا ثَبَجا
وهذا شبيه بزيادتها بعد النفي في قول الشاعر([15]):
قد يكسِبُ المالَ الهِدانُ الجافي
بِغَيرِ لا عَصفٍ ولا اصطِرافِ
وربما ساعد اختلافُ الكلمتين في اللفظ على اجتماعهما في موضع واحد دالتين على النفي دون فصل بينهما([16]).
([1]) الحديد : من الآية 29
([2]) الكشاف : 2 / 89 ، 4 / 483 ، وينظر : التفسير الكبير للرازي : 29 / 216
([3]) الجنى الداني : 302 ، وقائل البيت مجهول .
([4]) فصلت : من الآية 34
([5]) البيت بلا نسبة في : مغني اللبيب : 1 / 113 ، همع الهوامع : 5 / 257 ، شرح الأشموني : 3 / 168
([6]) عبد الله بن جعفر بن درستويه ، صحب المبرد ، ولقي ابن قتيبة ، كان شديد الانتصار للبصريين في النحو واللغة . مات سنة 347هـ . ( ينظر : بغية الوعاة : 2 / 36 )
([7]) البيت بلا نسبة في : مغني اللبيب : 1 / 113 ، همع الهوامع : 5 / 257 ، شرح الأشموني : 3 / 168
([8]) مغني اللبيب : 1 / 113 ، وينظر : همع الهوامع : 5 / 257 ، شرح الأشموني : 3 / 168
([9]) الديوان : 2 /120
([10]) نفسه : 1 / 367 ، 4 /246
([11]) الفاتحة : من الآية 7
([12]) الجنى الداني : 301
([13]) الديوان : 2 / 120 ، 2 / 393
([14]) نفسه : 1 / 316 ، 1 / 329
([15]) البيت بلا نسبة في : معاني القرآن : 1 / 176 ، الخصائص : 2 / 283 ، الإنصاف في مسائل الخلاف : 2 / 581 ، خزانة الأدب : 8 / 486
([16]) ينظر: معاني القرآن : 1 / 176 ، الإنصاف في مسائل الخلاف : 2 / 581 ، خزانة الأدب : 8 / 486
****************************** ****************************** ***********************
هذا مقتبس من رسالة ماجستير من جامعة تعز 2008م موسومة بـ : ( التوكيد في شعر أبي تمام - دراسة نحوية ) لكاتب هذه السطور ، وإشراف أ.د عباس السوسوة .
أعود - إن شاء الله - للإجابة عن الآيتين المذكورتين قريبًا . وبارك الله فيكم