الرد على زعم الملاحدة العالم غير محتاج إلى غيره
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين
أما بعد :
فقد زعم الملاحدة أن العالم غير محتاج إلى غيره بل هو مستغن بنفسه لأن الأشياء الموجودة في العالم عبارة عن صور متعددة للمادة، فهي كلها مادة. فاحتياج بعضها للبعض الآخر ليس احتياجاً ؛ لأن احتياج الشيء لنفسه لا يكون احتياجاً بل هو مستغن بنفسه عن غيره وعليه تكون المادة أزلية لا أول لها، لأنها مستغنية بنفسها عن غيرها أي أن العالم أزلي قديم مستغن بنفسه عن غيره .
و الجواب أن هذه الأشياء الموجودة في العالم ليست عندها القدرة على الخلق والإبداع من عدم،سواء أكانت مجتمعة أم متفرقة، فالشيء الواحد عاجز عن الخلق والإبداع من عدم، وإذاكمله غيره من ناحية أو من عدة نواح فإنه يبقى هو وغيره معاً عاجزين عن الخلقوالإبداع من عدم وهذا ظاهر محسوس وهذا يعني أنه غير أزلي، لأن الأزلي الذي لا أولله يجب أن تنفى عنه صفة العجز و يجب أن يكون متصفاً بالقدرة على الخلق والإبداع منعدم، أي يجب أن تستند الأشياء الحادثة في وجودها إليه حتى يكون أزلياً .
و على ذلك يكونالعالم غير أزلي و ليس بقديم ؛ لأنه عاجز عن الخلق ورالإبداع فعدم وجود القدرة في الشيءعلى الخلق من عدم دليل يقيني على أنه ليس أزلي.
و كيف يقال أن العالم غير محتاج إلى غيره و نحن نرىاحتياج كل شيء في العالم إلى النظام أو إلى نسبة معينة لا يستطيع أن يتعداها حتى يتأتى له سدحاجة غيره و بيان ذلك:
أن (أ) محتاج إلى (ب) و(ب) محتاج إلى (جـ) و(جـ) محتاج إلى (أ) وهكذا،و إن احتياج الأشياء في العالم لبعضها دليل على أن كل واحد منها ليس أزلياً ،و كون بعضها يكمل بعضاً دليل على أن كل واحد منها ليس أزلياً، وكون بعضها يكمل بعضاًأو يسد حاجة البعض الآخر لا يتأتى بشكل مطلق، وإنما تحصل وفق نسبة معينة، أي وفقترتيب معين، ولا يمكنه أن يقوم بالتكميل إلا حسب هذا الترتيب أو يعجز عن الخروجعنه، فيكون الشيء المكمل لم يكمل وحده أي لم يسد الحاجة وحد بل سدها بترتيب فرضعليه من غيره، وأجبر على الخضوع له، فيكون الشيء المكمل والشيء الذي كمله قد احتاجاإلى من عين لهما الترتيب المعين حتى سدت الحاجة ولم يستطيعا أن يخالفاً هذاالترتيب، ولا يحصل سد الحاجة بغير هذا الترتيب، فيكون الذي فرض الترتيب عليها هوالمحتاج إليه وبذلك تكون الأشياء في مجموعها ولو كمل بعضها بعضاً لا تزال محتاجةإلى غيرها، أي محتاجة إلى من أجبرها على الخضوع حسب الترتيب المعين.
و على سبيل المثال الماءحتى يتحول إلى جليد يحتاج إلى الحرارة فيقولون أن الماء مادة والحرارة مادة والجليدمادة، فالمادة حتى تحولت إلى صور أخرى من المادة أي احتاجت إلى نفسها وليس لغيرها. ولكن الواقع هو غير هذا. فإن الماء حتى يتحول إلى جليد يحتاج إلى حرارة بدرجة معينةلا إلى الحرارة فقط والحرارة شيء، وكونها لا تؤثر إلا بدرجة معينة أمر آخر، وهوغير الحرارة أي أن النسبة المفروضة على الحرارة حتى تؤثر، وعلى الماء حتى يتأثر،هذه النسبة ليست آتية من الماء، وإلا لاستطاع أن يتأثر كما يشاء، وليست آتية منالحرارة، وإلا لاستطاعت أن تؤثر كما تشاء أي ليست آتية من المادة نفسها وإلالاستطاعت أن تؤثر وان تتأثر كما تشاء، بل لا بد أن تكون آتية من غير المادة.
و على ذلك تكون المادة قد احتاجت إلى من يعين لها نسبة معينة حتى يحصل لها التأثر، أو يحصل فيها التأثر، وهذا الذي يعين لها هذه النسبة هو غيرها فتكون المادة محتاجة إلى غيرها فالمادة إذن ليست أزلية لأن الأزلي القديم لا يحتاج إلى غيره فهو مستغن عن غيره، والأشياء كلها تستند إليه فعدم استغناء المادة عن غيرها دليل يقيني على أنها ليست أزلية فهي مخلوقة و تحتاج إلى خالق .
هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات