تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: سبيل السعادتين في إجتناب الجهالتين ..

  1. #1

    افتراضي سبيل السعادتين في إجتناب الجهالتين ..

    سبيل السعادتين في إجتناب الجهالتين


    جاء في مجلّة الإصلاح السلفيّة الجزائرية السنة الثالثة العدد الخامس عشر : رجب /شعبان 1430 ه الموافق ل جويلية/أوت 2009 م صلفحة 34 وما بعدها هذا المقال النافع للأخ الفاضل الزواوي ملياني حفظه الله وقد نسخته بعد صلاة الفجر لتتفضّلوه مشكورين :

    سبيل السعادتين في إجتناب الجهالتين

    الزواوي ملياني
    مدينة وهران

    الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسلام على عبده ورسوله الذي بلّغ البلاغ المبين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
    وبعد :
    لقد تظافرت آيات الله الكونيّة والشرعيّة على السّواء ، وبلا مراء ؛ أنّ السعادتين - في الدنيا والآخرة – مرهونتان باجتناب الجهالتين :
    1 - جهالة العلم .
    2 - وجهالة العمل ؛ وما حلّ بالنّاس من مكروه ولا حصل لهم عنت إلاّ كانت إحداهما سببه .
    فإنّ النّوع الإنسانيّ لا يصلح إلاّ إذا تجرّد من الجهل كلّه .
    فإنّه وإن تقرّر شرعا أنّ فساد الأديان شرّ من فساد الأبدان ، بل لا قياس لحجم هذا الفساد على حجم ذاك ، إلاّ أنّ كلا الفسادين من جرّاء الجهالتين المذكورتين .
    ولعلّك لمحت أنّي لا أعني بالجهل هنا : نعرّف به نقيض العلم فحسب ، كما يفهمه من أوّل إدراك كلّ أحد ؛ ولكن هو جهل العلم وجهل العمل على السّواء .

    جهالة العلم :

    لا يزال يكتب الكاتبون في أدب الدّنيا والدّين مقالات في ذمّ الجهل ومدح العلم كالدّرر ، لك أن تستخرج منها من كنوز النّصائح ما لو وقع عليه المتنكّب طريق نجاته لعلم منه سبيل خلاصه .
    وإنّ الله مذ انشأ آدم على وجه هذه البسيطة ؛ لم يزل عقلاء ذرّيته -أنبياء وعلماء- يحذّرون أممهم من الجهل وغوائله ، ويرشدونهم إلى العلم وفضائله .
    والمرء منذ يصير يعي الخير والشّرّ ؛ تراه يتطلّب أسباب سعادته طمعا في تحصيلها ، حتى تكون سبيله إلى راحة نفسه .
    غير أنّ كثيرا قد غفلوا عن معنى السّعادة المنشودة والرّاحة المقصودة على الوجه الّذي نزل به الوحي وجاء به الشّرع ؛ وإنّما هي في العلم تحصيلا وأعمالا .
    إنّ الجهل منجم الباطل ، ومنبع الضّلالة ومغلاس الفتنة ، ووكر الشّر ، ومستثار الهوى ، ومرسى الشّبهات ، وعرصة الغيّ ، وعشّ الباطل ..
    ولو أردت ان أزيدك زدتّك ، وإنّما غرضي من تعريفك حدّه ومعناه ؛ أن تبغضه وتتعدّاه .
    ومنشأ تفضيل المتعلّم على غيره حصل في الملإ الأعلى - قبل أن ينزل به الشرع - في أعظم مشهد ، وبين يدي أعظم شاهد ، وذلك أنّ الله ( سبحانه لمّا اراد إظهار تفضيل آدم وتمييزه وفضله ميّزه عليهم بالعلم ؛ فعلّمه الأسماء كلّها ، ثمّ عرضهم على الملائكة فقال : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31) ) .. [سورة البقرة] ، فحينئذ أظهر لهم فضل آدم بما خصّه به من العلم ) (1) .

    ومن أحسن ما قيل في الجمع بين فضل العلم وشؤم الجهل :

    العلم ينهض بالخسيس إلى العلا
    ....................... والجهل يقعد بالفتى المنسوب .



    ولمّا علم القوم فضل العلم وأنّه حبل الله الممدود لكلّ طالب نجاة ؛ قال قائلهم : ( حظّ من علم أحبّ إليّ من حظّ من عبادة ) (2) .
    وقال بشر الحافي رحمه الله : وهو أحد أعبد أهل زمانه : ( لا أعلم على وجه الأرض عملا افضل من طلب العلم والحديث لمن إتّقى الله وحسنت نيّته فيه ) .
    وقال سفيان الثوري رحمه الله : ( ما اعلم شيئا يراد الله به افضل من طلب العلم ) .
    والحظ معنى السّعادة والنّجاة في ارتباط العلم بمعنى الحياة ، في جميل اقتباس النبيّ صلى الله عليه وسلّم حين تسميته النّوم موتا في بعض كلامه ؛ وهو إنّما سمّاه كذلك لشبهه به في فقد الحياة .
    وأنت لو تمعّنت لرأيت النّائم إنّما زالت منه حياته العلميّة لا الرّوحية (3) ، ولأجل ذلك ارتفع تكليفه .
    وإذا ارتفع العلم وحطّ الجهل صحّ تسمية الحدث موتا بنصّ القرىن الكريم فقد قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( إنّك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصمّ الدعاء ) [النمل : 80 ] ، وهو إنّما كان يدعو أحياء يروحون ويجيئون .
    قال ابن كثير رحمه الله (6/211 ) :
    (لا تسمعهم شيئا ينفعهم شيئا ينفعهم ، فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة ، وفي آذانهم وقر الكفر ).

    وفي هذا المعنى قال الشّاعر :

    وفي الجهل قبل الموت موت لاهله
    ................. وأجسامهم قبل القبور قبور


    جهالة العمل :

    وأمّا الجهالة الثانية : فجهالة العمل .
    ومعناها : الفصل بين طلب العلم وبين توظيفه والعمل به .
    وهي من أشنع مظاهر الجهل وشرّها .
    فإنّ فيها خصلتين مذمومتين متلازمتين
    فأمّا الأولى : فتعطيل الحكمة الّتي من اجلها كان الحضّ على طلب العلم والأمر به ، ألا وهي طلب العمل به ، فإنّما هو وسيلة والعالم به هو الغاية .
    فمن أتعب نفسه في تحصيل الوسائل واهمل الغايات ؛ كان ذلك عند العقلاء من نقصان العقل ، وعند الفقهاء من فساد النيّة .
    وأمّا الثّانية اللاّزمة : فالتّشبه ببعض شرّ خلق الله ؛ ألا وهم اليهود ، فإنّهم أكثر النّاس تركا للعمل عند نزول البيّنات ، اعاذنا الله من اخلاقهم .
    ولهذا قال ابن المبارك رحمه الله : ( من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود )
    نعم ؛ العلم في نفسه خصلة محمودة ، وحسنة مطلوبة وعمل صالح ، بل هو أفضل القرب بعد أداء ما افترض الله سبحانه على العباد.
    فإنّ فيه صلاحهم ، وبه فلاحهم ، وهو مبتدأ كلّ خير في دين أو في دنيا ، وقد مرّ بيان ذلك .
    لكنّ هذا حاصل لمن كانت نيّته العمل به ، وغجراء مقتضاه على الجوارح ، قياما بحقّه الشّرعيّ المتضمّن في قوله تعالى : ( فاعلم أنّه لا إله إلاّ الله واستغفر لذنبك ) [محمّد : 19 ] .
    فإنّالله - سبحانه - طلب الإستغفار من الخطايا ؛ وهو عمل ، مقرونا مع الأمر بطلب العلم ؛ لتعلم أنّ صلاح العمل من صلاح العلم ، وصحّته من صحّته ، وانّ ترك العمل جهل ايضا ، إذ العلم ما أورث الخشية ، وحضّ على العمل وطلب البراءة .
    يبيّن هذا كلّه ّ؛ تفسير السلف الصالح رضي الله عنه للجهالة في قوله سبحانه : ( إنّما التوبة على الله للذين يعملون السّوء بجهالة ) [ النساء : 17 ] ، بأنّ كلّ من عصى الله تعالى فهو جاهل .
    قال ابن كثيرا - رحمه الله تعالى - : ( قال مجاهد وغير واحد : كلّ من عصى الله خطأ أو عمدا فهو جاهل ، حتّى ينزع عن الذنب ) (4) .
    وقال ابن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( ثمّ إنّ ربّك للذين عملوا السوء بجهالة ثمّ تابوا من بعد ذلك واصلحوا إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم (119) ) : ( إنّ ربّك للذين عصوا الله فجهلوا بركوبهم ما ركبوا من معصية الله وسفهوا بذلك .. ) (5) .
    ولهذا قال ابن القيّم رحمه الله تحت آية النساء : ( والجهالة هنا ؛ جهالة العمل ، وغن كان عالما بالتحريم .. ) (6) .
    وقال رحمه الله في موضع ىخر في الكلام على قوله تعالى ( ففرّوا إلى الله ) [ الذاريات : 50] : ( فالفرار المذكور : هو الفرار من الجهلين ؛ من الجهل بالعلم إلى تحصيله اعتقادا ومعرفة وبصيرة ، ومن جهل العمل إلى السّعي النّافع والعمل الصّالح ؛ قصدا وسعيا ) (7) .
    ومن عظيم فوائد هذا الفرار إلى العمل ؛ ما يمد الله به العبد من السداد والإصابة في بعض ما يلجأ إليه أحيانا من التوقيع عنه سبحانه .
    فلقد وعد الله الصّالح من أهل العلم أن يلهمه رشده أحوج ما يكون إليه ؛ وذلك بإطلاعه على الفرق بين الحقّ والباطل والهدي والضّلال ، فقال سبحانه : ( يا أيّها الذين ءامنوا إن تتّقوا الله يجعل لّكم فرقانا ) [الأنفال : 29] ، وقال سبحانه : ( والّذين اهتدوا زادهم هدى وءاتهم تقواهم (17) ) [محمّد : 17 ] .
    ولهذا نقل عن أحمد أنه قيل له :
    من نسال بعدك ؟
    فلقال عبد الوهاب ، يعني : الورّاق .
    فقيل غنّه ضيّق العلم .
    فقال :رجل صالح مثله يوفّق لإصابة الحقّ ) (8) .
    أختم واقول :
    أنا أعلم أنه قد كتب في فضل العلم والعمل من هو أفصح لسانا واعذب بيانا ؛ وإنّما نحن في جنبهم وجنب من نكتب لهم كقول الشّاعر :

    وتراه يصغي للحديث بسمعه
    ................ وبقلبه ولعلّه ادرى به


    .............................. ............
    الهامش :

    1 - ( مفتاح دار السعادة ) (1/52) .

    2 - قاله مطرف بن الشّخير ، اخرجه عبدد الرزاق في (المصنف) (11/253) ، وابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) .

    3 - (لسان العرب ) : مادة موت (2/90) .

    4 - ( تفسير ابن كثير) (2/235) .

    5 - (تفسير ابن جرير) (17/316) .

    6 - (مدارج السالكين) (1/284) .

    7 - (مدارج السالكين) (1/284) .

    8 - (الآداب الشرعية) (2/114) .
    قال الشيخ العلامة حمود بن عبدالله التويجرى - رحمه الله - :" الألبانى علم على السنة والطعن فيه طعن فى السنة "

  2. #2

    افتراضي رد: سبيل السعادتين في إجتناب الجهالتين ..

    جزاك الله خيراً أخي العاصمي على هذا النقل، ويبدو أنك ذواق تحسن الاختيار، أدام الله فينا أمثال هؤلاء الكتاب، وأطال الله عمر مجلتنا السلفية الإصلاح، وبوركت أنت على مابذلت من جهد في إعادة كتابة هذا المقال، وفقك الله.

  3. #3

    افتراضي رد: سبيل السعادتين في إجتناب الجهالتين ..

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوأسامة الجزائري مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيراً أخي العاصمي على هذا النقل، ويبدو أنك ذواق تحسن الاختيار، أدام الله فينا أمثال هؤلاء الكتاب، وأطال الله عمر مجلتنا السلفية الإصلاح، وبوركت أنت على مابذلت من جهد في إعادة كتابة هذا المقال، وفقك الله.
    أحسن الله إليك وبارك فيك .. وسياتيك ما يسرّك بعد ايّام إن شاء الله
    قال الشيخ العلامة حمود بن عبدالله التويجرى - رحمه الله - :" الألبانى علم على السنة والطعن فيه طعن فى السنة "

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •