تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الهـــوى وأثره في الخلاف

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي الهـــوى وأثره في الخلاف

    الهـــوى وأثره في الخلاف (1)


    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين، فإن من أعظم دواعي الضلال وأسباب الهلاك: اتباع الهوى؛ فإنه يهوي بصاحبه إلى المهالك حتى يورده النار، قال الشاطبي: «سمى الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه إلى النار»، وروي هذا عن الشعبي، وقال ابن عباس: ما ذكر الله – عز وجل – الهوى في كتابه إلا ذمه!! وأصل الضلال: اتباع الظن والهوى، كما قال تعالى فيمن ذمهم: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} (النجم: 23)، وهذا وصف للكفار، فكل من له نصيب من هذا الوصف فله نصيب من متابعة الكفار بقدر ذلك النصيب.
    وقال تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم : {والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 1-4)، فنزهه عن الضلال والغواية، اللذين هما: الجهل والظلم، فالضال هو الذي لا يعمل الحق، والغاوي الذي يتبع هواه، وأخبر أنه لا ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه. فوصفه بالعلم ونزهه عن الهوى.
    ومتبع الهوى لا بد أن يضل، سواء عن علم أو عن جهل؛ فإنه كثيراً ما يترك العلم اتباعاً لهواه، ولا بد أن يظلم إما بالقول أو بالفعل؛ لأن هواه قد أعماه، ولهذا حذر السلف عن مجالسة من هذه صفته، كما قال أبو قلابة: «لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون»، وقال أيضا: «لا تجالسوا أهل الأهواء؛ فإنكم إن لم تدخلوا فيما دخلوا فيه لبسوا عليكم ما تعرفون»، يعني أن مُجالس صاحب الهوى لا يسلم من الشر، فإما أن يتابع صاحب الهوى على هواه وباطله، أو يدخل عليه شبهة في دينه الذي يعرف أنه حق.
    وقال ابن عباس: «لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب»، وقال ابراهيم النخعي: «لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في قلوب المؤمنين»، وقال مجاهد: «لا تجالسوا أهل الأهواء فإن لهم عرة كعرة الجرب»، يعني أنهم يُعْدون من قرب منهم، كما أن من قارب الأجرب جرب، وقال محمد بن علي: « لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله»،
    يقصد قوله تعالى: { وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا } (النساء: 140).

    وقال مصعب بن سعد: «لا تجالس مفتونا فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين: إما أن يفتنك فتتابعه! وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه»!، وقال يونس بن عبيد: «أوصيكم بثلاث: لا تمكنن سمعك من صاحب هوى، ولا تخل بامرأة ليست لك بمحرم، ولو أن تقرأ عليها القرآن، ولا تدخلن على أمير ولو أن تعظه»، وقال أبو قلابة يوصي أيوب السختياني: «يا أيوب احفظ عني أربعاً: لا تقل في القرآن برأيك، وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأمسك، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك فينبذوا فيه ما شاءوا»، وقال أبو الجوزاء: «لئن تجاورني القردة والخنازير في دار أحب إلي من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء»، وقد دخلوا في هذه الآية: {وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور} (آل عمران: 119).
    وقد دل على هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال؛ فإنه قال: «من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات»، والمتعين على العبد – ولا سيما المبتدئ والشاب – أن يبتعد عن الشبه والجدال في الدين، فإن ذلك يجر الى الردى.
    قال ابن بطة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من سمع منكم بخروج الدجال فلينأ عنه ما استطاع؛ فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فما يزال به حتى يتبعه لما يرى من الشبهات».
    قال: هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق، فلا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء فيقول: أداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه؛ فإنهم أشد فتنة من الدجال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا عليهم،
    وذكر أن محمد بن السائب كان من أهل السنة، فقال: نذهب نسمع من هؤلاء فما رجع حتى أخذ بها وعلقت في قلبه. ا هـ. ومثله كثير.
    والهوى: كل ما خالف الحق، وللنفس فيه حظ ورغبة من الأقوال والأفعال والمقاصد، فالهوى ميل النفس إلى الشهوة، ثم يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية !!
    فميل النفس إلى الثناء ومدح الناس وتعظيمهم إياه وطلب الرفعة عليهم في رئاسة أو صفة هو الهوى.

    وقد ذم الله اليهود لاتباعهم لأهوائهم، حيث قادهم ذلك إلى تبديل شرع الله والكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من الوحي.
    وسبب ذلك اتباعهم لأهوائهم، قال تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} (البقرة: 87)، وقال تعالى: {لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} (المائدة:70)،
    فاتباع الهوى هو أصل الضلال والكفر، ومعلوم أن ذلك يتفاوت تفاوتاً عظيماً، فمن اتباع الهوى ما يوصل إلى ما ذكر، ومنه ما هو أقل من ذلك، وكل من خالف الحق لا يخرج عن اتباعه للهوى أو الاعتماد على الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، كما قال تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} (النجم: 23)، فإن كان يعتقد أن قوله صحيح وله فيه حجة يتمسك بها فغايته اتباع الظن الذي لا يغني من الحق شيئا وتكون حجته شبهات فاسدة مركبة من ألفاظ مجملة ومعان متشابهة لم يميز بين حقها وباطلها، فإذا ميز الحق فيها عن الباطل زال الاشتباه.

    ومما يجب أن يعلم أن الله – تعالى – لم يقص علينا في القرآن الكريم قصص السابقين إلا لنعتبر بها لما فينا من الحاجة إلى ذلك، ولما فيه من المصلحة، وإنما يكون الاعتبار إذا قسنا ما يقع لنا وما يكون فينا على ما وقع من السابقين وحصل لهم من جراء ذلك.
    ولولا أن في نفوس كثير من الناس أو أكثرهم ما كان في نفوس المكذبين للرسل لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه بقول أو فعل أو سجية كامنة في النفس تنتظر الخروج، ولكن الواقع مثل ما قال الله تعالى: {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم} (البقرة: 118)، وقوله تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} (الذاريات: 52)، وقال تعالى: {ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك} (فصلت: 43)، وقوله: {يضاهئون قول الذين كفروا من قبل} (التوبة:30)، أي قولهم يماثل قول من سبقهم بالكفر ويشابهه،
    ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟»، والقذة: ريشة السهم، وهي ما يشبه رصاصة البندقية (اليوم)، فكل واحدة تكون مساوية للأخرى، فالمعنى أنكم تكونون مثلهم بأفعالهم سواء بسواء.

    وفي الحديث الآخر: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتى بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعا بذراع، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك»،
    بمعنى الأول تماما، وكثير من الناس يدعو إلى أن يكون شريكا لله تعالى في طاعة الأمر واتباعه، بل التعظيم! وإن كان لا يستطيع أن يصرح بذلك، ولكن هذا كامن في نفسه، وهذا غاية الظلم والجهل، وكل نفس – إلا ما شاء الله – فيها على الأقل شعبة من ذلك، إن لم يعن الله العبد ويهديه، وإلا ظهر ذلك من نفسه ووقع فيما وقع فيه إبليس وفرعون بحسب قدرته وسلطانه.

    قال بعض السلف: ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون، غير أن فرعون قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر.
    والعاقل إذا تعرف على أحوال النفس، ونظر في أخبار الناس، وجد أن كل واحد منهم يريد لنفسه أن تطاع وتعلو بحسب حاله وقدرته، فالنفوس مشحونة بحب العلو والرئاسة بحسب إمكانها، فتجد أحدهم يوالي من يوافقه على هواه، ويعادي من يخالفه في هواه! فمعبوده ما يريده ويهواه … كما قال تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا} (الفرقان: 43)، فمن وافق هواه واستمع لأقواله واتبعه صار صديقا له مقربا منه، وإن كان عاصيا لله تعالى بل ربما وإن كان مشركا كافرا، ومن لم يوافقه فيما يهواه كان عدوا وإن كان من أولياء الله المتقين، والتفاوت في هذا بين الناس كبير، فكثيرمن المسلمين يطلبون طاعتهم في غيرهم، وإن كان في طاعتهم معصية لله تعالى، فمن أطاعهم في ذلك كان أحب إليهم وأعز عندهم ممن أطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

    وكثير من الناس يكون في نفسه حب الرئاسة كامنا لا يشعر به، ويخفى عليه، فضلا عن غيره، وعند المقتضيات تظهر هذه الكوامن؛ ولهذا سميت هذه: الشهوات الخفية.
    قال شداد بن أوس: « يا بقايا العرب إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية، قيل لأبي داود السجستاني: ما الشهوة الخفية ؟ قال: حب الرئاسة، فهي خفية تخفى على الناس وقد تخفى على صاحبها».
    ومن علامات ذلك محبة من يعظمه بقبول قوله أو الاستماع له أكثر من غيره، وإن كان ذلك الغير أطوع لله وأتقى، وهذا يوجد كثيرا حتى في أهل العلم!! فتجد بعض أهل العلم يحب من يعظمه ويطيعه دون أن يعظم من هو نظيره في العلم أو أفضل منه، وإن كانا على منهج واحد، وإنما يتم بقبول قوله والاقتداء به أكثر من غيره، وإن كان ذلك الغير أكثر طاعة لله، وربما أبغض من يشاركه في العلم والاتباع حسدًا وبغيًا.. كفعل اليهود لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى مثل ما دعا إليه موسى: كفروا به وأبغضوه، قال تعالى: { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم} (البقرة: 91).
    ثم قد يحصل ممن هذا وصفه ظلم وعدوان لمن خالفه في هواه، أو ربما لمن قام ببعض ما يجب عليه لله من نشر علم أو دعوة إلى الله تعالى، فيقف في وجهه صادا عن الحق أو ملبسا الحق بالباطل كفعل علماء اليهود، كما قال تعالى عنهم: {يأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون} (آل عمران: 71)، ثم تجده يرمي من خالفه بالألقاب المكروهة المنفرة التي تخالف أمر الله ورسوله ابتغاء التفرقة وابتغاء الفتنة، وهو في ذلك يزعم أنه مصلح ودافع للفساد، كما قال الله عن فرعون: {ذروني أقتل موسى وليدع ربه إنى أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} (غافر: 26)، فهو يزعم أنه هو المصلح والمحافظ على الدين الحارس له من التغيير والتبديل، وأما موسى فإنه ممن يسعى لتغيير الدين والفساد في الأرض!! وهكذا تقلب الحقائق لدى أهل الأهواء ومبتغي العلو في الأرض فيصبح المفسد مصلحا والمصلح حقا لديهم مفسدا، والكفر بالله ومنازعته سلطانه: دينا يجب أن يحمى ويصان، ودين الله يعتبر تغييراً للدين وتبديلا للحق، فتجد هؤلاء يصنفون الناس حسب أهوائهم، فهذا إخواني وذلك سلفي والثالث تبليغي، والرابع سروري...!! وهكذا أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وليست في دين المسلمين، بل هي من دين الجاهلية ومدعاة للعصبية والتفرقة !!
    وإن كان اسم «السلفي» قد وردت به الآثار، والمقصود به من اتبع طريقة الصحابة، ومن اقتدى بهم، ومع ذلك فإذا استخدم للتعصب والتحيز إلى فريق معين فإنه يكون ممقوتا في الشرع.

    فقد جاء في السيرة في إحدى مغازي النبى صلى الله عليه وسلم «أنه اقتتل غلامان: غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار، فنادى المهاجر: يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري: يا للأنصار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا، دعوى أهل الجاهلية؟! دعوها فإنها منتنة». مع أن هذين الاسمين (المهاجرين والأنصار) جاء بهما القرآن، وهما محبوبان لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولما استخدما لنوع من العصبية صار ذلك من فعل الجاهلية، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الدعوى منتنة لأنها تدعو إلى التفرق والتفكك.
    وقريب من هذا ما حصل لسلمان يوم أحد، لما رمى أحد المشركين، قال: خذها وأنا الفارسي، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : «قل وأنا الرجل المسلم».
    ومثله ما ذكره شيخ الإسلام يرحمه الله تعالى، قال: روينا عن معاوية بن أبي سفيان: أنه سأل ابن عباس: أأنت على ملة علي أم على ملة عثمان؟ فقال: لست على ملة علي ولا على ملة عثمان بل أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: «وكذلك كان كل من السلف يقولون: كل هذه الأهواء في النار، ويقول أحدهم: ما أبالي أي النعمتين أعظم: أن هداني الله للإسلام أو أن جنبني هذه الأهواء».
    فلا يجوز التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله، مثل أن يقال للرجل: أنت شكيلي أو قرفندي، فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا في الآثار المعروفة عن سلف الأئمة لا شكيلى ولا قرفندي!! بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى قد سمانا في القرآن المسلمين المؤمنين عباد الله، فلا نعدل عن الأسماء التي سمانا الله بها إلى أسماء أحدثها قوم وسموها هم وآباؤهم، فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بهذه الأسماء ولا يوالي عليها ويعادي، بل أكرم الخلق الله أتقاهم من أي طائفة كان. ا هـ.
    والواجب على كل من يتكلم في أمر من أمور الدين أن يكون مخلصا لله متجرداً للحق، وغالباً على نفسه بالمجاهدة عن اتباع الهوى وما تميل إليه من حظوظها الدنيوية، كحب الثناء والظهور وكثرة الأتباع، أو ما هو أسوأ من هذا كله، وهو الحصول على شيء من حطام الدنيا.


    اعداد: فضيلة الشيخ: عبدالله الغنيمان
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: الهـــوى وأثره في الخلاف

    الهـــوى وأثره في الخلاف (2)



    أمر الله عباده المؤمنين بأن يتقوه بفعل ما أمرهم به من الاجتماع على دينه متحابين متعاونين على الخير، وألا يموتوا إلا وهم مستسلمون لأمره منقادون لطاعته

    من قواعد الشرع ومن مقتضيات الإيمان والاعتصام بكتاب الله: الوحدة على الحق والاتفاق عليه، وأن ترك الاهتداء بهذا الدين يورث الاختلاف والشقاق

    استكمالا لما سبق الحديث عنه في أمر الهوى وأثره في الخلاف، نقول: إن من نظر في كثير من الخلافات بين الجماعات والأفراد، سواء كان ذلك في مسائل العلم أم في مجال التوجيه والعمل، وجد ظاهرها في طلب العدل والإنصاف، أو الصواب وترك الانحراف، وحقيقتها حب عبادة النفس واتباع الهوى، أو أغراض سيئة دنيئة، وقد علم أن الهوى يعمي ويصم ويضل عن سبيل الله، وقد ترجع إلى أمور شخصية أو تطلعات معينة دنيئة، وإن غلفت بالغيرة على الدين وإرادة إظهار الحق، والواقع خلاف ذلك .
    ومن هذه صفته فهو ومن نحا نحوه المعني بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة وعبد القطيفة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش».
    فهو عبد لهذه الأشياء؛ لأن عمله من أجلها، ولها يرضى ويسخط؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : «إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط».
    وهذا يدل على أن صاحب الهوى يعبد هواه كما قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله} (الجاثية: 23).
    وفي حديث أبي هريرة الذي في الصحيح في الثلاثة الذين هم أول من تسعّر بهم النار: «الأول من تعلم علما ليقال : هو عالم قارئ، والآخر من قاتل ليقال هو جريء شجاع، والثالث: من تصدق ليقال هو جواد كريم».
    فهؤلاء إنما كان قصدهم مدح الناس لهم وطلب الجاه عندهم وتعظيمهم لهم، لم يقصدوا بفعلهم وجه الله وإن كانت صور أعمالهم حسنة في الظاهر .
    وفي الحديث الآخر: «من طلب العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه، فله من عمله النار».
    فمباهاة العلماء أن يظهر لهم أنه يعرف ما لا يعرفون، ويدرك ما لا يدركون من المعاني والاستنباطات، وأنه يستطيع أن يرد عليهم، ويبين أنهم يخطئون.
    وأما مماراة السفهاء فهو مجادلتهم ومجاراتهم في السفه.
    وأما صرف وجوه الناس إليه فالمراد به طلب ثنائهم ومدحهم له، وتعريفهم بأنه عالم، فهو بعمله هذا يتقرب إلى النار .
    وفي الحديث الآخر: «من طلب علما مما يبتغى به وجه الله تعالى، لا يطلبه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة».
    ومقابله ما قاله أبو عثمان النيسابوري: «من أمّر السنة على نفسه قولا وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة»؛ لأن الله يقول: {وإن تطيعوه تهتدوا} (النور: 54).
    فاتباع الهوى نوع من الشرك كما قال بعض السلف: «شر إله عبد في الأرض الهوى»! فهو يضل الإنسان عن الحق وإن كان يعرف ذلك، فإذا صار الهوى هو القائد والدافع صار أصحابه شيعا يتعصب كل واحد لرأيه ويعادي من خالفه، ولو كان الحق معه واضحا لأن الحق ليس مطلوبه!! وبذلك يذلون وتذهب ريحهم، ويفشلون أمام كل عمل أرادوه؛ لأنهم صاروا متفرقين تتحكم فيهم الأهواء؛ ولذلك تجد هؤلاء كلما علم أحدهم أن من يخالفه قد تكلم في مسألة أو موضوع تجده يبادر إلى الرد عليه بدون تأمل في قوله وتلمس لوجه الصواب، بل يعمى عن هذا المقصد، ويبذل جهده في تضليل مخالفه وتفنيد رأيه بكل ما يستطيع، ولو برأي تافه وتعسف بغيض، مع أن الذي يوجبه الإسلام هو محادثة المخالف والاطلاع على دلائله، ووزنها بميزان الكتاب والسنة، ثم يكون ذلك هو المنهي للنزاع، كما قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} (النساء: 65)، فنفى الإيمان عمن لم يحكّم الكتاب والسنة فيما يختلف فيه هو وغيره، ثم يسلم لحكمهما وينقاد له بدون تبرم أو ضيق صدر بذلك، بل لا بد من الرضا به والتسليم له مطلقا وإلا فلن يكون مؤمناً،
    وقال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} (النساء: 59)، فأوجب رد كل ما حصل فيه نزاع إلى الله والرسول؛ لأن قوله : {في شيء} نكرة تعم كل ما أحدث نزاعاً وإن قل، وبين أن الرد إليهما هو مقتضى الإيمان، فإذا لم يرد النزاع إلى الله والرسول فمفهوم ذلك انتفاء الإيمان عمن فعل ذلك ، وهذا المفهوم قد صرح به منطوقا في الآية السابقة، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته.. وذلك بإجماع العلماء .
    وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63)، أي فليحذر من لم يتبع الرسول في أقواله وأعماله ظاهراً وباطنا أن يطبع الله على قلبه ويزين له سوء عمله فيراه حسنا فيزداد شرا على شر أو يصيبه الله بعقاب عاجل مؤلم لا يتخلص منه مع ما أعد له في الآخرة من النكال والإهانة،
    قال ابن كثير: أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول
    صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطنا: {أن تصيبهم فتنة} أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة، {أو يصيبهم عذاب أليم} أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك، ثم ذكر الحديث الذي في الصحيحين: قال رسول الله[: «إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب يقعن فيها، فجعل الرجل يزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها»، ووجه ذكر هذا الحديث تفسيراً لهذه الآية ظاهر، وهو أن من خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي بنفسه في النار، فليحذر الإنسان أن يزين له الشيطان أو هواه اتباع من خالف الشرع محسنا ظنه به فيعض على يديه يوم يحصّل ما في الصدور .

    وكل هذا.. المقصود منه حسم النزاع وإنهاؤه ليحصل الوئام والاتفاق، فإن هذا من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية.
    وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (آل عمران: 102)، وقال تعالى: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} (آل عمران: 107)، وقال تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}، (الأنفال: 1)، وقال تعالى: {ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} (الروم: 31-32)، وقال تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} (الأنعام: 159).
    أمر الله عباده المؤمنين بأن يتقوه بفعل ما أمرهم به من الاجتماع على دينه متحابين متعاونين على الخير، وألا يموتوا إلا وهم مستسلمون لأمره منقادون لطاعته مبتعدون عن معصيته؛ فإن «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»،
    وأمرهم أن يعتصموا بدينه عند التنازع والاختلاف والتفرق الذي يدعو إلى التعادي والتقاطع ثم الفشل والضعف وتسلط الأعداء! وأن يشكروا الله على ما من به عليهم من نعمة الاجتماع على دينه إخوة متحابين، وأمرهم أن يكونوا دعاة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم نهاهم عن التفرق بعدما أعلمهم ضرره وما يترتب عليه من العداء والتباغض، ثم التدابر والتقاتل، كما حدث لمن قبلنا الذين يجب أن نعتبر بهم لئلا يصيبنا ما أصابهم؛ فمن فعل ذلك سوف يسود وجهه عند ملاقاة ربه وتيقنه بالجزاء العادل، وذلك يوم تبيض وجوه أهل الحق والوفاق الذين اعتصموا بكتاب الله عند التفرق والاختلاف، فعرفوا الحق واجتمعوا عليه، وعرفوا قبح الباطل وسوء عاقبة أهله فابتعدوا عنه، وكل هذا يدل صراحة على وجوب الاجتماع والائتلاف، ويحرم التفرق والاختلاف بجميع صوره، فمن أوجد ثغرة يخرج منها عن هذا الاجتماع يكون محاربا لله ورسوله
    صلى الله عليه وسلم ، مفارقا لأمره، وهذا شأن أهل الضلال والأهواء.

    أما أهل العلم فإنهم يختلفون في بعض مسائل العلم وهم متحابون مجتمعون على الحق، معتصمون بحبل الله، كما كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلفون في بعض أحكام الشرع ولا يدعوهم ذلك إلى التفرق وأن يكونوا شيعا كل فريق يعادي الآخر، كما يحصل اليوم لكثير ممن يزعم أنه من أهل العلم؛ وذلك لأنهم اعتصموا بحبل الله جميعا كما أمر الله تعالى، وإنما كان اختلافهم في الاستنباط وإعمال الفكر في نصوص الشرع وكلياته فيما لم يجدوا فيه نصا، فحمدوا وأجروا على ذلك.. مثل اختلافهم في إرث الجد مع الإخوة، وفي جواز بيع أمهات الأولاد، وفي مسألة المشرّكة، وفي الطلاق قبل النكاح، وفي مسائل في البيوع، وغير ذلك كثير كل واحد يخالف الآخر، ومع ذلك كانوا متوادين متناصحين، رابطة الأخوة الإسلامية قوية بينهم.
    قال الشاطبي: كل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء، ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام، وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنابز والتنافر والقطيعة علمنا أنها ليست من أمرالدين في شيء، وأنها التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية، وهي قوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} (الأنعام: 159)، فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها، ودليل ذلك قوله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} (آل عمران: 103)، فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى، فالإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف، فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين. ا هـ.
    والتفسير الذي أشار إليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم فسر به قوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} (الأنعام: 159)، هو ما ذكره عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا عائشة: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، هم أصحاب الأهواء، وأصحاب البدع، وأصحاب الضلالة من هذه الأمة! يا عائشة إن لكل ذنب توبة ما خلا أصحاب الأهواء والبدع ليس لهم توبة! وأنا بريء منهم وهم مني براء»!!
    وقال الشاطبي أيضا: «ينبغي أن تذكر أوصاف أهل البدع ولا يعينون بأعيانهم لئلا يكون ذلك داعيا إلى الفرقة والوحشة وعدم الألفة التي أمر الله بها ورسوله، حيث قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} (آل عمران: 103)، وقال تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} (الأنفال: 1)، وقال تعالى: {ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} (الروم: 31-32).
    وفي الحديث : «لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا»، وأمر عليه الصلاة والسلام بإصلاح ذات البين، وأخبر أن فساد ذات البين هي الحالقة وأنها تحلق الدين، والشريعة طافحة بهذا المعنى» ا هـ.
    يعني أن من قواعد الشرع ومن مقتضيات الإيمان والاعتصام بكتاب الله: الوحدة على الحق والاتفاق عليه، وأن ترك الاهتداء بهذا الدين يورث الاختلاف والشقاق، كما قال تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق} (البقرة: 137)، فالله تعالى أوجب علينا أن نجعل اجتماعنا ووحدتنا بكتابه، فعليه نجتمع وبه نعتصم.. لا بأوضاع زائفة، ولا بمذاهب مخترعة، ولا بجنسيات يعتز بها، ولا بسياسات باطلة مبنية على غير الحق والهدى! ونهانا عن التفرق والتفكك والانفصام بعد هذا الاجتماع والاعتصام؛ لما في ذلك من زوال الوحدة التي هي مناط العزة والقوة، وبالعزة يعتز الحق فيعلو على الباطل، وبالقوة يحفظ هو وأهله من هجمات الأعداء ومكائدهم .
    وقد جاء النهي عن التفرق مصحوبا بالوعيد الشديد لفظاعة أمره، وسوء عاقبته، كما قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} (آل عمران: 105-106)؛ لأن الاختلاف بعد مجيء البينات خروج على أمر الله الذي يجب أن يكون جامعا للناس موحدا لصفوفهم، فإذا فهم قول الله واتبع وحسنت المقاصد صار عاصما من الاختلاف والتفرق، داعيا للاتفاق والاجتماع على طاعة الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك يتضمن التعاون على البر والتقوى والتناصر على أعداء الله وأعداء المسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للمسلمين عامة ولاسيما؛ ولهذا جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا هو الدين كما في حديث تميم الداري، قال: «الدين النصيحة» قالها ثلاثا ، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم».


    اعداد: فضيلة الشيخ: عبدالله الغنيمان

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •