تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 61

الموضوع: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    1

    افتراضي لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    عدنان كيفي يدافع عن نفسه حول "الحجاب" ويهاجم الدخيل
    لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!
    عدنان أحمد كيفي
    كتب فيصل بن منصور الدخيل بجريدة "الرياض" يوم الجمعة 1427/9/7ه الموافق 2006/9/29م تحت عنوان: "فيصل معقباً على عدنان كيفي حول الحجاب بين العقل والنص شهادة زور تجاه كيس الفحم!!" تعقيباً على مقال لي بعنوان "البعض يؤول النص ويجسد الحدث على هواه" المنشور في يوم الجمعة 1427/8/29ه اقول: اولاً: ابتعد في الحوار الهادئ عن استفزاز من احاوره، ولا اشكر على واجب، وكيس الفحم، لم اذكره لاستفز او اعادي احداً، وانما ذكرته كمثال لتوضيح امر الله عز وجل للمؤمنين بأن يغضوا ابصارهم فلو كن غير سافرات لما امرنا بغض البصر، كما الفت نظر الاستاذ فيصل بأنه لا رابط بين هذا المثال وحادثة اللاعب زيدان.
    ثانياً: مفردتا لكماً ولطماً (ابقاسا ولطشاً)، لم تكن لغة تعبير للمقال وليس عراكاً بالايدي لا من بعيد ولا من قريب، وانما وصف ما آل اليه حال بعض الازواج، وما اشار اليه الاخ فيصل يدل انه تتبع مقالي باستعجال او بالقفز او قرأه بدون تركيز، وفي الحقيقة ذكرت المفردتين حين نكبل يد المرأة بالجوانتي عن الاخذ والعطاء فيأخذ الرجل مالها وكل شيء بالنيابة عنها يلطم وجهها.
    ثالثاً: الصدق والامانة يا استاذ فيصل في مسألة كشف الوجه تجدها في الكتب والمراجع. وقد نشر الباحث والكاتب نجيب عصام يماني في جريدة الوطن يوم الاثنين 1427/7/12ه الآتي: "لقد بحثت في كتب الحنابلة فوجدت ان الوجه والكفين ليسا بعورة وذلك في الانصاف للمرداوي وهو من ائمة الحنابلة بل هو مرجع في الخلاف 417/1والكشاف 266/1والروض المربع 44والمغني 601/1ومنتهي الارادات 142/1والمبدع 318/10والمحررر 42/1وفي الفتاوى لابن تيمية 142/1والمبدع 318/10والمحرر 42/1وفي الفتاوى لابن تيمية 109/22.وهذا ما اجمع عليه كتب علماء المالكية من ان وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة ورد ذلك في المنتقى للباجي 251/1والقرطبي في احكام القرآن 29/12وابن العربي في الاحكام 1369/3وابن حيان في البحر المحيط 33/8والمدونة 95/1.تلتقي الحنفية مع بقية المذاهب في ان الوجه والكفين ليسا بعورة، ورد ذلك في متن الدر المختار 405/1وفي متن الهداية 258/1وفي بدائع الصنائع للكاساني 121/5والمبسوط للسرخسي 152/10والفتاوى الهندية 58/1والبناية للملا علي القاري 138/2والبحر الرائق لابن نجيم 284/1وفي اعلاء السنن للتهانوي 163/2.وتتفق اقوال الشافعية مع بقية المذاهب فتؤكد على ان وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة، ورد ذلك في حواشي الشرواني وابن قاسم والعبادي على تحفة المحتاج لان حجر الهيثمي 112/2وفي حاشية الجمل على شرح المنهاج 411/1وفي المجموع للنووي 83/4وللشيرازي في المذهب 66/1وفي الام للشافعي 109/1وفي نهاية المحتاج للرملي 7/2وللشربيني في مغني المحتاج 185/1والبغوي في التهذيب 154/2والشرح الكبير للدسوقي 214/1والحاوري للماوردي 167/20.اضافة الى مذاهب جميع الفرق فلم يقل احد بوجوب تغطية وجه المرأة. ومن انكر ذلك فليأت بالدليل.
    روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "اذا رأى احدكم امرأة حسناء فأعجبته فليأتِ اهله فإن البضع واحد.." وهذا لا يتفق اذا كان الوجه مخفياً مغطى.
    وعن ابي هريرة "من رأى امرأة ذات جمال فغض بصره عنها ابتغاء مرضاة الله اعقبه الله عبادة يجد لذتها" فكيف يميز الرجل الجميلة من القبيحة؟ وتلك المرأة التي اتت تهب نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحبته فنظر اليها وطأطأ رأسه فقام رجل يقول اذا لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها. فالمرأة كاشفة والصحابة ينظرون. وفي فتح الباري 420/11(... ولنصيفها - يعني الخمار - على رأسها خير من الدنيا وما فيها).
    واخيراً فإن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم اخبرنا بألا تنتقب المرأة (المحرمة) ولا تلبس القفازين فهي من المحظورات ويجب على فاعلتها فدية كما ان المرأة يجب عليها ان تكشف وجهها وكفيها في صلاتها والا كانت باطلة. فلو كان الوجه عورة لما اجاز الله لهن كشف عوراتهن فهذا تشدد وغلو ومن الزم النساء بذلك كمن احدث بدعة في صلب العقيدة الإسلامية وكيف تعارض السيدة عائشة اوامر النبي صلى الله عليه وسلم وتغطي وجهها وهي محرمة بالحج فأخذ الحكم انما يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحق لاحد ان يخالفه.
    وعن ابي حنيفة ان خبر الآحاد لا يعمل به فيما تعم به البلوى وهذه من جملة الاكاذيب على ام المؤمنين، وقد ضعف الالباني حديث العين الواحدة وقال لا يصح هذا عن ابن عباس.
    واخيراً فإن قضية الافك تثبت ان الحجاب كان خاصاً بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه دلالة على وجوب ستر المؤمنات وجوههن، ابن قتيبة في تأويل مختلف الاحاديث ص 153.فلا يجوز لأحد ان يفرض على النساء تغطية الوجه ويقول هو من عند الله. وكل ما تستطيع قوله ان مسألة الحجاب هي محل خلاف ومتى وقع الخلاف امتنع الانكار وللمرأة حقها في ان تكشف او تغطي دون ان يلزمها احد بذلك".
    رابعاً: نعم الاختلافات لا يمكن حسمها او ترويضها او حتى مصادرتها بل تؤدي الى مزيد من التعصب دون نتيجة، خصوصاً اذا كان الرأي مخالفاً لما يراه الطرف الآخر، ووقع الاخ فيصل في تناقض حينما ذكر انه تمنى ان ابين له هذه الاختلافات بأمانة وصدق ويضع كل مذهب وحجته وهو يختار ما يوافقه. بينما رفض في مقاله الاستدلال بالعقل مع توفر النص، واعتبر ذلك شهادة زور فكيف يفهم المسلم دينه بدون عقل وخاصة في امور دنيوية لا تمس العقيدة، وكيف يجيز لنفسه ان يقبل دليلاً صادف هواه ولا يقبل دليلاً آخر خالفه؟
    خامساً: الرابط بين الموضوعات التي اثرتها ومسألة كشف الوجه كبير جداً فهناك ايضاً كثير من الدول العربية تقود المرأة السيارة وهي سافرة وهذا السلوك عندها عادة وهي حرة فيما تفعل، والمرأة في الجاهلية وصدر الإسلام كانت تتحجب حجاباً كاملاً وتغطي وجهها حشمة وادباً وحياءً وخجلاً وليس طاعة وتعبداً وامراً مفروضاً، والإسلام لم يشرع شيئاً الا وفيه مصلحة ومن لا يتبع التشريع فيعرض نفسه للعقوبة، فهل تستطيع او يستطيع غيرك ان يوضح عقوبة من تكشف وجهها؟
    اما تغطية المرأة وجهها في الانتخابات الاخيرة في اليمن ليس دليلاً على تحريم كشف الوجه، والا قبلنا بأغلبية السافرات في اقطار إسلامية كثيرة ونقول ايضاً خير دليل على جواز كشفه.
    سادساً: من هو المتعصب المتطرف ويثير القلق والبلبلة ويطعن في نصوص ويقبل اخرى ويؤول النص لما يناسب هواه وعاداته وتقاليده ويحرم الحلال ويقرر عدم خضوع النصوص للتأويل ويتعدى على حريات الآخرين ومن يقول ان هناك من اجتهد وفهم من ظاهر النص ما يضيق على الناس خطأ وبلا دليل، ام الذي يقول ان المشرع هو الله والذي يحلل ويحرم هو الله؟
    اما اذا كانت حجتك انك تريد الاخذ بالاحتياط لنفسك فتؤمن بما لا دليل عليه لتكون واثقاً من النجاة على افتراض صحته فأنا اقول لك بأن هذا الاحتياط فيه تحريم للحلال وجرأة على الله
    قرأت هذا الموضوع فى أحد المواقع وأرجو من أهل العلم التعليق وجزاكم الله خيرا ونفع بكم

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    أدلة تغطية الوجه من الكتاب والسنة

    علي بن عبد الله العماري
    قدم له وراجعه
    فضيلة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

    الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله قيوم السموات الأراضين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
    فهذه نبذة يسيرة موجزة في وجوب التحجب والتستر للمرأة المسلمة عن الرجال الأجانب ، وتحريم إبداء الزينة لغير المحارم الذين ذكرهم الله بقوله " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن .." الآية ، وبيان ما في التكشف وإظهار الزينة من المفاسد والأخطار،وفي واجب الأولياء نحو محارمهم ، وفي ذكر بعض الأدلة التي توضح وجوب التستر والاحتشام ومنع التبرج والتخلع والسفور،وفي مناقشة ما يشبه به المتساهلون في هذا الباب،وبيان سوء أهدافهم وما يرمونه من دعاياتهم إلى الاختلاط وإبداء المحاسن ، كتبها الأخ علي بن عبد الله العماري الذي عُرف بالعلم ، والفهم ، والإدراك ، والبحث ، واستخراج المسائل ، وعرف بالعقل والثبات والاتزان ، ولم يُعرف عنه شيء من التسرع والتهور. فجدير بالمسلم الذي يريد الحقَّ أن يتقبل ما جاء به الدليل ، وأن يتقبل الصواب ممن جاء به بقطع النظر عن قائله ، ويرد الباطل على من جاء به مهما كانت شهرته ومنزلته، فالحق أحق أن يُتبع ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

    كتبه
    عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
    عضو الإفتاء


    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة

    الحمد لله رب العالمين ، أم نساء المؤمنين بالحشمة والحجاب ، وصلى الله على محمد وآله وسائر الأصحاب وسلم تسليماً إلى يوم الدين ... أما بعد :
    فقد أمر الله تعالى نساء المؤمنين بالتستر وعدم إظهاراً لزينة لغير المحارم خوفاً عليهن من الفواحش والآثام كما قال تعالى : " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء" . فهؤلاء الأصناف الإثنا عشر يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمامهم وهي كاشفة عن وجهها وكفيها ونحوهما؛ لأنهم من المحارم، أما غيرهم فلا يجوز لها ذلك.
    ثم جاء بعد ذلك من يجادل في أن الوجه والكفين قد استثنيا واستدلوا بهذه الآية : " ولا يبدين زينتهم إلا ما ظهر منها" وبعض الأحاديث كحديث أسماء ، وحديث سفعاء الخدين ، وقصة الخثعمية ، ونهيه – صلى الله عليه وسلم – أنت تنتقب المرأة وتلبس القفازين وهي محرمة ، وقصة الواهبة وغيرها من الروايات.
    لذا عزمت وتوكلت على الله في ذكر أدلة المبيحين والرد عليها من الكتاب والسنة وأقوال أئمة السلف والخلف رحمهم الله ، ثم أذكر الأدلة الثابتة في وجوب ستر الوجه والكفين عن غير المحارم منم ذلك أيضاً.

    أدلة المبيحين والرد عليها

    أولاً : يستدلون بآية سورة النور " ولا يبدين زينتهن إلا ماظهر منها" وأن ابن عباس فد فسرها بأنها الوجه والكفان ، ويرد عليهم أن ابن مسعود قد قال – في تفسير هذه الآية " إلا ما ظهر منها " بأن المقصود هو الرداء والثياب ، وقال بقول ابن مسعود - رضي الله عنه - الحسن، وابن سيرين ، وأبو الجوزاء ، وإبراهيم النخعي ، وغيرهم. وقال ابن كثير في تفسيرها: أي لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه. وهذا الذي رجحه الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان حيث قال – رحمه الله - : " إن قول من قال في معنى " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " أن المراد بالزينة الوجه والكفان مثلاً ، توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول وهي أن الزينة في لغة العرب هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها : كالحلي والحلل ، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه.

    ثانياً : يستدلون بحدث أسماء – رضي الله عنها – فعن عائشة – رضي الله عنها – أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يضح أن يُرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه " ويرد عليهم بأن هذا الحديث ضعيف جداً كما قال بذلك أهل العلم ، وهو مرسل ؛ لأن خالد بن دريك لم يدرك عائشة – رضي الله عنها – فالسند منقطع .. ورد سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ عبد العزيز بن باز – حفظه الله ورعاه – هذا الحديث بخمسة أوجه حيث قال سماحته:
    1. إن الراوي عن عائشة المسمى خالد بن دريك لم يلق عائشة ، فالحديث منقطع، والحديث المنقطع لا يُحتج به لضعفه.
    2. إن في إسناده رجلاً يُقال له سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يُحتج بروايته.
    3. إن قتادة الذي روى عن خالد بالعنعنة وهو مدلس يروي عن المجاهيل ونحوهم ويُخفي ذلك ، فإذا لم يصرح بالسماع صارت روايته ضعيفة.
    4. إن الحديث ليس فيه التصريح أن هذا كان بعد الحجاب، فيحتمل أنه كان قبل الحجاب.
    5. إن أسماء هي زوج الزبير بن العوام ، وهي أخت عائشة بنت الصديق وامرأة من خيرة النساء ديناً وعقلاً، فكيف يليق بها أن تدخل على النبي – صلى الله عليه وسلم وهي إمرأة صالحة في ثياب رقاق مكشوفة الوجه والكفين وزيادة على ذلك بثياب رقيقة وهي التي تُرى عورتها منها فلا يُظن بأسماء أن تدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذه الحال في ثياب رقيقة ترى من ورائها عورتها فيعرض عنها النبي صلى الله عليه وسلم ويقول لها عليك أن تستري كل شيء إلاّ الوجه والكفين.
    معنى هذا أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهي كاشفة لأشياء أخرى من الرأس أو الصدر أو الساقين أو ماشابه ذلك ، وهذا الوجه الخامس يظهر لمن تأمل المتن فيكون المتن بهذا المعنى منكراًً لا يليق أن يقع من أسماء رضي الله عنها.

    ثالثاً : يستدلون بحديث سفعاء الخدين الذي رواه جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال : " تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم: فقامت امراة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يارسول الله ؟ قال : " لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير" إلخ ، والحديث صحيح أخرجه النسائي.
    ويُرد عليهم بما ذكره الشيخ المحدث مصطفى العدوي – حفظه الله – في كتابه ( الحجاب أدلة الموجبين وشبه المخالفين ) في ص (40):
    "والصواب أنها ( امرأة من سفلة النساء) ثم ذكر ثمانية أوجه كلها تدل على أو الرواية الصحيحة هي ( امرأة من سفلة النساء) ثم قال وفقه الله في ص (41) : فعلى هذا فقوله: " امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين ) أي ليست من علية النساء بل من سفلتهم ، وهي سوداء ، هذا القول يُشعر ويشير إشارة قوية إلى أن المرأة كانت من الإماء وليست من الحرائر ، وعليه فلا دليل في هذا لمن استدل به على جواز كشف المرأة ؛ إذ أنه يُغتفر في حق الإماء ما لا يغتفر في حق الحرائر ... وقد فسر سفعاء الخدين بأنها جرئية ذات جسارة ورعونة وقلة احتشام.

    رابعاً : يستدلون بقصة الخثعمية التي جاءت تستفتي النبي صلى الله عليه وسلم فطفق الفضيل ينظر إليها وأعجبه حسنها فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إلها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها .. إلخ ، فقالوا : لو كان كشف الوجه محرماً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أن تعطي وجهها.
    ويرد عليهم أن المرأة كانت محرمة ، والمحرمة لا يجب عليها أن تغطي وجهها إلا إذا احتاجت عند مرور الرجال مثلاً كما جاء عن عائشة رضي الله عنها،في حجة الوداع (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزناه كشفناه) ويرد عليهم أيضاً بما قاله الشيخ حمود التويجري – رحمه الله – وأسكنه فسيح جناته – في كتابه " الصارم المشهور على التبرج والسفور" ص (232) : وأما حديث ابن عباس رضي الله عنه أن ابن عباس رضي الله عنه لم يصرح في حديثه بأن المرأة كانت سافرة بوجهها. إلى أن قال رحمه الله تعالى – وغاية مافيه ذكر أن المرأة كانت وضيئة ؛ وفي الرواية الأخرى حسناء فيحتمل أنه أراد حسن قوامها وقدها ووضاءة ما ظهر من أطرافها.

    خامسا : يستدلون بنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقب المرأة وأن تلبس القفازين في الإحرام ، ويرد عليهم أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم في الإحرام فقط ، فدل ذلك على أن النساء كن في عند النبي صلى الله عليه وسلم يسترن وجوههن وأيديهن عن الرجال الأجانب بعد نزول آيات الحجاب ، ومع هذا كله فالواجب على المرأة أن تستر وجهها إذا حاذاها الرجال كما كانت تفعل عائشة وأمهات المؤمنين عندما كانت إحداهن تغطي وجهها وهي محرمة عند المرور بين الرجال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : هذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك بمقتضى ستر وجوههن وأيديهن.

    سادسا : يستدلون بقصة الواهبة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتهب نفسها فنظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها .. إلخ ، ويرد عليهم أن هذه المرأة جاءت تعرض نفسها ليتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك كشفت وجهها ليراها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمر الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، بل هذا دليل عليهم كما قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله : " وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها. أي أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته بقدر ما يسمح له من الوجه والكفين أما غيره فلا يجوز. والصحيح أنها كانت محجبة، وإنما نظر إلى حسن قوامها وقدها وبدنها وطولها أو قعرها مع تسترها.
    وقبل أن أشرع في ذكر الأدلة التي تأمر المرأة المسلمة بستر جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان أود أن أذكر القاريء الحبيب أن النساء كن على عند النبي صلى الله عليه وسلم يكشفن وجوههن حتى نزلت آيات الحجاب التي تأمرهن بتغطية سائر الجسد لقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في قصة الإفك إن صفوان بن المعطل السلمي عرفني حين رآني ، وكان قد رآني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي. فلا يُستبعد أن تكون جميع الأحاديث التي استدل بها أولئك قبل نزول آيات الحجاب منسوخة بالآيات والأحاديث التي سنذكرها إن شاء الله ؛ خاصة أن آيات الحجاب قد نزلت في السنة الخامسة للهجرة ، كما قال ابن كثير – رحمه الله .

    الأدلة التي تأمر المرأة المسلمة
    بتغطية سائر جسدها

    الأدلة من الكتاب:
    أولاً: قوله تعالى :" وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن" قال ابن كثير –رحمه الله:" أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن إلا من وراء حجاب.
    وقال الشوكاني -رحمه الله- : أي من ستر بينكم وبينهن. وقال الطبري -رحمه الله- " إذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين متاعاً فاسألوهن من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن. والسؤال من وراء حجاب أطهر لقلوب الرجال والنساء من عوارض العين التي تعرض في صدور الرجال والنساء وأحرى أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيل. فهذه الآية الكريمة تبين وجوب الستر عن الرجال الأجانب. قال سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز ابن باز – حفظه الله – في هذه الآية: " ولم يستثنِ شيئاً، وهي آية محكمة، فوجب الأخذ بها والتعويل عليها وحمل ما سواها عليها. ثم قال – جزاه الله خيراً - : " والآية المذكورة حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم سفور النساء وتبرجهن بالزينة.

    ثانياً: قوله تعالى: " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً".
    قال الشيخ حمود التويجري -رحمه الله- في الصارم المشهور ص(187) : " روى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في هذه الآية قال : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة.
    وقال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز -حفظه الله- في هذه الآية : " إن محمد بن سرين (سيرين) قال: " سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل :" يدنين عليهن من جلابيبهن" فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.

    ثالثا : قول الله تعالى : " ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها " قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الثياب.

    رابعاً : قول الله تعالى: " وليضربن بخمرهن على جيوبهن" قال الطبري -رحمه الله- في تفسير هذه الآية : " وليلقين خمرهن على جيوبهن ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن. وفي هذه الآية دليل على تغطية الوجه لأن الخمار هو الذي تغطي به المرأة رأسها فإذا أنزلته على صدرها غطت ما بينهما وهو الوجه.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذه الآية : " فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنها وأرخينها على أعناقهن ، والجيب هو شق في طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها.
    انظر أخي القارىء هل يكون ستر العنق إلا بعد ستر الوجه !!

    الأدلة من السنة:
    أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي ، وقال عنه حسن غريب " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " ففي هذا الحديث العظيم لم يستثن صلى الله عليه وسلم منها شيئاً بل قال : إنها عورة .

    ثانياً : فعل عائشة رضي الله عنه في قصة الإفك ، والحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم " قالت عائشة وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي "

    ثالثاً : عن عائشة رضي الله عنه قالت : "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جوزنا كشفنا "
    رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه .

    رابعاً : حديث عائشة رضي الله عنه قالت : "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد " متفق عليه .

    خامساً : عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – هذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن ، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .

    سادساً : عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها . رواه الإمام أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم .

    سابعاً : عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها فقال : " اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما " فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتها بقول النبي –صلى الله عليه وسلم- فكأنهما كرها ذلك ، قال : فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر وإلا فأنشدك – كأنها أعظمت ذلك – قال : فنظرت إليها فتزوجتها فذكر من موافقتها "
    رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا أبو داود وقال الترمذي هذا حديث حسن وصححه ابن حبان .

    ثامناً : أخرج الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنه قالت : " خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال : يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين " وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن وجهها كان مستوراً وأنه رضي الله عنه لم يعرفها إلا بجسمها .

    وبعد أخي المسلم أختي المسلمة: هل يشك عاقل في تحريم كشف الوجه والكفين لغير المحارم لوضوح الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة علماً أن كثير من أهل العلم ساق أكثر من عشرين دليلاً من السنة في تحريم كشف الوجه ولكن اقتصرت على هذه الأدلة حتى لا أطيل، ومن أراد التفصيل في هذه المسألة فليرجع إلى مجموعة الرسائل في الحجاب والسفور لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وللشيخ عبد العزيز ابن باز ، وللشيخ محمد العثيمين – حفظهما الله – وكتاب الشيخ حمود التويجري -رحمه الله- " الصارم المسلول على أهل التبرج والسفور" وكتاب" يافتاة الإسلام اقرئي حتى لا تُخدعي" للشيخ صالح البليهي -رحمه الله- و"الحجاب أدلة الموجبين وشبه المخالفين" للشيخ مصطفى العدوي – حفظه الله- وغيرها من الكتب.
    خاصة أن نساء المؤمنين قد اعتدن هذه العبادة الطيبة الحميدة. أما في هذا الزمان الذي كثر فيه التبرج والسفور والإنحلال الخلقي من قبل الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية، والتشبه بالكافرات في الزينة وما يسمونها بالموضة، وانتشرت الأصباغ التي توضع على الوجه فهل يرضى رجل في قلبه غيرة على محارمه أن تكشف زوجته أو أخته أو قريبته أمام الأجانب وقد قال صلى الله عليه وسلم :" ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، وهل يختلف اثنان في أن الوجه هو محط الأنظار من قبل الرجال لأنه هو المكان الذي تُعرف به المرأة هل هي جميلة أم لا.
    وقبل أن أختم هذه الرسالة أذكر إخواني المسلمين بحدث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه :" إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" وهذا الحديث يبين عظم وخطورة النساء إذا خرجن وهن نازعات للحجاب.
    والله نسأل أن يحفظ أعراضنا ونساءنا من كيد الكائدين، وأن يجنبهن التبرج والسفور وأن يجعلهن صالحات مصلحات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    جمع الفقير إلى ربه
    علي بن عبد الله العماري
    الرياض في: 12/2/1414هـ.

    وللفائدة في الجمع بين غض البصر والمرأة أصلاً تغطي وجهها هذ فتوى من موقع الاسلام اليوم
    للاستاذسالم بن ناصر الراكان
    عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
    كيف نجمع بين قول الله سبحانه وتعالى في الآية "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" وبين قول من يرى وجوب تغطية الوجه؟ أي لماذا يأمرهم سبحانه بغض البصر والمرأة أصلاً تغطي وجهها؟!




    الجواب
    الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:
    فليس في كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أي تعارض أو تناقض. وإنما شبهة التعارض قد تطرأ على ذهن الإنسان، وعند غيره جوابها وحلها. فكتاب الله وسنة نبيه يصدق بعضهما بعضاً قال تعالى "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" [النساء:82].
    وجواب السائلة من وجوه:
    1- أن غض البصر لا يقتصر على الوجه فقط، بل يشمل سائر جسد المرأة، والفتنة قد تحصل بالنظر إلى غير الوجه؛ لا سيما إذا كانت المرأة مبرزة لمفاتنها ومقاطع جسدها.
    2- أن هذا الأمر توجيه إلهي كريم لعباده المؤمنين بغض البصر عموماً في حق المسلمة وغير المسلمة والحرة والأمة، بل حتى الولدان المردان ومعلوم أن غير المسلمة كالنصرانيات واليهوديات والبوذيات وغيرهن لا يحتجبن فيجب غض البصر عنهن، ولو كن من وراء الشاشات، وكذلك الإماء كن لا يحتجبن في العصور السابقة فهذا الأمر يتناولهن جميعاً.
    3- أن الله تعالى أمرهم بحفظ فروجهم أيضاً فقال "يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ" [النور:30]. فلا يقال إن المسلمة لا تزني فلماذا يأمرهم بحفظ فروجهم؛ لأن الله يعلم أن اتباع الهوى والشيطان حاصل في الأمة فلذا أمرهم ونهاهم ووجههم عذراً أو نذراً.
    4- ثم إن النساء وإن أمرن بالحجاب، فقد تنكشف عورة إحداهن من غير إرادتها، وقد يسوِّل لها الشيطان ذلك، فتضعف إرادتها، وتستجيب لإغوائه. والله أعلم.




    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    68

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    كل هذه الأدلة مردود عليها ممن يقولون بعدم وجوب النقاب ولم أذكرها لأنى سوف أزيد من التعصب البغيض وعلى أى باحث ان يرجع لكتاب العلامة الألبانى رحمه الله (جلباب المرأة المسلمة) وهو يدمغ هذه الأدله ويظهر حجة من لايقولون بالوجوب منتصرا لهم فالخلاصه اننا مهما تناظرنا وجادل بعضنا بعضا لن يحسم الأمر فليكن خلاف فقهى مثل عشرات الاختلافات الفقهيه

    المهم ايها الأخ الحبيب لماذا لم ترد على هذا السؤال
    ان قلنا ان النقاب فرض وان الوجه عوره هل يعقل الا توجد آية او حديث يحذر المسلمة من كشف وجهها ولايذكر عقابا ؟
    ماذا لو قالت من تكشف وجهها اريد نهيا من القرآن والسنه فاهم اكرر نهى للمسلمة من كشف الوجه بينما نجد القرآن ينهى المرأة ان تضرب برجلها وهو أمر دون كشف الوجه ونجد ان السنه تحذر من اشياء دون كشف الوجه كالخروج متعطره مثلا ولانجد اى ذكر لحال من تكشف وجهها هل نجد ردا علميا بعيدا عن التعصب ؟
    وللعلم انا لاانكر النقاب ولكن حتى لانترك الساحه لانصاف المتفقهين ليحرموا مايشاءون ناسين ان كشف الوجه قال به اساطين وفحول من الائمة الهداه رضى الله عنهم اجمعين

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    تعليقات يسير على كلام الفاضل ( بن عبد الغني ) - وفقه الله - جعلتها باللون الأزرق .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بن عبد الغنى مشاهدة المشاركة
    كل هذه الأدلة مردود عليها ممن يقولون بعدم وجوب النقاب ولم أذكرها لأنى سوف أزيد من التعصب البغيض وعلى أى باحث ان يرجع لكتاب العلامة الألبانى رحمه الله (جلباب المرأة المسلمة) وهو يدمغ هذه الأدله ويظهر حجة من لايقولون بالوجوب منتصرا لهم فالخلاصه اننا مهما تناظرنا وجادل بعضنا بعضا لن يحسم الأمر فليكن خلاف فقهى مثل عشرات الاختلافات الفقهيه

    الأخ الفاضل : ابن عبد الغني وفقه الله
    لم أقرأ ما كتب في الموضوع الأصلي لطوله ، لكن استوقفني هذا التعليق منك - بارك الله فيك - .
    وبما أنك تحيل على كتاب الشيخ الألباني - رحمه الله - فإننا في المقابل نحيلك على عشرات الكتب المؤصلة علمياً في وجوب تغطية الوجه ... وممن ردَّ على الشيخ - رحمه الله - صاحب كتاب ( رفع الجنة أمام جلباب المرأة المسلمة ) لعبد القادر السندي .

    المهم ايها الأخ الحبيب لماذا لم ترد على هذا السؤال
    ان قلنا ان النقاب فرض وان الوجه عوره هل يعقل الا توجد آية او حديث يحذر المسلمة من كشف وجهها ولايذكر عقابا ؟

    بارك الله فيك :
    لا يخفى عليك أنه لا يلزم من تحريم شيء وجود عقاب عليه !
    ولا أدري هل تريد تحديد العقاب في الدنيا أم الآخرة ؟!
    فإن كنت تريد في الدنيا : فأين العقاب الوارد على كثير من المحرمات كالسحاق ، والنميمة ، والغيبة ، وقول الزور ، وأكل الربا ... ولاحظ أن بعضها من الكبائر !

    ماذا لو قالت من تكشف وجهها اريد نهيا من القرآن والسنه فاهم اكرر نهى للمسلمة من كشف الوجه بينما نجد القرآن ينهى المرأة ان تضرب برجلها وهو أمر دون كشف الوجه ونجد ان السنه تحذر من اشياء دون كشف الوجه كالخروج متعطره مثلا ولانجد اى ذكر لحال من تكشف وجهها هل نجد ردا علميا بعيدا عن التعصب ؟

    والله إن هذا من أكبر الأدلة على وجوب تغطية الوجه !
    فإذا كانت هذه الأمور التي ذكرتها دون كشف الوجه ، ومع ذلك ورد النص بتحريمها = فكشف الوجه أولى بالتحريم !
    وإلا فتكون الشريعة أتت بالتفريق بين متماثلين ( بل أولى ) والجمع بين متناقضين !!
    بل أين مكانة الوجه وحسنه وجماله من قَدَمِ المرأة ؟! فهل ترى - حفظك الله - جواز كشف قدمها ؟!

    وللعلم انا لاانكر النقاب ولكن حتى لانترك الساحه لانصاف المتفقهين ليحرموا مايشاءون ناسين ان كشف الوجه قال به اساطين وفحول من الائمة الهداه رضى الله عنهم اجمعين

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    الأخ الفاضل : ابن عبد الغني وفقه الله
    قلت ((ان قلنا ان النقاب فرض وان الوجه عوره هل يعقل الا توجد آية او حديث يحذر المسلمة من كشف وجهها ولايذكر عقابا ))
    اقول يوجد اشياء نهى عنها الشرع ومن ارتكبها فقد عصى الله ورسوله وفيها اثم ولكن ليس فيها حد شرعي كحد الزنى وشرب الخمر وماتقول في الغيبة والنميمة هل هي محرمة ام لا وهل على المغتاب والنمام اثم عظيم ام لا ولكن ليس فيها حد شرعي فكذلك التبرج والسفور فيه الوعيد الاخروي وليس فيه حد شرعي دنيوي
    عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).

    رواه مسلم
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بن عبد الغنى مشاهدة المشاركة
    وللعلم انا لاانكر النقاب ولكن حتى لانترك الساحه لانصاف المتفقهين ليحرموا مايشاءون ناسين ان كشف الوجه قال به اساطين وفحول من الائمة الهداه رضى الله عنهم اجمعين
    هذا الكلام - بارك الله فيك - يحتاج منك إلى وقفة ! وتوبة !
    فهل ترضى - في المقابل - أن يقول المخالفون لقولك وقول العلماء الذين يتبنون رأيك :
    أنهم أنصاف متفقهين يحللون ما يشاؤون ؟!
    أو أنهم فسقة يريدون إخراج المرأة من عفتها ؟!
    أو نحو هذا الكلام الذي لا يليق !!
    أرجو منك التوبة والاستغفار من مثل هذا الكلام - بارك الله فيك - .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    الأخ الفاضل : ابن عبد الغني وفقه الله
    لاادري كماقال بعض علمائنا ماهو الحجاب
    اذاكان كشف الوجه هو الحجاب فعلى هذانحن الرجال محجبين لانه يظهرمنا الوجه والكفان
    ولاادري كيف غاب حديث ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري وغيره عن كثير ممن تكلم في مسالة الحجاب
    وذلك في قصة الافك حيث قالت فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني ،
    وكان رآني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي
    وقد اخذالعلماء فائدتين من حديث عائشة رضي الله عنها
    الاولى ان تغطية الوحه بالجلباب هو الحجاب هكذا فهم الصحابة ومنهم ام المؤمنين رضي الله عنهم اجمعين من قوله تعالى((يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما))
    وهي من ايات الحجاب باتفاق العلماء
    ومااوردته سابقا هو فهم ام المؤمنين ان الحجاب ادناء المراة الجلباب على وجهها
    الثانيةان المراة بعد نزول اية الحجاب والتزام امهات المؤمنين والصحابيات به
    اصبح الرجل لايستطيع ان يميز هل هذه فلانه اوفلانه لانهن يسترن وجوههن بالجلباب
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    68

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    الفاضل الكريم عبد الله المزروع السلام عليكم

    حينا قلت انصاف المتفقهين كنت اقصد بعض من حديثى الالتزام الذى ربما سمع شريطا او قرأكتابا لمن يقول بالوجوب فاعتنق هذا الرأى خاصه انهم كثير فى بلدنا مصر والله الذى لاتقوم السماء والارض الا باذنه انى اعرف شبابا لايعرفون اداب قضاء الحاجه ورغم ذلك فهم يسفهون من يقول بعدم الوجوب وانى حينما قلت انصاف متفقهين فانى رفعت شأنهم بهذا هؤلاء من قصدت حتى قال لى احدهم وهل قال احد من العلماء بكشف الوجه
    لكن يبدو انك تصورت انى قصدت بعض اهل العلم كالعلامه بن جبرين او بن باز وغيرهم ممن لايرى المرء نفسه اهلا بان يحمل نعالهم ان كنت ظننت هذا فانى اطلب منك اخى ان تستغفر ايضا لسوء ظنك باخيك كيف لصعلوك مثلى ان يفكر فى النيل من هؤلاء الجبال الشوامخ

    هذا الامر فقط احببت ان ارد عليه اما بخصوص مداخلات الفضلاء فلها عندى كل تقدير واحترام ولايعنى عدم الرد تجاهل لمن اراهم افضل واعلم منى ولكن كما قلت حجج الفريقين تمتلأ بها الصحائف لمن يريد تفصيلا للامر ولم يكن مقصدى الا ان اوضح ان الامر لايعدو ان يكون خلافا فقهيا كسائر الخلافات المعتبره وقد سمعت بعض علماءنا يقول وهو يدرس لنا ادب الخلاف
    لايحتج مجتهد على مجتهد ولامقلد على مقلد
    بارك الله فيكم ايها الفضلاء ونفعنى واياكم بالعلم النافع آمين

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بن عبد الغنى مشاهدة المشاركة
    وللعلم انا لاانكر النقاب ولكن حتى لانترك الساحه لانصاف المتفقهين ليحرموا مايشاءون ناسين ان كشف الوجه قال به اساطين وفحول من الائمة الهداه رضى الله عنهم اجمعين
    أخي الفاضل ( بن عبد الغني ) وفقه الله
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
    كلامك المذكور أعلاه عام ، وتخصيص العام بما في نفسك مع أنَّ اللفظ لا يحتمله = ليس من المخصصات التي اطلعت عليها في كتب الأصول !
    لكن أشكر لك تراجعك عما خطته يداك .
    غفر الله لي ولك ، ولجميع إخواننا في هذا المنتدى المبارك .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    68

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    أستغفر الله العظيم الذى لا اله الا هو الحى القيوم وأتوب اليه
    اللهم ارحم علماءنا وتقبل جهدهم وانفعنا بعلمهم آمين

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    162

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    أخي الكريم وفقني الله وإياك
    أنت أجبت عن السؤال بنفسك فقلت : ( نجد القرآن ينهى المرأة ان تضرب برجلها وهو أمر دون كشف الوجه ونجد ان السنه تحذر من اشياء دون كشف الوجه كالخروج متعطره مثلا ولانجد اى ذكر لحال من تكشف وجهها )
    فذكرت أن هذه المنهيات دون كشف الوجه ومع ذلك نهي القرآن والسنة عنها فهو تنبيه بالأدنى على الأعلى كما قال تعالى : فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما فهل تجد في القرآن والسنة النهي عن ضرب الوالدين ؟ او تعذيبهما ؟ أو سبهما وشتمهما ؟

    وأما قولك أخي الكريم : ( كل هذه الأدلة مردود عليها ممن يقولون بعدم وجوب النقاب ولم أذكرها لأنى سوف أزيد من التعصب البغيض وعلى أى باحث ان يرجع لكتاب العلامة الألبانى رحمه الله (جلباب المرأة المسلمة) وهو يدمغ هذه الأدله ويظهر حجة من لايقولون بالوجوب منتصرا لهم ) فهذه دعوى وزعم وقد بين أهل العلم الأخطاء التي وقع فيها االمحدث الجليل الألباني رحمه الله في هذه المسألة ومؤلفات المحدثين والفقهاء في هذا العصر كثيرة وينظر :
    1 - حراسة الفضيلة للشيخ بكر أبو زيد حفظه الله .
    2 - ورسالة الحجاب للشيخ محمد العثيمين رحمه الله .
    3 - والصارم المشهور للشيخ حمود التويجري رحمه الله .
    4 - وستر الوجه بين الحق والاضطراب لعبدالرحمن أحمد زيني آشي .
    5 - فصل الخطاب في مسألة الحجاب والنقاب لدرويش مصطفى حسن .
    6 - أدلة الحجاب للشيخ محمد إسماعيل المقدم .
    7 - الحجاب للشيخ مصطفى العدوي .
    8 - مقالة الشيخ الكريم سليمان الخراشي وفقه الله ( وقفات مع من يرى جواز كشف الوجه ) http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/30.htm
    وغير ذلك كثير .
    ومما ينبغي أن يعلم أن الإجماع منعقد على تحريم كشف الوجه للمرأة عند الأجانب عند فساد الزمان ولا يخفى على من أوتي ذرة من عقل أن الفساد قد انتشر في هذا الزمان أكثر من قبل بسبب وسائل الإعلام من قنوات وصحف ومجلات ووسائل الاتصال بين الجنسين من جوال و نت وغير ذلك مما يحرك غيرة كل غيور على دينه ومحارمه ونساء المسلمين .
    قال العلامة بكر أبو زيد : ( ولم يقل أحد في الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين ، وفساد الزمان ، بل هم مجمعون على سترهما كما نقله غير واحد من العلماء ، وهذه الظواهر الإفسادية قائمة في زماننا فهي موجبة لسترهما لو لم يكن أدلة أخرى ) حراسة الفضيلة ( ص 69 ) وقد نقل الإجماع غير واحد .
    ولا زال العمل عند المسلمين على ستر المرأة وجهها إلى عهد قريب حين خلع الخمار عن الوجه وبدأ السفور في بلاد المسلمين في مصر ثم تركيا ثم الشام ثم العراق ثم سائر بلاد المسلمين إلا من رحم الله .
    وقال الحافظ ابن حجر : ( لم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الاجانب ) الفتح ( 9 / 324 ) وقد ذكر عمل المسلمين على ذلك الغزالي أيضاً في الإحياء ( 2/53 )

    وأما وصف القائلين بوجوب تغطية الوجه بالتعصب والشدة فهذا لا يستغرب فهي ليست أول مسألة يوصف بها المتبعون للأدلة المتمسكون بالسنة بالشدة والغلظة ، ولا يضرهم ذلك شيئاً وسيبقى هذا القول هو المنصور بإذن الله ما بقي في المسلمين غيور فقيه بواقع المجتمعات عالم بالمصالح والمفاسد وعالم بمكائد المفسدين .
    وأما الشيخ المحدث الألباني _ رحمه الله _ فهو عالم جليل لكنه أخطأ في هذه المسألة وهو معذور بذلك لاجتهاده _ رحمه الله _ وهو مع ذلك ناصح للأمة غيور عليها فهو مع ما وصل إليه في هذه المسألة يرى أن الأفضل تغطية الوجه ويدعو إليه ، ويحذر من السفور والتبرج ، وليت هؤلاء يقولون بقول الألباني _ رحمه الله _ في بقية مسائل الباب ، وأن لا يجمعوا شذوذات أهل العلم في كل مسألة من مسائله .
    ثم إن أهل العلم لم يتركوا دليلاً من أدلة الشيخ _ رحمه الله _ إلا وأجابوا عنه كما في الرسائل السابقة علماً أنه في رده _ رحمه الله _ لم يذكر جميع أدلة القول الآخر .
    وأما أدلة الشيخ _ غفر الله له وأسكنه فسيح جنانه _ فلا تخلو من ثلاث حالات :
    1 - إما أدلة صحيحة صريحة في المسألة لكنها منسوخة يعلم ذلك من أوتي علماً في معرفة التواريخ والناسخ والمنسوخ في نصوص الشرع .
    2 - وإما أدلة صحيحة لكنها غير صريحة بل هي محتملة من قبيل المتشابه الذي يرد إلى المحكم عند الراسخين في العلم ، ولا تعارض أصول الشريعة وقواعدها المحكمة الكلية ومقاصدها العظيمة بقضايا الأعيان والحوادث الجزئية التي ترد عليها الاحتمالات .
    3 - وإما أدلة صريحة لكنها لا تثبت من جهة الإسناد .
    وكلها قد تكلم عليها العلماء الكبار من محدثين وفقهاء في هذا العصر وأجابوا عنها .
    وأما من تكلم بهذه المسألة من طلاب العلم ممن أجاز كشف الوجه فمنهم المقلد للشيخ ومن كان هذا شأنه وليس له باع وسلاح يناضل به فحقه السكوت وليس للمقلد أن يقعد وينظر ويناظر ويستدل ويعترض .
    ومنهم من بحث المسألة وله علم بالأدلة وأقوال أهل العلم وهو أهل للمباحثة فيها والمناظرة وهؤلاء معذورون فيما وصلوا إليه إن حسن قصدهم وأرادوا الوصول للحق .
    وفي الحالتين لا يليق بمن كان حسن القصد غيورا على محارم المسلمين عالما بمن يصيد في الماء العكر من أعداء الشريعة أن ينافح عن هذا القول ويظهره ويجادل فيه في هذا الزمان فغاية ما فيه جواز الكشف لا إيجابه ، وليت من يتحمس لهذه المسألة يتحمس لغيرها من مسائل الشريعة فيدعو للتوحيد والسنة وينهى عن المنكر المنتشرة ويحذر من التبرج والسفور والمجون الذي ملأ بلاد المسلمين ؛ فلن يسأل المرء يوم القيامة لمَ لم تبين جواز كشف الوجه لكنه سيسأل عن المنكرات التي يراها بأم عينيه ويسكت عنها ثم هو مع ذلك يفتح أبواباً من الشر ويفتح ذريعة الواجب سدها ، ولا يخفى على كل ذي لب أن كشف الوجه ذريعة للفتنة فهو لبُّ الجمال بلا شك والناس حين تسأل عن الجمال فأول ما ينصرف نظرهم إليه هو الوجه .
    وفي النهاية أسأل من يتحمس لكشف الوجه أخي الكريم : هل أنت داعية لهذا الأمر أم أنك مبين لحكمه ؟
    إن كنت داعية فاتق الله فلم يقل بقولك هذا أحد من المسلمين الغيورين فحتى من أجاز كشف الوجه من العلماء الفضلاء دعوا إلى تغطيته عفة وغيرة .
    وإن كنت مبينا لحكم المسألة فالمسألة دائرة بين الوجوب والندب في التغطية وبين التحريم والجواز في حق الكشف ولا قائل بوجوب أو ندب الكشف وإذا كان الأمر كذلك فلا مصلحة شرعية في بث هذا الأمر وإني لأستغرب من إثارة هذا الموضوع كل سنة في هذا الوقت بدلاً عن كثرة العبادة والانشغال بقراءة القرآن والصلاة والذكر ونشر مسائل العلم المتعلقة بأحكام الصيام وحث الناس ودعوتهم على استغلال هذا الموسم .

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    بارك الله فيكم ..
    يجب أن يعرف الإخوة المقتنعون بكشف الوجه : حقيقة طالما طُمست وأخفيت ، وهي أن : العالم الإسلامي كان مُجمعًا على ستر المرأة وجهها عن الأجانب ، وأن كشف الوجه لم يُعرف في العالم الإسلامي بأكمله ( حتى ألبانيا بلد الشيخ ! ) إلا بعد الاستعمار ، الذي شجع أذنابه ( كقاسم وغيره ) على الدعوة لهذه الفتنة ؛ لعلمه بمآلاتها - مهما وُضع لها من شروط وضوابط ! - .

    وهنا مزيد بيان :http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/w.htm
    وفيه حلقة عن ألبانيا والشام .
    - مع أمنيتي أن يبقى أمر المقتنعين بالكشف خاصًا ماداموا يدينون الله به ، لكن لا يدعوا له في مجتمعات لا زالت تلتزم الحكم الشرعي " ستر الوجه " ؛ لأنهم حينها يكونون من دعاة الفتنة .
    - بل قال في أمثالهم شيخ الإسلام في تركيا مصطفى صبري قولا شنيعا : ( قد آن للحكومات الإسلامية أن لا تسمح للملاحدة الناشئة في بلادها أن يندرجوا في سجل المسلمين ، إن لم تقدر أن تعاملهم معاملة المرتدين ) ! يعني بذلك دعاة السفور في مصر الذين كان بينهم وبينه مصاولات ومطاولات - رحمه الله - . ( قولي في المرأة .. ، ص 78 ) .

    والله الهادي ..

  13. #13

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    ما تعليق الشيخ سليمان على هذا الكتاب؟
    مصطلحات قرآنية
    حول
    لباس المرأة المسلمة
    (دراسة أصولية فقهية)
    إعداد
    الشيخ الحبيب بن طاهر
    بسم الله الرحمان الرحيم

    الحمد لله الذي هدانا للإسلام, وجعل في تكليفنا بالشرائع شرفا وعزّة, ورفعنا بامتثالها إلى مقام العبودية لديه, وأقام لنا بشريعته منهاجا وسطا بين الغلوّ في الدين والانحلال من ربقة التكليف.
    وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمّد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
    وبعد, ففي القرآن الكريم ثلاثة ألفاظ, توجّه الخطاب الإلهي في شأنها إلى المرأة المسلمة؛ وهي تسميات لما تستعمله المرأة في لباسها وتستّرها, وهي الخمار والجلباب والحجاب. وهذه الألفاظ أخذت معنى اصطلاحيا دينيا خاصّا بالإسلام, لما تضمّنته من المعان الشرعية والمقاصد الدينية.
    ورغم دلالتها اللغوية الواضحة, التي لم يخرج عنها الاستعمال الشرعي, فقد ظهر في كثير من الكتابات الإسلامية المعاصرة وعلى ألسنة بعض الخطباء والدعاة, اضطرابا وتداخلا في استعمالها, فبعضهم يجعلها شيئا واحدا, والبعض الآخر يستعمل أحدها وهو يقصد معنى اللفظ الآخر, وخاصة في استعمال لفظ الحجاب في معنى الخمار, والبعض الآخر يستعمل ـ من باب المغالطة ـ لفظ الحجاب للاستدلال على مشروعية النقاب.
    وإن كان هؤلاء المتحدثون ـ كتابة وخطابة ـ يعتقدون شرعيتها على اختلاف بينهم في توجّه التكليف بها كلّها لجميع النساء, أو أنّ بعضها خاص بنساء النبي صلّى الله عليه وسلم؛ فقد انتقل اضطرابهم فيها إلى خارج الدائرة الإسلامية, لدى بعض الأوساط التي تسعى إلى هدم أركان الإسلام وتحريف مفاهيمه, الذين لا يستطيعون التفريق فيما يقع من اختلاف علماء الإسلام, بين محلّ اختلافهم ومحلّ اتفاقهم وإجماعهم, فبعضهم يسعى في كتاباته إلى توظيف الخلاف في حكم الحجاب, أهو خاص أم عام, إلى إسقاط حكم الخمار, لأنّه لا يفهم الفرق بين اللفظين, وإنما استند في فهمها إلى الكتابات الإسلامية التي أشرنا إليها؛ والبعض الآخر تجاوز ـ لإنكار حكم الخمار ـ حتى الدلالة اللغوية التي لا تحتاج إلى اجتهاد وإعمال نظر, وكان يكفيه أن يفتح أيّ معجم لغوي ليقرأ أنّ لفظ الخمار ثوب يوضع على الرأس.
    على أنّنا نشير إلى أن الخلط في استعمال هذه الألفاظ, من قبل بعض المنتسبين للعلم الشرعي, وخاصة في استعمال لفظ الحجاب في معنى الخمار, وللدلالة به على اللباس الواجب على المرأة, جعل كثيرا من النساء يفهمن غلطا أنّه يمثل فقط اللباس الشرعي للمرأة, مما أوقعهنّ في محاذير من الهيئات في اللباس لا تتناسب وما دعاها الإسلام إليه. فلباس المرأة الشرعي, ليس هو الخمار فقط, بل هو مجموعة من الضوابط مصدرها القرآن الكريم والسنّة الشريفة جميعا.
    وهذه الدراسة تقصد إلى تصحيح المفاهيم وإقامة الفوارق بين هذه الألفاظ, حتى تقطع الطريق أمام كلّ من يريد استعمالها في غير ما وضعت له لغة وشرعا. ونبين من خلال ذلك ما هو التكليف الشرعي للمرأة المسلمة في موضوع اللباس.
    كما نشير إلى أنّ الإسلام لم يخصّ المرأة بالتشريع لأحكام اللباس؛ بل شمل بذلك الرجل, ووضع له ضوابط كما وضع للمرأة الضوابط؛ لتلقي أحكام لباس المرأة مع أحكام لباس الرجل على تحقيق مقاصد الإسلام من ذلك. وأرجو من المولى عزّ وجلّ أن ييسّر لي إنجاز بحث في بيان مقاصد الشريعة من أحكام اللباس للرجل والمرأة.
    والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل
    المصطلح الأوّل
    الخمــار
    قال تعالى:« وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهنّ على جيوبهن ولا يبدين زينتهنّ إلاّ لبعولتهن..» الآية
    هذه الآية تنصّ على أنّ للمرأة زينتين؛ زينة خفية وأخرى ظاهرة. فنهت المرأة عن إبداء زينتها الخفية, واستثنت الزينة الظاهرة فأباحت لها إظهارها في عموم الأحوال مع عموم الأشخاص. وأمرت المرأة مع تلك الإباحة بضرب خمارها على جيبها. ثمّ عادت الآية للحديث عن الزينة الخفية فاستثنت صنفا من الناس أباحت لهم إظهارها أمامهم, وهم الزوج ومن ذكر معه.
    فهاهنا كلمات تحتاج إلى بيان وتوضيح, وهي:« زينتهنّ» و« ما ظهر منها » و« خمرهنّ» و«جيوبهنّ».
    ونلاحظ أنّنا سنعتمد في توضيح هذه الكلمات على القرآن نفسه والسنة النبوية؛ وكذلك على أقوال الصحابة لأنّ أقوالهم أصدق تفسير للقرآن وأدق فهم لمعانيه وأحكامه, إذا غاب تفسير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لما اختصّوا به من معايشة نزوله وملازمة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومعرفة دقيقة للغة القرآن الكريم.
    1ـ قوله تعالى:(ولا يبدين زينتهنّ) فما هي الزينة؟
    الزينة من الزين, وهو الحسن. وضدّ الزين الشين, وهو القبح. فأصل اشتقاق هذا اللفظ من الحروف: الزاي والياء والنون, وهو يدلّ على حسن الشيء وتحسينه. وعلى هذا فالزينة عند اللغويين اسم جامع لكلّ شيء يتزيّن به . أي يكون به الشيء حسنا. ويفهم من أمثلتهم التي أوردوها أنها قسمان:
    الأول: زينة خلقية, قال الأزهري: سمعت صبيا من بني عقيل يقول للآخر: وجهي زين ووجهك شين. أراد أنه صبيح الوجه وأنّ الآخر قبيحه, والتقدير: وجهي ذو زين ووجهك ذو شين, فنعتهما بالمصدر.
    الثاني: زينة مكتسبة. أي ما يكتسبه الإنسان ويصطنعه من نفسه ممّا خلق الله تعالى من أنواع الزِيَن ليظهر مزيّنا.
    وأصل هذا التقسيم قد ورد في القرآن الكريم, فجاء إطلاق الزينة على ما خلق الله تعالى, من ذلك قوله تعالى:(المال والبنون زينة الحياة الدنيا)[الكهف46] وقوله:(قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق)[الأعراف32] فما ذكر في الآيتين من المال والبنين وما أخرجه الله تعالى لعباده من الطيبات من الرزق هو زينة في ذاته من خلق الله تعالى.
    وعلى أنّ الزينة هي الحسن والجمال؛ فخلق الإنسان على نحو ما ركّبه الله تعالى عليه وصوّره فيه, هو زينة في ذاته وقوامه وأعضائه, كما هو زينة في عقله وروحه؛ قال تعالى:(وصوّركم فأحسن صوركم)[غافر64] وقال:(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)[التين4].
    والإنسان يدرك في نفسه هذه الزينة التي خلق عليها, كما يدرك كلّ من نوعي الذكر والأنثى في مقابله ما خصّه الله تعالى به من أنواع الزينة في خلقه بما ليس فيه, قال تعالى:(ولو أعجبك حسنهنّ)[الأحزاب52]. ولهذا جاء الأمر متساويا لكلّ من الذكر والأنثى بالغضّ من الأبصار, كما سنبيّن ذلك فيما يأتي.
    وورد إطلاق "الزينة" على ما يكتسبه الإنسان للتزين به ممّا هو زينة في نفسه ممّا خلق الله تعالى, فيعالجه الإنسان ويصطنعه ليتزيّن به, وذلك كالثياب والحلي والطيب والمراكب والسلاح ونحو ذلك . قال تعالى:(يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد)[الأعراف31] والمراد بالزينة اللباس, وقال تعالى:(ولكنّا حمّلنا أوزارا من زينة القوم)[طه87] أي حلي القوم, وقال تعالى:(فخرج على قومه في زينته)[القصص79] أي في زينته من الثياب الفاخر والحلي والخدم والخيل.
    وأمّا الآية موضوع البحث, وهي قوله تعالى:(ولا يبدين زينتهنّ) فقد اختلف المفسرون في المقصود من الزينة فيها.
    فبعض الصحابة فسّرها بالخلقية, وبعضهم فسّرها بالمكتسبة, والبعض الآخر جمع في كلامه بين الأمرين, كما سيأتي ذكر أقوالهم. ولا يفهم من هذه الأقوال تحديدا من أصحابها للدلالة الأصلية للفظ.
    وأمّا من جاء بعدهم من المفسرين فقد قاموا بتعيين الدلالة الأصلية, فمنهم من حمل اللفظ على الزينة المكتسبة, دون مواقعها من بدن المرأة؛ وحصروا هذه الزينة في الأصباغ كالكحل والخضاب, وفي الحلي كالخاتم والسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط, وفي الثياب. وإلى هذا ذهب الزمخشري والجصاص والبيضاوي والنسفي في تفسيره والشوكاني وأبو السعود والسمرقندي؛ وأن النهي ـ عندهم ـ عن إبداء الزينة المكتسبة شمل مواضعها من جسد المرأة من باب الكناية أو من باب تقدير مضاف أي: لا يبدين مواقع زينتهنّ ؛ أو من باب دلالة الأولى, وهي مفهوم الموافقة عند الجمهور وفحوى الخطاب عند الحنفية أو من باب دلالة اللزوم عند الجمهور ودلالة الاقتضاء عند الحنفية .
    ومن المفسرين من حمل اللفظ على الزينة المكتسبة وعلى الزينة الخلقية, جريا على قول اللغويين وما دلّت عليه الآيات القرآنية, كما تقدم. وهو قول الرازي وابن العربي والقرطبي والآلوسي وأبي حيان الأندلسي في البحر المحيط وابن عاشور . قال أبو حيان:«والأقرب دخوله ـ أي الخلقة ـ في الزينة, وأيّ زينة أحسن من خلق العضو في غاية الاعتدال والحسن» وقال ابن العربي:«الزينة على قسمين: خلقية ومكتسبة؛ فالخلقية وجهها ـ أي المرأة ـ؛ فإنّه أصل الزينة وجمال الخلقة ومعنى الحيوانية؛ لما فيه من المنافع وطرق العلوم وحسن ترتيب محالّها في الرأس, ووضعها واحدا مع آخر على التدبير البديع. وأمّا الزينة المكتسبة فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها بالتصنّع؛ كالثياب والحلي والكحل والخضاب».
    وهذا القول يفي بالعموم الذي يحتمله اللفظ بحسب اللغة ودلالة الآيات كما تقدم.
    وعلى كلّ, فالقولان ينتهيان إلى أنّ هناك زينتين, أي قسمين من المواضع في بدن المرأة؛ وأنّ الشارع قصد منع المرأة من إبداء أحد القسمين لغير محارمها, واستثنى القسم الآخر فأباح لها إظهاره لمحارمها ولغير محارمها؛ ولكن يفيدنا هذا التحليل للفظ"الزينة" فيما يأتي.
    2ـ قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها). فما هي الزينة الظاهرة, وما هي الزينة غير الظاهرة؟
    يدلّ سياق الآية على وجود زينتين. فالزينة الأولى هي المذكورة في أوّل الآية وهي التي في قوله تعالى:(ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ), والزينة الثانية هي المذكورة بعدها وهي التي دلّ عليها الآستثناء في قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها). وأما قوله تعالى بعد ذلك:(ولا يبدين زينتهنّ إلاّ لبعولتهنّ) فهي الزينة المذكورة أوّلا.
    وأجمع المفسرون على أنّ الآية منعت المرأة المؤمنة من إبداء زينتها, ثم استثنت استثناءين:
    الأوّل: استثنت جزءا من الزينة فأباحت إظهاره بقوله:(إلاّ ما ظهر منها), وهي الزينة الظاهرة.
    الثاني: استثنت صنفا من الناس أجازت لها إظهار زينتها الممنوعة لهم, وهي الزينة غير الظاهرة التي استثني منها الزينة الظاهرة, وهي المسمّاة عند المفسّرين بالزينة الخفية.
    فعلمنا أنّ الزينة الظاهرة يجوز للمرأة أن تبديها للناس جميعا, أي لأكثر ممّن ذكرتهم في جواز إظهارها لزينتها الخفية.
    وسواء كان لفظ الزينة يطلق على الخلقية أو المكتسبة, فإن جمهور المختلفين في ذلك متفقون على أنّ الزينة الظاهرة هي الكحل والخاتم والخضاب وأضاف بعضهم السوار, أو هي مواضعها وهو الوجه والكفان؛ وأنّ الزينة الخفية هي الخلخال والدملج والقلادة والقرط والإكليل والوشاح ؛ أو هي مواضعها من البدن وهي الساق والعضد والعنق وشعر الرأس والصدر والأذنان, وبعضهم أضاف السوار وسيأتي ما فيه. وهذا القول هو مذهب الإمامين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى.
    وفي مقابل هذا الرأي يوجد رأي آخر فسّر قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها) بالثياب التي تغطّي به المرأة سائر بدنها ويدخل فيه وجهها وكفّاها, أي إنهما من الزينة الخفية. وأصل هذا القول رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه, وتبعه في ذلك الإمامان الشافعي وابن حنبل ومن كان على مذهبيهما من المفسرين.
    وباستقرائنا للأدلة من القرآن والسنّة النبوية وخاصّة الإقرارية, ومن أقوال جمهور الصحابة المروية عنهم آثار في ذلك؛ وجدنا فيها بيانا واضحا للمراد بالزينة الظاهرة المستثناة في قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها). وفيما يلي تفصيل ذلك:
    بيان القرآن:
    أ ـ قوله تعالى:(لا يحلّ لك النساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ) الآية[الأحزاب52]. ووجه الاستدلال بهذه الآية أنها تشير إلى أنّ كشف النساء لوجوههنّ في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر قائم, وجوازه مقرّر في الشرع؛ ذلك أن الله تعالى حرّم على رسوله صلّى الله عليه وسلّم بهذه الآية أن يتزوج غير من أباح الله له ممن ذكرهن له قبل هذه الآية بآيتين, ولا أن يطلق من هن في عصمته, فمنعه من ذلك ولو أعجبه حسن النساء الممنوع من تزوجهنّ؛ ولم يكن متيسّرا له الإعجاب بحسنهنّ لو كانت غير مكشوفات الوجوه.
    ب ـ قوله تعالى:(قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم) الآية[النور30]. ووجه الاستدلال أنّ الأمر بالغضّ من الأبصار يقتضي وجود عضو مكشوف في المرأة تتطلّع إليه نفس الرجل, ولا يكون إلاّ الوجه والكفين, كما تظافرت عليه الأدلة, قال القاضي عياض:«فيه حجة على أنّه لا يجب على المرأة ستر وجهها, ويجب على الرجال غضّ البصر عنها في جميع الأحوال إلاّ لغرض شرعي».
    ج ـ قوله تعالى:(وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ)[النور31]. وسيأتي ما في هذه الجملة من الدلالة على أنّ الوجه من الزينة الظاهرة عند الكلام على معنى الخمر والجيوب.
    بيان السنّة
    وسنذكر ما كان من السنة بيانا قوليا وإقراريا.
    أ ـ عن جابر رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم العيد, فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة. ثمّ قام متوكّئا على بلال, فأمر بتقوى الله, وحثّ على طاعته, ووعظ الناس وذكّرهم. ثمّ مضى حتّى أتى النساء فوعظهنّ وذكّرهن, وقال:«تصدّقن فإنّ أكثركنّ حطب جهنّم» فقامت امرأة من سطة النساء(أي من وسط النساء) سفعاء الخدين, فقالت: يا رسول الله لم؟ فقال:«لأنّكنّ تكثرن الشكاة وتكفرن العشير» قال: فجعلن يتصدّقن من حليّهنّ يلقين في ثوب بلال .
    وموضع الدليل من الحديث قول جابر في وصف المرأة:"سفعاء الخدّين" والسفعة نوع من السواد يظهر في الخدّين ليس بالكثير , وقوله"يلقين". ووجه الاستدلال أنّ المرأة كانت مكشوفة الوجه والكفين, فلذلك عرفها الراوي بأنّها سفعاء الخدّين, وأنّ وضع الحلي في ثوب بلال يستلزم كشف الكفين. وقد وقع ذلك بحضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, وبحضور الصحابة في المسجد, ما يؤكّد أنّ النساء لم يكن يؤمرن بتخمير وجوههن, بدليل إقرار الرسول صلّى الله عليه وسلّم هذه المرأة على كشف وجهها, وهو لا يقرّ أحدا على أمر غير جائز في الشرع.
    ب ـ عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين» . ووجه الاستدلال من الحديث أنّ الوجه والكفين لو كانا عورة لما أمر الشارع ـ على وجه الوجوب ـ بكشفهما في الإحرام, ولأخذا حكم سائر جسد المرأة؛ لأن ما كان عورة لا يؤمر بكشفه في العبادة وخارج العبادة, وإلا لتناقضت أحكام الشرع, وهي منزّهة عن التناقض. ويؤكّد هذا الاستدلال أن الحديث حرّم النقاب والقفازين على المرأة في عبادة لا مفرّ للمرأة فيها من أن تتعرّض لنظر الرجال والاختلاط بهم, وهي عبادة الحجّ, ما يدلّ على أنّ الوجه والكفين في العبادة وفي غيرها حكمهما سواء.
    وقد عكس الشيخ ابن تيمية ومن سار على نهجه الأمر, واعتبر الحديث دليلا على حجية النقاب والقفازين, لأنه يدلّ على أنّهما كانا معروفين في النساء اللاّتي لم يحرمن, وذلك يقتضي عنده طلب ستر وجوههنّ خارج الإحرام . لكن ما ذكره لا يقوى أن يكون حجة على وجوب الستر المذكور خارج الإحرام؛ لأنّ النظر يقتضي التفريق في ما كان معروفا في النساء ـ على حدّ قوله ـ من التزامهنّ النقاب والقفازين؛ هل كان ذلك بأمر شرعي على سبيل الوجوب والإلزام, أم كان من فعلهن مسايرة لبعض العادات الموروثة في بعض النساء, أو اقتداء من بعض النساء بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن كما سيأتي الحديث عن آية الحجاب المتعلّقة بهنّ. فإن كان بأمر شرعي ـ على قوله ـ وانتزع هذا الأمر من الحديث المذكور, فهو استنباط بعيد لا يتفق مع صيغة الحديث لأنه لا يدلّ على أكثر من النهي عن فعل في زمن الإحرام, يحتمل أن يكون هذا الفعل قبل الإحرام وبعده واجبا أو مستحبّا أو جائزا.
    على أنّ الوقائع التي ظهرت فيها بعض الصحابيات ـ كالمرأة السفعاء وغيرها ممّا يأتي ذكره ـ أمام النبي صلّى الله عليه وسلم وبعد وفاته تشهد بما لا يجعل مجالا للشكّ أنّ المتعارف لدى جمهور الصحابيات هو بخلاف ما استنبطه.
    ج ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما, أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله, إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستوي على الراحلة, فهل يقضي عنه أن أحجّ عنه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم:«نعم». فأخذ الفضل بن العباس يلتفت إليها, وكانت امرأة حسناء, وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفضل فحوّل وجهه من الشق الآخر . ففي الحديث إقرار من الرسول صلّى الله عليه وسلّم المرأة على كشفهها وجهها رغم كونها حسناء, وما عرفها ابن عباس أنّها حسناء إلاّ بعدم تغطيتها وجهها. وما كان فقط من رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلاّ التغيير على الفضل بن عباس, بأن أدار له وجهه إلى الشق الآخر؛ لأنه هو المطالب بغضّ بصره عن المرأة. ومن هنا يتبيّن خطأ من قال إنّه ليس في الحديث تصريح بأن المرأة كانت كاشفة عن وجهها؛ لأنه لو لم تكن كذلك فمن أين كان للراوي أن يعرف أنّها امرأة حسناء؟ وفي رواية: وضيئة ؛ وإلى ما ذا كان الفضل ينظر ويكرّر النظر؟ حتى جعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يصرف له نظره ويحوّل له وجهه. بل إنّ الحديث أقوى دلالة على عدم مطالبة المرأة شرعا بستر وجهها, وهو من الوقائع التي حدثت في أواخر عهد التشريع, فزمنه حجّة الوداع.
    وإنّ ما ادعاه البعض, ومنهم الحافظ ابن حجر , من أن المرأة كانت كاشفة عن وجهها لأنّها كانت محرمة؛ هي دعوى منافية للحقيقة التاريخية. وهو يقدّمون هذه الدعوى لأنّهم يعطون للوجه حكمين, حكم الكشف وتطالب به المرأة في العبادة ـ الصلاة والحج ـ وحكم الستر وتطالب به أمام غير المحارم, بنا على ما ذكروه من تأويل بعيد لحديث«لاتنتقب المرأة ولا تلبس القفازين», وقد تقدم بيان بطلان هذا التأويل. ثم إنهم بادعاء أن المرأة كانت في حالة إحرام يسقطون الاستدلال به على جواز كشف المرأة وجهها في الشرع.
    ووجه مخالفتهم للتاريخ أنّ المرأة الخثعمية لم تكن في حالة إحرام؛ لأنّها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الفراغ من رمي جمرة العقبة, ورمي هذه الجمرة يجعل المحرم يتحلّل من كل لوازم الإحرام إلا من قربان النساء, ومن لوازم عدم الترفه, وتغطية الوجه واليدين من الترفّه. ولو كان تغطية الوجه والكفين واجبا على المرأة خارج الإحرام لعادت إليه الخثعمية بعد تحلّلها برمي جمرة العقبة, ولما أقرّها النبي صلى الله عليه وسلّم على بقائها مكشوفة الوجه بعد انتهاء موجب كشفه. لكن هذا لم يقع, فلم تعد المرأة إلى تغطية وجهها ولا أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ ما يدل على أنّ حالة العبادة وحالة غير العبادة سواء في عدم مطالبة المرأة بستر وجهها.
    وما يدلّ على أن المرأة لم تكن محرمة وأنّ سؤالها النبي صلى الله عليه وسلّم كان بعد التحلّل برمي جمرة العقبة, ما رواه علي رضي الله عنه في صفة حجّ النبي صلى الله عليه وسلّم: ثمّ أردف الفضل وسار حتى أتى الجمرة فرماها, ثم أتى المنحر فقال:« هذا المنحر, ومنى كلّها منحر» قال: واستفتته جارية شابة من خثعم, فقالت: إن أبي شيخ كبير قد أفند وقد أدركته فريضة الله, فهل يجزئ أن أؤدّي عنه؟ قال«نعم فأدّي عن أبيك». قال: ولوى عنق الفضل. فقال له العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن أخيك؟ قال:«رأيت شابّا وشابّة فلم آمن الشيطان عليهما» .
    د ـ عن عائشة رضي الله عنها أن هندا قالت: يا نبي الله بايعني. قال:« لا أبايعك حتى تغيّري كفّيك كأنهما كفّا سبع» . ووجه الاستدلال أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف أن هندا غير مختضبة إلاّ لكونها مكشوفة الكفين, ومع ذلك لم ينكر عليها.
    هـ ـ عن سبيعة بنت الحارث, أنها كانت تحت سعد بن خولة, فتوفي عنها في حجة الوداع, وكان بدريا. فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته. فلقيها أبو السنابل حين تعلّت من نفاسها وقد اكتحلت ـ وفي رواية: وقد اختضبت وتهيّأت ـ, وفي رواية: فلمّا تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ـ, فقال لها اربعي على نفسك لعلك تريدين النكاح؟ إنّها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك. قالت: فأتيت النبي صلّى الله عليه وسلم, فذكرت له ما قال أبو السنابل, فقال:«قد حللت حين وضعت». ووجه الاستدلال أنّ سبيعة خرجت من بيتها على ما هو معروف لدى الصحابيات من كشف الوجه واليدين, لذلك عرفها أبو السنابل حين لقيها وعرف أنّها مختضبة ومكتحلة العينين, وقد لامها في ذلك لأنّه كان يظنّ أنّ عدّتها لم تنقض. ولو كانت غير مكشوفة الوجه والكفين ما تسنّى له أن يعرفها.
    وـ عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها, أنّ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعليها ثياب رقاق, فأعرض عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, وقال:«يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا وهذا» وأشار إلى وجهه وكفيه .
    وقد أخرنا ذكر هذا الحديث لأنه كثر فيه الأخذ والردّ, وأسقطه من يقول بوجوب ستر المرأة وجهها وكفيها, بسبب الإرسال لأنّ خالدا لم يدرك عائشة. وقد قدمنا عليه ذكر الوقائع التي ظهرت فيها بعض الصحابيات أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكشوفات الوجوه والأكفّ دون إنكار منه عليهنّ في ذلك, لأنها أقوى منه في الدلالة على الجواز سندا ومعنى. فإن شئت أسقطت هذا الحديث ولم تعتبره دليلا حتى لا ينسيك الوقائع والإقرارات النبوية, لأنّها قطعية في دلالتها على الحكم. وإن شئت سلكت مسلك المحدّثين في البحث له على الشواهد والمتابعات لتقويته, وما يقوّيه أمور منها:
    * عن أسماء بنت عميس أنّها قالت: دخل رسول الله صلّى الله عله وسلم على عائشة وعندها أختها أسماء بنت أبي بكر, وعليها ثياب شامية واسعة الأكمام, فلمّا نظر إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام فخرج. فقالت عائشة رضي الله عنها: تنحّي فقد رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرا كرهه. فتنحّت, فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, فسألته عائشة رضي الله عنها: لم قام؟ قال:«أو لم تري إلى هيأتها, إنّه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلاّ هذا وهذا» وأخذ بكفيه فغطّى بهما ظهر كفيه حتى لم يبدو من كفّه إلاّ أصابعه, ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يبد إلاّ وجهه.
    * عن قتادة ـ مرسلا ـ أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«إنّ الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلاّ وجهها ويداها إلى المفصل» .
    * حديث النقاب والقفازين في الإحرام, المتقدم.
    * إقرار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما جرى به عمل الصحابيات أمامه, كما تقدم في الوقائع الذكورة.
    * أقوال الصحابة الآتي ذكرها في بيان قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها) من أنّ المراد الوجه والكفان.
    * أقوال جمهور علماء التابعين وأئمة المذاهب بمثل ذلك.
    قال الإمام البيهقي في حديث أسماء, بعد أن ذكر أقوال الصحابة بكون الاستثناء في قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها) واقع على الوجه والكفين: مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة في بيان ما أباح من الزينة الظاهرة فصار القول قويا .
    وليس لأنّ الحديث مرسل فلا يعمل به, فإن للفقهاء موقفا ورأيا في العمل بالحديث المرسل, يحسن أن نذكره الآن.
    مذهب الفقهاء والأصوليين في العمل بالمرسل
    المرسل في اصطلاح الفقهاء والأصوليين أن يقول الراوي الذي لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم وكان عدلا: قال رسول الله ؛ أي يرسل الحديث إلى النبي صلّى الله عليه وسلم دون أن يذكر الواسطة بينه وبين النبي صلّى الله عليه وسلم, سواء كان هذا الذي أرسل الحديث من التابعين أو من تابع التابعين أو ممّن بعدهم .
    وأمّا المحدّثون فالمرسل في اصطلاحهم أن يترك التابعي دون غيره ذكر الواسطة ـ وهو الصحابي ـ بينه وبين النبي صلّى الله عليه وسلم.
    وقد اتفق جمهور العلماء مالك وأبو حنيفة وأحمد في أشهر الروايتين عنه على الاحتجاج بالحديث المرسل, قال الإمام الآمدي: والمختار قبول مراسيل العدل مطلقا . واشترط الإمام الشافعي لقبول المراسيل أن تتوفّر فيه أحد الشروط التالية:
    ـ أن يكون المرسل من مراسيل الصحابة
    ـ أن يكون مرسلا قد أسنده غير مرسله
    ـ أن يرسله راو آخر يرويه عن غير شيوخ الأول
    ـ أن يعضّده قول صحابي
    ـ أن يعضّده قول أكثر أهل العلم
    ـ أن يكون المرسل قد عرف من حاله أنّه لا يرسل عمّن فيه علّة من جهالة أو غيرها .
    ونحن إذا أخذنا بالقول المتشدّد في العمل بالمرسل, وهو قول الإمام الشافعى, وطبقنا شروطه على مرسل خالد بن دريك ومرسل قتادة؛ وجدناهما يرقيان إلى درجة القبول. فمرسل خالد بن دريك مسند من طريق آخر عن أسماء بنت عميس, وهي صحابية, فهي زوجة أبي بكر الصديق؛ وهو معضد بأقوال الصحابة ـ ومنهم عائشة ـ لا بقول صحابي واحد, كما يأتي ذكر أقوالهم؛ وهو أيضا معضّد بقول أهل العلم؛ وهو أيضا معضّد بمرسل آخر هو مرسل قتادة. ويقال مثل ذلك في مرسل قتادة.
    وأما خالد بن دريك فقال فيه يحيى ابن معين: هو مشهور وثقة, وقال: النسائي: ثقة . وأما قتادة فهو من كبار المحدثين ورأس الطبقة الرابعة من التابعين, وثّقه ابن معين وغيره .
    بيان الصحابة
    أـ تفسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ فقد روي عنها أنها قالت: "إلاّ ما ظهر منها" الوجه والكفان , وروي عنها أنها قالت: القٌلب ـ أي السوار ـ والفتخة ـ أي الخاتم ـ , وفي رواية أنّها سئلت عن الزينة الظاهرة,: فقالت:القلب والفتخ .
    ب ـ تفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنه؛ فروي قوله: "ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها" قال: الكحل والخاتم, وروي: الكحل والخدّان, وروي: الوجه وكحل العين وخضاب الكفّ والخاتم, وروي: رقعة الوجه وباطن الكفّ .
    ج ـ تفسير أنس بن مالك؛ فروي عنه في "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" قال: الكحل والخاتم .
    د ـ تفسير عبد الله بن عمر؛ فروي عنه في "إلا ما ظهر منها" قال: الوجه والكفان .
    هـ ـ تفسير المسور بن مخرمة؛ فروي عنه في"إلا ما ظهر منها" قال: القلبان والخاتم والكحل .
    و ـ تفسير ابن مسعود؛ فقد روي عنه أنّه قال: الزينة زينتان, فالظاهرة منها الثياب والجلباب, وما خفي الدملج والقرطان والسواران .
    ويتبيّن ممّا نقل إلينا من أقوال الصحابة في تفسير قوله تعالى:"إلاّ ما ظهر منها" أنهم اتفقوا على أن المراد بالزينة الظاهرة المستثناة من منع الإبداء هي الكحل والخاتم والخضاب والسوار؛ ويلزم من ذلك جواز كشف مواقعها من بدن المرأة, أي كشف الوجه والكفين, كما صرّح بذلك كلّ من عائشة وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم. وقد تبعهم من التابعين في هذا التفسير سعيد بن جبير والضحاك وعطاء وقتادة وغيرهم .
    وانفرد ابن مسعود رضي الله عنه بتفسير الزينة المباح إظهارها بالثياب والجلباب, وبقوله قال إبراهيم النخعي من التابعين .
    ومن التابعين من جمع بين القولين, وهو الحسن البصري, فقال: الوجه والثياب .
    رفع إشكال
    وقع فيما تقدم من أقوال الصحابة إشكالان؛ الأول بما روي عن السيدة عائشة والمسور بن مخرمة من جواز كشف السوار الذي يلزم منه جواز كشف موقعه من الذراع؛ والثاني بما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه من عدم جواز كشف الوجه والكفين.
    فأمّا الأول, فقد بينت السيدة عائشة رضي الله عنها نفسها أنّ موقع السوار ممّا لا يجوز كشفه, وذلك بما ذكره الراوي عنها بقوله:«وضمّت طرف كمّها» وهذا إشارة منها إلى أن السوار يجوز كشفه لكن فوق الثياب, وأن موضعه من البدن مما لا يجوز كشفه.
    وما روي عن قتادة قال: بلغني أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال:«لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج يدها إلاّ إلى ها هنا» وقبض نصف الذراع . وما روي أيضا عن ابن جريج قال قالت عائشة: دخلت عليّ ابنة أخي لأمّي عبد الله بن الطفيل, مزيّنة, فدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم فأعرض, فقالت عائشة: يا رسول الله إنّها ابنة أخي, وجارية. فقال:«إذا عركت المرأة لم يحلّ لها أن تظهر إلاّ وجهها وإلاّ ما دون هذا» وقبض على ذراع نفسه, فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى .
    وهاتان الروايتان تجيزان كشف اليدين إرى نصف الذراع, فإنّه لا يعمل بهما لما يلي:
    أ ـ لتعارضهما مع ما تظافر عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوال تبين أن معنى الاستثناء في قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها) واقع على الوجه والكفين.
    ب ـ لتعارضهما مع الحديثين المرسلين ـ مرسل خالد ومرسل قتادة الآخر ـ المعضّدين بأقوال الصحابة.
    ج ـ ما أجمع عليه جمهور العلماء والمفسرين من أنّه لا يجوز للمرأة أن تكشف أكثر من كفيها, وأن نصف الذراع غير داخل في الاستثناء في الآية.
    وأمّا الثاني, وهو ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه, فإنّه قول صحابي واحد معارض بقول خمسة من الصابة؛ وهم عائشة ابن عمر وابن عباس وأنس والمسور. والنظر يقتضي ترجيح قولهم من وجوه:
    أـ أنّ فيهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, فإن قولها مقدّم على قول غيرها من الصحابة لأنّ الأمر يخصّ النساء فهي أحفظ لأحكام الشرع فيما يتعلق بشؤونهنّ.
    ب ـ أنّ قولهم تعضّده الأدلة من القرآن والسنة النبوية الإقرارية والقولية كما تقدم.
    وإذا كان قول الصحابي المجتهد ليس بحجّة على غيره من مجتهدي الصحابة؛ فإنّهم إن اتفقوا فذلك إجماع, وهو حجّة على من بعدهم؛ وإن اختلفوا فالمسألة تنقلب اجتهادية فيما بينهم؛ وعلى من يروم اعتماد قول أحدهم دون البقية أن يأتي بمرجحات له من خارج قوله .
    على أنّنا بالتدقيق فيما روي عن ابن مسعود, وجدنا أنّ قوله يحتمل المخالفة لبقية الصحابة كما يحتمل الموافقة, وأن احتمال الموافقة أرجح. فهو قد قال ـ كما روى عنه ـ:«الزينة زينتان؛ فالظاهر منها: الثياب والجلباب؛ وما خفي: السوار والدملج والخلخال والقرط والقلادة» فقد اقتصر في الزينة الخفية على ذكر السوار والدملج والخلخال والقرط والقلادة, وهي عنده وعند غيره من الصحابة من الزينة الخفية التي لا يجوز إظهارها؛ ولم يذكر معها الخاتم والكحل والحناء وهي الزينة التي توضع على الوجه والكفين. والظاهر أنّها لو كانت عنده ممّا لا يجوز كشفها لذكرها مع ما ذكر؛ لأنّها الأولى بالذكر من القرط والقلادة ونحوهما ليؤكّد على عدم جواز كشف الوجه والكفين, كما تؤوّل عنه. وعلى هذا نستبعد وننزه ابن مسعود رضي الله عنه أن يفسّر كلام الله تعالى بما لا معنى له, كما ذكر ذلك الجصاص ؛ لأنّ تفسير قوله تعالى(إلاّ ما ظهر منها) بالثياب يجعل الاستثناء لا فائدة منه, لأنّ إظهار المرأة ثيابها أمر واقع ويستحيل نقيضه وهو ستره, وحمل كلام الله تعالى على ما يستحيل رفعه لا يليق؛ لأن معنى الآية على هذا التفسير يكون على النحو التالي: "ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ثيابهنّ, وليضربن بخمرهن على جيوبهنّ, ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولتهنّ..." وإذ يقتضي الكلام البليغ حذف التكرار الذي لا فائدة فيه وحذف ما لا معنى له, فعلى هذا التفسير يقتضي الأمر حذف جملة "ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها" لأنّ زينة المرأة على هذا التفسير سائر بدنها سيأتي النهي عن إبدائها في قوله " ولا يبدين زينتهنّ إلاّ لبعولتهنّ ".
    نتيجة
    يتبيّن ممّا تقدم أنّ ترجيح الشيخ ابن باز وغيره رأي ابن مسعود, على فرض مخالفته لقول بقية الصحابة, هو ترجيح لا مستند له؛ فقول ابن مسعود ليس أولى بالأخذ من قول عائشة ومن معها إذا استووا في الصحبة والعلم ومعرفة أسرار اللغة؛ وكذلك ليس قول عائشة أولى بالأخذ من قول ابن مسعود؛ وإنما يجب أن يكون ترجيح أحد القولين على الآخر قائما على أدلّة واضحة وقوية. وقد رأينا كيف أنّ هذه الأدلّة التي تقدم ذكرها هي في جانب قول عائشة ومن معها بأنّ معنى (ما ظهر منها) هو الوجه والكفان.
    آراء مفسّري القرآن الكريم
    نتعرض الآن بإجمال لأقوال مفسري القرآن الكريم, لرصد آرائهم وتفسيراتهم لقوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها).
    وإنّنا بعد استقراء أشهر التفاسير تبيّن لنا أنّ أصحابها مسايرون لآراء أئمّة مذاهبهم الفقهية, إذ كان أغلب هؤلاء المفسرين مقلدون وغير مجتهدين, لا الاجتهاد المطلق ولا المقيّد. والمذاهب في هذه المسألة تنقسم إلى اتجاهين:
    ـ الاتجاه الأول: ويعتمد القول بأن المراد من قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها) الوجه والكفان. ويمثله المذاهب الثلاثة الحنفي والمالكي والطبري. وينتمي من المفسرين لهذه المذاهب: ابن جرير الطبري والجصاص وابن العربي والقرطبي والرازي والزمخشري وأبو حيان في البحر المحيط والآلوسي والنسفي وابن عطية وأبو السعود العمادي وابن عاشور .
    ـ الاتجاه الثاني: ويعتمد القول بأن المراد من الآية الثياب, وأن الوجه والكفين من الزينة الباطنة التي لايجوز كشفها. ويمثله المذهبان الشافعي والحنبلي. وينتمي لهذا الاتجاه: البيضاوي وابن الجوزي في زاد المسير, ويفهم من الشوكاني القول بمثل ذلك, وهو على المذهب الشيعي الزيدي .
    واكتفى كلّ من ابن كثير والسيوطي والسمرقندي في تفسيره والثعالبي في تفسير بذكر التفسيرين دون ترجيح لأحدهما.
    وقد علّل أصحاب الاتجاه الأول استثناء الوجه والكفين ـ حسبما تفيده أقوالهم ـ بأمرين:
    ـ إمّا بما هو من مستقرّ العادة والعرف البشري الذي جرى على ذلك, حتى عدّ ظهورهما من مقتضيات الجبلّة الإنسانية وأصلا في الاجتماع البشري, وأقرّته الشريعة الإسلامية.
    ـ وإمّا بالمشقّة والحرج الذين يدخلان على المرأة بسبب سترهما عند مزاولتها شؤون حياتها ومعاملاتها الاجتماعية, وأنّ كشفهما معدود في المصالح القريبة من الضرورية؛ فرفع الشرع هذا الحرج والمشقة, إذ كانت شرائع الإسلام حنيفية سهلة سمحة.
    وإنّا نرى أنه لا انفكاك بين التعليلين؛ لأن ما جعله الله تعالى باديا في العرف البشري وجبلّة فطرية في الإنسان سببه المشقّة والحرج عند تغطية الرجل رأسه ويديه وفخذيه, وتغطية المرأة وجهها وكفيها. ولهذا لم يجد من علّل من أصحاب الاتجاه الثاني مناصا من التعليل بذلك, أي بالمشقّة والحرج, لما يدلّ عليه ـ عندهم ـ الاستثناء الذي في قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها) فعبّر ابن كثير عن ذلك بقوله:«إلاّ ما لايمكن إخفاؤه» وفي عدم الإمكان استحالة. وقال البيضاوي:«فإنّ في سترها حرجا». وتعبير ابن كثير أدقّ لأنّ إخفاء المرأة ثيابها التي عليها أمر مستحيل, لا أن فيه حرجا لأن التعليل بالحرج يشعر بالإمكان. وعليه فإن أصحاب الاتجاه الثاني يقعون في حرج حمل الاستثناء في الآية على ما لا معنى له ولا فائدة منه؛ لأنّ ظهور الثياب التي تلبسها المرأة أمر يستحيل منعه, ولا يحتاج إلى شرع يبيح إظهاره ويرفع كلفة ستره, لأنه من تحصيل الحاصل, وهو ما يجب أن ينزّه عنه كلام الحكيم. وقد أشار لهذا المعنى الجصّاص باختصار تعليقا على قول ابن مسعود رضي الله عنه, وتقدّم أنّنا ننزّه ابن مسعود عن ذلك.
    وبعلّة المشقّة علل ابن الجوزي الحنبلي عدم تكليف المرأة تغطية وجهها في الصلاة. ونذكر هنا أنّ ابن عبد البرّ حكى الإجماع على أنّ على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام. وقد تقدّم لنا رفع الإشكال الذي أفاده النهي في الحديث عن انتقاب المرأة ولبس القفازين في الإحرام, ما أوهم ابن تيمية وغيره أنّه يدلّ على وجوب ستر المرأة وجهها وكفيها خارج الإحرام.
    وأمّا في الصلاة, فإن كان القول بوجوب كشف المرأة وجهها وكفيها فيها من جهة حمل الاستثناء الذي في الآية على الوجه والكفين في الصلاة, وعلى الثوب خارج الصلاة, فهذا تحكّم, قال الشيخ ابن عاشور:« جمهور الأئمة على أنّ استثناء إبداء الوجه والكفين من عموم منع إبداء الوجه والكفين في جميع الأحوال؛ لأنّ الشأن أن يكون للمستثنى جميع أحوال المستثنى منه. وتأوّله الشافعي بأنّه استثناء في حالة الصلاة دون غيرها, وهو تخصيص لا دليل عليه».
    وعلى ما رام إليه ابن الجوزي من الاستدلال بالمشقة, فإنّ الشأن في علل الأحكام المعقولة المعنى أن تكون مضطردة؛ والعلّة هنا ملحوظة في الصلاة وخارج الصلاة, أي في مزاولة المرأة شؤونها الحياتية ومعاملاتها الاجتماعية, بل هذه العلّة أولى بالاعتبار خارج الصلاة؛ فأمر الصلاة هيّن وأخفّ من قضاء المرأة ساترة وجهها وكفيها, سائر يومها وجزءا من ليلها, في الحر والبرد وفي الضوء والظلام, وفي عملها وتعلّمها, وفي بيعها وشرائها, وفي قضاء شؤونها وشؤون أبنائها وشؤون من تقوم على رعايتهم من أقاربها وأقارب أزواجها مّمن تضطرّها العلاقة الزوجية وصلة الأرحام إلى مخالطتهم, لا تضع عنها ذلك الساتر إلاّ في قعر بيتها عند نومها؛ فأيّ المحلّين أولى باعتبار المشقّة فيه, الصلاة أم خارج الصلاة؟.
    وإن عللوا منع إظهار المرأة وجهها وكفيها خارج الصلاة بكونهما عورة, فإنّ ذلك يقتضي أيضا أن يشمل الصلاة؛ لأنّها عبادة علم من الدين بالضرورة ستر العورات فيها؛ فكلّ عضو هو عورة في نظر الشرع يجب ستره في الصلاة وخارج الصلاة, وكشفه مؤثّر في بطلان الصلاة, قال الإمام الطبري في سياق ترجيح القول بأنّ قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها) يعني الوجه والكفين, يدخل في ذلك الكحل والخاتم والسوار والخضاب, قال:« وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل؛ لإجماع الجميع على أنّ كلّ مصلّ أن يستر عورته في صلاته, وأنّ المرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها, وأنّ عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها, ما لم يكن عورة, كما ذلك للرجال؛ لأنّ ما لم يكن فغير حرام إظهاره, وإذا كان لها إظهار ذلك, كان معلوما أنّه مما استثناه الله تعالى ذكره بقوله(إلاّ ما ظهر منها) لأنّ ذلك ظاهر منها» . فقد بنى الإمام الطبري تفسيره للآية على إجماع العلماء على وجوب كشف المرأة وجهها وكفيها في الصلاة, والإجماع حجّة شرعية قطعية, ولم يبنه على حكم اجتهادي.
    3ـ قوله تعالى:(وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ) فما معنى "الخُمُرُ" و"الجيوب"؟.
    أ ـ الخمر: جمع خمار. وهو في اللغة من خَمَرَ الشيء يَخْمُرُه وأَخْمَرَه, أي ستره وغطّاه وكتمه وأضمره وواراه. ويجمع أيضا على أَخْمِرَة وخُمْر.
    والخمار ما تغطّي به المرأة رأسها. ويسمّى المقنعة .
    ب ـ الجيوب: جمع جَيْب. وفي اللغة هو موضع التقوير من الدرع والقميص من جهة الرأس والصدر. أي فهو طوق القميص وموضع القطع منه. وقال الزمخشري: ويجوز أن يراد بالجيوب الصدور, تسمية بما يليها ويلابسها .
    وهذه الآية أوجبت على النساء أن يغطّين رؤوسهن بخمرهن, وأوجبت عليهن أن يضعن الخمر بصفة معيّنة يتحقق معها سترا مقصودا, وهو أن يسدلن خمرهنّ من أمام ليغطين بها أعناقهنّ ونحورهنّ وآذانهنّ وما عليها من الحليّ. بحيث يغطّي منتهى الخمار ما هو مكشوف بسبب طوق القميص. وذكر المفسرون أنّ هذه الآية غيّرت عادة جاهلية في صفة لبس النساء للخمر. فقد كان النساء في الجاهلية يضعن خمرهنّ على رؤوسهن ويسدلنها من خلفهنّ, وكانت أطواق أقمصتهنّ ودروعهنّ واسعة تبدو منها صدورهنّ وتنكشف نحورهنّ وآذانهنّ وقلائدهنّ . فأمر الله تعالى المؤمنات بتغيير هذه العادة في وضع الخمر وشدّد عليهنّ في صفة الوضع المطلوب بعدّة أساليب هي:
    ـ بصيغة الأمر في قوله(ليضربن)
    ـ باستعمال لفظ الضرب الدال على شدّة تمكين الوضع والمبالغة فيه, بحيث لا يظهر شيء من بشرة الجيد
    ـ باستعمال لفظ الباء في قوله تعالى(بخمرهنّ) الدالّ على تأكيد اللصوق والمبالغة في إحكام وضع الخمار على الجيب
    ومجموع هذه الأساليب يدلّ على النهي عن التساهل في لبس الخمر .
    وعلى ما تقدّم من شرح قوله تعالى:(وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ) فإنّه يستدلّ به على أنّ المراد بقوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها) الوجه والكفان. ووجه الاستدلال أنّ الخمر التي أمر الله تعالى المؤمنات بضربها على جيوبهنّ هي خمر معهودة ومعروفة من عهد الجاهلية إلى غاية نزول الآية في عهد الإسلام, وكنّ يستعملنها لتغطية رؤوسهنّ, حسبما يفيده ضمير "هنّ" في قوله (خمرهنّ) الدال على أنه مضاف إليهن.
    وإنّما أفادت الآية تشريعا لصفة وضع الخمر, بتغيير ما كان عليه النساء من كشف لآذانهنّ ونحورهنّ وصدورهنّ, إلى طلب ستر هذه المواضع. ولا يشكّ أحد في أنّ وجوههنّ كانت مكشوفة مع هذه المواضع؛ فلو كان التشريع الجديد يشمل الوجه لكان المناسب أن يصرّح بذكره مع الجيوب؛ لكن عدم ذكره يفيد اختلاف حكمه عن حكم الجيوب, وأنّه موضوع الاستثناء الذي في قوله تعالى:(إلاّ ما ظهر منها) استصحابا للعرف المعهود.
    والجدير بالذكر أنّ المفسرين الذين فسروا قوله(إلاّ ما ظهر منها) بالثياب على اعتبار أنّ الوجه والكفين عندهم ممّا يجب ستره, نجدهم قد فسّروا الخمار بأنّه ثوب يوضع على الرأس, وأن المؤمنات أمرن بأن يسترن به أعناقهنّ وآذانهنّ ونحورهنّ وصدورهنّ, ولم يذكر واحد منهم الوجه, فانظر ـ مثلا ـ ابن الجوزي من مفسّري الحنابلة.
    خاتمة
    من خلال ما تقدّم من شرح آية النور, نخرج بنتيجة وهي أنّها توجب على النساء المؤمنات ستر جميع أبدانهنّ, ما عدا وجوههنّ وأكفّهنّ.
    وقد رأيت كيف أنّنا لم ندخل لفهم الآية سوى الأدلّة المتصلة بها, وهي مجموع الجمل المكوّنة للآية, وسوى السنّة النبوية وخاصّة التقريرية منها, وأقوال الصحابة المفسّرة للآية, وسير الصحابيات. ولم نعتمد على رأي أو استحسان أو مصلحة, لأنّ حكم اللباس من الثوابت الشرعية, فلا يجوز أن يستند إلاّ إلى أدلّة ثابتة لا علاقة لها بتغيّر المصالح والظروف.
    محاورة
    حاول بعض المعاصرين أن يبحث عن دليل جديد للإقناع بالرأي القائل بوجوب ستر المرأة وجهها وكفيها, وذلك بالاستناد إلى قاعدة سدّ الذرائع؛ بناء على أنّ كشف المرأة وجهها ـ من وجهة نظرهم ـ ذريعة وطريق إلى الفتنة. وممّن ذهب إلى هذا الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين. قال الأول:«ولا يخفى ما وقع فيه النساء اليوم من التوسّع في التبرج وإبداء المحاسن, فوجب سدّ الذرائع وحسم الوسائل المفضية إلى الفساد وظهور الفواحش» , وقال الثاني:«وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة, وإن قدر فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد» .
    ولا نرى أنّ استدلالهما بقاعدة سدّ الذرائع مسلّما؛ لأنّ هذه القاعدة لا يجوز إعمالها للوصول إلى حكم شرعي ـ هكذا ـ في كلّ حالة وبدون ضوابط, ونبيّن هذا فيما يلي:
    الذريعة في اللغة معناها الوسيلة. ومعنى سدّها رفعها. وقد عرّف علماء الأصول قاعدة سدّ الذرائع بأنّها منع ما يجوز لئلاّ يتطرّق به إلى ما لا يجوز . أي منع الوسيلة المباحة التي يتوصّل بها إلى مفسدة .
    فالأصل في اعتبار سدّ الذرائع هو النظر في مآلات الأفعال وما تنتهي إليه من فساد. والعلماء يشترطون لإعمال هذه القاعدة أمورا منها:
    أ ـ أن لا تثبت إباحة الوسيلة التي تؤول إلى فساد بنصّ شرعي من كتاب أو سنّة أو بإجماع. فإن كان ذلك سقط الاستدلال بقاعدة سدّ الذرائع؛ لأنّه لا اعتبار لها مع وجود النصّ أو الإجماع, لأن الشرع يكون ألغاها في هذه الحالة. ولذلك لا يجوز للفقهاء اعتبار سدّها فعلهم يكون من باب الزيادة في الشرع. ولذلك قال علماء المالكية والحنابلةـ القائلين بهذه القاعدة ـ بفتح كثير من الذرائع رغم وجود مظنّة الفساد في المآل, لثبوت فتحها بالنصّ أو بالإجماع.
    ب ـ أن لا تثبت الحاجة الملحّة لإباحة الوسيلة. فإذا تعيّنت هذه الحاجة الملحّة وجب اعتبار الوسيلة وإلغاء المآل. هذا إذا كانت الوسيلة مباحة غير منصوص على إباحتها.
    ج ـ أن لا تكون المفسدة التي يؤول إليها الفعل المباح نادرة, لأنّ مقرّرات الشريعة تغليب
    المصلحة أمام ندرة الفساد .
    ومسألة كشف المرأة وجهها إن أخذناها من جهة أي شرط من الشروط المتقدمة نجدها من الوسائل التي لا يجوز سدّها, ذلك لأنّها:
    أوّلا ـ من الوسائل المباحة التي نصّ الشرع على عدم سدّها بما بيّناه سابقا من شرح الآية وأقوال الصحابة. وإنّ القول بسدّها تزيّد على الشريعة وتجاوز لحدودها, وليس لأصحابه دليل قوي على حرمة كشف الوجه والكفين, لذلك لجأوا إلى قاعدة سدّ الذرائع لإثبات الحرمة, وهو اعتراف ضمني منهم بأنّ كشف الوجه مباح, لأنّ معنى سدّ الذرائع ـ كما قدمنا ـ منع الوسيلة المباحة التي يتوصّل بها إلى مفسدة, فلو كانت هذه الوسيلة ـ أي كشف الوجه ـ محرّمة, فما الداعي إلى الاستدلال بهذه القاعدة والوسيلة مسدودة.
    ثانيا ـ لأنّها من الوسائل المباحة, والمفسدة في جانبها نادرة, فليس كل امرأة تكشف وجهها يؤدّي بها ذلك وإلى من ينظر إليها إلى الفاحشة. وقد قرّر جمهور العلماء ترجيح المصلحة على المفسدة النادرة, لذلك قالوا بإباحة زراعة العنب لأنّ مصلحة ذلك أعظم من مفسدة اتخاذه للإسكار, وبإباحة مجاورة الإخوة في السكن وعدم اعتبار مفسدة الزنا التي قد تحدث من هذه المخالطة لأنّها نادرة. قال الشيخ محمد الخضر حسين:«ويلحق بهذا الضرب اتخاذ السيارات والطيّارات والغواصات, فإنّه قد ينشأ عن استعمال هذه المخترعات إتلاف بعض النفوس البريئة, ولكن هذا الضرر قليل بالنسبة إلى ما يترتب عليها من نحو مصلحة الدفاع وقطع المسافات البعيدة في أقرب زمان» . فلو اخذ العلماء بمبدأ سدّ الذرائع مطلقا, ولو كانت المفسدة الآيلة إليها الذريعة نادرة لأدخلوا على الناس حرجا عظيما ومشقة لا تتفق مع سماحة الشريعة. ثمّ إنّ وجود مصلحة محضة دون أن تشوبها مفسدة, ووجود مفسدة محضة دون أن تشوبها مصلحة أمر عزيز الوجود, ومن ثمّ فالشريعة لا تراعي المفسدة المغمورة في جانب المصلحة الغامرة أو المصلحة المغمورة في جانب المفسدة الغامرة . على أنّ مسألتنا تتعلق بالوجه والكفين فقط, دون سائر بدن المرأة.

    يتبع

  14. #14

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!


    المصطلح الثــاني
    الحجـــاب
    ورد هذا المصطلح في قوله تعالى:(... وإذا سألتموهنّ فاسألوهنّ من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ..)[الأحزاب53]
    معنى الحجاب
    الحجاب في اللّغة السّتر والمنع. يقال: حجب الشيء يحجُبُه حجبا وحجابا, إذا ستره ومنعه. فالحجاب ستر يتحقّق معه غياب ذات المستور عن النظر, ويمنع ويحول بين تداخل شيئين. وبهذا المعنى جاء استعمال لفظ الحجاب في معاجم اللغة, فقد ورد فيها:
    ـ حجاب الجوف: وهو ما يحجب بين الفؤاد وسائره. قال الأزهري: هي جلدة بين الفؤاد وسائر البطن.
    ـ الحاجب: البواب الذي يمنع الشخص عن الدخول, ويحول بينه وبين الإطلاع على ما في الداخل الذي يحجبه.
    ـ الحاجبان: العظمان اللذان فوق العينين بلحمهما وشعرهما. والجمع: حواجب. وقيل: الشعر النابت على العظم. سمّيا بذلك لأنّهما يحجبان عن العين شعاع الشمس.
    ـ المحجوب: الضرير فاقد البصر.
    ـ الحجاب: الأفق الذي تستتر به الشمس حين تغيب, قال تعالى:(حتى توارت بالحجاب)[ص32].
    ـ احتجبت الحامل من يوم تاسعها وبيوم تاسعها: أي اختفت واستترت.
    فالحجاب هو الستر الذي يمنع ويحول بين تداخل شيئين أو بين رؤية شخصين أحدهما الآخر. ومن هنا يظهر الفرق بين "الحجاب" و"الخمار", فهما يشتركان في دلالتهما على معنى الستر, ولكن يختلفان من حيث إنّ الخمار ستر يكون فيه الساتر ملاصقا للمستور, والحجاب ستر غير ملاصق, بل هو فاصل وحائل بين ذاتين.
    الدلالة الشرعية لآية الحجاب
    هذه الآية توجب على المؤمنين جملة من الآداب والتكاليف تجاه بيت النبوّة, وتجاه سيّدات هذا البيت رضوان الله عليهنّ. ومن هذه الآداب والتكاليف النهي عن مخاطبة نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم إلاّ من وراء حجاب.
    وسبب نزول هذه الآية ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لما تزوَّج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زينب ابنة جحش دعا القوم فَطَعِموا، ثمَّ جلسوا يتحدَّثون، وإذا هو يتأهَّبُ كَأَنه يَتَهَيَّأُ للقيام، فلم يقوموا. فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام وقَعدَ ثلاثةُ نفرٍ، فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليدخُل فإذا القومُ جُلوسٌ، ثم إنهم قاموا، فانطَلَقتُ فجئتُ فأخبرتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنهم قدِ انطَلَقوا فجاء حتى دَخل، فذهبت أدخلُ فألقى الْحجابَ بيني وبينَه، فأنزَل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتَ النبيّ} الآية .
    والحجاب الذي فرضه الله تعالى على أمهات المؤمنين رضي الله عنهنّ ليس هو تغطية وجوههنّ وأكفّهنّ فحسب؛ بل هو ستر جميع أبدانهنّ, بحيث لا يرى شخوصهنّ سوى محارمهنّ.
    وقد كان لحجب نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم على هذا الأمر حكمة ربانية لحفظ شرف بيت النبوّة وطهارة عرضه من كلّ محاولات الدسّ والتشويه التي كان يسعى المنافقون إلى إيذاء النبي صلّى الله عليه وسلم بها, ليتوصّلوا بذلك إلى تلويثه في أذهان الناس ومن ثمّ إلى تنفيرهم عنه. وقد حاولوا ذلك فعلا في قصة الإفك بعد نزول سورة الأحزاب بحكم الحجاب.
    وقد ذكر الله تعالى حكمة هذا الحجاب بالنسبة لهنّ وللمؤمنين بقوله:(ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ) وبيّن الشيخ ابن عاشور المراد بالطهارة هنا وبصيغة أفعل فيها, كما بيّن مقصد هذا التشريع في حقّ أمّهات المؤمنين, فقال:« واسم التفضيل في قوله: {أطهر} مستعمل للزيادة دون التفضيل.
    والمعنى: ذلك أقوى طهارة لقلوبكم وقلوبهن فإن قلوب الفريقين طاهرة بالتقوى وتعظيم حرمات الله وحرمة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لما كانت التقوى لا تصل بهم إلى درجة العصمة أراد الله أن يزيدهم منها بما يكسب المؤمنين مراتب من الحفظ الإِلهي من الخواطر الشيطانية بقطع أضعف أسبابها وما يقرب أمهات المؤمنين من مرتبة العصمة الثابتة لزوجهن صلى الله عليه وسلم فإن الطيبات للطيبين بقطع الخواطر الشيطانية عنهن بقطع دابرها ولو بالفرض.
    وأيضاً فإن للناس أوهاماً وظنوناً سُوأَى تتفاوت مراتب نفوس الناس فيها صرامة ووهناً، ونَفَاقاً وضعفاً، كما وقع في قضية الإِفك المتقدمة في سورة النور فكان شَرع حجاب أمهات المؤمنين قاطعاً لكل تقول وإرجاف بعمد أو بغير عمد.
    ووراء هذه الحِكَم كلها حكمة أخرى سامية وهي زيادة تقرير معنى أمومتهن للمؤمنين في قلوب المؤمنين التي هي أُمومة جَعلية شرعية بحيث إن ذلك المعنى الجعلي الروحي وهو كونهن أمهات يرتد وينعكس إلى باطن النفس وتنقطع عنه الصور الذاتية وهي كونهن فلانة أو فلانة فيصبحْن غير متصوَّرات إلا بعنوان الأمومة فلا يزال ذلك المعنى الروحي ينمى في النفوس، ولا تزال الصور الحسية تتضاءل من القوة المدركة حتى يصبح معنى أمهات المؤمنين معنى قريباً في النفوس من حقائق المجردات كالملائكة، وهذه حكمة من حكم الحجاب الذي سنه الناس لملوكهم في القدم ليكون ذلك أدخل لطاعتهم في نفوس الرعية» .
    فإنّ لمقام بيت النبوة ونساء النبي صلّى الله عليه وسلم حرمة تستدعي زيادة تخصيص بالأحكام والتشريعات حماية له من كلّ ما يكاد له, وذلك لخطر أمره على الدعوة وصاحبه.
    لذلك كان حكم الحجاب خاصا بنساء النبي صلّى الله عليه وسلّم, دون غيرهنّ من نساء المؤمنين. وقد اتفق المفسرون على أنّ الآية نزلت في نساء النبي صلّى الله عليه وسلم, إلاّ أنّ بعضهم قصرها عليهن, كالزمخشري والنسفي والبغوي والبيضاوي وابن كثير والألوسي وأبي السعود وابن عاشور؛ والبعض الآخر عمّمها في سائر النساء, كالطبري والجصاص والقرطبي والشوكاني وأبي حيان الأندلسي.
    وليس هذا الحكم الوحيد الذي خصّص الله تعالى به أمّهات المؤمنين, بل هو حكم من جملة أحكام خصّصن بها, وردت في سياق آيات من سورة الأحزاب. فقد جاء قبل هذا الحكم تقرير أمومهنّ لسائر المؤمنين في قوله تعالى:( ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ وَأُوْلُو ٱلاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِين َ وَٱلْمُهَـٰجِرِي نَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُوراً *)[الأحزاب6] وجاء قبله أيضا تخييرهنّ, وتضعيف العذاب لهنّ عند إتيانهنّ الفاحشة, ومضاعفة الثواب لهنّ عند قنوتهنّ لله تعالى وعملهنّ الصالحات, وتقرير أنّهنّ لسن كأيّ امرأة من النساء وأمرهنّ بالقرار في البيوت, ,وإرادة الله تعالى إذهاب الرجس عنهنّ وتطهيرهنّ؛ وذلك في قوله تعالى:(يٰأَيُّهَ ٱلنَّبِىُّ قُل لاَْزْوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ َ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلاَْخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـٰت مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَـٰلِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيّ ةِ ٱلاُْولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيــراً * وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِى بُيُوتِكُـنَّ مِنْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْــمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً *)[الأحزاب27-28-29-30-31-32-33-34]
    وجاء في آية حكم الحجاب تشريعا خاصا بدخول المسلمين لبيوت النبي صلّى الله عليه وسلّم, وتحريم الزواج عليهن بعد وفاته صلّى الله عليه وسلم, في قوله تعالى:( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَـٰظِرِينَ إِنَـٰهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىِّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَـٰعاً فَٱسْـئَلُوهُنّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً * إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً * )[الأحزاب53-54]
    وجاء في الآية الموالية لها تتمّة لحكم الحجاب, بالإذن لهنّ في الظهور لمن ذكرتهم الآية من محارمهنّ, في قوله تعالى:( لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِىۤ ءَابَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَٰنِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَٰنِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيداً *)[الأحزاب55]
    ولا قائل من العلماء بأنّ هذه الأحكام تشمل سائر النساء من المؤمنات. وإنّ الآيات صريحة بكون هذه الأحكام خاصّة بهنّ لكونهنّ في موقع متميّز عن بقية النساء المؤمنات. وقد علّل الله تعالى تخصيصهنّ بهذه الأحكام بصريح اللفظ, وذلك بقوله تعالى:( يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ) وقوله:( إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيــراً).
    وممّا يؤكّد تخصيص أمّهات المؤمنين بحكم الحجاب ويقوّيه ما يلي:
    1ـ التفريق الواضح في الخطاب الموجّه في هذه السورة, بين ما يراد تخصيص نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم به وبين ما يراد تعميمه على سائر المؤمنات؛ فما كان مقصودا به التخصيص اكتفي فيه بذكرهنّ وتوجيه الخطاب إليهن إمّا مباشرة وإما عن طريق النبي صلّى الله عليه وسلّم بوصفهنّ أزواجا له؛ وما كان مقصودا به التعميم ذكرن بوصفهنّ وذكر معهنّ غيرهنّ أي بنات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونساء المؤمنين. وقد ورد التعميم في آية واحدة من هذه السورة, وهي قوله تعالى:( يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لاَِزْوَٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِين َ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )[الأحزاب59]. مع الإشارة إلى أنّ موضوع آية الحجاب وآية الجلباب واحد وهو لباس المرأة, والاختلاف بين الآيتين فيمن وجّه إليه التكليف ظاهر في أنّ المخاطب في آية الحجاب يختصّ بالحكم دون من ذكر معه في آية الجلباب.
    2 ـ ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه كان يشير على النبي صلّى الله عليه وسلّم حجب أمّهات المؤمنين, فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:« قال عمر, قلت: يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر, فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب, فأنزل الله آية الحجاب» . وعن عائشة رضي الله عنه قالت:« كنت آكل مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم طعاما, فمرّ عمر, فدعاه, فأكل, فأصابت أصبعه أصبعي, فقال عمر: أوه لو أطاع فيكنّ ما رأتكنّ عين, فنزلت آية الحجاب» .
    3ـ ما ثبت أنّ عمر رضي الله عنه كان حريصا على أن تبالغ أمهات المؤمنين في هيئة خروجهنّ للغائط حتى لا يتفطّن إليهن من يراهنّ أنّهنّ نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فعن عائشة رضي الله عنهنّ قالت:«خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها, وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها, فرآها عمر بن الخطاب, فقال: يا سودة, أما والله ما تخفين علينا, فانظري كيف تخرجين. قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي, وإنّه ليتعشّى وفي يده عَرْقٌ, فدخلت فقالت: يا رسول الله إنّي خرجت لبعض حاجتي, فقال عمر كذا وكذا. قالت: فأوحى الله إليه, ثمّ رفع عنه وإنّ العرق في يده ما وضعه, فقال:"إنّه قد أذن لكنّ أن تخرجن لحاجتكنّ"» . والخروج للحاجة هو الذهاب للغائط.
    كما كان رضي الله عنه حريصا على أن لا تظهر جثامينهنّ عند حمل جنائزهن؛ فقد نهى رضي الله عنه, حين توفيت زينب رضي الله عنها, عن أن يخرج وراءها أحد سوى محارمها, حتى لا يشاهد الناس شخصها فوق النعش؛ حتى دلّته أسماء بنت عميس على سترها في النعش بقبّة تضرب عليه, وأعلمته أنّها رأت ذلك في بلاد الحبشة, فصنعه عمر .
    كما كان نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم يلتزمن ذلك في أنفسهنّ فيما أذن لهن في الخروج إليه كالغائط أو ضرورة من الضرورات, فقد روي أنّ حفصة رضي الله عنها لمّا توفي عمر رضي الله عنه سترها النساء عن أن يرى شخصها.
    4ـ لم يثبت عن نساء الصحابة أنّهن كنّ يلتزمن الحجاب والقرار في البيوت, بحيث لا يظهرن شخوصهنّ للرجال, بل على العكس من ذلك فقد ثبت خروجهنّ وظهورهن في المواطن العامّة مع الرجال, كالخروج للمسجد والسوق وحضور المشاهد والاستسقاء والأعياد والجهاد, إلى غير ذلك. فيثبت بذلك وبما تقدم أنّ لآية الحجاب خاصّة بنساء النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال الشيخ ابن عاشور:«وبهذه الآية مع الآية التي تقدمتها من قوله تعالى"يا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء" تحقّق معنى الحجاب لأمّهات المؤمنين المركّب من ملازمتهنّ بيوتهنّ وعدم ظهور شيء من ذواتهنّ حتى الوجه والكفين, وهو حجاب خاصذ بهنّ لا يجب على غيرهنّ. وكان المسلمون يقتدون بأمّهات المؤمنين ورعا, وهم متفاوتون في ذلك حسب العادات» . وقال القاضي عياض«فرض الحجاب ممّا اختص به أزواجه صلّى الله عليه وسلم, فهو فرض عين عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين, فلا يجوز لهنّ كشف ذلك في شهادة ولا غيرها وإضهار شخوصهنّ وإن كنّ مستترات, إلاّ ما دعت إليه الضرورة من براز...؛ ولا خلاف أنّ غيرهنّ يجوز لهنّ أن يخرجن لم يحتجن إليه من أمورهنّ الجائزة بشرط أن يكنّ بذّة الهيئة خشنة الملبس تفلة الريح مستورة الأعضاء غير متبرّجات بزينة ولا رافعة صوتها» .
    5ـ ما أمر به نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ـ تبعا لحكم الحجاب ـ بأن لا ينظرن إلى الرجال سوى إلى محارمهنّ, فعن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّها كانت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, وميمونة, قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أمّ مكتوم, فدخل عليه, وذلك بعدما أمرنا بالحجاب, فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«احتجبا منه» فقلت: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«أفعمياوا أنتما؟ ألستما تبصرانه؟» . وعن عائشة رضي الله عنها أنّه دخل عليها رجل أعمى, وأنّها احتجبت منه, فقيل لها: يا أمّ المؤمنين إنّه رجل أعمى لا ينظر إليك, فقالت: ولكنّي أنظر إليه.
    وما يدلّ عليه الحديثان يتعارض مع ما هو ثابت من جواز نظر المرأة إلى الرجال, ولا يمكن أن يحمل ذلك إلاّ على كونه خاصّا بنساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم, قال القاضي ابن رشد الجدّ:«وهذا خاص في أزواج النبيّ عليه السلام, بخلاف غيرهنّ من النساء, والله أعلم, بدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لفاطمة بنت قيس:"اعتدّي عند ابن أمّ مكتوم فإنّه رجل أعمى تضعين ثيابك"» . وقال أبو داود بعد ذكره الحديث في سننه:«هذا لأزواج النبي خاصة, ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أمّ مكتوم, قد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لفاطمة بنت قيس: اعتدّي عند ابن أمّ مكتوم, فإنّه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده». وقال القرطبي:«فإنّ ذلك منه عليه السلام تغلظ على أزواجهنّ لحرمتهنّ, كما غلّظ عليهنّ أمر الحجاب» . ذلك أنّ بين قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أمّ سلمة«احتجبا منه» وقوله في حديث فاطمة بنت قيس:«فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده» تعارض؛ ففي الأول نهي للمرأة أن تنظر إلى الرجال, وفي الثاني إباحة لها بذلك لأنّها ستساكنه وستضع ثيابها أمامه أي ستكشف زينتها الخفية بإذن من النبي صلّى الله عليه وسلّم, لأنّ علّة الالتزام بالخمار بالنسبة لفاطمة بنت قيس منتفية مع ابن أمّ مكتوم الرجل الأعمى. ولمّا كان نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أمرن بالاحتجاب وبالقرار في البيوت, مع ما ثبت أنّ نساء المؤمنين ما كنّ يلتزمن الاحتجاب والقرار؛ فدلّ ذلك على أنّ النهي عن رؤية الرجال خاصّ بنساء النبي صلّى الله عليه وسلّم. وإنّ فعل عائشة رضي الله عنها حين احتجبت عن الرجل الأعمى يؤكّد هذا الاختصاص.
    وبعد تقرير ما تقدّم, نجد أنفسنا أمام تعارض آخر, واقع بين حديث أمّ سلمة المتقدّم وبين حديث عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كان يوم عيد يلعب السودان بالدَّرق والحراب, فإمّا سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم, وإمّا قال:«أتشتهين تنظرين؟» فقلت:نعم. فأقامني وراءه, خدّي على خدّه, وهو يقول:«دونكم بني أرفدة», حتّى إذا مللت قال:«حسبك؟» قلت: نعم, قال:«فاذهبي» .
    ففي الحديث إباحة لزوجته صلّى الله عليه وسلّم النظر إلى الرجال. وقد فسّر بعض العلماء حديث نظر عائشة إلى الرجال وهم يلعبون بما يلي:
    ـ أنّها إنّما نظرت للفعل لا للأبدان
    ـ أو لأنّها لم تكن في سنّ التكليف
    ـ أو كان ذلك قبل التحريم
    ـ أو لأنّ ذلك رخصة في الأعياد .
    وهي وجوه غير مقنعة, وفيما يلي مناقشتها:
    أمّا الوجه الأوّل فلا يعقل, لأنّه لايمكن الفصل بين أمرين متلازمين, وهما الفعل والبدن الصادر عنه ذلك الفعل.
    والوجه الثاني لا يستقيم تاريخيا, لأنّ وفد الحبشة قدم المدينة المنوّرة سنة سبع للهجرة, وكان سنّ عائشة رضي الله عنها حينئذ خمس عشرة سنة , قد بلغت سنّ التكليف. ولو فرضنا أنّها كانت في ذلك الوقت دون التكليف, فإنّ صاحب هذا القول يقع في مشكل, وهو أنّ قدوم وفد الحبشة كان سنة سبع للهجرة, أي بعد نزول حكم حجاب أمّهات المؤمنين, النازل على أقصى تقدير سنة خمس, كما سيأتي تحقيقه لاحقا, فيلزم من القول بأنّها كانت في سنّ دون التكليف سقوط حكم الحجاب عنها أيضا لأنّها غير مكلّفة, وهذا باطل لأنّ علّة تكليف أمّهات المؤمنين بالحجاب والقرار هي كونهنّ نساء للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم, وليس غير ذلك, فلا علاقة له بالبلوغ.
    والوجه الثلث لا يستقيم أيضا تاريخيا, لأنّ نظرها للأحباش وهم يلعبون كان سنة سبع, ونزول سورتي النور والأحزاب كان قبل ذلك.
    والوجه الرابع لا يمكن التعليل به, لأنّ قواعد الشرع تقتضي عدم جواز الترخّص بحرام بسبب ترفيه أو أمر مباح.
    والتعليل الوجيه الذي نراه لائقا بقواعد الشرع, أن يعتبر نظر أمّهات المؤمنين للرجال كان مباحا بعد نزول الحجاب, ولذلك نظرت عائشة للأحباش, ثمّ حرّم عليهنّ النظر بعد ذلك بنسخه بحديث أمّ سلمة رضي الله عنها؛ لأنّه ورد بعد قدوم وفد الحبشة ولعبهم. وبيان ذلك فيما يأتي:
    فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«احتجبا منه» وميمونة رضي الله عنها عنده كما ذكرت أمّ سلمة في الحديث. وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تزوّج ميمونة رضي الله عنها في شهر ذي القعدة في عمرة القضاء سنة سبع, ودخل بها بسرف في نفس الشهر , قال ابن عباس رضي الله عنه:إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوّج ميمونة في عمرة القضاء . أي فيكون رسول الله صلّى الله عليه وسلم حرّم على نسائه النظر إلى الرجال سنة سبع بعد شهر ذي القعدة؛ وكذلك قدوم وفد الحبشة كان أيضا سنة سبع, كما ذكر ابن حبّان, إلاّ أنّ قدومه كان بالتأكيد قبل زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم بميمونة, لأنّ لعبهم كان في يوم عيد كما ذكرت عائشة, وهذا العيد إمّا أن يكون عيد الفطر من السنة السابعة أو عيد الأضحى من نفس السنة. وإذا علمنا أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن بالمدينة زمن عيد الأضحى, بل كان في سفر عمرة القضاء, وهو الزمن الذي تزوّج فيه ميمونة رضي الله عنهاـ كما تقدّم ـ ولم يصل إلى المدينة إلاّ بعد دخول شهر ذي الحجّة, كما قرّر ذلك المؤرّخون, قال ابن الأثير:«وبنى بميمونة بسرف, ثم انصرف إلى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجّة» ؛ إذا علمنا هذا يكون عيد الفطر هو الزمن الذي لعب فيه الأحباش بالمسجد النبوي ونظرت إليهم عائشة بإقرار من النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فيكون ما تضمّنته هذه الحادثة من إباحة نظر نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الرجال منسوخا في حقّهنّ بحديث أمّ سلمة.
    6ـ إدراك نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ حكم الحجاب ممّا اختصصن به دون سائر النساء, فكنّ لا يخرجن إلاّ لقضاء الحاجة أو موت الأبوين, كما خرجت حفصة وعائشة لزيارة أبويهما عند وفاتهما أو للحجّ, وكنّ يخرجن في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم للغزوات معه, لأنّ مقرّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أسفاره قائم مقام بيوته في الحضر . وما عدا ذلك لم يكنّ يخرجن, بل إنّ أمّ المؤمنين سودة رضي الله عنها امتنعت من الخروج إلى الحجّ أو العمرة بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم, ولمّا مات سعد بن أبي وقاص أمرت عائشة رضي الله عنها بأن يُمرّ عليها بجنازته في المسجد لتدعو له .
    وأمّا خروج عائشة رضي الله عنها في موقعة الجمل, فلم يغيّر عليها ذلك كثير من جلّة الصحابة, وأنكر ذلك عليها بعضهم مثل عمّار بن ياسر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما, ولكلّ نظر في الاجتهاد. والذي عليه المحقّقون أنّ ذلك كان عن اجتهاد منها, فإنّها رأت أنّ في خروجها إلى البصرة مصلحة للمسلمين, لتسعى بين الفريقين بالصلح, فتأوّلت لخروجها مصلحة تقييد إطلاق القرار المأمور به في قوله تعالى:(وقرن في بيوتهنّ) يكافئ الخروج للحجّ, وأخذت بقوله تعالى:(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)[الحجرات9] ورأت أنّ الأمر بالإصلاح يشملها وأمثالها ممّن يرجون سماع الكلمة, فكان ذلك منها عن اجتهاد .
    7ـ أنّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعرفون النساء اللاّتي تزوّجهنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّهنّ داخلات في مسمّى أمّهات المؤمنين بضرب الحجاب عليهنّ ويفرّقون بذلك بينهنّ وبين ملك يمينه, فقد قال الصحابة يوم قريظة: لاَ نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَمِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ، قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا، فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا . أي فعلموا أنّها إحدى أمّهات المؤمنين.
    8ـ تساؤل أقارب أمّهات عن شمول حكم الحجاب لهم, فلمّا نزلت الآية قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ونحن نكلّمهنّ من وراء حجاب؟ فنزل قوله تعالى:(لا جناح عليهنّ في آبائهنّ ولا أبنائهنّ ولا إخوانهنّ ولا أبناء إخوانهنّ ولا أبناء أخواتهنّ ولا نسائهنّ ولا ما ملكت أيمانهنّ)[الأحزاب55] فقد استثنى الله تعالى أشخاصا رخّص لهم في الدخول على أمّهات المؤمنين. والملاحظ أنّ الله تعالى استثنى في آية الخمار في سورة النور المتعلقة بسائر النساء أشخاصا رخّص لهم النظر إلى زينة المرأة الخفية وذلك في قوله تعالى:(ولا يبدين زينتهنّ إلاّ لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنّ أو بني أخواتهنّ أو نسائهنّ أو ما ملكت أيمانهنّ أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء)[النور31], فلو كان حكم نساء المؤمنين هو نفس حكم أمّهات المؤمنين في الحجاب لما كان هناك داع لتكرار هذا الاستثناء. بل إنّ ما يؤكّد اختصاص آية الحجاب بأمّهات المؤمنين أنّ المستثنيين في آية الخمار أكثر من المستثنيين في آية الحجاب, فالآيتان تشتركان في استثناء الآباء والأبناء والأخوة وأبناء الأخوة وأبناء الأخوات والنساء المؤمنات وما ملكت الأيمان؛ وتزيد آية الخمار باستثناء البعولة وآباء البعولة وأبناء البعولة والتابعين أولي الأربة من الرجال والأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء, وهذا يشعر بأنّ التوسعة في المستثنيين في آية الخمار مقصود بها سائر النساء المؤمنات, وأن التقليل في عدد المستثنيين في آية الحجاب مقصود به نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم خاصّة, وهو أمر يتفق مع مقصد الشرع من تخصيص أمّهات المؤمنين بالحجاب. وعلى هذا كان الحسن والحسين عليهما السلام لا يدخلان على أمّهات المؤمنين, لأنّهما ابنا بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, وأبناء الأزواج مذكورين في آية الخمار في سورة النور, وليسوا مذكورين في آية الحجاب في سورة الأحزاب, فكانا عليهما السلام لا يريان أنّهما يجوز لهما الدخول على نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم .
    خاتمة
    من خلال ما تقدم من بيان وشرح هذه الآية نستنتج أنّ الحجاب غير الخمار, وأنّ مورد الآيتين مختلف, فآية الحجاب من سورة الأحزاب تتعلّق بأمّهات المؤمنين, وآية الخمار من سورة النور تتعلّق بنساء المؤمنين؛ فالخمار والحجاب أمران مختلفان.
    إلاّ أنّه من غير المفهوم كيف أمكن لبعض المفسرين أن يجمعوا بين هاتين الآيتين فاعتبروهما ممّا يشترك فيه نساء المؤمنين مع نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ ذلك أنّ المرأة إذا فرض عليها الاحتجاب عن أنظار الناس, عدا من استثنتهم آية الأحزاب, والقرار في البيوت, فما فائدة حكم الخمار لها إذا كان الشرع قد أباح لها إظهار زينتها الخفية أمام محارمها؛ وما فائدة منعها من إظهار زينتها الظاهرة أمام غير المحارم, إذ إنّ حكم الحجاب يمنع دخول غير المحارم المذكورين في آية الأحزاب على المرأة المحتجبة.
    والأكثر من هذا, كيف أمكن للبعض الآخر من المفسرين أن يفسّر آية الخمار في سورة النور بما يقتضي تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفين, ويستدلّ على ذلك, ثم لمّا يصل إلى سورة الأحزاب فيفسّر آية الحجاب بما يقتضي كون جميع بدن المرأة عورة .
    المصطلح الثـــالث
    الجلبـــاب
    ورد هذا اللفظ في قوله تعالى:( يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لاَِزْوَٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِين َ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً *)[الأحزاب59]
    وجّه الله تعالى في هذه الآية الخطاب لنبيّه صلّى الله عليه وسلم, ليأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ. فما الجلباب؟ وما صورة إدنائه؟ وما هي علّة هذا التشريع؟
    معنى الجلابيب
    الجلابيب جمع جلباب. وقد عرّف في كتب اللّغة بعدّة معان, فهو القميص والرداء. وهو ثوب أوسع من الخمار دون الرداء تغطّي به المرأة رأسها وصدرها. وقيل هو ثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة. وقيل هو الملحفة. وقيل هو ما تغطّي به المرأة الثياب كالملحفة. وقيل هو الخمار. وقيل هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة. وقال ابن الأعرابي: الجلباب الإزار, قال الأزهري: معنى قوله الجلباب الإزار, لم يرد به إزار الحقو, ولكنّه أراد إزارا يشتمل به, فيجلّل جميع الجسد, وكذلك إزار الليل, وهو الثوب السابغ الذي يشتمل به النّائم فيغطّي جسده كلّه. وقيل هو كالمقنعة, تغطّي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها .
    وقد تراوحت تفسيرات المفسرين للجلباب بين المعاني التي أوردها اللغويون, ما يعني أنّ التسمية عرفية يراد بها عموم ما يطلق عليه جلباب في عرف النساء. لكن المعنى الشرعي المقصود هو الثوب الزائد على الخمار في لباس المرأة, أمرت زوجات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبناته ونساء المؤمنين بإدنائه عند خروجهنّ من بيوتهنّ؛ ليكون شعارا لهنّ يتميّزن به عن الإماء.
    صورة إدناء الجلباب
    اختلفت النقول في صورة إدناء الجلباب, وقد ذكرها الإمام الطبري في تفسيره وقسّمها إلى قسمين, فقال بعضهم: هو أن يغطين وجوههنّ ورؤوسهنّ فلا يبدين إلاّ عينا واحدة, وهو مروي عن ابن عباس؛ وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهنّ على جباههنّ.
    ولم يلتزم جمهور المفسّرين ما أورده الطبري, وإنّما اقتصروا على ذكر الرأي الأوّل. والملاحظ ما يلي:
    أ ـ أنّ الإمام الطبري لم يرجّح أحد التأويلين على الآخر, كما فعل في آية الخمار من سورة النور.
    ب ـ أنّ غيره من المفسرين بسكوتهم عن وجهة النظر الثانية يكونون قد رجّحوا وجهة النظر الأولى عليها. لكنّهم توقّفوا عند ذلك الحدّ, ولم يبيّنوا كيف الخروج من التعارض الذي وقعوا فيه, بين ما ذهبوا إليه في هذه الآية من كون الوجه مطلوب ستره فلا تظهر منه إلاّ عين واحدة, وبين ما قرّروه في آية النور من كون الوجه ليس يطلب ستره شرعا, وأنّه من الزينة الظاهرة المستثناة.
    ولعلّ هذا التوقّف منهم راجع إلى أنّ مهمّة التنظير والمقارنة بين النصوص, ثمّ الجمع بينها من أنظار الفقهاء المجتهدين, فيكون مرجع ذلك كتب الفقه والاجتهاد, وإنّما دور المفسّر ومهمّته الأولى تتمثّل في بيان الظاهر من المعنى الأصلي للتركيب وإيضاحه, قال الشيخ ابن عاشور«وهو الأصل» . وقد التزم جمهور مفسّري القرآن هذه الطريقة, لأنّه ليس كلّ مفسّر فقيه, ولذلك لا تجد الكثير من التفاسير إلاّ عالة على كلام سابق لاحظّ لمؤلّفيها إلاّ الجمع, على تفاوت بين اختصار وتطويل, كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن عاشور .
    وقد قسّم الإمام ابن عرفة ـ في مقدّمة تفسيره ـ المفسّرين إلى أقسام ثلاثة, وذكر الفروق بينها, فقال:«لكنّ الناس على أقسام:
    ـ مجتهد مفسّر, كالشيخ عز الدين ابن عبد السلام.
    ـ وآخر مفسر غير مجتهد, كسيبويه والفارسي والزجّاج والزمخشري, فإنّهم لم يحصّلوا أدوات الاجتهاد وحصّلوا أدوات التفسير. وآخر مجتهد غير مفسّر حسبما ذكر الغزالي في شروط الاجتهاد: إنّه لا يلزم المجتهد حفظ القرآن كلّه, بل إن حفظ منه خمسمائة آية يستدلّ بها وهي آيات الأحكام.
    والمفسّر من شروطه حفظ القرآن كلّه, لأنّ المفسّر إذا استحضر آية لا يحلّ له أن يفسّرها لاحتمال أن يكون هنالك آية أخرى ناسخة لها أو مقيّدة أو مخصّصة أو مبيّنة, فلا بدّ للمفسّر من حفظ القرآن كلّه. هذا ولا حاجة له بطلبه, لأنّ التفسير من قام به موجود في الكتب.
    ـ والثالث: ناقل للتفسير, يحتاج فيه إلى المشاركة في العلوم المشترطة في المفسّر ليفهم ما ينقل. ونحن الآن ناقلون لا يلزمنا حفظ القرآن كلّه» . والتفاسير المتداولة بين أيدي المسلمين قديما وحديثا ـ في غالبهاـ ناقلة لأقوال من سبقها.
    إلاّ أنه وجد في هذا الموضوع من المفسرين الفقهاء من تفطّن للإشكال الوارد بين آية الخمار من سورة النور وآية الجلباب من سورة الأحزاب, فلم يرتض المرور بهما إلاّ بعد التنبيه على المخرج من ذلك بقدر ما أسعفه قلمه, كالآلوسي وابن عاشور.
    ونعود الآن لما ذكره الطبري؛ فالتفسير الأوّل أصله الرواية عن ابن عباس, وهي رواية ضعيفة لا تثبت أمام النقد, بسبب أبي صالح وعلي. فأمّا أبو صالح ـ واسمه عبد الله بن صالح بن محمّد بن مسلم الجهني ـ فقد ضعّفه كثير من العلماء, قال فيه الإمام أحمد: كان أوّل أمره متماسكا ثمّ فسد بآخره وليس هو بشيء, وقال ابن المديني: ضربت على حديثه وما أروي عنه شيئا, وقال النسائي: ليس بثقة, وقال ابن حبّان: منكر الحديث جدّا . وأمّا "علي" الذي قال إنّه روى الخبر عن ابن عباس, هو علي بن طلحة, قال فيه الإمام أحمد: له أشياء منكرات, وقال يعقوب بن سفيان: ضعيف الحديث منكر ليس محمود المذهب .
    على أنّه لا يوجد ما يرجّح الأخذ بهذا التفسير ـ على فرض صحته ـ بل إنّ المرجحات توجد في جانب التفسير الثاني الذي أورده الطبري. فهو يتفق مع آية الخمار التي اتفق جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والمفسرين على أنّ المراد بالزينة الظاهرة المستثناة فيها الوجه والكفّان. وحمل آيات القرآن على التوافق أولى من حملها على معنى يجعلها متعارضة. كما يتفق مع حديثي المرأة سفعاء الخدين والمرأة الخثعمية.
    وعلى ضعف هذا التفسير, فإنّه يمكن حمله على الوجه الذي يتفق مع مقاصد الآيات المتعلقة بلباس المرأة, وهو أن نعتبره خاصا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاّتي نهين عن إظهار شخوصهنّ إلاّ لضرورة, فيكون لازم عليهنّ تغطية وجوههنّ ووضع الجلباب بهذه الطريقة إذا خرجن لضرورة من الضرورات. وإنّما حين نقل الناقلون والمفسرون هذه الطريقة عمّموها على جميع النساء دون تحقيق, كما عمّموا حكم الحجاب. وعليه فتكون الآية مفسّرة بوجهين: وجه يخصّ نساء النبي صلى الله عليه وسلم, ووجه يخصّ جميع المؤمنات سواهنّ. أو نعتبره ممّا جرى به العرف في عهد التابعين من بعض النساء اللاّتي ورثن عادة الإقتداء بأمّهات المؤمنين في تغطيتهنّ وجوههنّ عند خروجهنّ إلى الخلاء, بعد أمر الله تعالى لهنّ بالاحتجاب عن الأنظار.
    وقد ردّ الإمام الألوسي هذا التفسير فقال:«وظاهر الآية لا يساعد على ما ذكر في الحرائر ـ أي تغطية الوجه بالجلباب ـ فلعلّها محمولة على طلب تستّر تمتاز به الحرائر عن الإماء أو العفائف مطلقا عن غيرهنّ, فتأمّل» . فالألوسي يقرّ بوجوب التزام الجلباب, لكنّه يرى أنّ طريقة وضعه يجب أن تقتصر فقط على ما يتحقّق معها علّة تشريعه, لا أكثر, وهي تمييز الحرائر عن الإماء, كما ذكر في الآية, دون أن يطالب المرأة بتغطية وجهها, لما تقرّر عنده في سورة النور أنّ وجه المرأة ليس بعورة.
    وكذلك فعل الإمام ابن عاشور, حين اعتبر هيئة لبس الجلباب متروك إلى ما يعتاده الناس في أقوامهم, وليس في الآية ما يشير إلى شكل معيّن في وضعه, قال:« وهيئات لبس الجلابيب مختلفة باختلاف أحوال النساء, تبيّنها العادات. والمقصود هو ما دلّ عليه قوله تعالى"ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" . والإدناء التقريب وهو كناية عن اللبس والوضع, أي يضعن عليهنّ جلابيبهنّ» .
    وهذا الكلام الصادر عن هذين الفقيهين يدلّ على أنّهما كانا يكتبان بفهم دقيق, ماسكين بأطراف الآيات المتعلّقة بالموضوع الذي يتحدّثان فيه, وهما بذلك يربآن بكلام الله تعالى أن يتحوّل بتفسيريهما يضرب بعضه بعضا, ويتناقض ولا يتوافق.
    أمّا باقي التفاسير التي تقف عند الآية تفسّرها دون أن تعود بها إلى نظيراتها في الموضوع لتقارنها بها, فلا حجّة فيها طالما لا توقفنا على وجه الاختلاف بينها ووجه العمل بها. ونحن إذ ذكرنا آراء المفسرين عند شرح آية الخمار في سورة النور, فلأنّ هذه السورة نزلت بعد سورة الأحزاب, كما سيأتي تحقيق ذلك. على أنّنا ذكرنا آراءهم للاستئناس وتبيين وجهات النظر في الآية, لا لنؤسّس عليها ما توصّلنا إليه من النتيجة.
    السياق التشريعي لنزول حكم الجلباب وبيان علّة تشريعه
    إذا أمعنّا النظر في آية الجلباب وفي التعليل الذي صرّحت به (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) يتبيّن لنا أنّها نزلت لتعالج ظرفا استثنائيا, في إطار التدريج التشريعي لاستكمال الوسائل المراد منها تحقيق أحد المقاصد الشرعية.
    لقد حرّم الإسلام الزنا بكلّ صوره الآتي بيانها, وشرع أحكام اللباس ـ للرجل والمرأة على السواء ـ وسيلة من جملة وسائل عديدة ليحمي مجتمع المسلمين من تسرّب فاحشة الزنا إليه ومن تلويث أعراض أفراده بها. فهذا هو المقصد الرئيس من تشريع أحكام اللباس؛ لأنّ اللباس إمّا منفذ من منافذ الشرّ والرذيلة, وإمّا علامة على الطهر والعفّة ونظافة العرض.
    ولقد كان تحريم الزنا من بين ما سارع إليه الإسلام في بداية الدعوة في الفترة المكّية, إلاّ أنّه سكت عن أمرين لم يشرع لهما, فيما يتعلّق بهذا الموضوع, إلاّ بعد الهجرة وفي أزمان مختلفة.
    الأمر الأول:أنه سكت عن تشريع عقوبة الزّنا فلم ينصّ عليها إلاّ حين نزول بداية سورة النّور, أي في حدود السّنة الثّانية, ثمّ نزل بقيّتها بعد غزوة المريسيع. فقد سلك الشّرع لتقرير عقوبة الزّنا مسلك التّدرّج إذ كانت أوّل آية نزلت بمسّ الزّاني والزّانية بعقوبة هي قوله تعالى:( وَٱللَـٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَـٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنّ َ فِى ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ فَـئَاذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً*)[النساء 16-15].
    والعقوبة هنا ـ حسب اختلاف المفسّرين في تأويل الآيتين ـ إمّا حبس المرأة الزّانية في البيت حتّى الموت, كما هو نصّ الآية الأولى منهما؛ وتسليط أذى عليها وعلى الرّجل الزّاني معا, كما ذهب السذي وقتادة في تأويل قوله تعالى:(واللذان يأتيانها) من الآية الثانية, بحمل ضمير التثنية في اسم الموصول على صنفي الرجال والنساء على طريقة التغليب الذي يكثر في مثله؛ وإمّا بجعل كلّ آية مستقلّة في صنف, فتكون الآية الأولى قد تضمّنت عقوبة المرأة الزانية بالحبس في البيت حتى الموت, وتكون الثانية خاصّة بالرجل الزاني, بحمل ضمير التثنية في قوله:(واللذان يأتيانها) على نوعين من الرجال, نوع المحصن ونوع البكر, وهو تفسير ابن عباس ومجاهد؛ فيقتضي أنّ حكم الحبس في البيوت يختصّ بالزواني الإناث كلّهنّ, وحكم الأذى يختصّ بالزناة الذكور كلّهم. والأذى المراد به هنا غير الحبس لأنّه سبق تخصيصه بالنّساء, وليس هو الجلد لأنّه لم يشرع بعد، فقيل هو الكلام الغليظ والشّتم والتّعيير أو الضّرب باليد والنّعال. فكان هذا الحكم عامّا للجميع وذلك إلى غاية أن يجعل الله لهم سبيلا, أي حكما آخر .
    ثمّ نسخ هذا الحكم بحكم الجلد في قوله تعالى في سورة النور:( ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاَْخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِين َ)[النور2]. فكانت هذه الآية هي السبيل الذي جعله الله ووعد به, ثمّ شرع الرجم بالسنّة.
    فآية النور هذه تكون بالتأكيد قد نزلت بعد آية سورة النساء؛ لأنّ العقوبة في سورة النور أشدّ من العقوبة المذكورة في سورة النساء, ولا يمكن أن يكون الحدّ الذي في سورة النور قد نسخ بما في سورة النساء, ولا قائل بذلك أحد من العلماء, بل اتفقوا على أنّ هذا الحكم منسوخ بالجلد المذكور في سورة النور, وبما ثبت في السنّة من رجم المحصنين, ولأنّ شأن النسخ في العقوبات على الجرائم أن تنسخ بأثقل منها .
    ثمّ نزل حدّ الأمة المتزوّجة في قوله تعالى:( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰ ِ ٱلْمُؤْمِنَـٰ ِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰ ِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَـٰت غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰ ِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[النساء25] فالكلام في الآية عن ملك اليمين أي الإماء, وقوله(فإذا أحصنّ) أي تزوّجن وأحصنهنّ أزواجهنّ؛ فالآية تقتضي أنّ التزوّج شرط في إقامة حدّ الزنا على الإماء, وأنّ الأمة غير المتزوّجة لا عقاب عليها, كما هو قول ابن عباس وأبي الدرداء رضي الله عنهما, وإليه ذهب طاوس وسعيد ابن جبير وأبو عبيد القاسم ابن سلام وداود الظاهري وأبو عمر بن عبد البرّ , وسنأتي لبيان السبب. وبه يرتفع الإشكال الذي أورده ابن كثير والشوكاني على الجمهور.
    والحدّ المقرّر للأمة المتزوّجة هو الجلد المعيّن في سورة النور؛ لأنّه هو الذي يقبل التنصيف, فيتعيّن أن تكون هذه الآية نزلت بعد شرع حدّ الجلد للزاني والزانية بآية سورة النور ؛ فتكون مخصّصة لعموم قوله تعالى(الزانية) بغير الأمة, ويكون وضع آية النساء 25 في هذا الموضع ممّا ألحق بسورة النساء إكمالا للأحكام المتعلّقة بالإماء, كما هو واقع في نظائر عديدة . والملاحظ أنّ سورة النساء امتدّ نزولها زمنا طويلا, لذلك كان بعضها نزل قبل سورة النور وبعضها نزل بعدها. وبداية سورة النور التي بها حكم الجلد إلى قوله تعالى:(ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأنّ الله توّاب رحيم)[النور10] كان نزوله في أواخر السنة الأولى أو أوائل السنة الثانية للهجرة, وقصة الإفك إلى آخر السورة كان نزوله بع غزوة المريسيع, في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة, كما سيأتي تحقيقه.
    الأمر الثاني: سكوت الشرع في الفترة المكّية عن البغاء, فلم يحرّمه. فقد كان معدودا في الجاهلية من أصناف النكاح. والبغاء غير الزنا, فهو تعاطي المرأة الزنا علنا بالأجر, حرفة لها؛ فالبغاء هو الزنا بأجر. والزنا يقع سرّا لا يطلع عليه أحد. فلا شكّ أنّ البغاء يمتّ إلى الزنا بشبهة لما فيه من تعريض الأنساب للاختلاط, وإن كان لا يبلغ مبلغ الزنا في خرم كلية حفظ النسب من حيث كان الزنا سرّا لا يطّلع عليه إلاّ من اقترفه, وكان البغاء علنا, وكانوا في الجاهلية يرجعون في إلحاق الأبناء الذين تلدهم البغايا بآبائهم إلى إقرار المرأة البغيّ بأنّ الحمل ممّن تعيّنه, واصطلحوا على الأخذ بذلك في النسب, فكان شبيها بالاستلحاق, على أنّه قد يكون من البغايا من لا ضبط لها في هذا الشأن فيفضي الأمـر إلى عـدم التحاق الولد بأحد .
    فعن عائشة رضي الله عنها قالت:«إنّ النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء:
    ـ فنكاح منها نكاح الناس اليوم, يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته, فيصدقها ثمّ ينكحها.
    ـ ونكاح آخر, كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه, ويعتزلها زوجها إذا أحب. وإنّما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. فكان هذا النكاح يسمّى نكاح الاستبعاض.
    ـ ونكاح آخر, يجتمع الرهط ما دون العشرة, فيدخلون على المرأة, كلّهم يصيبها, فإذا حملت ووضعت, ومرّ عليها الليالي بعد أن تضع حملها, أرسلت إليهم, فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع, حتى يجتمعوا عندها, تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم, وقد ولدت, فهو ابنك يا فلان, تسمّي من أحبّت باسمه, فيلحق به ولدها.
    ـ ونكاح رابع, يجتمع الناس فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممّن جاءها, وهنّ البغايا, كنّ ينصبن على أبوابهنّ الرايات, تكون علما, فمن أرادهنّ دخل عليهنّ, فإذا حملت إحداهنّ ووضعت جمعوا لها, ودعوا لهم القافة, ثمّ ألحقوا ولدها بالذي يرون, فالتاط به ودعي ابنه.
    فلمّا بعث محمّد بالحقّ هدم نكاح الجاهلية كلّه, إلاّ نكاح النّاس اليوم» .
    فقد أثبتت عائشة رضي الله عنها أنّ الإسلام هدم أنكحة الجاهلية الثلاثة, وأبقى النكاح المعروف, ولكنّها لم تعيّن زمان ذلك الهدم.
    وسياق الآيات التاريخي يقتضي أنّ البغاء ظلّ غير محرّم حتى حرّم بنزول قوله تعالى من سورة النور:( وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[النور33]. وسبب نزول هذه الآية ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان لعبد الله بن أبي سلول جارية يقال لها "مسيكة", وأخرى يقال لها "أميمة"؛ فكان يكرههما على الزنا, فشكت ذلك إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم, فأنزل الله تعالى: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء .
    فكان البغاء في الحرائر باختيارهنّ إيّاه للارتزاق. وكان إكراه الفتيات ـ أي الإماء ـ على البغاء من طرف أسيادهنّ أمر مستقرّ من عهد الجاهلية؛ وكان الأسياد يفعلون ذلك ليأخذوا الأجور التي تتقاضاها الإماء من ذلك, أو رغبة في أن يحملن من البغاء فيكثر عبيدهم, وقد يسعى من كان الحمل منه في فدائه بعد أن يولد؛ فعن الزهري أنّ رجلا أسر يوم بدر, وكان قد جعل عند عبد الله بن أبي سلول, وكان لعبد الله جارية يقال لها معاذة, فكان الأسير يريدها على نفسها, وكانت مسلمة فكانت تمتنع لأنها أسلمت, وكان ابن أبي سلول يكرهها على ذلك ويضربها, رجاء أن تحمل للقرشي فيطلب فداء ولده, فنزلت الآية .
    ولا ريب أنّ الخطاب بقوله تعالى:(ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) موجّه إلى المسلمين, على أنّ قصّة أمة ابن أبي سلول إذا كانت حدثت بعد أن أظهر سيدها إسلامه وستر كفره بالنفاق كان هو سبب نزول التحريم فشمله العموم لا محالة, وإن كانت حدثت قبل أن يظهر إسلامه, فهو سبب أيضا ولا يشمله الحكم لأنّه لم يكن من المسلمين يومئذ, وإنّما كان تذمّر أمته منه داعيا لنهي المسلمين عن إكراه فتياتهم على البغاء.
    فالحديث الصحيح الذي رواه جابر, مدعوما برواية الزهري وغيرها من الروايات, يدلّ على أنّ هذه الآية كان بها تحريم البغاء على المسلمين جميعا من الإماء والعبيد, ومن الرجال والنساء الأحرار المالكين أمر أنفسهم.
    ولا يعقل أن يكون البغاء محرّما قبل نزول هذه الآية, إذ لم يعرف قبلها شيء في الكتاب والسنّة يدلّ على تحريم البغاء, ولأنّه لو كان كذلك لم يتصوّر حدوث تلك الحوادث التي كانت سبب نزول الآية, إذ لا سبيل للإقدام على محرّم بين المسلمين.
    وقد اختلف المفسرون في الشرط الوارد في الآية أي قوله تعالى:(إن أردن تحصّنا) هل له مفهوم أم لا؛ والذي جرى عليه المفسرون مثل الزمخشري والفخر الرازي بظاهر عباراتهم دون صراحة, بل بما تأوّلوا به معاني الآية, إذ تأوّلوا قوله تعالى:(إن أردن تحصّنا) بأنّ الشرط لا يراد به عدم النهي عن الإكراه على البغاء إذا انتفت إرادتهنّ التحصّن, بل كان الشرط خرج مخرج الغالب, لأنّ إرادة التحصّن هي غالب أحوال الإماء البغايا المؤمنات إذ كنّ يحببن التعفّف, أو لأنّ القصّة التي كانت سبب نزول الآية كانت معها إرادة التحصّن. والداعي إلى ذكر القيد تشنيع حالة البغاء في الإسلام, بأنّه عن إكراه وعن منع من التحصّن؛ ففي ذكر القيدين إيماء إلى حكمة تحريمه وفساده وخباثة الاكتساب به.
    والذي يظهر من كلام ابن العربي أنّه قد نحا بعض العلماء إلى اعتبار الشرط في الآية دليلا على تحريم الإكراه على البغاء بقيد إرادة الإماء التحصّن؛ فتكون الآية توطئة لتحريم البغاء تحريما باتا فحرم على المسلمين أن يكرهوا إماءهم على البغاء لأنّ الإماء المسلمات يكرهن ذلك, ولا فائدة لهنّ فيه؛ ثمّ لم يلبث أن حرّم تحريما مطلقا كما دلّ عليه حديث أبي مسعود الأنصاري أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن مهر البغي , فإنّ النهي عن أكله يقتضي إبطال البغاء.
    قال الشيخ ابن عاشور في هذه الآية:«واعلم أنّ تفسير هذه الآية معضل, وأنّ المفسّرين ما وفّوها حقّ البيان, وما أتوا إلاّ إطنابا في تكرير الروايات في سبب نزولها وأسماء من وردت أسماؤهم في قضيتها, دون إفصاح عمّا يستخلصه الناظر من معانيها وأحكامها» .
    وما تقدّم من ذكر معاني هذه الآية هو تلخيص لما ذكره رحمه الله تعالى في تفسيره لها.
    ومهما كان تفسير الشرط في الآية, فإنّ تحريم البغاء كان في حدود السنة الخامسة للهجرة بعد غزوة المريسيع, أي بعد نزول سورة الأحزاب بآية الجلباب. فآية تحريم البغاء موقعها في سورة النور بعد قصّة الإفك بثلاثة عشر آية. والأصل في السورة أن تنزل آياتها متتابعة زمنيا, وترتّب في المصحف على ذلك التتابع دون تقديم أو تأخير. وعلى هذا تكون مدّة السنوات ما قبل تحريم البغاء تحريما قاطعا مسكوتا فيها عن تعاطي الإماء غير المتزوجات للبغاء. ثمّ لمّا حرّم تحريما تامّا فرض على الإماء غير المتزوّجات نصف الحدّ مثل الإماء المتزوّجات, وذلك بالنصّ النبوي, فعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن, فأوجب عليها الحدّ . قال ابن شهاب: فالأمة المتزوّجة محدودة بالقرآن, والأمة غير المتزوّجة محدودة بالسنّة .
    وفي هذا الظرف ـ أي ما قبل تحريم البغاء ـ نزلت آية الجلباب, لتعالج مشكلة ذكرها الرواة في أسباب نزول آية الجلباب. فقد رووا أنّ الأمة والحرّة كانتا تخرجان ليلا لقضاء الحاجة في الغيطان وبين النخيل, من غير امتياز بين الحرائر والإماء. وكان في المدينة فسّاق من المنافقين ويتعرّضون للإماء, وربّما تعرّضوا للحرائر, فإذا قيل لهم في ذلك قالوا: حسبناهنّ إماء؛ فنزلت الآية تأمر الحرائر بمخالفة الإماء بلبس الجلابيب حتّى يعرفن أنّهنّ حرائر فلا يطمع فيهنّ أحد. وقد ذكر هذا السبب كبار التابعين كالحسن البصري وقتادة والسدي ومجاهد .
    إلاّ أنّ ابن حزم الظاهري اعترض على هذا التفسير فقال:«ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد الذي هو إمّا زلّة عالم ووهلة فاضل عاقل, أو افتراء كاذب فاسق؛ لأنّ فيه أنّ الله تعالى أطلق الفساد على أعراض إماء المسلمين, وهذه هي مصيبة الأبد, وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أنّ تحريم الزنا بالحرّة كتحريمه بالأمة» . وهو كلام متسرّع غير قائم على التأنّي والبحث في علل الأحكام, وهو دأب أصحاب الاتجاه الظاهري. فكيف فهم من هذا التفسير أنّ فيه إطلاق الفساد على أعراض إماء المسلمين, فهل كلّ ما سكت الشرع عنه, وكان من أعمال الجاهلية, يعدّ ممّا حثّ الله تعالى عليه؟. وسنذكر أمثلة على ذلك فيما يأتي. لكن الذي يقال هنا أنّ اعتراض ابن حزم لا سند له, بل حتّى إنّه لم يقدّم تفسيرا آخر للأذى الذي كان يتعرّض له النساء, حرائر وإماء؛ ولا المراد بقوله تعالى(ذلك أدنى أن يعرفن) فلم يبيّن لم يعرفن ولماذا يتميّزن. لقد غاب عن ابن حزم الفرق بين الزنا والبغاء, وأنّ تحريم البغاء نزل متأخّرا عن تحريم الزنا, ممّا يفرض وجود بغايا من الحرائر والإماء وطالبي البغاء من الأحرار والعبيد, وقد يكون تعاطي الإماء للبغاء أكثر من الحرائر بسبب حمل أسيادهنّ لهنّ عليه أو لرغبتهنّ فيه إذا انقطعت رغبة أسيادهنّ في مجامعتهنّ وانصرافهم عنهنّ, وذلك قبل نزول التشريع بحرمة البغاء كما تقدم. فابن حزم محجوج بأمرين:
    أ ـ بحديث جابر المتقدّم في سبب نزول آية تحريم البغاء, وهو أكبر حجّة على أنّ البغاء كان معروفا في الإماء المسلمات, حتى حرم بتلك الآية. وكذلك بالأخبار المنقولة عن كبار التابعين بأنّ الإماء كنّ يتعرّضن في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم لمضايقة فساق المنافقين قصد تعاطي البغاء معهنّ, وأنّ الجلباب شرع لتعرف به الحرّة أنّها حرّة فلا تتعرّض لأذاهم أيضا. ولا يعقل أن يرمى التابعون أمثال من ذكرنا بالاختلاق. على أن لروايتهم أصلا وهو ما روي عن عمر رضي الله عنه أنّه كان لا يدع في خلافته أمة تتقنّع, ويقول: القناع للحرائر لئلاّ يؤذين . ولا معنى لقول ابن حزم إنّه لا حجّة في أحد دون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فهو قول من لا حجّة له يروم به إسقاط ما لا يرتضيه من الأدلّة؛ وهو أيضا سبيل من يقصد هدم الشريعة من حيث يعرف أو لا يعرف, وهل الصحابة وعلماء التابعين إلاّ واسطة بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبين أجيال الأمّة اللاّحقة, ولذلك مدحهم الله تعالى.
    ب ـ بما جاء في القرآن الكريم ما يؤيد هذا المعنى؛ فالآية السابقة لآية الجلباب والآية اللاحقة لها تتحدّثان عن المنافقين وتتوعّدانهم على ما يقومون به من إلحاق الأذى بالمؤمنات الحرائر. وقد نقل المفسرون أنّ الأذى المذكور هو الفاحشة وأنّ المنافقين المتحدّث عنهم هم أصحاب الفواحش. وإليك الآيتان:
    * الآية الواردة قبل آية الجلباب, قال تعالى:( وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِين َ وَٱلْمُؤْمِنَـٰت ِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً)[الأحزاب58] فعن الضحاك والسدي والكلبي أنّها نزلت في زناة كانوا يتبعون النساء إذا برزن باليل لقضاء حوائجهنّ, وكانوا لا يتعرّضون إلاّ للإماء, وربّما يقع منهم التعرّض للحرائر جهلا أو تجاهلا, لاتحاد الكلّ في اللباس .
    * الآية الواردة إثر آية الجلباب, قال تعالى:( لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَـٰفِقُ نَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُون فِى ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً * مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً)[الأحزاب60-61]. قال الإمام الطبري: أي لئن لم ينته أهل النفاق الذين يستسرّون الكفر ويظهرون الإيمان, والذين في قلوبهم مرض, يعني ريبة من شهوة الزنا وحبّ الفجور. وعن عكرمة وقتادة وعطاء قالوا في قوله تعالى:(والذين في قلوبهم مرض) أي المنافقون أصحاب الفواحش, والذين يبحثون عن النساء ويطلبونهنّ من أجل الزنا .
    فالآيتان دالّتان بوضوح على وجود فئة من المنافقين في المدينة في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, كانوا يتعرّضون لصنف من النساء قصد ممارسة البغاء معهنّ, وأنّ الله تعالى توعّدهم إن هم تعرّضوا للمؤمنات الحرائر بالأذى؛ وأقحم آية الجلباب بين هاتين الآيتين إشارة إلى أنّ الوعيد لهؤلاء المنافقين جاء ليحمي صنفا من نساء مجتمع المدينة في تلك الفترة, هنّ المأمورات بلبس الجلابيب, أي الحرائر. حتى قضى الله أمره في البغاء فحرّمه وأنقذ الإماء ممّا كنّ فيه من البغاء, كما أنقذهنّ من قبل من لوثة الزنا.
    وأمّا لماذا سكت الشرع عن البغاء فترة من الزمان, فلا شكّ أنه توجد أسباب لذلك, بعضها اجتماعي وبعضها اقتصادي. والذي يجب اعتقاده أن ذلك كان مصلحة للمسلمين اقتضت تأجيل تحريمه إلى حين.
    وإذ قد تحصّل لنا أنّ الفترة التي لم يكن البغاء فيها محرّما على الإماء غير المتزوّجات, فإنّ بعض الذين في قلوبهم مرض كانوا قد وجدوا لتلبية شهواتهم بمراودة الإماء, وتسلّلوا من وراء ذلك إلى مراودة الحرائر, وهم مع ذلك في منعة من أن تنزل بهم عقوبة, لأنّهم يفعلون ذلك تحت عنوان البغاء العلني المسكوت عنه في الشرع في ذلك الوقت. فليس مقصد تشريع الجلباب دفع الأذى عن كلّ من تلبسه, حرّة كانت أو أمة؛ لأنّه لا يقف شيء دون وصول المنافقين إلى الإماء طالما كان البغاء مسكوتا عنه وعن العقوبة عليه, ولو كانت البغايا متجلبات.
    وبهذا يتبيّن أنّ علّة تشريع الجلباب هي تمييز الحرائر عن الإماء. وإنّ سكوت الشرع عن ما يفعله الفساق والمنافقون من مراودة الإماء ليس فيه مذمّة له بأنّه أطلق الفساد على أعراض إماء المسلمين, كما ادعى ذلك ابن حزم, وإنّما هو تمشّيا مع حكمة الله تعالى في التدرّج بالتشريع نحو الكمال والتمام. وفي الشريعة الإسلامية نظائر عديدة لهذه المسألة, مثال ذلك شرب الخمر, فليس لأحد أن يقول إنّ قوله تعالى:(ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)[النساء43] تشجيع من الشرع على شرب الخمر خارج الصلاة, لأنّها لم تحرّمه إلاّ في أوقات معيّنة وسكتت عنه في بقية الأوقات, فلا يمكن قول ذلك, لأنّ الله تعالى تدرّج بالناس إلى أن وصل بهم إلى ما يريده لهم من التشريع التام في الخمر, وذلك بتحريمه في كلّ الأوقات.
    وممّا يحسن الإشارة إليه أنّ تشريع الجلباب ليس المراد منه التستّر, حتى يعدّ منع الأمة منه دعوة لها بكشف عورتها, وهو ما لا يتماشى مع الشريعة؛ لأنّ التستّر في أدنى صوره كان حاصلا بالخمار الذي كانت تلبسه الحرّة والأمة على السواء. وإنّما كان الجلباب زيّا إضافيا للحرّة. وإن كان تشريع الجلباب وقع قبل تشريع الخمار, إلاّ أنّ المرأة حرّة كانت أو أمة, كانت على طريقة الجاهلية في وضعه, فجاء حكم الجلباب أوّلا ليميّز الحرائر عن الإماء للعلّة المذكورة, والخمار على طريقة الجاهلية في لبسه, ثمّ جاء حكم الخمار عند نهاية علّة تشريع الجلباب ليؤكّد على لبسه وعلى وضعه بطريقة جديدة تخالف ما كان عليه الأمر في الجاهلية. وبذلك يكون الخمار هو اللباس النهائي للمسلمة, حرّة كانت أو أمة, مع ما أضاف إليه الشرع من ضوابط وشروط سيأتي ذكرها لاحقا.
    وبما تقدّم يتقرّر أنّ سبب طلب تمييز الحرّة عن الأمة أمر ظرفي انتهى بنزول حكم تحريم البغاء وإلحاقه بالزنا, وإنزال الحدّ بكلّ من يأتيه من النساء البغايا والرجال الطالبين له منهنّ, أحرارا وعبيدا, متزوّجين وغير متزوّجين. لذلك لم يعد الصحابة رضي الله عنهم ينهون الإماء عن لبس الجلابيب بعد أن كان عمر رضي الله عنه مدّة خلافته يضرب الإماء على لبسهنّ الجلابيب , لعلمهم أنّ علّة تشريع الجلباب قد زالت, ولم يعد هناك ما يدعو الحرّة إلى لباس يميّزها عن الأمة.
    وفي هذا العصر, فإنّ علّة تشريع الجلباب قد زالت تماما بزوال نظام الرق, فلم يعد يوجد إماء. ومعلوم من قواعد الشرع أنّ الحكم الشرعي المعلّل يدور مع علّته وجودا وعدما. فإذا وجدت العلّة وجد الحكم, وإذا انعدمت انعدم الحكم. ولا يمكن الادعاء بأنّ ذلك يؤدّي إلى تعطيل حكم قرآني؛ لأنّ النصّ على علّة هذا الحكم في القرآن وروايات أسباب النزول المتعاضدة والمقوّية لبعضها, لا تجعل مجالا للتردّد في أنّ حكم الجلباب كان بسبب ظرفي. كما لا يمكن لأحد أن يقول فيما فعله عمر رضي الله عنه ـ مثلا ـ حين منع إعطاء المؤلّفة قلوبهم نصيبهم من الزكاة, إنّه عطّل حكما قرآنيا. بل إنّه رضي الله عنه فعل ذلك بناء على غياب علّة تشريع هذا الحكم في عهده.
    وبهذا تكون المسلمات غير مطالبات شرعا بالجلباب, وإن تحوّل بعد زوال حكمه إلى عادة؛ لأنّ اللباس الذي قرّرته سورة النور والأوصاف التي شرعها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للباس المرأة, والتي سنذكرها في خاتمة البحث, نهاية لكلّ راغبة في طاعة الله تعالى, ومحقّقة للمقصد الشرعي من أحكام اللباس, والله أعلم.
    وقد أرجع الإمام ابن عاشور هذه الآية إلى أصل في الشريعة روعي فيه عوائد الأمم والشعوب, وهو بذلك يأخذ وصف المرونة والتغيير؛ وهو على خلاف أصل التشريع الإلزامي العام, ولذلك اعتبر الجلباب خاصا بما كان عليه العرب من عادة لبسه, فقال:«فهذا شرع روعيت فيه عادة العرب, فالأقوام الذين لا يتخذون الجلابيب لا ينالهم من هذا التشريع نصيب» , وهذا يضاف إلى ما ذكرناه من قاعدة دوران الحكم مع علّته وجودا وعدما.
    خاتمة
    وخاتمة هذا, فإنّ ما نستنتجه من هذه الجولة عبر آيات اللباس, أنّ حقائق مصطلحات "الخمار" و"الحجاب" و"الجلباب" مختلفة, وأنّ متعلّقاتها كذلك مختلفة, وأنّ لكلّ منها موردها الخاص.
    لقد خلط كثير من الباحثين الذين تحدّثوا في موضوع لباس المرأة المسلمة بين هذه التسميات, كما أخطأ كثير من عامّة الناس في فهم حقائق هذه المصطلحات القرآنية, حتى ظهر لدى بعض المسلمات استعمال غريب عن مقاصد هذه الكلمات القرآنية, يتمثّل في تغطية الوجه بنقاب التماسا منهنّ تطبيق حكم الحجاب أو الجلباب, وما هو بحجاب ولا جلباب؛ لأنّ المراد بالحجاب في الآية ـ كما بيّنّا سابقا ـ احتجاب عن الأنظار, وهو خاص بأمّهات المؤمنين؛ وأنّ الجلباب في حقيقته ثوب واسع أكبر من الخمار, يقرب من الرداء, تضعه المرأة على نفسها عند الخروج.

  15. #15

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    التسلسل الزمني
    لنزول آيات الخمار والحجاب والجلباب
    إنّ حمل آية الجلباب ـ على فرض استمرار حكمه ـ على المعنى الثاني الذي ذكره الإمام الطبري, بعد استبعاد المعنى الأول لضعفه, هو الذي يتفق مع ما توصّلنا إليه في آية النور, من أنّ المراد بالزينة الظاهرة الوجه والكفان. وخاصّة مع حديثي المرأة سفعاء الخدّين والمرأة الخثعمية, اللذين يدلاّن على أنّ العمل كان جاريا في أواخر عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم بكشف النساء وجوههنّ.
    ولا يمكن الاعتراض على الحديثين بأنّهما وقعا قبل نزول الأمر بتغطية الوجوه, كما يزعم من يدعي ذلك, ويحمل معنى الاستثناء في (إلاّ ما ظهر منها) من آية الخمار على الثياب, ومعنى الإدناء من آية الجلباب على تغطية الوجه؛ لأنّ التحقيق التاريخي يكذّب هذه الدعوى. وسنحقّق أوّلا في زمن نزول سورتي النور والأحزاب, ثم نذكر تاريخ ورود الحديثين المذكورين.
    فأمّا نزول سورتي النور والأحزاب, وأيّتهما نزلت قبل الأخرى, فذلك متوقف على معرفة زمن وقوع غزوة الأحزاب ـ المسماة أيضا بالخندق ـ, وهي مذكورة في سورة الأحزاب؛ وعلى معرفة زمن وقوع غزوة المريسيع ـ المساة أيضا بغزوة بني المصطلق ـ, والتي وقع على إثرها حديث الإفك المذكور في سورة النور. وقد اختلف في ذلك أصحاب السير.
    فالذين قالوا إنّ سورة النور نزلت بعد سورة الأحزاب, اختلفوا في تاريخ الغزوتين, فبعضهم قال: إنّ غزوة الخندق وقعت في شوال من سنة خمس للهجرة, وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بزينب رضي الله عنها في ذي القعدة من هذه السنة, وفي هذه الفترة نزلت سورة الأحزاب وفي صدرها الحديث عن غزوة الخندق, كما نزل فيها حكم حجاب أمّهات المؤمنين ليلة بنائه صلّى الله عليه وسلّم بزينب رضي الله عنها, ونزل فيها أيضا حكم الجلباب لسائر النساء بما فيهنّ نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم وبناته. وأمّا غزوة بني المصطلق فوقعت في شهر شعبان من سنة ستّ للهجرة. وهذا القول لابن إسحاق وقتادة والطبري والبيهقي وابن كثير.
    وبعض آخر قال: إنّ غزوة الخندق وقعت في شوال سنة أربع للهجرة, وغزوة بني المصطلق وقعت في شعبان سنة خمس للهجرة. وهو قول ابن شهاب الزهري وموسى بن عقبة ومالك بن أنس والبخاري في كتاب المغازي من صحيحه .
    وعلى كلا التاريخين فإنّ نزول سورة الأحزاب المتضمّنة لحكمي الحجاب والجلباب نزلت قبل سورة النور المتضمّنة لحكم الخمار. والدليل على ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك, قالت في زينب التي نزل حكم الحجاب ليلة بنائه صلّى الله عليه وسلم بها:«وكان رسول الله صل الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش عن أمري. فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري, والله ما علمت عليها إلاّ خيرا. قالت: وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع» , وقالت أيضا في حديث الإفك:«فأقرع بيننا في غزوة غزاها, فخرج سهمي, فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ما نزل الحجاب, فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه» فهذا يثبت أنّ حكم الحجاب قد نزل قبل سورة النور المتضمّنة لخبر الإفك وحكم الخمار. وكذلك الشأن لحكم الجلباب نزل قبل سورة النور, لأنّه شرع في زمن تشريع الحجاب, وقد نزلت بهما سورة واحدة, وهي الأحزاب.
    وقد روى السيوطي عن ابن عباس ترتيب سورة الأحزاب قبل سورة النور في النزول .
    وأمّا الذين قالوا إنّ سورة النور نزلت قبل سورة الأحزاب, وهو ضعيف, فذلك على اعتبار أنّ غزوتي الخندق وبني المصطلق وقعتا في سنة واحدة؛ وهي إمّا السنة الخامسة كما هو منقول عن عروة بن الزبير , ورجّحه ابن حجر في فتح الباري؛ أو السنة الرابعة كما صحّحه ابن عاشور , وأنّ غزوة بني المصطلق وقعت في شهر شعبان, وغزوة الخندق وقعت في شهر شوال.
    وترتيب سورة النور في النزول قبل سورة الأحزاب قول أورده السيوطي عن قتادة .
    ويستدلّ أصحاب هذا القول بأنّ سعد بن معاذ رضي الله عنه قد ذكرته عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك, وذكرت ما وقع بينه وبين سعد بن عبادة رضي الله عنها من ملاحاة وتنازع في أصحاب الإفك, مع أنّ الجزم حاصل باستشهاد سعد بن معاذ إثر غزوة بني قريظة بسبب سهم أصابه في غزوة الخندق, فيكون قد شهد حديث الإفك ثم شهد غزوة الخندق ثمّ غزوة بني قرظة.
    ولكن هذا يخالف ما صرّحت به عائشة رضي الله عنها, من أنّ غزوة بني المصطلق وقعت بعد فرض الحجاب على أمّهات المؤمنين, الذي تضمّنته سورة الأحزاب؛ وأنّ قصة الإفك وبراءتها منه نزلت بهما ـ بعد غزوة بني المصطلق ـ سورة النور, وهي متضمّنة لآية الخمار. وأمّا عن الاستدلال بذكر عائشة لسعد بن معاذ, فهو ضعيف؛ فلعلّ الذي نقل عنها حديث الإفك وهم في اسم الذي تنازع مع سعد بن عبادة, فظنّه سعد بن معاذ, وهو غيره. ولعلّ ما أورده السيوطي عن قتادة يقصد به نزول صدر سورة النور إلى ما قبل قصة الإفك قبل سورة الأحزاب, فذلك ممكن.
    والقول الراجح أنّ غزوة بني المصطلق وقعت بعد غزوة الخندق, وأنّ آية الخمار من سورة النور نزلت بعد آيتي الحجاب والجلباب من سورة الأحزاب. ولا عبرة بوجود سورة النور قبل سورة الأحزاب في ترتيب المصحف؛ لأنّ ترتيبه غير مراع فيه زمن النزول.
    وإذا تقرّر هذا, فيكون حديث المرأة السفعاء قد وقع بعد نزول سورة النور واستقرار أمر النساء على حكم الخمار المشروع في هذه السورة ة والمبيح للمرأة كشف وجهها وكفيها؛ لأنّ زمن ورود هذا الحديث كان بعد صلح الحديبية, في يوم عيد من الأعياد, فقد رويت القصة برواية أخرى, قال ابن عباس: شهدت الفطر مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم, خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم وكأنّي أنظر إليه حين يجلس بيده, ثمّ أقبل يشقّهم حتّى جاء النساء معه بلال, فقال:(يا أيّها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) الآية. ثمّ قال حين فرغ منها:«آنتنّ على ذلك» قالت امرأة واحدة منهنّ, لم يجبه غيرها:نعم. قال:«فتصدّقن» فبسط بلال ثوبه ثمّ قال: هلمّ لكنّ فداء أبي ومّي, فيلقين الفتخ والخواتم في ثوب بلال .
    فالآية التي تلاها النبي صلّى الله عليه وسلّم على النساء نزلت بعد صلح الحديبية, الواقع سنة ستّ للهجرة في شهر ذي القعدة. وهذه الآية نزلت في المدينة بعد رجوع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليها إثر صلح الحديبية, فيكون النبي صلّى الله عليه وسلّم أعاد قراءتها على النساء
    في عيد الفطر ـ كما في الحديث ـ, وهو عيد الفطر الذي بعد صلح الحديبية, وهو إمّا أن يكون في السنة السابعة أو التاسعة أو العاشرة .
    وإذا فرضنا أقصى الاحتمالين لوقوع غزوة الأحزاب, وهو سنة خمس للهجرة, أي نزول سورة الأحزاب بشرع الجلباب, وذلك قبل نزول آية الخمار من سورة النور المستثنية الوجه والكفين من النهي عن إبداء الزينة؛ إذا فرضنا ذلك يكون حديث سفعاء الخدّين وظهورها أمام النبي صلّى الله عليه وسلّم والرجال من الصحابة مكشوفة الوجه, قد وقع بعد ذلك بمدّة, وبعد نزول باقي سورة النور بآية الخمار, ممّا يؤكّد أنّ ما استقرّ عليه النساء بعد نزول آية الخمار هو إباحة كشف وجوههنّ, وجاء الحديث ليثبت الممارسة العملية لآية الخمار؛ لأنّنا إذا فرضنا التعارض بين آية الجلباب وآية الخمار, فإنّ القاعدة الأصولية التي يعمل بها هي قاعدة النسخ, أي إنهاء العمل بالحكم السابق والعمل بالحكم اللآّحق, وذلك إذا استحال الجمع بين الدليلين والعمل بهما في آن واحد. كيف وقد ثبت عدم وجود تعارض بين الآيتين.
    وأمّا بالنسبة لحديث المرأة الخثعمية, فإنّه كذلك لا يمكن أن يكون ورد قبل شرع الجلباب حسب الدعوى المشار إليها سابقا؛ لأنّه ورد في زمن بعيد جدّا عن زمن نزول آية الجلباب, ذلك أنّ سؤال الخثعمية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في حجّة الوداع, آخر السنة العاشرة للهجرة. ووقوع هذه الحادثة في ذلك التاريخ كان أيضا تطبيقا عمليا لآية الخمار من سورة النور, ممّا يؤكّد أن كشف الوجه كان العمل به جاريا في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم, وخاصّة في أواخر أيّام التشريع قبل وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
    خلاصة
    إذا تتبعنا التسلسل الزمني للنصوص الدينية وجدناها ـ بناء على ما تقدّم ـ كالآتي:
    ـ نزول سورة الأحزاب كان بعد غزوة الخندق, الواقعة في شوال, واستمرّت قرابة الشهر, من السنة الرابعة أو الخامسة؛ فإثر الغزوة ـ أي في ذي القعدة ـ تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش. وليلة بنائه بها نزل حكم الحجاب, كما نزل حكم الجلباب.
    ـ نزول سورة النور بشرع الخمار, كان بعد غزوة المريسيع ـ بني المصطلق ـ في شعبان من السنة الخامسة على القول الأصحّ أو السادسة على القول الثاني.
    ـ ورود حديث المرأة السفعاء في عيد الفطر, وإعادة قراءة آية الممتحنة على النساء من قبل النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بعد صلح الحديبية, وهو إمّا في فطر السنة السابعة أو التاسعة أو العاشرة.أمّا فطر السنة الثامنة فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة, بل كان بمكّة في غزوة الفتح فقد فتحها الله عليه في شهر رمضان وبقي بها حتى قدم عيد الفطر ودخل شوال.
    ـ ورود حديث المرأة الخثعمية, كان في حجّة الوداع شهر ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة.
    ضوابط اللباس الشرعي
    للمرأة المسلمة
    باستقراء النصوص الشرعية من القرآن والسنة, المتعلّقة باللباس, سواء للرجال والنساء, نتحقق أنّ مقصد الشريعة منها وقاية المسلمين ـ رجالا ونساء ـ من الوقوع في فاحشة الزنا. فقد سعت الشريعة الإسلامية إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات ولا تستثار فيه الغرائز؛ فالجسد العاري والتبرّج الجاهلي لا يفيدان المجتمع إلاّ في تهييج غرائز أفراده وإرهاق أعصابهم وإسلامهم إلى الفاحشة لإطفاء عطشهم الجنسي. وكان منهجها في إقامة هذا المجتمع تشريع وسائل لتسدّ بها الطرق على ما يثير هذه الغرائز ولتحقّق بذلك مقصدها من القضاء على فاحشة الزنا. ومن أنجع وسائل هذه الشريعة الخالدة لتحقيق هذا المقصد ما شرعته من أحكام اللباس للرجال والنساء؛ فطلبت أن يكون ساترا لمواطن الفتنة في الطرفين, وأن يكون ساترا على صفة يتحقق معه مقصدها. ولذلك وضعت ضوابط للباس ـ في الرجل والمرأة ـ لا يمكن تحقيق مقصد الشريعة في تطهير المجتمع ممّا يهيج الشهوات ويثير الغرائز إلاّ بها. وفيما يلي الضوابط المتعلّقة بلباس المرأة :
    1ـ إخفاء المرأة زينتها الخفية, حيث لا يجوز لها إبداء إلاّ الوجه والكفين. وفي هذه الدراسة تم الاستدلال على ذلك بك تفصيل.
    2 ـ أن يكون الثوب غير شفّاف, بحيث يمنع رؤية ما تحته. فعن علقمة عن أمّه أنّها قالت: دخلت حفصة بنت عبد الرحمان على عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم, وعلى حفصة خمار رقيق, فشقّته عائشة وكستها خمارا كثيفا .
    ووجه الاستدلال أنّ عائشة رضي الله عنها لمّا رأت على حفصة ابنة أخيها خمارا رقيقا يصف ما تحته شقّته لتمنعها الاختمار به في المستقبل, وأعطتها ما تختمر به خمارا كثيفا .
    3ـ أن يكون الثوب فضفاضا غير ضيّق, بحيث لا يصف الجسم. فعن حدية الكلبي أنّه قال: أتي النبي صلّى الله عليه وسلّم بقباطي, فأعطاني منها قبطية, فقال:«اصدعها صدعين, فاقطع أحدهما قميصا, وأعط الآخر امرأتك تختمر به» فلمّا أدبر قال:«وامر امرأتك أن تجعل تحته ثوبا لا يصفها» .
    قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور:«أمّا ما كان من محاسن المرأة, ولم يكن عليها مشقّة في ستره, فليس ممّا ظهر من الزينة, مثل النحر والثدي والعضد والمعصم وأعلى الساقين, وكذلك ما له صورة حسنة في المرأة وإن كان غير معرّى كالعجيزة والأعكان والفخذين ولم يكن ممّا في إرخاء الثوب عليه حرج عليها» أي فيجب عليها أن تلبس من الثياب ما لا يبرز هذه الأعضاء بحيث لا يصفها, واستدل الشيخ بما روي عن عمر رضي الله عنه أنّه كسا الناس القباطي, ثمّ قال: لا تَدَّرِعْهَا نساؤكم. فقال رجل: يا أمير المؤمنين, قد ألبستها امرأتي, فأقبلت وأدبرت, فلم أره يشفّ. فقال عمر:«إن لم يشف فإنّه يصف» ونقل الشيخ عن ابن رشد الجد في البيان والتحصيل قوله: القباطي هي ثياب ضيّقة تلتصق بالجسم لضيقها, فتبدو ثخانة لابستها من نحافتها, وتبدي ما يستحسن منها, امتثالا لقوله تعالى:(ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:«نساء كاسيات عاريات, مائلات مميلات, لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها, وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة» . وقد فسّر الإمام مالك قوله صلّى الله عليه وسلّم«عاريات» قال: أي يلبسن الرقاق من الثياب التي لا تسترهنّ . وقال عيسى ابن دينار: يلبسن ثيابا رقاقا بلبسهنّ تلك الثياب, وهنّ عاريات لأنّ تلك الثياب لا تواري منهنّ ما ينبغي لهنّ أن يسترنه من أجسادهنّ . وجعل الإمام الباجي هذا الحديث متعلّقا بهذا الشرط وبالذي قبله, قال: ويحتمل عندي ـ والله أعلم ـ أن يكون ذلك لمعنيين؛ أحدهما: الخفّة فيشفّ عمّا تحته فيدرك البصر ما تحته من المحاسن؛ ويحتمل أن يريد به الثوب الرقيق الصفيق الذي لا يستر الأعضاء بل يبدو حجمها . وبهذا التفسير فالمقصود بالكاسيات العاريات النهي عن اللباس الذي يظهر ما تحته والذي يصف جسم المرأة ومفاتنها, بحيث تكون المرأة به كاسية بالإسم عارية في الحقيقة. وقد عدّ العلماء هذا اللباس من الكبائر لما جاء فيه من الوعيد الشديد .
    4ـ أن يكون غير مشابه للباس الرجل. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهاتِ من النساءِ بالرجال» . وعن أبي هريرة أنّه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة, والمرأة تلبس لبسة الرجل .
    5ـ أن لا يكون لباس شهرة. ولباس الشهرة ما كان للتفاخر أو لإظهار التزهّد. فعن ابن عمر أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ ألْبَسَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةَ ثَوْباً مِثْلَهُ ثمَّ تُلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ» .
    تمّ ما قصدناه من هذا البحث والحمد لله رب العالمين.

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    262

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    المشكلة تكمن فيمن يعتنق رأيا فقهيا ويتجاهل خلاف العلماء وكأن القائلين باستحباب النقاب لا وجوبه مجموعة من التغريبيين الذين يحبون أن تشيع الفاحشة.
    القول باستحباب النقاب قول مشهور مدون في الكتب الفقهية فمحاولة إلغائه بالمرة تحيز واضح لرأي دون آخر.
    وشبيه بهذا القول بكفر تارك الصلاة فبعض من يختار القول يحاول أن يلمح إلغاء القول بعدم كفره وكأنه لم يقله به إلا المرجئة.
    ولست ادري هل يتأثر هذا الشخص بالعرف السائد.
    وكلام الأخ ابن عبد الغني صحيح حيث تجد بعض حديثي العهد بالإلتزام سمعوا رأيا واحدا في هذه المسائل واقتنعوا به وسفهاو المخالف وكأن الخلاف في هذه المسألة غير سائغ.
    يكفينا أن يعترف القائلون بوجوب تغطية الوجه بأن القول باستحبابه قول قال به علماء معتبرون أما نقاش الأدلة التي يستدل بها كل طرف فهذا له مقام آخر.

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    الأخ الكريم : شرف : ليتك تلخص الكتاب في أسطر .

    الأخ الكريم : فوزي : تقول : ( ولست ادري هل يتأثر هذا الشخص بالعرف السائد ) !!
    هذا يُقال - سلمك الله - لأهل الكشف الذين نشؤوا على أعراف " الاستعمار " في بلادهم ، متغافلين أو جاهلين ما قبلها ( أكثر من ألف سنة كانت الأمة - ومنها بلادهم - مُجمعة وعاملة بستر الوجه ، حتى نبتت نابتة تلاميذ المستعمر الكافر ) . ولا يُقال لمن بقي على الحكم الشرعي ، فهذا من قلب الأمور .
    وراجع الرابط السابق لتعرف هذه الحقيقة بشهادة أهل تلك البلاد .
    وفقك الله ..

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    نساء ألبانيا - بلد الشيخ الألباني ! - أيام الحكم الإسلامي ، كن يغطين وجوههن ... إلى أن !
    تابع هنا : http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/122.htm

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    262

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    شيخنا سليمان بارك الله فيك وزادك علما.
    أنا لم أتحدث عن تأثر الشخص في الحكم الشرعي ولكن في تأثره في الحكم على من يخالفه ولو كان من العلماء،فمثلا عندكم في الجزيرة العربية العرف السائد هو تغطية الوجه وصار عيبا أن تكشف المرأة وجهها وبعض الناس ينطلقون من هذا العرف ويسقطونه على الحكم الشرعي،فأنا لم أقصد أن العلماء القائلين بوجوب تغطية الوجه تأثروا بغير النصوص الشرعية في استخلاصهم
    للأحكام الشرعية.
    وهذا لمحته أيضا في كلامك شيخنا حيث جعلت القائلين باستحباب تغطية الوجه تلاميذ المستعمر الكافر.
    والقائلون بعدم وجوب تغطية الوجه يقول باستحبابه فالواقع الذي تحكيه شيخنا لا يرد على قولهم.

  20. #20

    افتراضي رد: لو كانت تغطية وجه المرأة من التشريع.. فما عقوبة السافرة؟!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سليمان الخراشي مشاهدة المشاركة
    الأخ الكريم : شرف : ليتك تلخص الكتاب في أسطر .
    تفضل عفى الله عنا بفضله
    خلاصة
    إذا تتبعنا التسلسل الزمني للنصوص الدينية وجدناها ـ بناء على ما تقدّم ـ كالآتي:
    ـ نزول سورة الأحزاب كان بعد غزوة الخندق, الواقعة في شوال, واستمرّت قرابة الشهر, من السنة الرابعة أو الخامسة؛ فإثر الغزوة ـ أي في ذي القعدة ـ تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش. وليلة بنائه بها نزل حكم الحجاب, كما نزل حكم الجلباب.
    ـ نزول سورة النور بشرع الخمار, كان بعد غزوة المريسيع ـ بني المصطلق ـ في شعبان من السنة الخامسة على القول الأصحّ أو السادسة على القول الثاني.
    ـ ورود حديث المرأة السفعاء في عيد الفطر, وإعادة قراءة آية الممتحنة على النساء من قبل النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بعد صلح الحديبية, وهو إمّا في فطر السنة السابعة أو التاسعة أو العاشرة.أمّا فطر السنة الثامنة فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة, بل كان بمكّة في غزوة الفتح فقد فتحها الله عليه في شهر رمضان وبقي بها حتى قدم عيد الفطر ودخل شوال.
    ـ ورود حديث المرأة الخثعمية, كان في حجّة الوداع شهر ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة.
    ضوابط اللباس الشرعي
    للمرأة المسلمة
    باستقراء النصوص الشرعية من القرآن والسنة, المتعلّقة باللباس, سواء للرجال والنساء, نتحقق أنّ مقصد الشريعة منها وقاية المسلمين ـ رجالا ونساء ـ من الوقوع في فاحشة الزنا. فقد سعت الشريعة الإسلامية إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات ولا تستثار فيه الغرائز؛ فالجسد العاري والتبرّج الجاهلي لا يفيدان المجتمع إلاّ في تهييج غرائز أفراده وإرهاق أعصابهم وإسلامهم إلى الفاحشة لإطفاء عطشهم الجنسي. وكان منهجها في إقامة هذا المجتمع تشريع وسائل لتسدّ بها الطرق على ما يثير هذه الغرائز ولتحقّق بذلك مقصدها من القضاء على فاحشة الزنا. ومن أنجع وسائل هذه الشريعة الخالدة لتحقيق هذا المقصد ما شرعته من أحكام اللباس للرجال والنساء؛ فطلبت أن يكون ساترا لمواطن الفتنة في الطرفين, وأن يكون ساترا على صفة يتحقق معه مقصدها. ولذلك وضعت ضوابط للباس ـ في الرجل والمرأة ـ لا يمكن تحقيق مقصد الشريعة في تطهير المجتمع ممّا يهيج الشهوات ويثير الغرائز إلاّ بها. وفيما يلي الضوابط المتعلّقة بلباس المرأة :
    1ـ إخفاء المرأة زينتها الخفية, حيث لا يجوز لها إبداء إلاّ الوجه والكفين. وفي هذه الدراسة تم الاستدلال على ذلك بك تفصيل.
    2 ـ أن يكون الثوب غير شفّاف, بحيث يمنع رؤية ما تحته. فعن علقمة عن أمّه أنّها قالت: دخلت حفصة بنت عبد الرحمان على عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم, وعلى حفصة خمار رقيق, فشقّته عائشة وكستها خمارا كثيفا .
    ووجه الاستدلال أنّ عائشة رضي الله عنها لمّا رأت على حفصة ابنة أخيها خمارا رقيقا يصف ما تحته شقّته لتمنعها الاختمار به في المستقبل, وأعطتها ما تختمر به خمارا كثيفا .
    3ـ أن يكون الثوب فضفاضا غير ضيّق, بحيث لا يصف الجسم. فعن حدية الكلبي أنّه قال: أتي النبي صلّى الله عليه وسلّم بقباطي, فأعطاني منها قبطية, فقال:«اصدعها صدعين, فاقطع أحدهما قميصا, وأعط الآخر امرأتك تختمر به» فلمّا أدبر قال:«وامر امرأتك أن تجعل تحته ثوبا لا يصفها» .
    قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور:«أمّا ما كان من محاسن المرأة, ولم يكن عليها مشقّة في ستره, فليس ممّا ظهر من الزينة, مثل النحر والثدي والعضد والمعصم وأعلى الساقين, وكذلك ما له صورة حسنة في المرأة وإن كان غير معرّى كالعجيزة والأعكان والفخذين ولم يكن ممّا في إرخاء الثوب عليه حرج عليها» أي فيجب عليها أن تلبس من الثياب ما لا يبرز هذه الأعضاء بحيث لا يصفها, واستدل الشيخ بما روي عن عمر رضي الله عنه أنّه كسا الناس القباطي, ثمّ قال: لا تَدَّرِعْهَا نساؤكم. فقال رجل: يا أمير المؤمنين, قد ألبستها امرأتي, فأقبلت وأدبرت, فلم أره يشفّ. فقال عمر:«إن لم يشف فإنّه يصف» ونقل الشيخ عن ابن رشد الجد في البيان والتحصيل قوله: القباطي هي ثياب ضيّقة تلتصق بالجسم لضيقها, فتبدو ثخانة لابستها من نحافتها, وتبدي ما يستحسن منها, امتثالا لقوله تعالى:(ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:«نساء كاسيات عاريات, مائلات مميلات, لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها, وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة» . وقد فسّر الإمام مالك قوله صلّى الله عليه وسلّم«عاريات» قال: أي يلبسن الرقاق من الثياب التي لا تسترهنّ . وقال عيسى ابن دينار: يلبسن ثيابا رقاقا بلبسهنّ تلك الثياب, وهنّ عاريات لأنّ تلك الثياب لا تواري منهنّ ما ينبغي لهنّ أن يسترنه من أجسادهنّ . وجعل الإمام الباجي هذا الحديث متعلّقا بهذا الشرط وبالذي قبله, قال: ويحتمل عندي ـ والله أعلم ـ أن يكون ذلك لمعنيين؛ أحدهما: الخفّة فيشفّ عمّا تحته فيدرك البصر ما تحته من المحاسن؛ ويحتمل أن يريد به الثوب الرقيق الصفيق الذي لا يستر الأعضاء بل يبدو حجمها . وبهذا التفسير فالمقصود بالكاسيات العاريات النهي عن اللباس الذي يظهر ما تحته والذي يصف جسم المرأة ومفاتنها, بحيث تكون المرأة به كاسية بالإسم عارية في الحقيقة. وقد عدّ العلماء هذا اللباس من الكبائر لما جاء فيه من الوعيد الشديد .
    4ـ أن يكون غير مشابه للباس الرجل. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهاتِ من النساءِ بالرجال» . وعن أبي هريرة أنّه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة, والمرأة تلبس لبسة الرجل .
    5ـ أن لا يكون لباس شهرة. ولباس الشهرة ما كان للتفاخر أو لإظهار التزهّد. فعن ابن عمر أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ ألْبَسَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةَ ثَوْباً مِثْلَهُ ثمَّ تُلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ»

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •