عــــلاج ســوء الأخــــلاق



وهنا سؤال : هل يمكن أن تُغيّرَ الأخلاق من قبيح إلى حسن؟



الجواب : نعم ؛ لأن الأخلاق : منها : ما يكون طبيعيًا من أصل المزاج كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو غضب ويهيج من أقل سبب ، وكالذي يضحك ضحكًا مفرطًا من أدنى شيء يعجبه ، وكالذي يغتم ويحزن من أيسر شيء يناله.
وقد تجد الإنسان هادئ الطبع حليما رفيقا سلسا في أخلاقه ، وبالعكس قد تجده شديدًا غليظًا ينفر منه الناس ، وما هذا إلا طبيعة له ، فلا هذا كان يقصد الرفق والحلم ، ولاهذا يريد الغلظة والشدة ، ولكنها الطبيعة لكل منهما .
كما قَالَ النَبِىُّ rلأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ : « إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ »

قُلْتُ : أَقَدِيماً كَانَ فِىَّ أَمْ حَدِيثاً؟ قَالَ : « بَلْ قَدِيماً ». قُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى جَبَلَنِى عَلَى خُلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا.([1])
ومنها (الأخلاق) : ما يكون مُستفادا بالعادة والتدرب وربما كان مبدؤه بالروية والفكر ، ثم يستمر عليه أولاً فأولاً ، حتى يصير ملكة وخلقًا.

وكما قال أبو حامد رحمه الله([2]) : لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات. انتهى .


قلتُ : وما كان هناك حاجة لإرسال الرسل طالما أن الخلق القبيح الشرير لا يقبل التغيير ، ولكن الشرع والعقل يدلان على خلاف ذلك .
فكم من سيء للأخلاق برغبة صادقة واستعانة بالله قد تحقق له ما أراد من تحسن أخلاقه وأصبح من أعاظم الناس.
وقال أبو حامد أيضا : وكيف ينكر تغيير خلق الآدمي ، وتغيير خلق البهيمة ممكن ، إذ ينقل البازي (طائر جارح) من
الاستيحاش إلى الأنس ، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد وكل ذلك تغيير للأخلاق. انتهى.


فكما جاء عن أبي هريرة t أن النبي r قال : (إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ)([3])


فمَنْ بحث وسأل عن العلم تعلم ، فالعلم لا يأتي دون طلب ، كذلك الحلم وهو الرفق واللين لا يكون إلا بالتحلم أي بتعلمه والتدرب عليه ، ولا شك أن من بحث عن الخير فإن الله يعطه له ، ومن ابتعد عن الشر جنبه الله إياه.
ويدل على هذا المعنى أيضاً ما جاء في الصحيحين :



عن أبي سعيد الخدري t أن النبي r قال «مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ»([4])
وعن عبد الله بن عمرو t : أن النبي r قال لمعاذ t: (استقم ولتحُسِّن خُلُقَكَ)([5])


فقوله r (ولتحُسِّن خُلُقَكَ) دليل قوي على أن الأخلاق تقبل التحسن ، فلو أن الأخلاق لا تتحسن ما أمر النبي r معاذا t بأن يحسن خلقه .
فإن كان ـ بحمد الله ـ السيء يمكن تحويله إلى حسن ، فكيف نقف على ما لدينا من أخلاق سيئة ؟!


هي الأخلاقُ تنبتُ كالنبات .. اذا سقيت بماء المكرمـاتِ
تقــوم إذا تعهــدها المُربـــي .. على ساق الفضيلة مُثمِرات
*****
الوسائل التي تعين المسلم على معرفة أخلاقه السيئة([6]):


اعلم أيها الحبيب أن الله إذا أراد بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه ، لأن من عرف العيوب أمكنه العلاج ، ولكن أكثر الخلْق جاهلون بعيوب أنفسهم ، يرى أحدهم القذى في عين أخيه ، ولا يرى الجذع في عين نفسه .


فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله في ذلك وسائل منها :


1- أن يختار صديقا بصيرا متدينا ، فيجعله رقيبا على نفسه ليلاحظ أحواله وأفعاله ، فإن ظهر منه ما يشين نبهه إليه وعرفه ما فيه من عيب . فكما قيل : رحم الله رجلاً أهدى إلىَّ عيوبي .


2- أن تعرف عيوبك من أعدائك ، فإن عين السخط تبدي المساويا .


3- أن تعامل الناس وتخالطهم ، فما تراه من الأخلاق مذموما بينهم ، فأعْلِم نفسك أن هذا الخلق بك ، واحرص على تجنبه ، وأن تفعل ما يخالفه من الأخلاق الحميدة وأن تكثر منه حتى يصير لك طبعًا.


العوامل المؤثرة على تحسين الأخلاق :


هناك أمران يؤثران في درجة استجابة الإنسان لأن تتحسن أخلاقه.



الأول : اختلاف مظاهر سوء الأخلاق من شخص لآخر ، فربما كان أحدهم سوء خلقه في تكبره وتعاليه ، وآخر سوء خلقه في اتباعه للشهوات المحرمة . وآخر سوء خلقه في شرب المخدرات بأنواعها.


الأمر الثاني : اختلاف درجة الشدة في سوء الأخلاق ، فأحدهم سيء الأخلاق وآخر أشد منه سوءاً ، أو أقل منه .
وعلى حسب ما لدى الإنسان من سوءٍ للأخلاق ، عليه أن يحسن تحديد ما يساعده في القضاء على سوء خلقه.
كذلك عليه أن يصبر على نفسه حتى تعتاد محاسن الأخلاق ، وهذا تبعا لدرجة سوء الخلق عنده .


درجــات سوء الخــلق([7]) :


الدرجة الأولى : وهو إنسان غافل ، بمعنى : أنه لا يميز بين الحق والباطل والجميل والقبيح ، ولم يتوغل في اتباع المحرمات ، وإن اقترف منها .فمثل هذا سريع القبول للعلاج جدا فلا يحتاج إلا إلى معلم ومرشد([8]) ، وإلى باعث من داخل نفسه يحمله على المجاهدة ، فهذا تتحسن أخلاقه في أقرب وقت. وأظن أن أكثر الناس من هذه الدرجة ، فأكثر الناس يجهلون أمور دينهم وللأسف.


الدرجة الثانية : هذا إنسان قد عرف الخطأ وقبحه ، ولكنه لم يتعود على العمل الصالح ، بل زين له الشيطان سوء عمله فتعاطاه انقيادا لشهواته ، وهو مع هذا يعلم أنه مقصر وبعيد عن الصواب.
وهذا يحتاج إلى جهد أكثر من الأول ، فعليه أولاً أن يتخلص مما ترسخ في نفسه من فساد وسوء أخلاق ، ثم عليه أن يغرس مكان ذلك حسن الخلق ، وإن تجمل به أولاً ثم سرعان ما سيكون له عادة إن شاء الله . هذا إذا كان صادق الرغبة في التخلص مما لديه من رذائل الأخلاق.


الدرجة الثالثة : أن يعتقد الأخلاق القبيحة أنها هي الواجبة المستحسنة وأنها هي الحق والجميل .
فمثل هذا أشد من سابقه وعلاجه يحتاج إلى جهد كبير واستعانة بالله تعالى في إزالة ما رسخ في نفسه من القبيح .


الدرجة الرابعة : أن يتربى وينشأ على سوء الأخلاق والعمل بها ، حتى يرى الفضيلة في كثرة الشر ، ويباهي به ويظن أن ذلك يرفع قدره ويعلي شأنه.
فهذا أصعبهم في العلاج والاستجابة له .


قال أبو حامد رحمه الله عن هذه الدرجات :
الأول : من هؤلاء جاهل فقط .

والثاني : جاهل وضال .
والثالث : جاهل وضال وفاسق .

والرابع : جاهل وضال وفاسق وشرير. انتهى.


وعلى كل حال مهما كنتَ من السوء فلا تيأس من الشفاء ، ولكن ابحث جيدا عن الدواء ، حتي يصيب ما لديك من داء ، فيقضي عليه تمام القضاء ، بإذن رب الأرض والسماء.


واعلم أنك لو توجهت إلى الله بنية صادقة ونفس صافية ، فستجده لك محبا وعليك مقبلا ، ولتوفيقك للخير هاديا ،
فلا تنتظر فالحياة قصيرة ولا تعلم متى يأتيك ملك الموت.


وأَضعُ أمامك بعض الأمور لعلها تعينك وتساعدك في التخلص مما أنت فيه ، فاقرأها جيدا وتأملها بعناية وَحِرصٍ ، لعلك تستطيع أن تنقذ نفسك أخيرا .


قال أبو العتاهية :
داوِ بالرفقِ جراحاتِ الخرقْ .. وابلُ قبلَ الذَّمِّ والحمدِ وذُقْ
وَسّعِ النّاسَ بخُلْقٍ حَسَــنٍ لم .. يضقْ شيءٌ على حُسنِ الخلُقْ



*****

من الأمور التي تساعد المسلم على تحسين أخلاقه

1- اللجوء إلى الله وطلب الهداية منه والإلحاح عليه في ذلك قال تعالى (ومَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) {آل عمران:101}



وقد كان من دعاء النبي r (اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَعْمَالِ وَأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ وَقِنِي سَيِّئَ الأَعْمَالِ وَسَيِّئَ الأَخْلاقِ لا يَقِي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ)([9])
وفي لفظ : (اهْدِنِى لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّى سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ)([10])
وكان r كثيرا ما يقول « اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ »([11]).



وعلَّم النبي r معاذَ بن جبل t أن يقول «اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»([12])
نعم فإن لم يعنك ويوفقك الله لطاعته فلا موفق ولا معين لك ، فالزم الدعاء ولا تمل .
2- ثم عليك بمجاهدة نفسك على طاعة ربك وأن تعلم أن الخير في مخالفة الشهوات ، وترك الملذات ، فإن هذا يدفع النفس لأن تجرك للمحرمات ، وهذه النفس قال عنها رب الأرض والسموات +إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ" [يوسف :53]
وقال تعالى + وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم" [الكهف :28]
3- ثم عليك الالتزام بفرائض الإسلام ونوافله من صلاة وزكاة وصيام وحج إن استطعت فبها تسمو الأخلاق وترقى، فالله تعالى يقول : +وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصلاةِ" [البقرة:45] لماذا الصلاة ؟
لأنها كما يقول جلّ وعلا: +إِنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ"[العنكبوت:45] فالصلاة توقف العبد عن المنكر.

وقال في الزكاة +خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا" [التوبة:103]
فالزكاة ليست ضريبة تُدفَع أو مالاً يُبذَل مجردة عن المعاني والحكم، إنما هي لتطهير النفس وتزكيتها ، فهي تطهر النفس من البخل والأنانية وتعودها الجود والكرم.
والزكاة من أهدافها السامية غرس مشاعر الحنان والرأفة ، وتوطيد الإلفة والمحبة بين أفراد المجتمع.

والصوم ليس حرمانًا من الطعام والشراب والنكاح ، بل هو خطوة إلى كفّ النفس عن شهواتها المحظورة ونَزَوَاتها المنكورة. قال النبي r : (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)([13])
وقال r أيضًا: (صِّيَامُ جُنَّةٌ ـ أي وقاية ـ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ)([14])

أما الحج فهو رحلة طيبة مليئة بالمعاني الخلُقية، فهناك لا يجوز في الحج رفث ولا فسوق ولا جدال ، وإنما تزوّد بالأعمال الصالحة والخلق القويم والتقوى ، كما قال سبحانه وتعالى: +الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يأُوْلِي الألْبَابِ" [البقرة:197].
فهذه أركان الإسلام العظيمة وعباداته الجليلة ، ليست طقوسًا مُبْهَمَة ، ولا أعمالاً مجردة لا معنى لها ، بل هي في مجملها لها صِلات وثيقة تعمل في نَسَقٍ واحد يصل بك إلى أن تتم بناء الأخلاق الشامخ .
ومن هنا كان أولى الناس وأحراهم بحسن الخلق هو من كان
أكثرَهم عبادة وألزمَهم للطاعة ؛ إذ الطاعة والعبادة تقتضيان تهذيب الأخلاق وتربيةَ النفس على الفضائل وزمَّها عن الرذائل.
إنها عبادات وإن كانت مختلفة في مظهرها ، ولكنها جميعًا تلتقي عند الغاية التي بُعِث محمد r من أجلها : « إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ»([15])


4- وأن يعود لسانه على الكلام الطيب من ذكر الله وقراءة القرآن ، وترك الكلام السيئ الخبيث الذي اعتاده من قبل .



5- أن يترك أصدقاء السوء ومصاحبتهم فإنهم شر ولا يجلبون عليه إلا الشر ، فلربما جروك ثانية إلى سوء الخلق ، إن بقيت معهم .
وعليك أن تبحث عن أهل الطاعة فترافقهم فهم يعينونك على طاعة ربك، قال الله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) {الكهف:28}



6- المسجد : نعم حيث الخير حيث صلاة الجماعة حيث ذكر الله والرفقة الصالحة وحلق العلم ورعاية الله وحفظه وعنايته .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ « أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا »([16])


فإن شعرت في نفسك رغبة إلى الشر فالجأ إلى بيت من بيوت الله وتوضأ وصلي ركعتين لربك ، واجلس ربما وجدت حلقة علم ، فتستمع فيها لذكر الله وما ينفعك ، ويقربك من ربك ، ويصرفك عن الشر والمعصية.



فعن أبي هريرة t أن النبي r قال : (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُون َهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)([17])

ففي المسجد لن تسمع إلا آية من كتاب الله ، فيطمئن قلبك ، أو حديثا لرسول الله r فينشرح صدرك ، ولن ترى إلا وجوها نيرة طيبة محبة للخير ، فتهدأ نفسك .



7- الاقتداء برسول الله :


يكفي المسلم في الرغبة في الخلق الحسن ، وجهاد نفسه على التخلق به،والبعد عن سيء الأخلاق - أن الله تعالى أثنى على نبيه rبقوله(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]

مع قوله سبحانه+(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"[ الأحزاب: 21]
فاحرص على التمثل بكريم الأخلاق رغبة وحبًا في نبي الأخلاق محمد r.


8- من الوسائل التي تعين على تحسن الأخلاق كتاب الله القرآن ، فهو العصمة من الزلل ، وبه تنجو من الخلل :


فهذه عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق النبي r فقالت: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ)([18]) تعني : يأتمر بأوامره ، وينزجر عن زواجره ، ويرضى لرضاه ، ويغضب لغضبه ؛ أي : كان متمسكاً بآدابه ، وأوامره ، ونواهيه ، وما يشتمل عليه من المكارم والمحاسن والألطاف.
هكذا أنت كن ، وليكن لك في رسول الله r أسوة وقدوة ، وضع القرآن أمام عينيك ، فتخلق بأخلاقه.
9- الرغبة فيما أعده الله لأصحاب الأخلاق الحسنة([19])، من خير في الدنيا والآخرة ، فإن حدثتك نفسك بسيئ من الأخلاق فأخبرها بأنك تريد رضا الله تريد محبة الله تريد جنة الله ، بأنك تخاف الله.
10- الرضى بعطاء الله وتقديره([20]):



إن الرضى يفتح باب حسن الخلق مع الله تعالى ، ومع الناس ، فإن حسن الخلق من الرضى ، وسوء الخلق من السخط ، وحسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم وسوء الخلق يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب



11- وأختم لك بهذه الآية العظيمة ، ولتتأملها بقلبك وما فيها من حض على مكارم الأخلاق.
قال الله تعالى : +خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" [الأعراف:199] فإن هذه الآية أجمع آية لمكارم الأخلاق وأصول الفضائل.
فمن عمل بهذه الآية فقد اجتمع له حسن الخلق، ففيها الأمر بإيصال الخير والنفع إلى الخلق أجمعين، وفيها الحث على احتمال الجنايات، والعفو عن الزلات، و فيها الأمر بمقابلة السيئات بالحسنات.



ومما يعين أيضا على حسن الخلق([21]):



- (العلم) يرشد صاحبه إلى مواقع بذل المعروف ، والفرق بينه وبين المنكر ، وترتيبه في وضعه مواضعه ، فلا يضع الغضب موضع الحلم ولا بالعكس ، ولا الإمساك موضع البذل ولا بالعكس ، بل يعرف مواقع الخير والشر ومراتبها وموضع كل خلق : أين يضعه وأين يحسن استعماله.



- (والجود) يبعثه على المسامحة بحقوق نفسه ، والاستقصاء منها بحقوق غيره ، فالجود هو قائد جيوش الخير .

- (والصبر) يحفظ عليه استدامة ذلك ويحمله على الاحتمال وكظم الغيظ ، وكف الأذى ، وعدم المقابلة ، وعلى كل خير ، وهو أكبر العون على نيل كل مطلوب من خير الدنيا والآخرة . قال الله تعالى +وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ" [البقرة : 45]


[1] ) (صحيح) مسلم [18] أحمد [17862] واللفظ لأحمد.

[2] ) الإحياء [ج2- ص70] ط دار مصر للطباعة.

[3] ) الخطيب في تاريخه (9 / 127) وحسنه الألباني في الصحيحه.

[4] ) (صحيح) البخاري [1400] مسلم [1053]

[5] ) ابن حبان [1922] و الحاكم [4 /244] وحسنه الألباني في الصحيحة [1228]

[6] ) إحياء علوم الدين [ج2- ص80] بتصرف .

[7]) مستفادة من الإحياء لأبي حامد [ج2- ص71] بتصرف.

[8]) نقصد بالمعلم والمرشد : ليس ذلك الذي يخبره فقط بأنه على خطأ ، بل نقصد ذلك الذي يترفق بالناس ويلين لهم ، ويعرف المواطن التي يستطيع أن يدخل بها لهم حتى يلمس قلوبهم سريعا ، فيحببهم في محاسن الأخلاق أولا وفي الالتزام بطاعة الله ورسوله r ، ثم يبين لهم مساويء الأخلاق على الجملة ، ويذكر من جملتها ما يقعون فيها ، لأنك إن واجهت أحدهم مباشرة بسوء خلقه وأغلظت له في القول ربما منعه الكبر وعزة النفس من الانصياع لك ، وإن كنت تقول الحق .

[9]) (سنده صحيح) النسائي [895] من حديث جابر بن عبد الله t.

[10]) (صحيح) مسلم [771]

[11]) (صحيح) مسلم [6921] من حديث عبد الله عمروt

[12]) (سنده صحيح) أبو داود [1524]

[13]) (صحيح) البخاري [1903]

[14]) (صحيح) البخاري [1894] مسلم [2761]

[15]) (سنده حسن) أحمد في المسند [8939]

[16]) (صحيح) مسلم [671]

[17]) (صحيح) مسلم [2699]

[18]) (سنده صحيح) مسند أحمد [25341]



[20]) ابن القيم مدارج السالكين [ج1- ص613]

[21]) مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله [ج2- ص62]