مكتبة أحمد بن سودة بمدينة فاس:


عاش أحمد بن سودة حياة حافلة في السياسة والمقاومة والتصوف والثقافة. فرضت عليه الظروف أداء واجبه كقائد حزبي وكرجل دولة وكمثقف وكإنسان في ظرفيات صعبة جداً. سيما عندما قام بالاضطلاع بمهمة عامل ممثل جلالة الملك الراحل الحسن الثاني بالعيون من 27 فبراير 1976 إلى أواخر 1977.
لعب بن سودة دوراً فاعلاً ومؤثرا على مدى عقود منذ ما قبل الاستقلال..
جاء أحمد بن سودة إلى السياسة من جامعة القرويين، واختار في شبابه الكفاح ضد الاستعمار وأدى ثمن ذلك الاختيار. خبر السجون والمعتقلات وخبرته، و ظل حاضرا في المشهد إلى أن وافته المنية.
أول عامل ممثل صاحب الجلالة بالعيون
بعد المسيرة الخضراء كلّفه الملك الراحل الحسن الثاني بمهمة نبيلة، مهمة إنزال العلم الإسباني من فوق سارية بناية الحاكم العسكري الإسباني في مدينة العيون حاضرة مدن الصحراء وأكبرها ورفع العلم المغربي فوق تلك الربوع. ".
وكان الفقيد أحمد بن سودة أول عامل، ممثل صاحب الجلالة بالصحراء، و هي المهمة التي بقي يفتخر بها طول حياته.
ظل أحمد بن سودة حاضرا على الركح السياسي. وكان عنيداً في مواقفه الوطنية عندما كان المغرب تحت الاحتلال الفرنسي، ويروي رفاقه أنه كان سليط اللسان، حاد الأسلوب في الكتابة مما أزعج المحتل الفرنسي، الذي أداقه ألواناً من العذاب والسجن وشتى المضايقات.
كان حضور أحمد بن سودة المستمر لافتا ومثيرا في المشهد السياسي منذ أربعينات قرن العشرين باعتباره أحد الفاعلين النشطين في الحركة الوطنية والركح السياسي بعد حصول المغرب على استقلاله.
سياسي محنك
عُرف الفقيد بحماسته ومهراته الخطابية وثقافته العربية المتينة. اختار، عكس أغلبية شباب فاس الابتعاد عن حزب الاستقلال والانتساب إلى حزب الشورى والاستقلال تحت إمرة الراحل محمد بلحسن الوزاني، إسوة بما قام به كذلك عبد الهادي بوطالب.
ناضل أحمد بن سودة في حزب الشورى والاستقلال، وواصل نضاله في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كما كافح من أجل بناء دولة الاستقلال بجانب جلالة الملك الراحل محمد الخامس، ثم رفقة وارث سرّه جلالة الملك الرحل الحسن الثاني. وفي هذا المضمار يقول محمد أديب السلاوي: "(…) من السهل الرجوع إلى فترات حياة أحمد بن سودة في الصحف والأطروحات والكتب العديدة التي اعتنت بهذه الفترة من التاريخ الوطني، ولكن الجانب الإنساني الآخر، من حياة هذا الرجل سيظل في حاجة ماسة إلى البحث والاستقصاء. خاصة ما يتعلق منها بصفات قد تكون بعيدة عمّا يعرفه العامة من الناس عن سيرته السياسية، وحياته الإعلامية".
ظل أحمد بن سودة يعرف جيداً أسرار الحقل المغربي وكان يعلم أن السياسة ببلادنا مثل الفلاحة لها مواسم.
المشوار الوظيفي
ظل أحمد بن سودة أحد المقربين والمتعاونين مع جلالة الملك الراحل الحسن الثاني لمدة طويلة. سبق وأن شغل منصب مدير ديوان الملك، واستوزر عدّة مرّات خلال خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، وشغل منصب مستشاراً لجلالة الملك سنيناً طويلة.
لقد تقلد منصب وزير الشبيبة والرياضة في أوّل حكومة مغربية ائتلافية بعد الاستقلال، والتي نال رئاستها ضابطا سابقا في الجيش الفرنسي، مبارك البكاي الهبيل، بفعل موقفه الوطني، إذ كان قد أعلن تشبثه بشرعية جلالة الملك الراحل محمد الخامس حين قدوم الاستعمار الفرنسي عن عزله عن العرش وإبعاده إلى المنفى.
هكذا وصفوه
أجمع المقربون للفقيد على وصفه بالصوفي الذي ارتدى القبعة السياسية من أجل بناء دولة الاستقلال، وبالوطني الغيور، والصحفي البارع، والمحلل السياسي المحنك والشاعر البديع، وفقيد الدين والعلم والوطنية.
ينتمي الراحل أحمد بن سودة إلى عائلة صوفية، والده سيدي يحيى من رجال العلم، لمع نجمه في بداية القرن العشرين، سيما في مجالس الفقه والصوفية.
كما كان يعتبر من الرعيل الأول من مؤسسي التعليم الحرّ ببلادنا إذ أسس أوّل مدرسة حرّة بالعاصمة العلمية، فاس. وقد ورث الفقيد عن والده تعلقه بالعلماء والأولياء وأهل الذكر. جمع أحمد بن سودة بين الثقافة والإعلام والدين والسياسة.".
إنجازات إحسانية
انشأ أحمد بن سودة رفقة شقيقه محمد بن سودة الوزير جمعية الزاوية الخضراء للتربية والثقافة التي تحتضن الآن خمسة آلاف من الأطفال الأيتام والفقراء والمهمشين في جملة من المدن المغربية. كما أسس مكتبة ثقافية بمدينة فاس فتحت أبوابها في وجه العلماء والأساتذة والباحثين والطلاب وعموم القراء. واعتبر الفقيد هذه المكتبة وقفاً علمياً وثقافياً بعد تزويدها بأمهات المصنفات العلمية والدينية والثقافية وأوقفها صدقة جارية من أجل طلب العلم في العاصمة العلمية، فاس.
من أعماله التي حرص أن تظل سرية ومحجوبة إصلاحه وترميمه للعديد من المساجد والأضرحة من ماله الخاص.
كما دعّم عدداً من الطلبة المعوزين في جامعة القرويين بفاس والجامعات الأخرى، وذلك بمنح سرية لا يعلم المستفيدون منها مصدرها.
وفي دائرة انجازاته الإحسانية وجب وضع كذلك نشره لعدد من الكتب والمراجع العلمية والدينية وتوزيعها بأثمنة رمرية أو بالمجان.
ولد عام 1920 في مدينة فاس بالمغرب.
تابع دراسته الأولى بالكتاب, ثم التحق بالمدرسة الخضراء, فأنهى دراسته الابتدائية, ثم بجامعة القرويين .
تولى بعد الاستقلال وزارة الشبيبة والرياضة, ثم عامل إقليم الرباط, ثم عمل مديراً عاماً للإذاعة والتلفزة, ثم سفيراً للمغرب في لبنان (مرتين), ثم مديراً للديوان الملكي, ومستشاراً لصاحب الجلالة.
زاول نشاطه الأدبي منذ كان طالباً فأسس جمعية النبوغ والعبقرية.
شارك في العمل الوطني منذ أيام الدراسة, فالتحق بالحركة القومية, ثم بحزب الشورى والاستقلال, ثم بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية, وشارك في عدة مؤتمرات للدفاع عن استقلال المغرب, وقد سجن ونفي عدة مرات من أجل نضاله السياسي.
أصدر جريدة الرأي العام 1947.
نشر العديد من قصائده في الصحف والمجلات.
تحتضن مدينة فاس مكتبة تحمل اسمه: مكتبة أحمد بن سودة يدير شؤونها عبد الله العلوي السليماني و فتحت أبوابها منذ فاتح يناير 1999

مكتبة أحمد بن سودة:

تنهي المكتبة الوطنية للمملكة المغربية إلى علم قرائها الأعزاء أنها توصلت يومه الجمعة 11 ربيع الأول 1431 هـ / 26 فبراير 2010 م بالمكتبة الخاصة للمرحوم أحمد بن يحيى بنسودة والمتكونة من حوالي 659 مخطوطا، و1015 مطبوعا حجريا، و17448 كتابا، و 1893 مجلة (296 عنوانا)، و39 أطلسا و 75 ملفا من الوثائق التاريخية (170 عنوانا) و 30 جريدة وجاءت هذه المبادرة تنفيذا لإتفاقية - هبة الموقعة بين ورثة المرحوم أحمد بنسودة والممثلين من طرف السيدة لطيفة زيان بنسودة من جهة والسيد إدريس خروز مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية من جهة ثانية. وستوضع ذخائر هذه المكتبة رهن إشارة القراء والباحثين فور الإنتهاء من عمليات الصيانة و المعالجة الفكرية للمجموعة.

***منقول****