السؤالُ عَن الرؤياالسؤالُ عن الرؤيا يراها المرءُ من الأمور التي تُشغلُ الرائي ، فلا يَقر له قرار حتى يكشِفَ عَن تأويلِ رؤياه ، بل ربما تكرَّرَ سؤاله أكثرَ مِن عابرٍ ليرسخ تأويلٌ يوافق شيئاً يُطمئنه .
و السؤالُ عن تأويل الرؤى مما يُسْتَحْسَنُ ، و يُحمدُ من الشخصِ ، و لعلَّ له منفذٌ إلى باب الشكرِ لله تعالى على ما أولاه مِن رؤيا حسنةٍ يرجو تحقُّقَها ، أو رؤيا سوءِ يبتهلُ إلى اللهِ بدفعها .
و استحبابُ السؤالِ عَن الرؤيا مأخوذٌ مِن سؤالِ النبيِّ صلى الله عليه و سلم عَنْ رؤاهم ، فقد كان يسألهم : " هل رأى أحد منكم البارحةَ رؤيا " .
و مأخُوذٌ قَبْلُ مِن سؤالِ الفتَيَانِ يوسف عليه السلام ، و كذلك سؤالُ الملِكِ ، فقد أخذ المفسرون مِن ذلك أنَّ السؤالَ عَن الرؤيا مِن البَحْثِ عَن العلمِ ، و هو محمود .
و ينبغي للرائي أن يسأل مَن هو أهلٌ للتعبير ، على وَفْقِ قانون العابرِ للرؤيا ، لا أن يسألَ كُلَّ مَن هبَّ و دبَّ .
و هُنا مسألةٌ تعرَّضَ لها أهلُ التعبيرِ ، و هي : قَصُّ الرؤيا على المرأةِ ، و لها مَبْحَثَانِ :
الأول : أنَّ المنقولَ مِن الأثرِ في ذلك مُتَكَلَّمٌ عليه مِن حيثُ الصِّناعة الإسنادية [ انظر : " الموضوعات " ( 2/264) ، " المنار المنيف " ( ص : 132 ) ]، و مِن ذلك حديثُ عائشةَ رضي الله عنهما مرفوعاً : " نَهى النبيُّ صلى الله عليه و سلم أنْ تُقَصَّ الرؤيا على النساءِ " .
الثاني : أنَّ المنْعَ واردٌ لأحدِ احتمالَيْن :
أولهما : أنَّ ذلكَ مِن بابِ نَفْي وُجودِ المُعَبِّراتِ من النساءِ ، فكانَ المنعُ لابتداءِ المبادَرة في قَصِّ الرؤيا ، و هذا الاحتمالُ يُبْطِلُه الحِسُّ ، فَوُجودُ المُعَبِّرات معروفٌ مَشْهودٌ ، كـ : عائشة ، و أسماء ، و غيرهما .
ثانيهما : أنَّ ذلك المنعُ لِعَدمِ صِحةِ تعبيرهنَّ ، و هذا مردودٌ ، لأنه يشترِكُ فيهِ كلُّ الناسِ ، إذ العبرة بموافقةِ التعبيرِ أصولَه ، فليسَ محصوراً على النساءِ ، فَكم أخطأ رجلٌ و أصابتْ امرأة ، و أهل التعبيرِ يَحْكونَ مِن ذلك شيئاً في كُتُبِهم مما يُثْبِتُ أنَّ لِذلك المُوْرَدِ ما يَنْقُضُه عِنْدَ أهل الفَنِّ .
و عِنْد السؤالِ عن الرؤيا ، و حكايةِ المنام يُراعي آداباً :
الأول : التثَبُّتُ مِن ضَبْطِه لرؤياه ، فإنَّ ضَبْط الرؤيا مهمٌ في تأويلها .
الثاني : تَحرِّي الصِدْقَ ، فلا يفتري و يسوقُ ما لم يَُرَ في منامه ، و مضى ذكرُ شأن الكذب في المنام .
الثالث : حكايةُ حالِه ، إنْ بدا له أنَّ للرؤيا تعلُّقٌ بِهِ .
الرابع : أنْ لا يَقُصَّ رؤياهُ على معبِّرٍ و في مِصْرِه أو إقليمه مُعبِّرٌ أحذقَ منه .
الخامس : سؤالُ أهلٍ للتعبيرِ ، و يأتي ذكرُ المتأهِّلِ في بابِهِ .
السادس : أنْ يَقُصَّ رؤياه هو بنفسِه على المُعَبِّرِ ، و لا يُوْكل أحداً عنه ، وذلك لِعِلَّتَيْن :
الأولى : ارتباطِ الرؤيا بحال الرائي ، و في التوكيلِ يَعْسُرُ الوقوف على حال الرائي و معرفتها .
الثانية : قد يكون في الرؤيا ما هو خاصٌّ بالرائي ، يصْعُبُ على المُعَبِّرِ ذكرُ ذلك للمُوَكَّلِ .
تنبيهان :
الأول : يَقَعُ مِن كثيرٍ مِن الناسِ حينَ يرونَ رؤيا الرجوعُ في تعبيرها إلى كُتبِ التعبيرِ ، مُهملين بذلك السؤالَ عنها أهلَ العلم بالتعبيرِ ، و قَد نصَّ كثيرٌ مِن العُلَماءِ على حُرْمَةِ ذلك ، و كونه غيرُ جائزٍ شَرْعاً [ انظر : " الفواكه الدواني " ( 2/457 ) ، " شرح أقرب المسالك " ( 5/285) ].
بَل إنَّ الاعتمادَ على تأويلات النبي صلى الله عليه و سلمَ و تَعْمِيْمُها على كُلِّ الرؤى مما لم يَسْتَحْسِنْه العلماءُ [انظر : " فيض القدير " ( 4/64 ) ] .
ثُم إنَّ هذا الصَّنيعَ منهم تَكْتَنِفُه آفتانِ كفيلتانِ ببيان الخطأ العظيم ، و هما :
الأولى : أنَّ هذه التعابيرِ للرؤى هي قضايا عينية ، بمعنى : أن تكونَ حكايةٌ لتعبيرِ رؤيا رآها شخصٌ ، و ليس كلُّ رؤيين اتفقتا مِن شخصين يتفقُ فيهما تعبيرهما .
الثانية : أنها رُبَّما تكون إشاراتٌ عامةٌ ، يُسْتَأْنَسُ بِها ، و لا يُعتمَدُ عليها في تعبيرِ كلِّ رؤيا .
و ذلك لما بُيِّنَ مراراً بأنَّ عماد التعبير على حال الرائي .
الثاني : كتابةُ الرؤيا هل تنوبُ عَن حكايتها شفهياً ؟
يُقالُ : قَد يكون ذلك ، و لكن حينَ يكون الرائي مستوعباً رؤياه بشكلٍ كبيرٍ ، حتى إنه لا يكاد يفوته شيءٌ منه ، إلا أنَّ ذلك معلولٌ بأمرين :
أولهما : أنَّ حكايةَ الرؤيا للمُعَبِّرِ بصوتٍ مسموعٍ دون كتابةٍ يتحقَّقُ فيه الوقوفُ على حال الرائي ، و السؤالِ عن أمورٍ تفيد ، و خاصةً إذا اعتبرنا الأثرَ النفسي على الرائي المُحْدِثِ للرؤيا _ أحياناً _ ، و الأثرُ النفسي يظهرُ في الصوتِ و طرائقِ الكلام .
ثانيهما : أنَّ الكتابةَ تستقطبُ التركيزَ على الحروفِ و تنميقَ الكلمات ، مما يجعلُ الرؤيا بعيدةً عَنْ سَوقها كما رؤيت ، و يُعتَبَرُ في ذلك التعبيرُ بالألفاظ و ما يتبعها ، بخلافِ ما لو كانت مَسُوْقَةً صوتياً دون كتابةٍ فإنَّ وصولها للمُعَبِّرِ أبلغ من وصولها مكتوبةً .