المطلب الثالث
فضل من نزل بالقرآن
نوه الله تعالى بشأن مَنْ نزل بالقرآن على رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو جيبريل عليه السلم، أمين الوحى الإلهى، وذكر فضله فى عدة آيات، منها:
قوله تعالى: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 102].
و(روح القدس): جبريل عليه السلام.
والروح: المَلَكُ، كما قال تعالى: { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } [مريم:17]، أى ملكاً من ملائكتنا.
والقدس: النزاهة والطهارة.
فالمعنى: الملك المقدس(1).
وقوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ } [الشعراء: 192-194].
وسمى جبريلُ عليه السلام بالروح لعدة أوجه:
1- لأنه روح مقدسة فوصفه بذلك تشريف له وبيان لعلو مرتبته.
2- لأن الدين يحيا به، كما يحيا البدن بالروح، فهو المتولي لإنزال الوحي إلى الأنبياء(2).
وقد وصف الله تعالى جبريل عليه السلام بخمس صفات فى قوله تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } [التكوير: 19-21].
الصفة الأولى: أنه كريم.
فهو رسول كريم ليس كما يقول أعداؤه، بل كل خير في الأرض من هدى وعلم ومعرفة وإيمان وبر فهو مما أجراه ربه على يده وهذا غاية الكرم الصوري والمعنوي.
الصفة الثانية: أنه ذو قوة.
كما قال تعالى فى موضع أخر: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [النجم: 5].
وفى ذلك تنبيه على أمور:
1- أنه بقوته يمنع الشياطين أن تدنو منه، وأن ينالوا منه شيئا، وأن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه، بل إذا رآه الشيطان هرب منه ولم يقربه.
2- أنه موال لهذا الرسول الذي كذبتموه، ومعاضد له ومواد له ومناصر، كما قال تعالى {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} [التحريم: 4].
ومن كان هذا القوي وليه ومن أنصاره وأعوانه ومعلمه فهو المهدي المنصور والله هاديه وناصره.
3- أن من عادى هذا الرسول فقد عادى صاحبه ووليه جبريل ومن عادى ذا القوة والشدة فهو عرضة للهلاك.
4- أنه قادر على تنفيذ ما أمر به لقوته، فلا يعجز عن ذلك، مُؤَدٍّ له كما أُمِرَ به لأمانته فهو القوي الأمين، وهذا يدل على عظمة شان المرسل، والرسول، والرسالة، والمرسل إليه، حيث انتدب له الكريم القوي المكين عنده المطاع في الملأ الأعلى، فإن الملوك لا ترسل في مهماتها إلا الأشراف ذوي الأقدار والرتب العالية(3).
الصفة الثالثة: أنه مكين عند الرب تعالى.
والمكين: من علت رتبته عند غيره، كما قال تعالى فى قصة يوسف عليه السلام مع المَلِك: { فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ } [يوسف: 54].
فجبريل عليه السلام له مكانة ووجاهة عند الله تعالى، وهو أقرب الملائكة إليه. يشهد له قوله تعالى: { عِندَ ذِي الْعَرْشِ } إشارة إلى علو منزلته، إذ كان قريباً من ذى العرش سبحانه.
الصفة الرابعة: أنه مطاع فى السماوات.
فى قوله تعالى { مُطَاعٍ ثَمَّ } إشارة إلى أن جنوده وأعوانه من الملائكة الكرام يطيعونه كما يطيع الجيش قائدهم، لنصر صاحبه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم.
الصفة الخامسة: أنه أمين.
وفى وصفه بالأمانة إشارة إلى حفظ ما حمله، وأدائه له على وجهه دون نقص ولا تغيير(4).
وفيما تقدم من عظمة أوصاف جبريل عليه السلام، تبين لنا بقياس الأولى عظمة القرآن الذى نزل به، وعلو شأنه، ومنزلته عند الله تعالى.
ـــــــــــــــ ــ
(1)التحرير والتنوير (1/578)، (13/194) بتصرف.
(2)انظر: التفسير الكبير (3/161).
(3)انظر: التبيان فى أقسام القرآن (1/75-76).