قال حفظه الله ( 4 /5 ـ 7) :
[ 859 ـ
ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها :
ذكر المزي في (تهذيب الكمال) (2/386) في ترجمة إسحاق بن راهويه أن أبا حاتم الرازي قال : (ذكرت لأبي زرعة إسحاق وحفظه للأسانيد والمتون ، فقال أبو زرعة : ما رؤي أحفظ من إسحاق ، قال أبو حاتم : والعجب من إتقانه وسلامته من الغلط ، مع ما رزق من الحفظ .
وقال أحمد بن سلمة : قلت لأبي حاتم : أنه أملى التفسير عن ظهر قلبه فقال أبو حاتم : وهذا أعجب فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها ) .
فما معنى عبارة أبي حاتم هذه ؟
شرحُ معناها أنه كان من عادة طلبة الحديث أنهم إذا بدأوا بتحفُّظ الأحاديث قدموا المسند (أي المرفوع) على غيره ؛ وقدموا من المرفوع الأصحَّ ، في الجملة ؛ هذا معروف ومعقول جداً وهو مقتضى صحة طريقة طالب العلم .
فيظهر - والله أعلم - أن المراد بعبارة أبي حاتم هذه هو أن أحاديث التفسير يغلب عليها أن تكون موقوفة غير مرفوعة ، وأنها أيضاً يغلب أن تكون من رواية غير المتقنين ، كالمتروكين والضعفاء والمدلسين والمختلطين وأشباههم، وأسانيد هؤلاء في الجملة كثيراً ما يقع فيها الغلط والاضطراب والاختلاف وتبديل الأسماء وتغيير الأسانيد وتركيبها ونحو ذلك ؛ وهذا كله يكون في أغلب الأوقات سبباً في إعراض الأئمة وثقات الرواة عن تلك المرويات ، فيقل تداولها بين أهل الحديث ، وتقل عنايتهم بها وبتحفظها ، أي لكونها موقوفة أولاً ، ولكونها غير ثابتة ثانياً ، ولكثرة ما فيها من اضطرابات واختلافات وإرسال ونحو ذلك من أسباب الضعف وأوهام الضعفاء ، فتبقى تلك المرويات بسبب ذلك كله محصورة غير مشهورة ، فلا يحفظها إلا حافظ كبير ، ولا يعتني بها إلا متبحر ؛ ولذلك قل نصيب مرويات التفسير من اهتمام الحفاظ وأئمة الحديث؛ وقد أسند الخطيب البغدادي في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (2/162) إلى الإمام أحمد قال : (ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي والملاحم والتفسير) .
قال الخطيب : (وهذا الكلام محمول على وجه ، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمَدٍ عليها ولا موثوق بصحتها لسوء أحوال مصنفيها وعدم عدالة ناقليها وزيادات القُصّاص فيها ؛ فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة ، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوه مرضية وطرق واضحة جلية .
وأما الكتب المصنفة في تفسير القرآن فمن أشهرها كتابا الكلبي ومقاتل بن سليمان) .
ثم أسند إلى أحمد أنه سئل عن تفسير الكلبي فقال : من أوله إلى آخره كذب ، فقيل له : فيحل النظر فيه ؟ قال : لا . ثم ذكر الخطيب كذب مقاتل .
ثم قال : (ولا أعلم في التفسير كتاباً مصنفاً سلم من علة فيه أو عري من مطعن عليه----). انتهى النقل عن الخطيب ].