بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثالثة عشر
(بعض أذكار الصباح والمساء والثابت منها)
حديث: "من قال إذا أصبح وإذا أمسى ثلاث مرات: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا؛ إلا كان حقًّا على الله أن يُرْضيه".
(كله حسن لغيره - إن شاء الله تعالى- وأصله أقوى في الانجبار من جملة "ثلاث مرات").

وقد رُوي هذا الحديث من حديث جماعة من الصحابة – رضي الله عنهم جميعًا-:
أولاً: حديث خادم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
من طريق أبي عَقيل هاشم بن بلال عن سابق بن ناجية عن أبي سلاَّم أنه كان في مسجد حمص، فمرّ به رجل، فقالوا: هذا خَدَم النبيَّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقام إليه، فقال: حدِّثْني بحديث سمعتَه من رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يتداوله بينك وبينه الرجال( )، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول:... فذكره.
أخرجه أبو داود (5072) عن حفص بن عمر عن شعبة، وفيه: "وبمحمد رسولا" ودون ذكر "ثلاث مرات" وأخرجه النسائي في "الكبرى" (6/4/9832) من طريق خالد بن الحارث عن شعبة، وفي (6/145/برقم 10400) من طريق هشيم، وفي "عمل اليوم والليلة" (ص135/برقم 4) من طريق خالد بن الحارث عن شعبة، (ص379/برقم 565) من طريق هشيم، ومن طريق النسائي أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص35/برقم 68) من طريق هشيم، وأخرجه أحمد (31/302/برقم 18967) عن أسود بن عامر عن شعبة، وفي (31/304/برقم 18969) عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن شعبة، وفي (38/195) برقم (23111) عن غندر عن شعبة، وفي (38/196/برقم 23112) عن عفان عن شعبة، وأخرجه الحاكم (1/518) من طريق وهب بن جرير وغندر عن شعبة، وفيه: "عن أبي سلام سابق بن ناجية" فحصل قَلْبٌ في السند، بتقديم وتأخير، مع إسقاط أداة التحمل "عن"، وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/286/برقم 2812) من طريق سعيد بن عامر عن شعبة، وأخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/931-932/برقم 302) من طريق سليمان بن حرب عن شعبة، وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (4/1346) في ترجمة أبي سعيد التميمي شبيب بن سعيد الحَبَطي ومن طريقه عن روح بن القاسم، دون ذكر "ثلاث مرات"، وأخرجه البيهقي في "الدعوات الكبير" (ص20/برقم 28) من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة، والبغوي في "شرح السنة" (5/111-112/برقم 1324) من طريق النضر بن شميل عن شعبة، دون ذكر "ثلاث مرات"، وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (66/276) من طريق سعد بن شعبة عن أبيه شعبة، وفي (66/277 مرتين) من طريق غندر وعفان عن شعبة، وابن الأثير في "أُسْد الغابة" (2/258/برقم 1885) ترجمة سابق، ومن طريق أسود بن عامر عن شعبة، وأخرجه عبد الغني المقدسي في "الترغيب في الدعاء" (ص415/برقم 91) من طريق هشيم، وفيه: "عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-" وأخرجه المزي في "تهذيب الكمال" (10/125-126) من طريق هشيم، وأخرجه الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/372) من طريق عفان، وعبد الله بن رجاء، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وسليمان بن حرب، أربعتهم عن شعبة، كلهم، أعني: شعبة، وهشيمًا، وروح بن القاسم عن أبي عقيل هاشم بن بلال به.
وكثير من أهل العلم، جعله من رواية شعبة وهشيم فقط عن أبي عقيل، ولعل ذلك لكون رواية روح، رواها عنه شبيب بن سعيد الحبطي، وابن وهب يروي عنه روايات منكرة، وهذه الرواية من رواية ابن وهب عنه، والله أعلم.
والحديث قد ذكر ابن الأثير في "أُسْد الغابة" (2/258) ترجمة سابق أن ابن مهدي رواه عن شعبة به، دون ذكر "ثلاث مرات".
وهذا سند لا يُحتج به؛ لأمور:
1- سابق بن ناجية، ترجمه الحافظ في "التقريب" بقوله: مقبول، ولم يرو عنه غير أبي عَقيل، ووثقه ابن حبان، وأخرج له أبو داود، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" ولعله لهذا قال الحافظ: "مقبول" أي حيث يُتابَع، وإلا فليّن الحديث، ولاشك أن إخراج أبي داود للرجل فيه نوع نفْع له، لكن الأمر عندي لا ينبني عليه كبير فارق في الحكم، فإن المقبول يستشهد به، وكذا المجهول يستشهد به في الجملة، والله أعلم.
2- أما أبو سلاَّم، فالعلماء على أنه ممطور الأسود الحبشي، ولذا صرحوا باسمه في كتب الرجال، ومنهم من ذَكَر الحديث في ترجمته، ولا أعلم أن أحدًا من العلماء توقف في ذلك – فضلاً عن الجزم بخلافه- إلا ما وقفتُ عليه من كلام شيخنا العلامة المحقق ناصر الدين الألباني – رحمه الله- فقد قال في "الضعيفة" (11/32/برقم 5020) متعقبًا قول الحافظ: "وأبو سلام المذكور، هو ممطور الحبشي، وهو تابعي" قال شيخنا – رحمه الله-: قلت: الجزم بأنه ممطور يدفعه رواية عفان المتقدمة عن شعبة – يعني التي رواها أحمد (38/196/برقم 23112)- ففيها أنه أبو سلام البرَّاء، فلعل الحافظ لم يقف عليها، أو على الأقل لم يستحضرها عند تحريره لهذا البحث، ثم إنني لم أجد له ترجمة في المصادر التي بين يدي الآن، فهي علة أخرى في هذا الإسناد اهـ.
قلت: لكن عند أحمد أيضًا في (31/304/برقم 18969): حدثنا هاشم بن القاسم – وهو أبو النضر- ثنا شعبة عن أبي عقيل هاشم بن بلال عن سابق بن ناجية عن أبي سلام – قال أبو النضر: الحبَشي- ....الحديث، وأبو سلام الحبشي هو ممطور الحبشي، وفي رواية أحمد التي استدل بها شيخنا الألباني – رحمه الله-: "عن أبي سلاّم البرّاء (بالتشديد) – رجل من أهل دمشق-" اهـ ومعلوم أن ممطورًا الحبشي من أهل دمشق أيضًا، فإما أن يقال: كلمة "البرّاء" لو كانت اسمًا فهي محرفة، وإن كانت مهنة أي من برْي النُّشَّاب أو العُود؛ فقد يكون ممطور كذلك، وقد ذكر ابن ناصر الدين الدمشقي في "توضيح المشتبه" (1/398): البراء بن عازب وغيره، وهو بفتح أوله والراء، والبرّاء بالتشديد نسبة إلى برْي النُّشَّاب اهـ والحبشة قد عُرفوا بذلك، فإن كان ممطور الحبشي نسبة إلى الحبشة بلاد النوبة؛ فيحتمل أنه وُصف بذلك لذلك، وفي قصة قتل وحشي لحمزة – رضي الله عنه- ما قد يشير إلى شيء من ذلك، وإن كان لشيء آخر، كأن تكون الحبشة بطنًا من حمير – كما في بعض المواضع من ترجمته- فيُعوَّل على غيره مما ذكرته هنا، والله أعلم.
وعلى كل حال: فما ذكرته هنا من صنيع العلماء بالتصريح في كتب الجرح والتعديل بأن راوي هذا الحديث أبو سلام هو ممطور الحبشي، وأبو سلام البراء لم أقف عليه في أي كتاب من كتب الجرح والتعديل؛ مما يدل على أن العلماء لا يرونه اسمًا لأبي سلام، ولم أقف عليه في الكتب التي اعتنت بالكلام على رجال أحمد أو زوائده، وكل هذا يرجح – إذا كان المراد به أنه اسم لأبي سلام- أنه تحريف من بعض النساخ، أو الطباعة، أو غير ذلك، والله أعلم.
3- أما أبو عقيل، فهو ثقة، وإبهام اسم الخادم لا يضر، لأن الصحابة كلهم عدول عند المسلمين إلا شواذ لا يُعْتَدّ بهم، والله أعلم.
4- هشيم عنعن في كل الطرق عنه، وهشيم عنده تدليس على ثقته، إلا أنه متابَع فلا يضره ذلك، وقد روى جملة "ثلاث مرات" وأما شعبة: فقد اخْتُلِف عليه في ذلك، فرواه بهذه الجملة عنه كل من:
1- خالد بن الحارث 2- أسود بن عامر 3- غندر 4- عفان 5- سعيد بن عامر 6- سليمان بن حرب 7- عمرو بن مرزوق 8- سعد بن شعبة 9- عبد الله بن رجاء 10- عبد الله بن يزيد المقرئ.
وقد رواه عن شعبة بدون هذه الجملة كل من:
1- حفص بن عمر 2- أبي النضر هاشم بن القاسم 3- وهب بن جرير 4- غندر 5- النضر بن شميل.
فلاشك أن هذه الجملة - لو سلم السند من سابق بن ناجية- لكان ثبوتها أولى من إهمالها، لكن هي من جملة الحديث الذي يرتقي بالجابر، كما سيظهر ذلك مما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
وهناك علة أخرى – لكنها لا تضر هذه الرواية- وذلك ما جاء من طريق مسعر، قال حدثني أبو عقيل عن سابق عن أبي سلام خادم رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: "ما من مسلم، أو إنسان، أو عبد يقول حين يمسي وحين يصبح ثلاث مرات: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا وبمحمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نبيًّا؛ إلا كان حقًّا على الله أن يُرْضيه يوم القيامة".
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/36/29272) عن محمد بن بشر، وكذا أخرجه في "المسند" (2/77-78/برقم 580) عن محمد بن بشر، ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن ماجه (2/1273/برقم3870) وأخرجه أحمد (31/303/برقم 18968) عن وكيع، وفيه: "عن أبي سلام عن سابق خادم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-" فانقلب عليه الإسناد بتقديم وتأخير، وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1/348/برقم 471) عن ابن أبي شيبة، ولم يذكر "ثلاث مرات"، وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" (1/326/برقم 405) من طريق مصعب بن المقدام نا مسعر، ولم يذكر "ثلاث مرات" وفيه: "عن أبي سلام عن سابق خادم رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-" وليس فيه: "قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-" ولعله سَقْط، وكذا أخرجه الطبراني في "الكبير" (22/367/برقم 9212) من طريق ابن أبي شيبة، بدون "ثلاث مرات"، وكذا في "الدعاء" (2/930-931/برقم 301) وأخرجه أيضًا في "الدعاء" (2/932/برقم 303) من طريق ابن وهب عن شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم عن أبي عقيل، وبدون ذكر "ثلاث مرات" وأخرجه أبو الطاهر السلفي الأصبهاني في "المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي" (ص193-194/برقم 460) من طريق ابن أبي شيبة، وكذا أخرجه من طريقه أبو الفضل الزهري في "حديثه" رواية الجوهري (1/360/برقم 343)، وأخرجه ابن مردويه كما في "ثلاثة مجالس من أماليه" (ص216/برقم 43) من طريق نصر بن مزاحم نا مسعر، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" ترجمة سابق (3/1448/برقم 3673) من طريق عبد العزيز بن أبان، وفيه: "عن أبي سلام عن سابق خادم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-"، وأخرجه ابن عبد البر في "الاستيعاب" (4/1681/برقم 3010) من طريق ابن أبي شيبة، وكذا المزي في "تهذيب الكمال" (10/126-127) بدون "ثلاث مرات" ومن طريق ابن أبي شيبة أيضًا أخرجه الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/373)، وعزاه الحافظ في "النكت الظراف" (9/220) و"الإصابة" (7/157) ترجمة أبي سلام لأبي أحمد الحاكم في "الكنى" من طريق ابن أبي شيبة، كلاهما، أعني – مسعرًا، وروح بن القاسم لو صحّت الرواية إليه، وهي الأصح- عن أبي عقيل به.
ففي هذا السند وهْم لا خلاف فيه بسبب القلب، كما سبق في بعض الروايات، وهذا خلاف لما رواه أصحاب مسعر عنه، وأما جعْل الحديث من مسند أبي سلام خادم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ فلا يصح أيضًا، فإن أبا سلام ليس بصحابي، بل هو راوٍ عن الخادم كما سبق في رواية شعبة وهشيم، ولذا رجح عدد من العلماء رواية شعبة وهشيم السابقة، على رواية مسعر هذه، وهو كذلك، خلافًا لما رجحه ابن عبد البر في "الاستيعاب"، انظر كلام المزي في "تهذيب الكمال" (10/125) وفي "تحفة الأشراف" (9/220) وكذا كلام الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/373) وفي "الإصابة" (7/158) ترجمة أبي سلام برقم (10045).
وأما جملة "ثلاث مرات" في هذا الطريق، فقد رواها عن مسعر:
1- محمد بن بشر 2- وكيع 3- نصر بن مزاحم 4- عبد العزيز بن أبان.
ومحمد بن بشر ثقة، ووكيع ثقة حافظ، وإن انقلب عليه الإسناد، ووهم في ذلك، فيُقبل منه ما لم يخالف فيه؛ فإنه ثقة كبير، وأما نصر بن مزاحم فمتروك، وعبد العزيز بن أبان متروك أيضًا.
والذين لم يرووا هذه الجملة عن مسعر:
1- مصعب بن المقدام، وهو صدوق له أوهام.
2- محمد بن بشر، وأكثر تلامذته يروونها عنه، فهو بالفريق الأول ألْيق.
فالراجح عن مسعر الأول، مع ما في الحديث من ضعف ومخالفة، والرواية المرسلة لا تعل المسندة، ولا الناقصة تعل التامة، لكن هذا يقال في حديث الثقات، غير أنه لا مانع من الترجيح على الضعيف، إذا كان وجه الترجيح واضحًا، وإلا فمضطرب، ومن شأن الضعفاء الاضطراب في الرواية، والله أعلم.
وأما أبو سعيد التميمي فهذا الحديث من مناكيره، وقد رواه بغير وجه، وهذا يدل على أنه من جملة مناكيره.
-والحديث قد رواه الرُّوياني في "مسنده" (1/481/برقم 730): ثنا سفيان بن وكيع ثنا أبي نا سفيان عن أبي عقيل عن سابق عن أبي سلام عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- به.
إلا أن سفيان بن وكيع مع صدقه ابتُلي بوراق سوء، كان يُدْخِل في حديثه ما ليس منه، ونُصح في ذلك، فأصرّ، فطعنوا فيه بسبب ذلك، وذِكْر سفيان الثوري شيخ وكيع هنا منكر، فإن أحمد بن حنبل الإمام الرباني قد روى الحديث عن وكيع عن مسعر، فمخالفة سفيان بن وكيع لإمام أهل السنة، وجعْل الحديث من رواية وكيع عن سفيان الثوري منكرة، والله أعلم.
والخلاصة في حديث هذا الخادم – رضي الله عنه- أن رواية أبي عقيل عن سابق عن أبي سلام عن خادم رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هي الرواية الراجحة، ومع رجحانها؛ فإنها ضعيفة بسبب سابق بن ناجية، إلا أن ضعفه من جملة الضعف الخفيف القابل للانجبار، والله أعلم.
ثانيًا: حديث ثوبان – رضي الله عنه-:
من طريق أبي سعد البقال – واسمه سعيد بن المرزبان- عن أبي سلمة، عن ثوبان – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "من قال حين يمسي رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا؛ كان حقًّا على الله أن يُرضيه".
أخرجه الترمذي – واللفظ له- (5/397/برقم 3389) من طريق عقبة بن خالد، وأخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/932/برقم 304) من طريق علي بن هاشم بن البريد، وفيه "ثلاث مرات" في الصباح والمساء، وأخرجه ابن جُميْع الصيداوي في "معجم الشيوخ" (ص296/برقم 257) ترجمة عبد الله بن محمد بن أبي سعيد أبي بكر البزار، ومن طريق عبد الرحمن الزجاج، وهو أبو مسعود عبد الرحمن بن الحسن، إلا أن عنده زيادة منكرة هنا، وهي قوله: "وهو ثاني رجليه، قبل أن يُكلم أحدًا"، وأخرجه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (3/968-969) من طريق عقبة بن خالد، وكذا أخرجه الحافظ في "النتائج" (2/370-371) من طريق أبي مسعود عبد الرحمن بن الحسن، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وعلي بن هاشم، وفيه "ثلاث مرات" في الصباح والمساء، كلهم، أي: عقبة بن خالد، وعلي بن هاشم بن البريد، والطنافسي، وعبد الرحمن الزجاج، وهو أبو مسعود عبد الرحمن بن الحسن – انظر "الضعيفة"- عن أبي سعد البقال به.
وهذا سند ضعيف من أجل البقال؛ فإنه ضعيف مدلّس، وقد عنعن، ومع ذلك فالسند علته ليست شديدة.
وأما ذكر الصباح والمساء، وتكرار الذِّكر ثلاث مرات، فالذين رووه أكثر وأحفظ، وهم: محمد بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة يحفظ، وعلي بن هاشم بن البريد، وهو صدوق يتشيع، وأما عبد الرحمن الزجاج، فلا يحتج به، وانظر ما قاله شيخنا الألباني – رحمه الله- عنه في "الضعيفة" (11/35/في رقم 5020)، وانفرد عقبة بن خالد، وهو صدوق صاحب حديث فلم يرو "ثلاث مرات" واقتصر على ذكر المساء.
وقد ثَبَتَ شيخنا الألباني – رحمه الله- على تضعيف بل ترْك هذه الطريق أيضًا، كما في "السلسلة الضعيفة" برقم (5020) وحجته في ذلك أمور:
1- أن أبا سعد البقال متروك، والذي يظهر لي أنه صدوق في نفسه، لكنه كثير التدليس، وأن ذلك تسبَّب في كثرة مناكيره، وأن هناك من حمّله العهدة في النكارة فتركه، وهناك من رأى أنها من غيره، ولكنه أُتي من الشَّرَه، والتدليس، والحرص على العلو بإسقاط الوسائط التي أخذ عنها الحديث، لا العلو الناتج عن اتساع الرحلة للمشايخ، وقد وصفه غير واحد من الأئمة بأنه صدوق، أو لا يكذب، ومنهم من اكتفى بتضعيفه وتليينه، وجماعة منهم تركوه، ومجموع هذه الأقوال: هو ما قاله الحافظ في "التقريب" فقد وصفه بأنه ضعيف، ومدلس، ولولا شيوع تدليسه؛ لحكمتُ بوهائه لكثرة من تركه وشهرتهم، لكن الجمع ممكن بين كلام العلماء بما قاله الحافظ، لاسيما وهو صدوق في نفسه، وعلى ذلك فلا يصل الرجل إلى حَدِّ المتروك.
2- قال شيخنا – رحمه الله-: "ومن المحتمل أنه تلقّاه عن سابق بن ناجية المجهول، ثم دلَّسه، وقال –وهمًا منه، أو قصدًا وتدليسًا-: "عن أبي سلمة..." بَدَل: "أبي سلام" و: "عن ثوبان" بَدَل: "عن خادم النبي عليه الصلاة والسلام" اهـ.
قلت: نعم من المحتمل أنه تَلقَّاه عن سابق بن ناجية المجهول، ثم دلّسه، لكن من المحتمل أيضًا أنه ما تلقاه عن سابق، بل من المحتمل أنه تلقاه عن آخر ثقة، ولو فتحنا باب الاحتمالات، أو ما يسميه شيخنا الألباني – رحمه الله- بـ"القدْقدَة" أي قد يكون، وقد لا يكون، لو فتحنا هذا الباب؛ ما سَلِم لنا كثير من الأحاديث، لاسيما ولم أجد من صرح أو أشار إلى أن سابق بن ناجية تلميذ لأبي سلمة بن عبد الرحمن، أو شيخ لأبي سعد البقال، فنبقى على علة التدليس والضعف، وهي علة ليست بشديدة، كما هو مقرر في غير هذا الموضع.
وأما احتمال إبدال "أبي سلام" بـ"أبي سلمة" فمحتمل، لكن في بعض المصادر التي أخرجت الحديث ما يرده، فعند الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (3/968-969): "عن أبي سلمة بن عبد الرحمن" وسند الذهبي إلى عقبة بن خالد صحيح، وعند الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/370-371): "عن أبي سلمة – وهو ابن عبد الرحمن بن عوف-" وهذا التفسير من أحد رواة السند، وإن كان من الحافظ ابن حجر؛ فهو مقبول أيضًا.
وأما إبدال خادم رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بثوبان رضي الله عنه؛ فلا يضر ذلك، فحيثما دار الإسناد دار على ثقة، فالصحابة كلهم عدول، كما قرر ذلك علماء السنة، وشيخنا في هذا العصر من الإمامة والرفعة منهم بمكان، رحمة الله عليه وعليهم جميعًا، وحفظ الله الأحياء ومتَّع بهم.
3- وأشار شيخنا – رحمه الله- أيضًا إلى علة أخرى، وهي الاختلاف في المتن، فقال: "مع ما بين متنهما من الاختلاف في اللفظ، كما هو ظاهر بأدنى تأمل" اهـ.
قلت: رواية الترمذي – التي أخرج الحديثَ شيخُنا الألباني منها- ليس فيها ذكر الصباح، ولا جملة: "ثلاث مرات" لكن قد سبق أن غير الترمذي أخرجها تامة، وأن من رواها تامة أكثر وأحفظ، إلا أن يكون في سند الحافظ إلى من رواه عن البقال من فيه كلام، فهذا أمر آخر، ثم استدركتُ فأقول: سند الحافظ إلى أبي سعد البقال لا غبار عليه، فكلهم مشاهير، وبذلك يكون من زادها أكثر وأحفظ، ولو لم يكن إلا الطنافسي وحده لكفى، فكيف بانضمام آخرين إليه؟!
ثالثًا: حديث مُنَيْذر الأسلمي الإفريقي – رضي الله عنه-:
من طريق رشدين بن سعد عن حُيي بن عبد الله المعافري عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن المنيذر صاحب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وكان ينزل إفريقية، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "من قال: رضيتُ بالله ربًّا، وبمحمد نبيًّا؛ فأنا الزعيم لآخُذَنَّ بيده يوم القيامة، ولأُدخلنَّه الجنة" أخرجه ابن قانع – واللفظ له- في "معجم الصحابة" (3/105/برقم 1072) من طريق يحيى بن غيلان الأسلمي، وأخرجه الطبراني في "الكبير" (20/355/برقم 838): ثنا عبدان بن أحمد عن الجراح بن مخلد، عن أحمد بن سليمان وفيه: "من قال إذا أصبح: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا..." ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (5/2521/برقم 6107).
وهذا سند ضعيف من أجل رشدين بن سعد، والمعافري أيضًا عنده أوهام، وفي هذا الحديث علة أخرى تجعله منكرًا، فقد خالف رشدين بن سعد – وهو ضعيف- أو شيخه، وهو ممن يهم من رواه عن الحُبُلي مثل أبي هانئ الخولاني المصري حميد بن هانئ، وهو لا بأس به، وهذا عند مسلم برقم (1884) مع زيادة في الجهاد، وعند أبي داود والنسائي وغيرهما، من حديث أبي سعيد الخدري، وليس فيه ذكر الصباح والمساء أصلاً، ورشدين – أو شيخه المعافري- هنا رواه مرة بذكر المساء فقط، ومرة بذكر الصباح فقط، وهذا من اضطرابه، والمعتمد في حديث الحُبلي ما رواه أبو هانئ وغيره عنه، ولاسيما أن الحُبُلي قد توبع أيضًا على كون الحديث من حديث أبي سعيد الخدري، والله أعلم.

(تنبيه) قال الحافظ في ترجمة المنيذر (6/180): وصله الطبراني إلى رشدين، وتابعه ابن وهب عن حُيي، ولكنه لم يُسَمِّه، قال: عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأخرجه ابن مندة اهـ.
قلت: فإذا زالت علة رشدين، بقي حُيي بن عبد الله المعافري، وهو ممن يهم، ويبقى الإشكال الآخر في العلة الخفية، للاختلاف بين من رواه عن الحُبُلي من مسند المنيذر، أو مسند أبي سعيد الخدري، بدون الشاهد، وهو ذكر الصباح والمساء.
هذا، والحديث حسنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/334/برقم 977) والهيثمي في "المجمع" (10/116) وتعقبه الحافظ بقوله: "فيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف" هذا مع ذكره متابعة ابن وهب لرشدين، وانظر "الصحيحة" لشيخنا الألباني – رحمه الله-.
وقد حسَّن شيخنا الألباني – رحمه الله- الحديث في "الصحيحة" (6/421-422/برقم 2686).
قال: ولهذه الزيادة – يعني قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "إذا أصبح..."- شاهد من حديث رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مرفوعًا بلفظ آخر، وزيادة أخرى، وفي إسناده اضطراب وجهالة، ولذلك أخرجْتُه في الكتاب الآخر – يعني "الضعيفة"- برقم (5020) وفيه زيادة أخرى: "ثلاث مرات" اهـ.
قلت: يعني شيخنا – رحمه الله- بالشاهد الذي ذكره: حديث أبي سلام عن خادم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد قرر – رحمه الله- هناك أن في السند مجهولين واضطرابا، إلا أن هذا عند شيخنا – رحمه الله- خاص بأذكار الصباح دون المساء، وقد سبق تفصيل ذلك، وأن الذكر ثابت فيهما جميعًا إن شاء الله تعالى.
رابعًا: حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-:
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (9/301) ترجمة خزيمة بن خازم النهشلي، من طريق محمد بن إسماعيل بن علي بن النعمان البندار ثنا الجراح بن مخلد، ثنا يعقوب بن يوسف الأصم ثنا خزيمة بن خازم القائد عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "من قال إذا أصبح: رضيت بالله ربًّا..." الحديث، وفيه: "رضي الله عنه".
ومن طريق الخطيب أخرجه ابن العديم في "بُغْيَة الطلب في تاريخ حلب" (7/3256-3257) وخزيمة لا يُعرف حاله في الرواية، ومن تحته ثقتان، وفوقه صدوقان، وأبو سلمة مشهور.
لكن الجراح بن خالد – وهو ثقة- قد مرَّ بنا في حديث "المنيذر" أن عبدان الثقة الحافظ يرويه عن الجراح عن أحمد بن سليمان عن رشدين بن سعد من مسند المنيذر، ومحمد بن إسماعيل بن علي بن النعمان – راويه عن الجراح من مسند أبي هريرة- ثقة، وقد خالف الثقة الحافظ المصنِّف عبدان بن أحمد، فيكون قوله – إن شاء الله- هو الراجح، ويعود حديث أبي هريرة لحديث المنيذر، وقد سبق أن حديث المنيذر يعود إلى حديث أبي سعيد الخدري، وليس في حديث أبي سعيد الخدري الشاهد، وهو ذكر الصباح والمساء، إنما هو ذكر عام دون تحديد زمن، ولا عدد، وهذا بخلاف ما نحن بصدده، والله أعلم.
والخلاصة: أن الحديث بلفظ: "من قال: رضيتُ بالله ربًّا..." الحديث، ولم يُذكَر فيه الصباح والمساء، ولا "ثلاث مرات"؛ صحيح عند مسلم وغيره، لكن ليس فيه شاهدنا.
وبلفظ: "من قال إذا أصبح وإذا أمسى: رضيت بالله ربًّا..." الحديث، ولم يُذكر فيه: "ثلاث مرات" فهو حسن لغيره.
وبلفط: "من قال إذا أصبح وإذا أمسى ثلاث مرات: رضيت بالله ربًّا.." الحديث، بالجهْد يكون حسنًا لغيره، والله أعلم.

(تنبيه): جملة "وبمحمد نبيًّا" هي المحفوظة، وقد وردت بها الروايات السابقة، وأما جملة "وبمحمد رسولا" لم يذكرها في هذه المصادر السابقة لهذا الحديث إلا أبو داود (5072) وأبو الطاهر في "المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي" برقم (460).
وأما ابن أبي شيبة فقد أخرجه في المصنف (6/36/29274) من مرسل عطاء بن يسار بلفظ "رسولا"، لكن فيه محمد بن عبد الرحمن بن المجَبَّر – أحد رجال السند- متروك.
وقد قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/333): فينبغي أن يُجمع بينهما، فيقال: "وبمحمد نبيًّا ورسولا" وقد ردّ ذلك شيخنا الألباني – رحمه الله- في "الصحيحة" (1/655/برقم 334) وقال في لفظ "نبيا": وهو أصح من "رسولا"، وهو كما قال، والأذكار توقيفية ما أمكن، فيقال: "وبمحمد نبيا" والله تعالى أعلم.

(تنبيه آخر): قال النووي في "شرح مسلم" (2/139) عند حديث: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولا": معنى رضيتُ بالشيء: قنعْتُ به، واكتفيتُ به، ولم أطلب معه غيره، فمعنى الحديث: لم يطلب غير الله تعالى، ولم يَسْعَ في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ولاشك في أن من كانت هذه صفته؛ فقد خلَصتْ حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعم الإيمان" اهـ.

كتبه/ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
دار الحـديث بمأرب

25/محرم/1432هـ
منقوووووووووووو وول