شكرا لكم و بارك الله فيكم ...
قال شارح الطحاوية رحمه الله :
أي : سلم لنصوص الكتاب والسنة ، ولم يعترض عليها بالشكوك والشبه والتأويلات الفاسدة ، أو بقوله : العقل يشهد بضد ما دل عليه النقل ! والعقل أصل النقل ! ! فإذا عارضه قدمنا العقل ! ! وهذا لا يكون قط .
لكن إذا جاء ما يوهم مثل ذلك ، فإن كان النقل صحيحا فذلك الذي يدعى أنه معقول إنما هو مجهول ، ولو حقق النظر لظهر ذلك .
وإن كان النقل غير صحيح فلا يصلح للمعارضة ، فلا يتصور أن يتعارض عقل صريح ونقل صحيح أبدا . ويعارض كلام من يقول ذلك بنظيره ،
فيقال : إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل ، لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين ، ورفعهما رفع النقيضين ، وتقديم العقل ممتنع ،
لأن العقل قد دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل ، ولو أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضا للنقل ، لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء ، فكان تقديم العقل موجبا عدم تقديمه ، فلا يجوز تقديمه . وهذا بين واضح ،
فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته ، وأن خبره مطابق لمخبره ، فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلا صحيحا ، وإذا لم يكن دليلا صحيحا لم يجز أن يتبع بحال ،
فضلا عن أن يقدم ، فصار تقديم العقل على النقل قدحا في العقل .
قال الشيخ الفاضل د سفر الحوالي شفاه الله :
ولا يجوز أن نعمل العقول في مخالفة ما صح وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ الواجب في ذلك الإيمان والتسليم دون معارضة ولا منازعة ولا مدافعة، وهذا هو المتحتم على كل مؤمن، وإلا فليس هو بمؤمن.
وثمة مسألة مهمة جداً ينبغي تذكرها وهي:
لو أن إنسان من أهل الجاهلية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد! قد سمعت قولك ووعيت ما قلت عن ربك، ويظهر لي أنه الحق لكن لن أصدق به ولن أعتقده حتى أعرضه على شيخ قبيلتنا...
فهل يعد مثل هذا الإنسان مؤمناً مسلماً؟!
إن هذا ليس بمسلم، ولا يعد مؤمناً..
وهكذا فعل بعض الوفود -كما في السيرة- فبنو تميم ذهبوا إلى أكثم بن صيفي يسألونه!
ولذلك فالذين لا يؤمنون بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعرضوه على أي شيء كائناً ما كان؛ ليسوا بمؤمنين.
فإذا جاء أهل الكلام وقالوا: لا نؤمن بهذه الأدلة -كأدلة علو الله- وأدلة صفاته مثلاً -بمجرد ثبوت إسنادها وفق قواعد المحدثين- بل لا بد أن نعرضها على عقولنا وعلى البراهين والقواطع العقلية؛ فنقول: أنتم إلى الآن لم تؤمنوا؛ لأنكم إذا آمنتم بعد العرض على عقولكم -كما تزعمون- لم تؤمنوا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بما جاء به العقل، ولو جاء حديث صحيح لا تقبله عقولكم -كحديث النزول مثلاً- لقلتم: لا نقبله لأنه لم يوافق العقل..
إذاً: هم آمنوا بعقلهم لا برسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه.
إن الإيمان الحقيقي هو التسليم والإذعان لجميع الشرع وهذا حال المؤمنين دائماً.