بسم الله الرحمن الرحيم
الوادعي رحمه الله عالم من علماء أهل السنة والجماعة في قطرنا اليماني الحبيب...ولا يشفع له([2]) ذلك: قوله في تقديمة للرسالة (ص9):«والأخ(.....) حفظه الله، وإن لم يكن بمنزلة محدِّث العصر الشيخ ناصر الدين ... ».فهذا حقٌّ وصدق؛ بل أنا أشهد على نفسي أنني دون ذلك بكثير، ولكني ـ مع ذلك ـ أرى أن من الواجب على الشيخ مقبل أن ينصح أولئك الناشئين أن يدأبوا على دراسة هذا العلم حتى يَنْبُغُوا فيه، وأن ينشروا ما ينفع الأمة من البحوث الحديثية الفقهية، مما يعلمون أن الناس بحاجة إليه، حتى يطّلع الناسُ على ثمرة عِلْمهم، ويُشْهَد لهم به!)
لم يكن الشيخ متفرداً بلواء أهل السنة في عصره كما يتوهمه البعض، بل كان وما زال علماء أهل السنة في اليمن متوافرون حاضرون يقومون بالتعليم والدعوة إلى الله تعالى قبل وأثناء وبعد الوادعي ...
ولم تكن دماج الوحيدة التي بثت العلم الصحيح دون غيرها من هجر العلم ومعاقله في اليمن كما يتخيله أيضا بعض الأفاضل...
بل ما زالت بحمد الله مخاليف اليمن تخرج لنا العلماء وطلبة العلم، وما زالت هجرالعلم لأهل السنة قائمة بحمد الله على ما يعانيه بعضها من شحِّ في الموارد...
وإن مما لا شك فيه أن للشيخ الفاضل الوادعي إسهامات مشهورة في علم الحديث، وقد شهد له العلامة الألباني رحمه الله تعالى بذلك حيث قال في السلسلة الصحيحة(7/197) وهو في معرض الرد على رسالة (بذل الجهد):(إن عجبي لا يكاد ينتهي من أخينا الفاضل الشيخ مقبل بن هادي؛ كيف يحضُّ هذا وأمثالَه من الناشئين مثل (..............)([1])ونحوهما ـ على أن يتسلَّقوا سلّم النقد في هذا العلم؛ وهم ـ بعدُ ـ في أول الطريق؟؟ وأن يشغلونا عما نحن في صدده ـ من خدمة كتب السنة ـ بالردّ على أمثالهم، ولو بقدر ضئيل من الوقت؟؟
وقال الألباني أيضا في الصحيحة(6/309) عند حديث:( " ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده ، و قرب غيره ، فقال أبو رزين : أويضحك الرب عز وجل ؟ قال : نعم . فقال : لن نعدم من رب يضحك خيرا " ):
(و بهذه المناسبة أقول : إن قول صاحبنا الشيخ مقبل بن هادي في تخريجه لحديث ابن كثير هذا ( 1 /445 - الكويت ) : " رواه أحمد ج 4 ص 13 بمعناه ، و هو حديث ضعيف لأنه من طريق عبد الرحمن بن عياش السمعي عن دلهم بن الأسود و هما مجهولان " . أقول : فقوله : " بمعناه " ليس بصحيح ، لأن " العجب " غير " الضحك " ، فهما صفتان لله عز وجل عند أهل السنة - و هو-أي الشيخ مقبل- منهم و الحمد لله - خلافا للأشاعرة ، فإنهم لا يعتقدونهما ، بل يتأولونهما بمعنى الرضا ! فلعله لم يتنبه للازم هذا القول ، ولهذا قيل : لازم المذهب ليس بمذهب !و أما قوله : و هو حديث ضعيف ، فهو مسلم بالنظر لطريق السمعي المذكورة ، و قد فاته الطريق الأخرى التي ابتدأنا التخريج بها ، و حسنا الحديث بمجموعهما . فلعله لو وقف عليها يرجع عن جزمه بضعف الحديث. و الله أعلم)
وقال أيضا في الصحيحة (6 / 793 ) عند حديث " يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه : هل تعرفني ؟ أنا الذي كنت أسهر ليلك و أظمئ هواجرك ، و إن كل تاجر من وراء تجارته ، و أنا لك اليوم من وراء كل تاجر ، فيعطى الملك بيمينه و الخلد بشماله و يوضع على رأسه تاج الوقار و يكسى والداه حلتين لا تقوم لهم الدنيا و ما فيها ، فيقولان : يا رب !أنى لنا هذا ؟ فيقال : بتعليم ولدكما القرآن . و إن صاحب القرآن يقال له يوم القيامة : اقرأ و ارق في الدرجات و رتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية معك " .
أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 2 / 53 / 1 - 2 / 5894 - بترقيمي ) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال : أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال :أخبرنا شريك بن عبد الله بن عيسى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به . و قال : " لم يروه عن عبد الله بن عيسى إلا شريك ، و لا رواه عن شريك إلا يزيد بن هارون ، و يحيى الحماني " . قلت : و بالحماني أعله الهيثمي ، فقال في " المجمع " ( 7 / 160 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ، وفيه يحيى بن عبد العزيز الحماني ، و هو ضعيف " . قلت : و فيه نظر من وجهين :
الأول : قوله : ابن عبد العزيز ، و إنما هو ابن عبد الحميد كما في كتب الرجال ،و لعله سبق قلم من المؤلف ، أو خطأ من الناسخ . و الآخر : أن الطبراني قد صرح بأن الحماني قد تابعه يزيد بن هارون ، و هو ثقة من رجال الشيخين ، فإعلال الحديث بالحماني خطأ واضح ، و الصواب تضعيفه بشريك ، و هو ابن عبد الله القاضي و هو ضعيف لسوء حفظه . لكن الحديث حسن أو صحيح ، لأن له شاهدا من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا بتمامه . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 10 / 492 - 493) و أبو القاسم الأصبهاني في " الترغيب " ، و غيره ممن كنت ذكرتهم في تخريجي إياه قديما في " تخريج الطحاوية " ( ص 126 - الطبعة الرابعة ) و بينت أن فيه بشير بن المهاجر ، و هو صدوق لين الحديث كما في " التقريب " ، و قلت : " فمثله يحتمل حديثه التحسين ، أما التصحيح - كما فعل الحاكم - فهو بعيد " . و قلدني في ذلك الشيخ شعيب في تعليقه على " شرح العقيدة الطحاوية " ( 1 / 94 ) و أما في تعليقه على " شرح السنة " ( 4 / 454 ) ، فأقر المؤلف البغوي على قوله : " حديث حسن غريب " و كذلك حسن إسناده الحافظ ابن كثير في " تفسير سورة البقرة " ( 1/ 33 ) ، و تكلم على راويه ( بشير ) بكلام حسن ، ثم قال : " لكن لبعضه شواهد .." . قلت : و كلها تدور حول فضيلة سورة البقرة و آل عمران التي جاءت في أول حديث بريدة ، و أما سائر الحديث الذي هو في حديث الترجمة ، فلم يذكر له أي شاهد وكذلك فعل مخرج أحاديثه صاحبنا الفاضل الشيخ مقبل بن هادي فلم يزد عليه شيئا مع أن الشطر الأخير من الحديث معروف من حديث ابن عمرو عند الترمذي و حسنه ، و ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم ، و قد سبق تخريجه برقم ( 2240 ) . و الحديث بتمامه له شاهد آخر من رواية يحيى بن أبي كثير بلاغا . أخرجه عبد الرزاق ( 3 / 374 /6014 ) عن معمر عنه . فهو بلاغ صحيح )
وقال أيضا في الضعيفة(5/75) عند حديث:(ليأتين على الناس زمان عضوض ، يعض المؤمن على ما في يديه ، و ينسى الفضل و قد قال الله تعالى : ( و لا تنسوا الفضل بينكم ) شرار يبايعون كل مضطر ، و قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر ، و عن بيع الغرر ، فإن كان عندك خير فعد به على أخيك ، و لا تزده هلاكا على هلاكه ، فإن المسلم أخو المسلم ، لا يحزنه ، و لا يحرمه " .
( تنبيه ) : هذا الحديث مما أورده الشيخان الحلبيان في " مختصر تفسير ابن كثير" زاعمين أنه صحيح ! و ذلك مما يدل على أنه لا علم عندهما ; لكثرة ما يصححان من الأحاديث الواهية بغير علم و لا كتاب منير . والله المستعان . و أما أهل المعرفة بهذا الفن ; فهم لا يشكون في ضعف مثل هذا الحديث ، فهذا هو الشيخ الفاضل مقبل بن هادي اليماني يقول في تخريجه على " ابن كثير " ( 1/513 ) بعد أن تكلم على رجال إسناده بإيجاز مفيد فردا فردا :" و الحديث ضعيف من أجل الانقطاع ، و ضعف عبيد الله بن الوليد الوصافي " .
نعم ; قد صح من الحديث النهي عن بيع الغرر ، و هو مخرج في " الإرواء " ( 1294 )، و " أحاديث البيوع " و قوله : " المسلم أخو المسلم " . ورد في " الصحيحين " و غيرهما عن جمع من الصحابة ، و هو مخرج في " إرواء الغليل " ( 1321 و 2490 ) .
رحم الله العلامة الألباني والشيخ الفاضل الوادعي...رحم الله المشايخ ابن باز والألباني والوادعي واسكنهم فسيح جناته
وبهذا نعرف أن الشيخ مقبل رحمه الله عند العلامة الألباني
1- سليم المعتقد من أهل السنة
2- من أهل المعرفة بفن الحديث
وقبل أن أختم حديثي هذا أحب أن أشير إلى أن الشيخ الوادعي مع إجلاله وتقديره الكبيرين للشيخين الألباني وابن باز لم يمنعه هذا الإجلال من الرد عليهما حين لاح له خطأهما في أحد المسائل؟؟؟
ولذا قال رحمه الله بعد أن أخبر بأن الشيخين أفتيا بخلاف فتياه في هذه المسألة:(نحن لا نبالي في الكثرة..بل نبالي بالحق إذا كان الحق ولو مع أصغر واحد من المسلمين فنقبله،أما أن نكون هيابين انهزاميين وقد قال الشيخ كذا وكذا فنحن لا نخالفه،فلا،فنحن نعتبر التقليد حراما،ولا يجوز التقليد في الدين خصوصا في مثل هذه المسألة؟؟ بل يجب أن نسأل العلماء عن الدليل، والأعرابي يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول:يا محمد إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك،فنحن نبرأ إلى الله من تلك الفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان،وأما الشيخ ابن باز والشيخ الألباني فعليهما أن يتقيا الله سبحانه وتعالى وأن يرجعا عن هذه الفتوى فإنها أضلت كثيرا من الناس....) ([3] )
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ
[1] حذفت الاسمين عمدا، لأن كلام الشيخ هذا قد مضى عليه سنوات،وراجع الصحيحة إن أردت التعرف على اسم الشيخين...
[2]أي للشيخ مقبل والكلام ما زال للألباني.
[3] انظر (غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة)،(2/172)الطبعة الثانية 1427هـ،الناشرمكتب ة صنعاء الأثرية