بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري


شرحا لحديث : يا بلال ! أرحنا بالصلاة




الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات والسلان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه وبعد,
فانّ خير الحديث كلام الله عزوجل. يقول المولى تبارك وتعالى
في سورة الاعراف 24
قل أمر ربي بالقسط, وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد (صلاة) وادعوه مخلصين له الدين, كما بدأكم تعودون * فريقاً هدى وفريقاً حقّ عليهمُ الضلالة, انهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون


والاستقامة تعني متابعة المرسلين عليهم الصلاة والسلام المؤيدين بالمعجزات الالهية التي اخبروا بها عن الله عزوجل , وما جاؤوا به من الشرائع , فالله جلأ وعلا لا يتقبل منا العمل الا اذا جمعنا هذين الركنين (الاستقامة والاخلاص لله عزوجل) ليكونا موافقين للشريعة وبريئين من الشرك.

ورحم الله شيخ الاسلام ابن تيمية حيث يقول: مساكين أهل الدنيا , خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها ! قيل له : وما أحلى ما فيها ؟ قال: حب الله عزوجل.

فأنتَ وانا وأنتِ وهم ونحن مساكين ان لم نُجرب البكاء في صلاتنا بين يدي ربنا ومولانا عز وجل, ومساكين ان لم نستشعر بجسدنا وقلوبنا ترتجف لذنب أذنبناه, رهبةً وخوفا من الله الواحد القهار, فهلا ابتسمنا ونحن داخلين على الله في صلاتنا؟

مَنْ هو المسيءُ لصلاته؟

هو الذي لا يطمئن فيها , لا يطمئن في قيامه فيقرأ الفاتحة وكأنه يقرأ جريدة, ولا يطمئن في ركوعه ولا بعد رفعه من الركوع, لا يطمئن في سجوده ولا بين السجدتين, ولا يطمئن في تشهده الأخير, نجده ينقر صلاته نقرا كما ينقر الغراب الحبة, يقوم الى الصلاة كسلاناً لا يذكر الله تبارك وتعتالى الا قليلا, وهؤلاء سماهم القرآن الكريم المافقون:

انّ المنافقين يُخادعون الله وهو خادعهم واذا قاموا الى الصلاة قاموا كُسالى يُراؤون الناس بأعمالهم ولا يذكرون الله الا قليلا

فوصفهم الله عزوجل بأنهم إذا جاءوا إلى الصلاة أتوها وقاموا اليها متثاقلون عنها وكأن هناك من يدفعهم إليها دفعًا ، لأنه لم يكن هناك دافع إيماني يدفعهم اليها ، ولم يكن في قلوبهم محبة لها أو شوقاً إليها، وإنما يأتوها رياءً أي مجاراة للناس وكأنهم يصلون للناس.

وأي صلاة خالية من الاطمئنان والخشوع, فقد اطلق عليهت النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المنافق, لما روى الأئمة مالك وغيره من حديث انس بن مالك رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, يجلس يرقب الشمس, حتى اذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا, لا يذكر الله فيها الا قليلا.

وفي الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: لا تُجزىءُ صلاة من لا يُقيمُ صلبه في الركوع والسجود

والآن هيّا بنا نتلقى معا توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي المسيُ لصلاته

يقول الناصح الأمين صلوات ربي وسلامه عليه يُوصي الأعرابي الذي دخل المسجد وبدأ يًصلي والنبي صلى الله عليه وسلم يرقُبُ صلاته وكان يصليها بسرعة , فقال عليه الصلاة والسلام لهرحمة به وبمن بعده : إذا قمت إلى الصلاة فكبر , ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن, ثم اركع حتى تطمئنّ راكعا, ثم ارفع حتى تعتدل قائما, ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا, ثم اجلس حتى تطمئن جالساً, واجعل ذلك في صلاتك كلها.

إن من أهم أركان الاسلام بعد الشهادتين هي الصلاة ، والصلاة عمود الإسلام وسنامه، وناهية عن الفحشاء والآثام، فمن حفظها وحافظ عليها يكون قد حفظ دينه وعاش بخير ومات بخير، ومن بدّلها أو تركها وضيّعها فهو لغيرها أترك وأضيع، وقد أخبر المولى عزوجل بأنها مما يستعين به المسلم على أمور دينه وأمور دنياه, وأخبر أيضا على أنها شاقة وثقيلة على المنافقين والمتكاسلين عنها, فاذا رأيت من يستثقل الصلاة فاعلم أنه منافق, واذا رأيت من يُواظب عليها ويحافظ على أركانها وشروطها وواجباتها فاعلم أنه المؤمنين الخاشعين لله عزوجل كما في قوله: وانها لكبيرة الا على الخاشعين.

اذن أهل الخشية والخشوع وأهل المحبة هؤلاء تكون الصلاة لذة لهم وراحة لنفوسهم واطمئنانا لقلوبهم, ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا اعتراه هم او غم قال لبلال رضي الله عنه: يا بلال أرحنا بالصلاة وليس من الصلاة, ومعنى أرحنا بالصلاة أي عجّل لنا بها حتى ندخل فيها فتطمئن قلوبنا لذكر الله , ألا بذكر الله تطمئن القلوب...ونجد فيها الراحة والبهجة والسرور, ونجد فيها اللذة وراحة البدن وسرور القلب وقرة العين, فتكون علاجا ودواء لكل مغموم ومهموم ومذنب مقبل على الله عزوجل بقلبه وعقله وروح وبدنه وجوارحه لا يشغله عنها شاغل خاشعا لله عزوجل يسأله سبحانه وتعالى القبول.
يقول المولى تبارك وتعالى في سورة البقرة
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِين

أي استعينوا بها على امور دينكم وأمور دنياكم, استعينوا بها على أعداءكم, استعينوا بها على أرزاقكم, استعينوا بها على مداواة أمراضكم, استعينوا بها على جميع شئونكم, وكان النبي صلى الله عليه وسلم

إذا اهتم بأمر من أمور الدين والدنيا لجأ إلى الصلاة، فإذا دخلها وجد فيها الراحة والطمأنينة، وإذا جاءه ما يهمه أو ما يحزنه أو ما يغمه لم يجد دواء إلا الصلاة فرضًا كانت أم نفلا، وهكذا يجب أن يكون المسلم قدوة لنبيه ومرشده صلوات ربه وسلامه عليه, فيا من تدّعي سنتّهُ عليك اتباع سنته ومنهجه عليه الصلاة والسلام الآمره مولاه عزوجل في سورة آل عمران 31
قلْ انْ كنتمْ تُحبّون اللهَ فاتبعوني يُحببْكم الله ويغفرْ لكم ذنوبَكُم, والله غفور رحيم

اذن هذه الآية الكريمة تُوجب علينا وجوبا اتباع الهدي النبوي في الصلاة وفي غيرها, وأن نربي أولادنا على المواظبة عليه، والآن هيا بنا جميعا نتفاعل مع توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي المسيء صلاته
1. تكبيرة الاحرام: اذن بعد القيام للصلاة هناك تكبيرة الاحرام لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فكبر.

2. بعد تكبيرة الاحرام هناك دعاء الاستفتاح, وهذا الدعاء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومحله بعد تكبيرة الاحرام وقبل الشروع بقراءة الفاتحة ويكون بالثناء على الله عزوجل بصفاته العلى وأسماءه الحسنى , لما رواه البخاري رحمه الله من حديث ام المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها , تصف لنا صلاته صلى الله عليه وسلم لركعتي سنة الفجر فتقول رضي الله عنها وأرضاها:كان النبي صلى الله عليه وسلم يُخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول:هل قرأ بأم الكتاب ؟

وما يهمنا من هذه الرواية قولها رضي الله عنها: هل قرأ بأم الكتاب, وما استفسارها هذا أو تعجبها لأكبر دليل على أنه كان صلى الله عليه وسلم يسبق قراءة الفاتحة بدعاء الاستفتاح, وان لم يكن كذلك, اذن فماذا عساه قرأ صلى الله عليه وسلم بين تكبيرة الاحرام والركوع؟.

3. وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة فرضا كانت أم نفلا, لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: ثمّ اقرأ ما تيسّر من القرآن- وفاتحة الكتاب على الأرجح ركنٌ من أركان الصلاة ولا تتم الصلاة الا بها, وهذا هو قول الجمهورمن اهل العلمرحمهم الله, وان خالف هذا القول البعض فقالوا : تاركالفاتحةيأثم ولكن تصح صلاته، مستندين لقوله تعالى - فاقرؤوا ماتيسر من القرآن- فهذا الجزء من الآية يُقصدُ به قيام الليل , حيث قيام الليل كان مفروضا على المسلمين من بدء الدعوة الى ما قبل رحلة المعراج المباركة في السنة الثانية للهجرة, فنسخ قيام الليل وبقي تطوعا لمن يريد الاستزادة في الأجر, ان أدّاه العبد أُثيب عليه, وان تركه فلا اثم عليه, ولوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة هناك دليل صحيح لما رواه ابو أبو هريرة رضي الله عنه , أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

4. الانتباه الى ضرورة قراءة الفاتحة آية آية, اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم, وليس كما يفعل بعض أئمة اليوم هداهم الله, يقرؤونها على دفعتين, وهذه القراءة مخالفة لهديه وسنته عليه الصلاة والسلام حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ القرآن كله آية آية , وكان يقف عند رؤوس الآي, وقد أمر الأعرابي- المسيء لصلاته أن يحذو حذوه صلى الله عليه وسلم , لما رواه احمد والترمذي من حديث أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها عندما سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يقطع قراءته آية آية : بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين.

روى الامام مسلم رحمه الله من حديث ابو هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى في الحديث القدسي:

قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين, فاذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين, قال الله عزوجل: حمدني عبدي, فاذا قال العبد: الرحمن الرحيم, قال الله عزوجل: أثنى عليّ عبدي, فاذا قال العبد: مالك يوم الدين, قال الله عزوجل تعالى: مجدّني عبدي, فاذا قال العبد: اياك نعبد واياك نستعين, يقول الله عزوجل: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل, فاذا قال العبد: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين, قال الله عزوجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.

وأما عن كيفية أداء الصلوات الخمس وغيرها من السنن والنوافل فلنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة, اذ يجب وجوبا أن تكون الكيفية قريبا من صلاته صلى الله عليه وسلم لما رواه الامام البخاري رحمه الله من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه, أنّ النبي صلى الله: يؤديها عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل
وصلوا كما رأيتموني أصلي

فلا يخلو كتاب من كتب الفقه الا وقد بيّن لنا كيفية صلاته صلى الله الله عليه وسلم , وقد كان اذا صلى عليه الصلاة والسلام بالناس اماما كانت صلاته وسطا بين الطول والقصر, وغالباً ما كان يقرأ من المُفصَّلُ , وهذه السنة النبوية تكاد أن تكون مهجورة في زماننا هذا, والمُفصَّل ينقسم الى ثلاثة أقسام : طوله, ووسطه, وقصاره, وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ في كل من صلاتي الفجر والظهر بطوال المفصل ( والذي يبدأ بالحجرات وينتهي بعبس) وفي صلاتي العصر والمغرب من قصار المفصل ( والذي يبدأ بالضحى وينتهي بالناس) وأحيانا كان يقرأ في المغرب من وسط المفصل, اما في صلاة العشاء فكان يقرأ من وسط المفصل (والذي يبدأ بعبس وينتهي بالضحى)

5. ثمّ اركع حتى تطمئن راكعا: وهذا يعني أن يقول كل منا في ركوعه سبحان ربي العظيم , أو سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات على الأقل وبصيغة يُفهم المصلي نفسه, فلا يتعجّل باللفظ, ويفضل ان يأتي المصلي على دعاء الركوع وهو: سبوح قدّوس ربُّ الملكوت والروح , لما رواه مسلم رحمه الله من حديث ام المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها, أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أما الركوع:فعظموا فيه الرب، وأما السجود: فاجتهدوا فيه في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم.

وقد ثبت عن انس بن مالك رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح الله عزوجل في كل من ركوعه وسجوده عشر تسبيحات على الأقل , وهذه السنة تكاد ان تكون من السنن المهجورة اليوم الا من رحم ربي, لما رواه سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: سمعت أنساً يقول: ما رأيت أحداً أشبه بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الغلام – يقصد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه – فحررنا عشر تسبيحات في ركوعه وعشرا في سجوده.

وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يُتم الركوع والسجود ويُخفف من القيام والقعود , اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

6. ثم ارفع حتى تعتدل قائما- أي ارفع رأسك من الركوع حتى تعتدل قائما وذلك لفترة تكفي أن تقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد حمدا طيبا مباركا فيه وهذا أقله, ومن أراد أن يزيد عن ذلك اقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم فعليه أن يُكمل القول ب: حمدا طيبا مباركا فيه ملء السموات والأرض, وملء ما شئت بعد, أقل ما قاله العبد, وكل لنا عبد, اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت, ولا ينفع ذا الجد منك الجد....أو يقول: ربنا ولك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, سبحانك ربنا لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك... وكلا الدعائين بعد الركوع وردا عنه صلى الله عليه وسلم.

7. ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا- أي ان تقول على الأقل: سبحان ربي الأعلى, او سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات بحيث تُفهم نفسك ما تقول, وأن تدعو بما شئت لك ولمن أحببت من خيري الدنيا والآخرة, لقوله صلى الله عليه وسلم: وأما السجود: فاجتهدوا فيه في الدعاء، فقمن أن يُستجاب لكم.

8. ثم اجلس حتى تطمئن جالسا – أي ااسترح بين السجدتين استراحة بحيث تكفي لأن تقول: اللهم اغفر لي , اللهم اغفر لي, اللهم اغفر بكلّ أناة وطمأنينة.

9. ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا- أي كما فعلت بالسجدة الأولى تماما.

10. واجعل ذلك في صلاتك كلها – أي احرص على أن يكون فيما تبقى لك من الركعات كالركعة الأولى , حتى يُكتبُ لها القبول عند المليك المقتدر جلُ وعلا.

ويقول ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى من سورة مريم 59فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا

أي من بعد النبيين, أي نحن ومن بعدنا الى يوم القيامة هم المعنيين بقوله تعالى: فخلفمن بعدهم خلف, أي أضاعوا الصلاة وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها, ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وركنوا اليها حتى فاجئهم الموت قبل التوبة, فهؤلاء وعدهم الله بالغي , وقد قال ابن عيّاض رحمه الله عن الغي أنه اسم لواد في جنهم من قيحٍ ودمٍ, نعوذ الله منه.

وأما عن قوله تعالى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون

قال ابن كثير رحمه الله: هم الذين يؤخرون الصلاة الى آخر وقتها, أو الذين لا يؤدون شروطها وأركانها وخشوعها وتدبر معانيها فينقرونها نقرا كما ينقر الديك الحبة , أما ابن عباس رضي الله عنهما فقال : هم المنافقون يُصلون في العلانية ولا يُصلون بالسر- أي المرائون الناس بأعمالهم, كما ثبت في الصحيحين من حديث الشيخان , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تلك صلاة المنافق, تلك صلان المنافق, تلك صلاة المنافق, يجلس يرقب الشمس, حتى اذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا, لا يذكر الله فيها الا قليلا- أي لا يطمئن في ركوعه ولا في سجوده, ولعله انما حمله على القيام اليها مراءاة للناس , لا ابتغاء وجه الله عزوجل, وان كان كذلك فهو كأنما لم يصليها بالكلية, لأنّ صلاة المرائي مردودة عليه ولا ثواب لها, لقوله تعالى في سورة التوبة:

انّ المنافقين يخادعون الله واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يُراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا

وعن الويل: قال الطبراني رحمه الله: انّ في جهنم لواديا, تستغيث جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة, أعدّ الله ذلك الوادي لثلاث فئات من المرائين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم : لحامل كتاب الله رياءً, ولحاج بيت الله تعالى رياءً, وللخارج في سبيل الله عزوجل رياءً.

فبين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق الذكر, أن صلاة المنافق تشتمل على التأخير عن الوقت الذي يؤمر بفعلها فيه , وعلى النقر الذي لا يذكر الله تعالى فيه الا قليلا, كما جاء في الحديث الصحيح:
أنّ العبد اذا قام الى الصلاة بطهورها وقراءتها وسجودها صعدت ولها برهان كبرهان الشمس تقول له: حفظك الله كما حفظتني.
وإذا لم يتم طهورها وقراءتها وسجودها فإنها تلف كما يلف الثوب وتقول له : ضيعك الله كما ضيعتني.

وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه:الصلاة مكيال, مَنْ وَفّى وُفِّي له, ومن طفّفَ , فقد علمتم ماذا قال في المطففين.

وفي مسند االامام أحمد بن حنبل رحمه الله من حديث سعيد المقبري عن عبد الله بن عنمة رضي الله عنهما قال: رأيت عمار بن ياسر رضي الله عنهما دخل المسجد, فصلى فأخفّ الصلاة فقلت: يا أبا اليقظان! لقد خفّفت, فقال: هل رأيتني انتقصت من حدودها شيئا؟ قلت: لا, فقال: فاني بادرت بها سهوة الشيطان, اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: انّ العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها الا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها.

وفي سنن أبي داود رحمه الله أن عمار بن ياسر رضي الله عنهما صلى صلاة فأخفها, فقيل له: خفّفت يا أبا اليقظان! فقال رضي الله عنه: هل رأيتموني نقّصْتُ من حدودها شيئاً؟ قالوا: لا... قال: اني بادرت سهو الشيطان, انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
انّ الرجل لينصرف وما كتب له الا عُشر صلاته, تسعها, ثمنها, سبعها, سدسها, خمسها, ربعها, ثلثها, نصفها.

وروى النسائي رحمه الله من حديث سعيد المقبري رضي الله عنه, أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: انّ العبد ليصلي, فما يكتب له الا عشر صلاته, فالثمن فالتسع حتى يكتب له صلاته تامة.

وسئل الامام ابن القيم رحمه الله تعالى عن عدم الخشوع في الصلاة او صلاتها دون اطمئنان فقال :


فإن قيل ما تقولون في صلاة من عدِم الخشوع ، هل يعتد بها أم لا ؟


فلا يُعتد بها ، إلا بما عقل فيه منها ، وخشع فيها لربه عزوجل.

ورأيُ الامام ابن القيّم رحمه الله هو عين الصواب , وبرأيه هذا رحمه الله يكون قد ميّز بينالعبادة والعادة في الصلاة, فمن اتخذ من صلاته عادة فلا ثواب لها , من منطلق قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون

وعلى هذ فكل صلاة بلا خشوع فهي تعبٌ بلا حسنات, تماما كالذي يصوم عن الطعام ولا تصوم جوارحه, فيكون ليس له من صومه الا الجوع والعطش كما في الحديث.

ولما سئل ابن عباس رضي الله عنه عن الصلاة بلا خشوع او اطمئنان اجاب رضي الله عنه: ليس لك من صلاتك الا ما عقلت. أي الا ما استقر في القلب منها.

ولو عاد فينا النبي صلى الله عليه وسلم ورأى من حال صلاتنا ما رأى من خلوها من اطمئنان , او ورأى من يقتصر في صلاته على الفروض دون النوافل, وليس لنا من قيام الليل من نصيب, فبماذا اذن سنبرر له تقصيرنا؟

ولطالما نعلم يقيناً عجزنا عن الاجابة, فلم اذن لا نتوب الى الله توبةً نصوحا ونعاهده عزوجل على أن نُحسِّنُ من صلاتنا ما بقي لنا في الحياة من العمر, فننال بذلك ثوابها على الوجه الذي يُرضي خالقنا عزوجل , ونلقى ربنا على المحجة البيضاء ليلهل كنهارها , وبذلك نكون قد اتبعنا سنته وطبقنا قوله صلى الله عليه وسلم: يا بلال ! أرحنا بالصلاة!.

وما نراه اليوم من بعض المسلمين وهم ينقرون صلاتهم كنقر الديك ليُدمي القلب, وكأنهم يراؤون الناس بأعمالهم.
وليس مِن الرياء أن يفرح الانسان بعلم الناس بعبادته او أن يُسرَّ الإنسان بفعل الطاعة ؛ لأن ذلك دليل إيمانه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم - مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : تلك عاجل بشرى المؤمن

واما عن ثمرة الاطمئنان في الصلاة مع الاقبال على الله جلّ وعلا بقلوب موقنة بالثواب, فقد روى الامام مسلم رحمه الله من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال , سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه ُعَلَيهِ وَسَلَّم يقول:

ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيُحسنُ وضوءها وخشوعها وركوعها , إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة؛ وذلك الدهر كله

وقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: إن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق في صلاته , قيل كيف ذلك يارسول الله ؟ قال:لا يتم ركوعها ولا سجوده

ومن أجمل ما قرأته من القول البليغ الموجع , بعد الهدي النبوي , في الذين لا يخشعون في صلاتهم , او في الذين لا يطمئنون بها او لا يُؤدون أركانها على الوجه الذي يرضي الخالق تبارك وتعالى , قول ابن الجوزي رحمه الله

إما أن تُصلي صلاة تليقُ بمعبودك , وإما تتخذُ معبوداً يليقُ بصلاتك.

فأصل الخشوع في الصلاة كما قاله ابن رجب رحمه الله: هو لين القلب ورقته, هو سكونه وخضوعه , هو انكساره وحرقته, فاذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تبعاً له.

وقد سئل حاتم الأصم رحمه الله كيف تخشع في صلاتك فقال
أقوم فأكبر للصلاة ... وأتخيل الكعبة أمام عيني , والصراط تحت قدمي, والجنة عن يميني والنار عن شمالي, وملك الموت ورائي , وأن رسول الله يتأمل صلاتي , وأظنها آخر صلاة , فأكبر الله بتعظيم وأقرأ بتدبر وأركع بخضوع وأسجد بخشوع وأجعل في صلاتي الخوف من الله والرجاء في رحمته, ثم أسلم ولا أدري أقُبِلت أم لا

اذا كان حال من سبقونا مع الصلاة وخشوعهم فيها , فكيف اذن نطمئن على أنفسنا ان كانت صلاتنا قبلت ام ضرب الله بها وجوهنا , وحالنا معها لا يخفى على أحد من نقص في الخشوع ونقص في الاطمئنان!

ومن منطلق قوله عليه الصلاة والسلام: يا بلال ! أرحنا بالصلاة, نستنتج أنّ الصلاة انما هي راحة نفسية للمؤمن لما فيها من الخشوع والتدبر لمعاني الذكر فيها, والخشوع هو روح الصلاة , نعم فالخشوع بحد ذاته طاعة وفي غاية الأهمية, وسببا لقبول صلاتنا, ولولا أنه كذلك , لما مدح المعبود عزوجل عباده الخاشعين في صلاتهم بقوله:

قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون

ولَمَا ختم هذه الفضائل بالايات 9 -11 بقوله تعالى
والذين هم على صلواتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون* الذين يرثون الفدروس هم فيها خالدون

ونفس المعنى ورد في سورة المعارج 22- 24 بقوله تعالى
الا المصلين * الذين هم على صلاتهم دائمون

وختم الفضائل بالايات 34- 35 بقوله تعالى
والذين هم على صلاتهم يحافظون اولئك في جنات مكرمون

فهل تساءل نفسه أحدنا يوما لم هذا التكرار؟

فقد روى الامام مسلم والترمذي والنسائي رحمهم الله من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: كان اذا نزل على رسول صلى الله عليه وسلم الوحي يُسمعُ عند وجهه كدويِّ النحل, فلبثنا ساعة, فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال:اللهم زدنا ولا تنقصنا, وأكرمنا ولا تُهنّا, وأعطنا ولا تحرمنا, وآثرنا ولا تُؤثر علينا, وارض عنا وأرضنا, ثم قال عليه الصلاة والسلام: لقد نزل عليّ عشر آيات, من أقامهنّ دخل الجنة, ثم قرأ:قد أفلح المؤمنون حتى ختم العشر.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى خاشعون: أي خائفون ساكنون. ذلك أن الخشوع محله القلب وهو خشوع القلب.

وقال الحسن البصري رحمه الله: كان خشوعهم في قلوبهم, فغضّوا بذلك أبصارهم , وخفضوا الجناح.

وقال ابن سيرين رحمه الله: كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون ابصارهم الى السماء في الصلاة, فلما نزلت : قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون , خفضوا ابصارهم الى موضع سجودهم. والخشوع في الصلاة انما يحصل لمن فرغ قلبه لها, واشتغل بها عما عداها, وآثرها على غيرها, وحيئنذ تكون راحة له وقرة عين, تماما كقوله صلى الله عليه وسلم: حبّب اليَّ الطيب, والنساء, وجُعلت قُرّةَ عيني في الصلاة.. ولذلك قال صلوات ربي وسلامه عليه: يا بلال ! أرحنا بالصلاة.

وختم الله عزوجل الفضائل بقوله: والذين هم على صلواتهم يحافظون: أي الذين يواظبون على الصلاة في مواقيتها, كقول ابن مسعود رضي الله عنه عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها

لأجل ذلك بدأ المولى عزوجل الفضائل في سورتي المؤمنون والمعارج بالصلاة وختمها بالصلاة , لأنّها عمود الاسلام ورأس كل الصفات الحميدة , فدلّ بذلك على أفضليتها, كقوله صلى الله عليه وسلم:

استقيموا ولن تحصوا , واعلموا أنّ خير اعمالكم الصلاة, ولا يُحافظ على الوضوء الا مؤمن

ومن الخشوع في الصلاة أيضا : الحفاظ على ركوعها وسجودها ووجوبها واطمئنانها, لقول ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: دائمون: أي يُحافظون على اوقاتها واطمئنانها, فوجوب الطمأنينة في الصلاة ركن اساسي من اركان الصلاة , ذلك أنّ الذي ينقر ركوعه وسجوده كنقر الغراب لا يطمئن لا في ركوعه وسجوده , لذا لا يفلح في صلاته, فيغدو حاله حال المسيء لصلاته الذي لو مات عليها, لمات على غير ملة الاسلام كما ورد في الحديث الصحيح , لماذا؟ لأنها ليست مقبولة, ومن لم تُقبل صلاته كأنه لم يُصلِّ, ومن لم يُصلِّ فهو كافر بنص القرآن والسنة, لذا وجب علينا جميعا أئمة ومأمومين, وأخصّ بالنصيحة أئمة المساجد وأناشدهم بأن يمنحوا الفرصة للمأمومين بالاطمئنان في ركوهم وسجودهم , على اعتبار أنهم قدوة لهم , فان سنّوا سنة حسنة فقد أفلحوا وقطفوا ثمارها, وان سنّوا سنة سيئة خابوا وخسروا في الدنيا والآخرة ولا يبقى لهم الا الحسرة.

ولأهمية الصلاة فقد اجتهد أهل العلم بأمرها وقسّموها الى مراتب خمس


الأولى: فريقٌ لا يحافظ على صلاته: لا على وقتها ولا على وضوئها, ولا على أركانها الظاهرة ولا على خشوعها... وهذا الفريق على اجماع اهل العلم (مُعاقب).


الثانية: فريقٌ محافظ على الوضوء والصلاة والأركان الظاهرة ولكن لا يخشع في صلاته, وهذا الفريق على اجماع اهل العلم (مُحاسب عليها).


الثالثة: فريقٌ محافظ على وقتها ووضوءها واركانها الظاهرة, ويجاهد شيطانه فيخشع لبعض الوقت ويسهو آخر, فيختلس الشيطان من صلاته ويسرق منها بين الحين والآخر. فهو في صلاة وجهاد وله أجران ان شاء الله: أجر الصلاة وأجر الجهاد.


الرابعة: فريقٌ محافظ على وقتها ووضوءها ووخشوعها واركانها الظاهرة واطمئنانها بما يرضي الله عزوجل ( وهذا النوع نادر في المسلمين اليوم) ولعلّ هذه المرتبة هي ما نوّهنا به ونبهنا من خلاله أئمة المساجد قبل المأمومين , كونهم قدوة ويُقتدى بهم.


الخامسة: فريقٌ محافظ على وقتها ووضوءها واركانها الظاهرة, وخاشعٌ قلبه خشوعا تماما يبتغي بخشوعه وجه الله عزوجل, وقد قلبه لله عز وجل وكأنه ليس في هذه الدنيا... بل صار في مناجاة مع الله عزوجل كصحابة النبي صلى الله عليه وسلم... ولعل هذه المرتبة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : يا بلال ! أرحنا بالصلاة ... وقوله عليه الصلاة والسلام: وجُعلت قرة عيني في الصلاة.

ولن يتحقق لنا الأجر الكامل والثواب الكامل الا اذا تعاملنا مع الصلاة كما تعامل معها الصحابة رضوان الله تعالى , الذين قال فيهم المولى عزوجل بآية عظيمة ختم بها سورة الفتح


ولولا ان الصلاة ركم الاسلام الأول لما مدحهم الله عزوجل بها, فرضُها ونافلتها وليس بالاكتفاء بالفروض فحسب, ذلك ان الصلاة خير الأعمال, ووصفهم بالاخلاص في الصلاة كونهم يُصلونها لوجه الله عزوجل , لا لأجل الناس أو لأجل أن يُقال عنهم أنه يُصلّونِ , ووصفهم بالاحتساب بأجرها عند الله عزوجل , جزيل الثواب وهو جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين, ولا يحافظ على الصلاة الا تقي أو مؤمن.

اما قوله عزوجل فيهم سيماهم في وجوهم : فمن كثرة السجود والتواضع والخشية بدت هذه الملامح على وجوههم , ولعلّ هذا فيه دلالة على اطالة السجود لما يكفي بأن يدْعُ المصلي مولاه تبارك وتعالى بما شاء من خيري الدنيا والآخرة, وما حال أئمة مساجدنا اليوم الا حالة يُرثى لها لعدم تمكن المأمومين حتى من قولهم أقل الواجب وهو ثلاث تسبيحات, ولا ندري ما الذي يُجبرهم على عدم الاطمئنان في الركوع والسجود حتى يفسحوا المجال للماموين ولو بحتى دعاء واحد؟

انّ المؤمن الحق ان كانت سريرته صافية مع الله تبارك وتعالى أصلح الله عزوجل له علانيته, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
ما أسرّ أجد سريرة الا ألبسه الله تعالى رداءها, انْ خيراً فخير, وانْ شرّاً فشر.

وقال بعض السلف رحمهم الله: انّ للحسنة نورا في القلب, وضياء في الوجه, وسعة في الرزق, ومحبة في قلوب الناس, ومن كثرت صلاته بالليل حسُنَ وجهه بالنهار.

وقال عثمان رضي الله عنه: ما أسرّ احد سريرة الا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه.

وروى الطبراني رحمه الله من حديث جندب بن سفيان البجلي, انّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: انّ الهدي الصالح, والسمت الصالح, والاقتصاد جزء من خمس وعشرون جزءا من النبوة.

ولأنّ الصحابة رضوان الله تعالى عنهم خلصت نيتهم , وحسنت أعمالهم, فكل من نظر اليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم, فقال فيهم المولى تبارك وتعالى:رضي الله عنهم ورضوا عنه

وقد روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح صبيحة إحدى وعشرين من رمضان ، وقد وكف المسجد ، وكان على عريش ، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته وعلى جبهته وأرنبته أثر الماء والطين.

النبي صلى الله عليه وسلم افضل خلق الله عزوجل وأكرمهم عليه ينصرف من صلاته وعلى جبهته وأرنبته الشريفتين أثر الماء والطين, والبعض منا نحن مسلموا اليوم نُسرفُ على أنفسنا ونلعب طاولة البنج بونج داخل المساجد - مكان صلاة الناس ووضع جباههم – , بدعوى انهم لا يقوون على اللعب في ساحة المسجد الخارجية , متعللين بالحر تارة وبالبرد تارة أخرى, وهم يعلمون أن حرّ وزمهرير جهنم أشد.

ومن اسراف المسلمين اليوم في تعاملهم مع المساجد أئمة ومأمومين على حد سواء , للأسف الشديد لا يتورعون أبداً من منع أنفسهم ولو حتى لدقائق معدودة من تجنب استخدام الموبايلات داخل المساجد , على حين لو أنهم دخلوا مؤسسة عامة أو خاصة وطُلب منهم أن يغلقوا هواتفهم النقالة لأذعنوا اليهم صاغرين , والسؤال الذي يترك في القلب غصّة: أيهما أولى بالاذعان : بيوت الله عزوجل أم تلك المؤسسات؟ نترك الاجابة لكل من ألقى السمع وهو شهيد , ويؤمن بأنّ المساجد ما وجدت الا لعبادة اله واحد لا شريك له, واذا كان البيع وهو من الأمور المباحة , ممنوع في المساجد, فما بالنا اذن بما دون البيع؟
روى الترمذي والنسائي رحمهما الله , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله لك . وإذا رأيتم من ينشد ضالة , فقولوا: لا ردها الله عليك

لماذا؟ لأنّ المساجد ما وجدت أساساً الا لذكر الله وعبادته فقط , فيا أولي الأباب اقرؤوا ماذا قال ربكم جلّ وعلا في سورة الجن: وأنّ المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا

وقوله تعالى في سورة النور 36: في بيوت اذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يُسبّحُ له فيها بالغدوِّ والاصال* رجالٌ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة

وما رواه مسلم رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم في الأعرابي الذي أضاع ناقته واخذ ينادي عليها في المسجد:
لا وَجَدَّتَ , انما بُنيت المساجد لما بُنيت له

فاذا كان حال من ينشد ضالته في المسجد قد ردّه صلى الله عليه وسلم فكيف بنا بمن يستهين بحرمة المساجد , ويطلق لنفسه العنان في التحدث بالموبايل او حتى باللعب داخل المسجد؟ نترك الاجابة لذوي العقول وذوو الالباب في تقديرهم في احترام قدسية المساجد, ولعلّ قوله تعالى وهديه صلى الله عليه وسلم لآكد دليل على حرمة من لا يحترم بيوت الله عزوجل.

اللهم اني قد بلغت ... اللهم فاشهد

وبقول الله تعالى الكريم , آكون قد أتيت على مسك الختام

سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرلاسلين* والحمد لله رب العالمين


والله وحده اعلم بغيبه


فما أصبت به فمن الله عزوجل وحده, وما أخطأت به فمن نفسي الخاطئة ومن الشيطان