بسم الله الرحمن الرحيم
( ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الأخر وما هم بمؤمنين* يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون ألا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون * وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * واذا قيل لهم امنوا كما امن الناس قالوا أنؤمن كما امن السفهاء الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * وإذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون *
الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون * اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين *مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون *او كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير *)
الايات \ 8 -20


الحمد لله \
خلق الله تعالى الناس اصنافا واشكالا كثيرة اختلفت اشكالهم والوانهم واحوالهم وافئدتهم وقلوبهم وافكارهم ونفوسهم وامزجتهم كذلك فمنهم المؤمنون ومنهم الكافرون والمشركون ومنهم الكاذب ومنهم الصادق ومنهم من سار بين بين وهم المنافقون وقد وصفهم الله تعالى في المصحف الشريف بصفات عديدة وفي هذه الايات الكريمة صفات نوع من البشر هم محسوبون على المنافقين فهم يدعون الايمان بالله تعالى وبيوم القيامة وهو اليوم الاخر أي اليوم الذي ياتي بعد الموت أي يؤمنون بما يصيب الانسان من احداث وامور ما بعد الموت ويظهرون اعتقادهم به لكن في قرارة انفسهم انهم لا يؤمنون بها فهؤلاء ليسوا من المؤمنين في شيء فقد فضحهم الله تعالى في قوله ( فما هم بمؤمنين )
ان نفوسهم وأفكارهم سولت لهم بان يخادعون الناس ويكذبون عليهم من انهم مؤمنين يمشون بالإيمان رياءا لاجل خداع ما حولهم من الناس وفي الحقيقة هم يخدعون انفسهم وقلوبهم فهم يعملون عمل المؤمنين ويتعبون اجسادهم في ذلك وفي قرارة انفسهم لا يؤمنون اوهم بعيدون عن الايمان لأنهم لم يدخل في قلوبهم او في افكارهم فهم كمن يضحك على نفسه ويلبسها ثوبا ليس ثوبها فهي لا تستقر الا بالذي هو لها فهم يظهرون الايمان ويكتمون الكفر وهو مستقر ومعشش في افكارهم لا يستطيعون التخلص منه والحياد عنه فهم يرومون خداع الناس من انهم مؤمنون لكنهم يخدعون أنفسهم وما يشعرون بهذه الخديعة فيا للمرء المخادع نفسه وما يشعر بذلك فهم كمثل الذي في قلبه مرض او زيغ ران على تلك القلوب والأفكار فزادها الله تعالى مرضا فتحجرت منهم الافئدة والنفوس بما كذبوا على الناس وعلى أنفسهم
ان هؤلاء اذا دعوا او قيل لهم تعالوا التزموا طريق الاصلاح والعدل والعمل بالخير بين الناس وابتعدوا عما هم عليه من الخداع والنفاق اظهروا بالكلام فقط فعل الخير والمعروف والاحسان الى الناس وبالفضل والرحمة بهم وبالحقيقة انهم لا
يفعلون الا الشر وكل عمل يؤدي اليه فهؤلاء هم المفسدون حقا
جبلت نفوسهم على التعالى والتكبر على الناس فهم يحسبون ان الناس دونهم منزلة فهم في خوضهم لاعبون وفي هذا المرض الذي زادهم الله عليه مرضا من نفس المرض فقست قلوبهم ومن صفاتهم انهم اذا ساروا مع المؤمنين اظهروا الايمان والصدق
والاخلاص لكي يحسبونهم من المؤمنين واذا انفردوا بالكافرين والمشركين وهم منهم وعاتبهم اولئك على افعالهم قالوا لهم نحن معكم انما نعمل على غش هؤلاء المؤمنين بغية ردهم عن الايمان وكسر نفوسهم ونستهزيء بهم فهؤلاء قد مثلهم او شبههم الله تعالى بالشياطين وهم فعلا شياطين الارض
هؤلاء المخادعون ضمن الله تعالى للمؤمنين ان يستهزيء بهم وحكم عليهم انهم في اعمالهم الفاشلة سادرون وطغيانهم باقون فهم كمن باع اخرته بدنياه او باع خيرا واشترى شرا فقد خسر في الدنيا والاخرة وتجارته خاسرة وقد ضل عن سواء السبيل فمثل هؤلاء المخادعين كمثل شخص اشعل نارا في ليلة مظلمة حالكة الظلام فانارت له ما حوله فاطفاها الله تعالى وظلوا في ظلام دامس لا يعرفون اين يتوجهون او في أي درب يسيرون فهم اشبه بالذي هو اطرش واخرس – وهذه سمة عامة فكل اخرس اطرش وكل اطرش اخرس - واعمى قد جمعت العاهات الثلاث فيه فهو لا يعي شيئا ولا يفهم مايدور حوله بين الناس
او مثلهم كمثل جماعة خرجوا في ليل مدلهم مظلم شديد الظلام والحلكة ليل ملبد بالغيوم الثقيلة الشديدة تحمل المطر والرعد والبرق فاستوقدوا نارا ليستضيؤا بها فلما أضاءت ما حولهم فاذا بالرياح والمطر الشديد يطفؤها واذا بالرعد والبرق يرهبهم ويخيفهم فهم يرتجفون منه فاذا برق البرق وتبعه صوت الرعد الرهيب شديدا اغمضوا اعينهم و وضعوا اصابعهم في اذانهم خوفا من اصابتهم بالصواعق او خوف الصوت الشديد ان يودي بهم الى الموت فاذا برقت السماء وانارت لهم مشوا خطوة اوخطوتين وانكبوا على رؤوسهم من صوت الرعد حتى اذا ذهب نور البرق وهو سريع الاختفاء داخلهم الخوف والهلع وضلوا الطريق فهم يتمنون ان يكونوا طرشانا لا يسمعون الرعد وعميانا لا يرون البرق فالله تعالى قادر على ان يفقدهم السمع والبصر- وهما نعمتان انعم الله تعالى بهما على البشر- الا ان الله تعالى ا بقى لهم السمع والبصر ليزيد من عذابهم في الحياة الدنيا فهم قد امنت السنتهم وكفرت قلوبهم فمرضت نفوسهم فزادها الله تعالى مرضا على مرض ولهم عذاب اليم شديد الوجع والوقع في يوم القيامة جزاءا بما كانوا في حياتهم الدنيا يكسبون 0

ويذكر بعض المفسرين ان من اسباب نزول هذه الايات ان عبد الله بن ابي سلول راس المنافقين التقي بعض المسلمين فقال لبعض اصحابه من المنافقين مثله انظروني كيف ارد هؤلاء عنكم واخدعهم ثم استقبل ابي يكر الصديق مرحبا اخذا بيده قائلا له - مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الاسلام وصاحب رسول الله في الغار ثم اخذ بيد عمر بن الخطاب مرحبا قائلا بهشاشة - مرحبا بسيد بني عدي الفاروق القوي في الدين والباذل نفسه وماله لرسول الله ثم التفت الى علي بن ابي طالب قائلا له اخذ بيده - مرحبا بابن عم رسول الله صهر ه وسيد بني هاشم خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له علي - يا عبد الله اتق الله ولا تنافق فان المنافقين شر خلق الله فقال ابن ابي – والله ان ايماننا كأيمانكم وتصديقنا ثم ا فترقوا فقال عبد بن ابي لا صحابه – كيف رأيتموني فعلت معهم فاذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فاثنوا عليه خيرا وقالوا له - مانزال بخير ما عشت فينا فرجع المسلمون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم واخبروه بما حصل فنزل قوله تعالى ( واذا لقوا الذين امنوا )
والله تعالى اعلم



فالح الحجية الكيلاني
موقع اسلام سيفلايزيشن

****************************** ****************