إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ؛
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد : فإن الدليل على تقسيم النحاة الكلمة إلى ثلاثة أقسام النص والإجماع والقياس .
أما النص على أن الكلمة ثلاثة أقسام ، فأثر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : عن أبي الأسود الدؤلي قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فرأيته مطرقا متفكرا ، فقلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين ؟ قال : إني سمعت ببلدكم هذا لحنا ، فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية . فقلت : إن فعلت هذا أحييتنا ، وبقيت فينا هذه اللغة . ثم أتيته بعد ثلاث فألقى إلي صحيفة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم ، الكلام كله : اسم ، وفعل ، وحرف ؛ فالاسم : ما أنبأ عن المسمى . والفعل : ما أنبأ عن حركة المسمى . والحرف : ما أنبأ عن معنى ليس باسم و لا فعل . ثم قال لي : تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة : ظاهر ، ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر. وإنما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر . قال أبو الأسود : فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه ، فكان من ذلك حروف النصب ، فذكرت منها: إن وأن وليت ولعل وكأن ولم أذكر لكن ؛ فقال لي : لم تركتها ؟ فقلت : لم أحسبها منها ، فقال : بل هي منها فزدها فيها ".
وهو أثر حسن الإسناد رواه الزجاجي في أماليه،
ومن طريقه ياقوت في معجم الأدباء ،
ورواه الذهبي في "تاريخ الإسلام" ، وفي "سير أعلام النبلاء" ، وابن الجوزي في المنتظم وفيه : "وروى أبو حامد السجستاني " - و الصواب : أبوحاتم وهو سهل بن محمـــد- قال : حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال : حدثنا سعيد بن سالم الباهلي – والصواب : سلم – قال: حدثنا أبي عن جدي عن أبي الأسود الدؤلي قال: (الأثر كما روى الذهبي ) ، وإليه أشار ابن عساكر في تاريخ دمشق .
ومعلوم أن قول الصحابي الذي ليس له مخالف حجة .
وأما الإجماع - إجماع النحاة- : فقال ابن فارس في "الصاحبي" : " أجمع أهل العلم أن الكلام ثلاثة : اسم وفعل وحرف ".
وقال أبو حيان في "التذييل والتكميل " : " وأجمع النحويون على أن أقسام الكلمة ثلاثة : اسم وفعل وحرف " .
وقال ابن هشام - بعـد نقله القسمة الثلاثية - في "شرح اللمحة البدرية ": "إنّها باتفاق من يُعتدُّ به" .
وقال الصبان في حاشيته - بعد ذكره القسمة الثلاثيّة للكلم - :"والنحويون مجمعون على هذا إلا من لا يعتدُّ بخلافه " .
وأما القياس : فمن وجوه
1- استقرأ النحاة - المعتد بقولهم - ألفاظ العرب ، فلم يجدوا غير هذه الثلاثة .
2- الكلمة إن لم تكن ركنا في الإسناد فهي حرف ، وإن كانت ركنا فإن قبلت الاسناد بطرفيه فهي اسم ، وإلا فهي فعل.
3- الكلمة إما أن تدل على معناها بانفرادها أو لا ، الثاني الحرف ، والأول إما أن يرتبط بزمان أو لا ، الثاني الاسم ، والذي قبله الفعل ، فلا رابع .
4- المعاني ثلاثة : ذات وحدث ورابط بين الذات والحدث ، فالأول الاسم ، والثاني الفعل ، والثالث الحرف .
قلت : وممن لا يعتد بخلافه :
1- أبو جعفر بن صابر القيسي من المتقدمين حيث زاد قسما رابعا سماه الخالفة وهو اسم الفعل .
2- إبراهيم أنيس من المحدثين - بسكون الحاء وفتح الدال- في كتابه "أسرار اللغة" زاد قسما رابعا سماه اسم الضمير وجعله شاملا للضمائر والعدد والأسماء الموصولة وأسماء الإشارة .
3- مهدي المخزومي من المحدثين في كتابه "في النحو العربي " زاد قسما رابعا سماه اسم الكناية وجعله يشمل الضمائر والأسماء الموصولة وأسماء الإشارة وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام .
4- تمام حسان في كتابه "اللغة العربية معناها ومبناها " قسم الكلم إلى سبعة أقسام وهي : الاسم ، والصفة ، والفعل ، والضمير ، والخالفة ، والظرف ، والأداة . وتقسيمه يكاد يطبق عليه الحداثيون في بعض الجامعات .
هذا وعلى الله التكلان ، ومنه نستمد التوفيق ، إنه سبحانه وبحمده ، أشهد أن لا إله إلا هو ، نستغفره ونتوب إليه .
وكتبه أبو طيبة