هذا بحث كنتُ قد كتبته قبل بضع سنوات وتحديداً أثناء قضية منصور وفاطمة ولم أقم بنشره على مستوى واسع ولكن مع تكرار القضية وآخرها قضية المدينة المنورة أحببتُ أن أقوم بنشره بشكل أوسع لعل الله أن ينفع به ويكون له الصدى الإيجابي الذي أتمناه ..
-----------------------
المـرأة لا تــُنكح لنـسبها يـا سـادة !
( التزاوج بين القبليين وغير القبليين جائز ومنعه لا يجوز )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ... أما بعد
فمما ابتلي به مجتمعنا السعودي ( وربما بقية مجتمعات الجزيرة العربية ) , منع التزاوج بين القبليين ( وهم العرب الذين ينتسبون إلى قبائل عربية إما بالحقيقة أو بالحلف والولاء ) وغير القبليين ( وهم إما أناس مـِن ذوي أصول غير عربية أو عرب ينتسبون إلى قبائل عربية ولكنهم يجهلونها أو أنهم يعلمونها ولكن المجتمع لا يعترف لهم بنسبهم بسبب صنعة أحد أجدادهم الأوائل أو بسبب تزاوجهم مع غير القبليين أو لأسباب أخرى لسنا بصدد البحث عنها ) .
والمجتمع – مع الأسف – عندما يمنع التزاوج بين القبليين وغير القبليين , هو في الحقيقة يقسم المجتمع ويصنف المسلمين إلى طبقات !
وتكبر المصيبة ويعظم الخطب عندما يشرعن بعض العلماء هذه الطبقية ويؤيدون أعراف الجاهلية على حساب القرآن والسنة وروح الشريعة الإسلامية !
فلو أن المنع جاء من بعض أفراد المجتمع وبعض العوام , لهان الأمر كثيراً.. لكن أن تأتي شرعنة الباطل من بعض القضاة وطلبة العلم فهذه والله هي المصيبة .
فبعد أن سمعنا بعدة قضايا في تفريق أزواج بالقوة من قبل بعض القضاة بدعوى عدم الكفاءة النسبية , وجب الرد والبيان وتفنيد ذلك الرأي بالأدلة .
وقبل أن أشرع في البحث أود أن أؤكد على أنني لا أوجب ولا أحرّم التزاوج بين القبليين وغير القبليين ابتداءً , ولكني أرى أنه دخل في هذه المسألة ما هو محرّم , فوجب البيان .
كما أود أن أنوه إلى أنني سأحرص في هذا البحث على الاختصار وعدم تكرار ما قد قيل في هذه المسألة بل سأحاول جاهداً طرح شيء جديد يـُضاف إلى ما ذكره العلماء والباحثون .
ومع تداخل المواضيع مع بعضها سأحاول أن أقسـّم البحث إلى عدة مباحث :
المبحث الأول : اعتبار الكفاءة في النسب عند الزواج .
المبحث الثاني : منع زواج القبلي بغير القبلي بالقوة وتحت التهديد بالتبرؤ وقطع صلة الرحم وما شابه ذلك .
المبحث الثالث : فسخ عقد الزواج بالقوة – بعد الزواج – بحجة عدم الكفاءة في النسب.
-------------
اعتبار الكفاءة في النسب عند الزواج
لقد كفل الإسلام الحرية الكاملة للمسلم أن يتزوج أو يزوج من يشاء من المسلمين وحثه على أن يتزوج أو يزوج أصحاب الدين والخلق (خصوصاً الدين) .. كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : " تـُنكح المرأة لأربع , لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها , فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري ومسلم
وورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه , إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " رواه الترمذي بسند حسن وصححه الألباني .
ونستفيد من هذين الحديثين الحث على الزواج أو تزويج ذوي الدين والخلق , والأمر في الحديثين واضح وهو يدل إما على الوجوب أو الاستحباب .
وبما أن المقرر شرعاً استحباب ذلك – على الأقل – , فيحق لأي مسلم أن يختار لنفسه أو لموليته ما يشاء من صفات بالإضافة إلى صفتي الدين والخلق سواءً كانت هذه الصفة النسب أو الجمال أو المال أو الحسب .
وهنا أود أن أنبه على أمر مهم يخطئ فيه الكثير وهو أن هناك فرق بين الحسب ( الوارد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري ومسلم ) والنسب الذي في ذهن بعض العوام في مجتمعنا .
الحَسَب مصدر حَسُبَ وهو ما تعدُّهُ من مفاخر آبائك أو المالُ أو الدِين أو الكرمأو الشرف في الفعل أو الفعال الصالح أو الشرف الثابت في الآباء أو البالُ – أي الشأن – أوالحَسَب والكَرَم قد يكونان لمن لا آباءَ شرفاءَ لهُ والشرف والمجد لا يكونان إلاَّبهم. وقيل أصل الحَسَب من الحِساب لأن الحسيب يعدُّ لنفسهِ مآثر فتلك المآثرحَسَبٌ .
والحسب ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه وقيل حسبه دينه وقيل ماله , والرجل حسيب وبابه ظرُف .
قال ابن السكيت : الحسب والكرم يكونان بدون الآباء والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء ". انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي , ومختار الصحاح للرازي .
وقد ورد تفصيل جيد لمعنى الكلمة في تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي يمكن الرجوع إليه لمن يريد الاستزادة .
كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أحاديث تشير إلى أن الحسب هو الدين وهو الخـُلـُق وهو المال . فعند الحاكم وغيره : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " كرم المرء دينه ومروءته عقله وحسـَبـُه خـُلـُقه "
وأورده الحافظ في زوائد التلخيص بلفظ : " حـَسـَبُ المرء دينه ومروءته خلقه " وهو في الموطأ عن عمر من قوله .
وعن سمرة ابن جندب قال قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " الحسب : المال والكرم : التقوى " رواه الترمذي وأحمد وغيرهما .
بل ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " أربع في أمتي لايتركونهن : الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة " رواه مسلم .
إذن هناك فرق بين الحسب والنسب لغة وشرعاً .
ومما يـُستأنس به أيضاً للدلالة على أن الحسب الوارد في الحديث غير النسب الذي في عرف الناس اليوم , أن المخاطبين في الحديث ( وهم الصحابة ) كلهم – تقريباً – عرب فكيف يكون المقصود بالحسب في الحديث هو النسب العربي وهو السائد في ذلك الوقت بين المسلمين ؟!
وعلى هذا ففي المجتمع قد يكون المرء ( رجلاً كان أو امرأة ) حسيباً ولا يكون نسيباً , وقد يكون نسيباً ولا يكون حسيباً , وقد يجمع بين الأمرين معاً .
وفي جميع الأحوال , هذه الأمور ليست مما رغـّب بها النبي عليه الصلاة والسلام .
ولكني ذكرتُ الفرق بين الحسب والنسب للبيان والتوضيح وتصحيح مفهوم خاطئ .
ذكر العلماء أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث صحيح في اعتبار النسب عند النكاح لا صحةً ولا لزوماً . لكن الذي ثبت هو اعتبار الدين والخلق .
فحديث : " تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس " وغيره من أحاديث الباب , كلها أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها .
أما حديث : " تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم "
فعلى افتراض صحته بهذا اللفظ ( إذ ضعفه جماهير علماء الحديث) لا تكون الكفاءة المذكورة فيه بمعنى كفاءة النسب بل تكون كفاءة الدين والخلق جمعاً بين الأحاديث النبوية وحملاً على أن هذا الحديث مطلق وحديث " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه ... " مقيـِّد له .
وقد ذكر الألباني رحمه الله تعالى – عندما حسـّن الحديث – أن الكفاءة هنا هي كفاءة الدين والخلق .
ولو قيل إن الكفاءة المذكورة هنا عامة , ولذا هي تشمل الكفاءة في النسب والكفاءة في غيره ولا ينبغي إلغاء النسب أو استثناءه من الشمول .
نعم , إذا كانت الكفاءة الواردة في الحديث تشمل الكفاءة في النسب , فهي أيضاً تشمل الكفاءة في جميع الأشياء التي فيها تفاضل كالكفاءة في لون البشرة والعلم والوظيفة والمال والجاه والمنصب والصحة وغيرها ..
فهل يمكن الاستدلال بهذا الحديث على وجوب الكفاءة في جميع هذه الأمور ؟!
حتى على افتراض صحة الحديث وافتراض أن الكفاءة الواردة فيه تشمل الكفاءة في النسب وغيره , فإنه لا يمكن الاستدلال به على اعتبار الكفاءة في النسب شرعاً من جهة التأثير صحة أو لزوماً . بل أقصى ما يمكن أن يقال في هذا هو أنه يجوز للمسلم الاهتمام بالكفاءة في النسب وفي غيره من الأمور التي فيها تفاضل إذا هو أراد ذلك .
فمن يريد الاهتمام بالكفاءة النسبية , فله ذلك .. ومن لا يريد الاهتمام بكفاءة النسب عند الزواج أو التزويج , فله ذلك أيضاً ولا يجوز لأحد أن يجبره على ما لا يريد ما دام الأمر يدور في دائرة المباح .
ونستخلص مما سبق أنه يحق لأي مسلم أن يختار لنفسه أو لموليته ما يشاء من صفات بالإضافة إلى صفتي الدين والخلق .
كذلك يحق لأي مسلم أن يتنازل عن أي صفة من تلك الصفات الإضافية , ولا يجوز حينئذ لأي شخص كان أن يمنع رجلاً عاقلاً راشداً أو ولياً شرعياً من أن يتزوج أو يزوج موليته من مسلم صاحب دين وخلق وليس عنده مال أو حسب أو نسب أو غير ذلك .
فكما يجوز لك أن تتزوج أو تزوج من تشاء ( في حدود المباح شرعاً ) , فكذلك يجوز لغيرك ما يجوز لك .
------------------ منع التزاوج بين القبلي وغير القبلي بالقوة والتهديد بالتبرؤ وقطع صلة الرحم وما شابه ذلك .
بما أن المتقرر شرعاً هو إباحة التزاوج بين العرب وغير العرب , فإنه لا يجوز لمسلم أن يمنع أخاه المسلم من فعل أمر مباح .. وتتأكد الحرمة حين يكون المنع بالقوة والتهديد ( سواءً بالقتل أو بالتبرؤ أو بقطع صلة الرحم أو غير ذلك مما يحدث في بعض المجتمعات مع الأسف ).
كما كفل الإسلام الحرية للمسلمين في حدود المباح , فقد قرر الإسلام أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح بل ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله : " لا ضرر ولا ضرار " .
أولاً : لا يمكن أن تتناقض الشريعة الإسلامية مع نفسها , وهذا متفق عليه بين المسلمين . ولهذا فإن الشريعة التي تحثك على أن تتزوج أو تزوج ذوي الدين والخلق دون قيود أو استثناءات , لا يمكن أن تبيح لك أن تضع الاستثناءات وتحرّم أو تمنع زواجاً من هذا النوع بالقوة والإكراه .
ولو أردنا أن نطبق تلك القاعدة الشرعية على موضوعنا هذا , يلزمنا أن نقول ابتداءً إن التزاوج بين القبليين وغير القبليين أو بين العرب وغير العرب لا يجوز شرعاً !
وهذا لم يقل به أحد من العلماء المعتبرين حسب علمي .
إذن: من يبيح فسخ عقد النكاح بعد الزواج أو يبيح منع زواج من هذا النوع بالقوة ( من باب درء المفسدة ) , يلزمه تحريم عقد النكاح ابتداءً .
لأن من يبيح مثل هذا الزواج ابتداءً , ثم يبيح للأقارب أو للقاضي فسخ عقد النكاح بعد ذلك ولو بعد سنوات بل ورغماً عن الزوجين , هو كمن يبيح لك السرقة ثم بعد ذلك يقيم عليك الحد !
وهذا غش وتغرير لا يـُعقل أن يجيزه الإسلام .
ومن يريد أن يحرّم مثل هذا الزواج ابتداءً , يلزمه تعطيل السنة النبوية والنصوص الشرعية الصحيحة الصريحة التي تؤكد جواز وصحة هذا الزواج .
ولا أعلم عالماً من علماء المسلمين المعتبرين يحرّم التزاوج بين القبلي وغير القبلي أو بين العربي وغير العربي ابتداءً .
ثانياً : بالنسبة لمسألة درء المفسدة التي يدندن حولها المؤيدون لمتع التزاوج ابتداءً أو لفسخ عقد النكاح ولو بالقوة , فهذه لا اعتبار لها هنا .
لأن المفسدة التي يريدون درأها ليست مفسدة شرعية بل هي مفسدة اجتماعية تتحقق في مجتمع ولا تتحقق في مجتمع آخر وتتحقق في زمن ولا تتحقق في زمن آخر .
ومثل هذه المفسدة غير الثابتة لا ينبغي دفعها مقابل تعطيل مصلحة شرعية ثابتة .. فالكفة غير متوازنة هنا حتى يـُحتج بقاعدة : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح لإجازة فسخ عقد نكاح صحيح بالقوة والإكراه .
وينبغي أن ننبه إلى أن قاعدة درء المفاسد التي يستند عليها مؤيدو فسخ النكـاح بالقوة والإكراه , تـُقاس بالمعيار الشرعي لا بالمعيار الاجتماعي أو النفسي .
بل إن المفسدة متحققة يقينية لو تم منع التزاوج أو تم فسخ عقد النكاح , بينما المفسدة التي يريدون درأها بفسخ العقد مفسدة ظنية .
ولا يـُعقل أن ندرأ مفسدة ظنية بتحقيق مفسدة يقينية .
بل حتى لو كانت المفسدتان يقينيتين , فمفسدة منع الزواج أو فسخ النكاح مفسدة شرعية ثابتة ( وهي تعطيل النصوص الشرعية التي تحث على عدم اعتبار غير الدين والخلق ) بينما مفسدة إبقاء عقد النكاح دون فسخ ليست كذلك , إذ قد تتحقق وقد لا تتحقق بحسب الزمان والمكان .
هناك قاعدة أخرى وهي احتمال أخف الضررين وأهون الشرين , وهي التي على أساسها يجاز فسخ العقد .
كما قلنا من قبل في الكلام عن قاعدة درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة , وهو أن المعيار في تحديد المفسدة أو الضرر لابد أن يكون معياراً شرعياً .
ثم إننا في مثل هذه المسألة لسنا أمام ضررين أو شرين حتى يمكن الحديث عن اختيار أهونهما , بل هناك ضرر ثالث بجانب الضررين السابقين وهو تشويه صورة الإسلام وإظهاره أمام غير المسلمين بل والمسلمين من غير العرب بمظهر الدين العنصري الذي يفرق بين المسلمين .
وهذا الضرر أعظم ضرراً من ذلك الضرر الذي يتعلق به بعض الأخوة هداهم الله وهو الضرر الذي قد يلحق بأقارب الزوجة القبلية .
ومنع مثل هذا النوع من النكاح أو فسخ عقده بالقوة مضاره على الزوجين والمجتمع الإسلامي ككل بل وصورة الإسلام أكثر من مضاره الخاصة بأقاربالزوجة .
إذا كانوا يستدلون لجواز فسخ العقد – ولو بالقوة – بقاعدة احتمال أخف الضررين
( وهو ضرر فردين مقابل ضرر الجماعة ) .. فنحن نقول لهم : إذاً يلزمكم أن تختاروا ضرر الجماعة الأقل ( وهم أهل وأقارب الزوجة القبلية ) مقابل دفع الضرر الذي سيقع على الجماعة الأكثر وهم المسلمون جميعاً(العرب وغير العرب) بل وصورة دين الإسلام .
فالضرر الذي قد يقع على أهل وأقارب الزوجة القبلية أخف ضرراً من ذاك الذي قد يقع على الزوجين وصورة الإسلام أمام المسلمين العرب وغير العرب واستغلال ذلك من قبل غير المسلمين لتشويه صورة الإسلام .
وعلى هذا يـُحتج بدليلهم عليهم .
عموماً , المعيار الشرعي هو الذي يجب أن يـُنظر من خلاله عند النظر في مسألة أخف الضررين أو درء المفسدة .
والمفسدة أو الضرر الذي قد يتحقق في مجتمع ما بسبب مثل هذا الزواج يكون بسبب بـُعد هذا المجتمع عن روح الإسلام وسماحة الشريعة التي تجمع ولا تفرّق المسلمين .
فبدلاً من أن يرضخ البعض لعرف اجتماعي في مقابل مخالفة حكم شرعي وبالتالي تحقيق مفسدة شرعية , كان الأولى والأوجب أن نـُرضخ العرف ليتلاءم مع الشريعة ونهذب المجتمع ونعلّم أفراده بأن الإسلام ينبذ مثل هذا العرف ( أعني منع الآخرين بالقوة من التزاوج مع من يريدون من المسلمين أو إجبارهم على فسخ عقد النكاح بعد وقوعه ) .
فالشرع هو المهيمن على العـُرف , وليس العكس .
هم يمنعون مثل هذا التزاوج بالقوة والتهديد لأن ضرره متعدٍّ . فالمسألة تدور بين إباحة أصل الفعل وحرمة الضرر بالآخرين ( وهم أقارب القبلي الذين سيتضررون من وقوع مثل هذا الزواج ) .
وعلى هذا فإننا أمام أمرين : بين فعل أمر مباح ( وهو الزواج بين القبلي وغير القبلي ) , والضرر الذي قد يحدث بسبب فعل هذا الأمر المباح ( وهو ما سنذكره بعد قليل )
أولاً : يجب أن نقرر أن الحرية مكفولة لجميع المسلمين , فالقبلي إن أراد ألا يتزوج أو لا يزوج موليته إلا من قبيلته , فهو حر .. وإن أراد أن يتزوج أو يزوج موليته من غير قبيلته أو من غير قبلي أو من غير عربي , فهو أيضاً حر .
فما دام الرجل أو الولي الشرعي عاقلاً راشداً ليس فيه مطعن , فهو حر أن يفعل ما يشاء ما دام لم يفعل الحرام .
ثانياً : دعونا نتأمل الأضرار التي يقولون إنها هي أسباب المنع , لنرى هل هي أسباب شرعية أو لها مستند عقلي أم لا ؟!
1- يقولون إنهم لو سمحوا بزواج القبلية بغير القبلي , فإن هذا سيؤدي إلى بقاء أخوات وقريبات الزوجة القبلية دون زواج لأن الشباب القبليين سيعزفون عن الزواج منهن وبالتالي ستبقى هذه الفتيات عوانس , وهذا ضرر متعدٍّ .
هل نفهم من حرصكم الشديد على عدم بقاء الفتيات عوانس أنكم تسمحون للفتاة القبلية إذا أصبحت عانساً بالزواج من غير القبلي إن لم يوجد غيره .. أم أنكم ستظلون تحتجون باحتمالية بقاء الأخريات عوانس ؟!
طبعاً هذا ليس سؤالاً ولا طلباً ولا حتى حجة بذاته , ولكنه يشير إلى أن مجرد التعلق بالاحتمالات والظن هو أمر غير معتبر لا شرعاً ولا عقلاً .
فمن يحتج على منع الزواج بين القبلي وغير القبلي باحتمال بقاء بقية أقارب الفتاة عوانس , فإنه يـُحتج عليه بحال الفتاة المتزوجة نفسها بل وغيرها من الفتيات العوانس أو المطلقات والأرامل .
فيا أيها المانعون لزواج امرأة من شخص غير قبلي : إن الضرر " المحتمل " على قريبات الزوجة القبلية ليس سببه المباشر والحقيقي هو وقوع هذا الزواج بين القبلية وغير القبلي , بل هو بسبب جهل المجتمع وإرجافه وتناقضه وإلا ما شأن زواج امرأة من شخص غير قبلي , بقريباتها من نفس القبيلة أو حتى العائلة ؟!
فها نحن نسمع ونرى رجالاً قبليين يتزوجون من الشام ومصر بل ومن الهند والفلبين وغيرها , ولم نسمع أن هذا أثـّر على أقارب وقريبات هؤلاء الأزواج .
فما بال هذا الفعل لم يؤثر ؟!
أم أن باء المرأة تجر , وباء الرجل لا تجر ؟!
إذن : نستخلص مما سبق أن الضرر المحتمل الذي يحتج به البعض لمنع هذا الزواج بالقوة , ليس حجة شرعية يمكن الاستناد إليها .
ومثل هذه الحجة لا ينبغي اعتبارها لا شرعاً ولا عقلاً , وإلا لزم اطرادها شرعاً وعقلاً في شأن الرجل الذي يريد أن يتزوج من غير عربية .
ومن المضحك المبكي أن البعض يقبل أن يتزوج ابنه أو أخوه أو قريبه من امرأة غير عربية – حتى ولو كانت نصرانية – بينما لا يقبل أن يتزوج ابنه من ابنة جاره المسلم الذي يجاوره منذ سنوات ويعرف حسن أخلاقه وسلامة تربيته وتقارب الطبائع والسلوك والعادات بينهم !
تناقض مالنا إلا السكوت له *** وأن نعوذ بمولانا من النار
2- يقولون إنهم لو سمحوا بزواج القبلية بغير القبلي , فقد يؤدي ذلك إلى مشاكل ومشاحنات وقلاقل أسرية وربما حدوث عدة حالات طلاق لأخوات وربما قريبات الزوجة , ومثل هذا يجعلهم يمنعون وقوع هذا الزواج ولو بالقوة والإكراه !
وهل يبرر فعل المحرم باحتمال وقوع محرم آخر ؟!!
إن الذي يبرر منعه لزواج صحيح شرعاً بين قبلي وغير قبلي بالإكراه خوفاً من وقوع حالات طلاق , كمن يبرر سرقته للمال العام بحجة خوفه من احتمال وقوع مجاعة ! ( مع أنه في الحقيقة هو سبب رئيسي في وقوع هذه المجاعة لو وقعت ! )
وكذلك الذي يساهم في منع الزواج بالقوة هو في الحقيقة يساهم في وقوع هذا الطلاق !
إن شرعنة منع الزواج بالقوة والإكراه بحجة احتمال حدوث مشاكل أو طلاق لأخت أو قريبة الزوجة , سيفتح باباً قد يستغله ضعاف النفوس ليجبروا آباء زوجاتهم وأقاربهم على ألا يزوجوا بناتهم إلا ممن يرضى بهم هؤلاء .
فهل نقول إنه يجوز لرجل أن يهدد بطلاق زوجته إن قام أبوها بتزويج أختها أو قام عمها بتزويج بنت عمها من قريبهم الذي يبغضه هذا الزوج ؟!!
بل هل فعل أو تهديد هذا الزوج مبرر شرعي لمنع الزواج الجديد بالقوة ؟!!
إن منع وقوع مثل هذا الزواج بالإكراه , هو بحد ذاته لا يجوز ويجب أن يتضح ذلك للجميع. كما أن التهديد بطلاق قريبات الزوجة لمنع وقوع هذا الزواج أيضاً لا يجوز .
فالإسلام لم يقم على إكراه الآخرين وتهديدهم .
نعم , قد يكون لك الحق بالنصح وبإبداء عدم الرغبة أو حتى التذمر وعدم القبول , لكن لا يجوز لك أن تهدد بتطليق زوجتك إذا تزوجت أختها أو قريبتها من شخص لا تريده , إذ لا تزر وازرة وزر أخرى في الإسلام .
ثم إن المسألة نفسية سببها التأثيرات الاجتماعية , وليست حقيقية بل ولا فطرية ( كما لو كانت هناك إعاقة أو تشوه خـَلقي أو اختلاف في لون البشرة مثلاً ) .
إذ أن من يرفض مثل هذا الزواج , يرفضه لعوامل نفسية اجتماعية تتغير مع الزمن .. بخلاف من يحتج ويقيس هذا الرفض برفض زواج المعوّق أو المشوَّه أو أسود البشرة من السليمة الجميلة بيضاء البشرة .. لأن السبب هنا فطري ثابت لا يتغير عند الكثيرين .
مع العلم أنه لو جاء رجل معوّق أو مشوّه أو أسود البشرة وأراد الزواج من امرأة جميلة بيضاء البشرة أو العكس وقبلت المرأة ووليها الشرعي, فلا يجوز لأحد أن يمنع مثل هذا الزواج بالإكراه والتهديد . ولنا في زواج بلال الحبشي رضي الله عنه من أخت عبد الرحمن بن عوف خير مثال , إذ لم يرد في التاريخ والسير وجود منع بالإكراه أو تهديد أو ما شابه ذلك.
فالمسألة بكل بساطة تعود أساساً للخاطب والمرأة ووليها الشرعي , فإذا رضي هؤلاء فهم المعتمد .
3- يقولون إنهم لو سمحوا بزواج القبلية بغير القبلي , فستختلط وتضيع الأنساب !!
كلامهم هذا لا يخلو من جهل بالتاريخ وعلم الأنساب , بل إن واقع حالهم يناقض كلامهم .
فالهاشمي سيظل هاشمياً حتى لو تزوج حبشية .. والحبشي سيظل حبشياً حتى لو تزوج هاشمية .
والمرأة سواءً كانت عربية أو غير عربية إذا تزوجت من أي رجل كان لن يغيـّر نسبها , وكذلك الرجل .
أما الأولاد فيـُنسبون لآبائهم . فمن كان أبوه عربياً وأمه غير عربية , فهو عربي .. ومن كان أبوه غير عربي وأمه عربية , فهو غير عربي .
فأين ضياع الأنساب واختلاطها ؟!
ثم إن زواج الرجل القبلي من امرأة غير عربية , أمر مقبول – وربما مرغوب عند البعض - ومع ذلك لم يحدث ضياع أو اختلاط للأنساب ولم نسمع من يذكر ضياع الأنساب واختلاطها !
فهل إذا تزوجت المرأة القبلية من رجل عربي غير قبلي تختلط وتضيع الأنساب .. وإذا تزوج الرجل القبلي من غير عربية لا تختلط ولا تضيع الأنساب ؟!
إن ادعاء الخوف من اختلاط وضياع الأنساب بمثل هذا الزواج , أمر يوهم أن الأنساب وكأنها كانت محفوظة تماماً من الضياع والاختلاط طوال التاريخ , وهذا مخالف للواقع .
إذ هناك جزء من تاريخ الجزيرة العربية – ذات الأحوال المضطربة – مفقود ولم يدوّن , كما أن بعض القبائل المعاصرة هي عبارة عن تحالفات بين مجموعات بشرية مختلفة .
وهذا الأمر الذي حدث في السابق قد يفسر حرص البعض الشديد وخوفهم المبالغ فيه من اختلاط الأنساب لأن اختلاط الأنساب لا يمكن أن يحدث فعلاً إلا عند عدم اتضاحها ابتداءً .
وعموماً يظل التحجج بالخوف من ضياع واختلاط الأنساب هي حجة من كيد الشيطان الذي يئس أن يـُعبد في هذه الجزيرة فأراد بها التفريق والتحريش بين المسلمين .
يجب أن يعلم الجميع أن مجرد التهديد بالقتل أو التبرؤ أو قطع صلة الرحم أو ما شابه ذلك , أمر محرم شرعاً بحد ذاته , حتى ولو كان الهدف منه تحقيق مصلحة مباحة فالغاية لا تبرر الوسيلة في الإسلام .
وعلى هذا فإن من يمنع تزاوجاً بين قبلي وغير قبلي بالقوة وتحت التهديد بالقتل أو التبرؤ أو قطع صلة الرحم أو ما شابه ذلك , فهو آثم . والله أعلم .
---------
حكم فسخ عقد النكاح بالقوة بحجة عدم الكفاءة في النسب .
إذا كان منع الزواج بالقوة ابتداءً لا يجوز وهو شبيه بالعضل المحرم , فحرمة فسخ العقد بعد النكاح من باب أولى .
وإذا كان إرغام الفتاة على الزواج ابتداءً ممن لا تريد لا يجوز , فكذلك إرغام الفتاة على الطلاق من زوجها الذي تريده لا يجوز أيضاً .. بل الأخير أولى بالتحريم لأنه يهدم بنيان أسرة قائمة .
أما قول بعض علماء السلف رحمهم الله بأن للأقارب فسخ العقد ولو بعد حين , فهو اجتهاد من غير معصومين وهو قول لا يستند على دليل شرعي لا من القرآن ولا من السنة بل هو عند التحقيق يتعارض مع سنة المصطفى – عليه الصلاة والسلام – القولية والفعلية والتقريرية ( كزواجه عليه الصلاة والسلام من أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها وهي غير عربية , وكذلك زواج زيد بن حارثة وأسامة بن زيد وبلال بن رباح وغيرهم من نساء قرشيات وغير قرشيات ) وهذه الشواهد وأشباهها تكفي لعدم اعتبار ذلك القول من بعض علمائنا رحمهم الله .
كما أن هذا القول قد عارضه علماء آخرون من علماء السلف كالإمام مالك رحمه الله وغيره.
وعليه فلا ينبغي الاحتجاج بقول عالم على قول عالم آخر إلا بتعضيد ذلك بالأدلة من القرآن أو السنة إذ يلزم النظر في الأدلة من القرآن والسنة من قبل ومن بعد اختلاف العلماء .
لأن مجرد وجود قول لبعض علماء السلف في مسألة ما , ليس حجة بذاته – خصوصاً إذا عارضه قول علماء آخرين – بل هو بحاجة إلى تعضيد بالأدلة الشرعية من القرآن أو السنة .
أما إذا تعارض قول لبعض علماء السلف مع الأدلة من القرآن أو السنة , فيجب على المسلم اتباع القرآن والسنة واعتبار ذلك القول من أولئك العلماء اجتهاداً خاطئاً .
1- لو كان هناك رجل أسود البشرة تزوج امرأة بيضاء البشرة وكلاهما من نفس القبيلة مثلاً, فهل يجوز لأقارب المرأة أن يفسخوا عقد النكاح بحجة عدم التكافؤ باللون ؟!
2- لو أن رجلاً قبلياً ليس له مكانة في قبيلته أو صاحب عمل وضيع في المجتمع وتزوج ابنة شيخ قبيلة , فهل يحق لأقارب المرأة أن يفسخوا عقد النكاح بحجة عدم التكافؤ بالحسب ؟!
3- لو أن رجلاً قبلياً يعاني من مرض أو إعاقة جسدية وتزوج امرأة سليمة من ذلك , فهل يحق لأقارب المرأة أن يفسخوا عقد النكاح بحجة عدم التكافؤ في الصحة ؟!
4- بل حتى لو أن رجلاً ليس متديناً وليس ذا خلق رفيع وتزوج من امرأة متدينة صاحبة دين وخلق رفيع .. فهل يجوز لأقارب المرأة أن يفسخوا عقد النكاح بحجة عدم التكافؤ بالدين والخلق ؟!
إن عقود النكاح ميثاق غليظ ومن الخطأ الفادح استسهال فسخها هكذا .
** ومن النصوص الشرعية التي يحسن ذكرها في هذا المقام حديث مغيث وبريرة . فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن زوج بريرة كان عبداًيقال له : مغيث، كأنيأنظر إليه خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلمللعباس : يا عباس ألا تعجب من حبمغيثبريرة ، ومن بغض بريرةمغيثا ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : لو راجعته ، قالت : يا رسول الله أتأمرني ؟ قال : إنما أنا أشفع ، قالت : لا حاجة لي فيه. رواه البخاري 5283
وهذا الحديث يتحدث عن اختلاف الحرية والعبودية بين الزوجين وليس عن النسب .
والشاهد هنا أن النبي ترك الخيار للزوجة نفسها – بعد أن أصبحت حرة – في مسألة البقاء
على ذمة زوجها – الرقيق – أو تطليقها منه , بل إنه عليه الصلاة والسلام شفع للزوج وحاول ألا يقع الطلاق ولكن الزوجة أبت , فقبل النبي باختيارها ولم يجبرها على ما لا تريد .
** كذلك وردت قصة تلك المرأة التي جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام تشتكي من تزويج أبيها لها بالقوة من ابن أخيه ليرفع به خسيسته .
فعن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلمفقالت : إن أبي زوجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته ، ولم يستأمرني ، فهل لي في نفسيأمر ؟ قال : " نعم " ، قالت : ما كنت لأرد على أبي شيئا صنعه ، ولكن أحببت أن تعلمالنساء ألهن في أنفسهن أمر أم لا ؟ "رواه البيهقي والنسائي وابن ماجة , وضعفه الألباني .
وهذا الحديث – على افتراض صحته – يتحدث عن امرأة زوّجها أبوها من ابن عمها رغماً عنها ليجعله بها عزيزاً أو ليجعل الأب نفسه بتزويجها عزيزاً .
والشاهد في هذا الحديث ليس اختلاف النسب لأن الزوجين أبناء عمومة أي من نسب واحد , لكنّ الشاهد فيه رد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الزواج لرأي الزوجة وإعادة الأمر إليها .
** وفي البخاري في باب : إذا زوّج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود .
عن خنساء بنت خذام الأنصارية : أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك , فأتت النبي عليه الصلاة والسلام فردّ نكاحه .
** وعن ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة , فخيـّرها النبي صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود وصححه الألباني .
** وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال : "يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم ، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يـُرَ للمتحابين غير النكاح " رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي والطبراني وغيرهم ، انظر السلسلة الصحيحة 624.
** هذا في شأن الإكراه والإجبار على الزواج , أما الإكراه على الطلاق فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله إن سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها . قال : فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال : " يا أيها الناس ! ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما ؟ إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " رواه ابن ماجه , وحسنه الألباني .
ونستخلص من هذه الأحاديث أن إجبار الزوجين أو أحدهما على ما لا يريد – سواءً كان ذلك الإجبار على الزواج أو الطلاق – أمر مرفوض شرعاً ولا يجوز .
بل لو تأملنا هذه الأحاديث , لوجدنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرفض الإكراه وفرض الأمور على الزوجين من قبل الآخرين حتى ولو كان هؤلاء " الآخرون " الأولياء أنفسهم أو حتى النبي عليه الصلاة والسلام نفسه .
فالإسلام لا يجيز إكراه أحد على الزواج أو الطلاق , ما دام هذا الأحد عاقلاً بالغاً راشداً .
وزواج أو طلاق المكره لا يجوز ولا يقع في أصح قولي العلماء , كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " طلاق السكران والمستكره ليس بجائز " . رواه البخاري .
وهو رأي الإمام مالك رحمه الله وغيره من العلماء . قال مالك كما في المدونة : " لا يجوز على المستكره شيء من الأشياء لا عتق ولا طلاق ولا نكاح ولا بيع ولا شراء " .
أود أن أنبه في الختام إلى أن طرح هذا الموضوع ليس من أجل إحداث البلبلة والفرقة في المجتمع ولكنه – والله – دفاعاً عن الشريعة الإسلامية السمحة التي أُلصق فيها ما ليس منها .
فهذه العادة الاجتماعية – سواءً كانت مذمومة عند البعض أو محمودة عند البعض الآخر – ليست من الدين وليس لها أصل شرعي , بل إن فيها جوانب تتعارض مع الإسلام نصاً وروحاً كجانب منع الزواج قبل وقوعه بالإكراه والتهديد وكذلك جانب فسخ عقد النكاح بعد الزواج بالإكراه وتحت التهديد .
أما الزواج واختيار الشريك ابتداءً , فقد كفله الإسلام لكل مسلم ولله الحمد والمنة , ولم تكن هي مدار بحثنا بل كان مدار بحثنا ونتائجه التي توصلنا إليها ما يلي :
1- أن الاهتمام بمسألة النسب أو المال أو الحسب أو الجمال أو سلامة البدن من الإعاقات عند الزواج أو التزويج , أمر مباح إذا كان بعد الاهتمام بالدين والخلق وهو أمر متاح مباح لمن يرغب ذلك .
2- أن التركيز فقط على جانبي الدين والخلق عند الزواج أو التزويج وتجاهل الأمور الأخرى من مال أو نسب أو جمال أو حسب أو سلامة من إعاقة , أمر مباح أيضاً .
3- أن منع المسلم لأخيه المسلم من أن يتزوج أو يزوج من يشاء من المسلمين بالقوة والإكراه لا يجوز مادامت صفتي الدين والخلق متوفرتان في الطرف الآخر ومادام الولي شرعياً , بل حتى وإن تفاوتت صفتي الدين والخلق وقلـّت عند أحد الطرفين .
4- أن فسخ عقد النكاح بالقوة والإكراه بحجة عدم تكافؤ النسب أو المال أو الحسب أو الجمال أو اللون أو غيرها , لا يجوز شرعاً خصوصاً إذا كان الزوجان لا يريدان الانفصال .
قد يكون هناك من يستغرب أو يستنكرحرصنا على طرح هذا الموضوع ويطالب بالكف عن طرح هذا الموضوعلئلا يثير فتنة !
وهناك من يقول إن بقاءنا علىهذا الحال أفضل وأسلم!
وهناك من يقول إنه لا فائدة من التزاوج بل بالعكسهناك أضرار !
وهناك وهناك ...
إن من أسباب طرحنا لهذا الموضوع ما يلي :
1- تطبيق أمر النبي عليه السلام وعدم تعطيله كلياً , وتطبيق الأوامر النبوية لا يمكن أن تثير فتنة .
قال عليه الصلاة والسلام : " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه , إلاتفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض "
2- عدمالوقوع في الوعيد النبوي الذي جاء في الحديث السابق : " ... إلا تفعلوا تكن فتنة فيالأرض وفساد عريض "
3- تغيير نظرة المجتمعالخاطئة عن مثل هذا الزواج , إذ أن محاسنه على المدى البعيد خير وأولى بالاهتمام من مساوئه الآنية وعلى المدى القصير .
4- انصهار المجتمعمع بعضه لتزيد اللـُحمة بين أفراده .
5 - تحقيق تشبيه النبي عليه السلام المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد .. تحقيق هذا عملياً .
6- القضاءأو على الأقل التقليل من المحسوبية ومحاربة من يختلفون عنا في التصنيف , كما نسمع أنه يحدث في العمل وغيره .
7- قطع الطريق على الشيطان عليه لعائن الله فيالتحريش بين أفراد المجتمع المسلم .
قال عليه الصلاة والسلام : " إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن فيالتحريش بينهم " رواه مسلم
8- قطعالطريق على العدو الإنسي من التفريق بيننا واستغلال الفجوة الموجودة في المجتمعللتحريش بل والاقتتال لا قدر الله , كما فعل ذلك في العراق ولكن من باب الكردوالعرب أو الشيعة والسنة .
وغير ذلك من الأمور الإيجابية التي يحثعليها ديننا الحنيف .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تم الانتهاء من كتابة البحث في :
أبو فهد
http://www.up-00.com/dldUNF24779.doc.html