ها نحن نعيش في يوم عاشوراء ...هذا اليوم الذي نصر الله به أولياءه وخذل فيه الكافرين ، اليوم الذي أباد الله فيه الطغاة ورفع رؤوس المؤمنين ...

انه يوم عاشوراء ، وسمي بعاشوراء لأنه يكون في اليوم العاشر من شهر محرم ، فهذا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ رواه البخاري ...

يوم عاشوراء ، يوم عزة وتمكين ، يوم مغفرة وتطهير ، يوم شكر لله تعالى ،فما أعظم هذا اليوم !! وما أعظم معانيه، وما أكبر عظاته...

انا اردت ان اذكر بدرس من دروس هذا اليوم العظيم ... الا وهو :

أن النعم التي أنعمها الله بها علينا حينما لا يقابلها الشكر فهي مهددة بالزوال فبالشكر تدوم النعم وتزيد ...

ولهذا لما كانت النجاة لسيدنا موسى ( عليه السلام ) يوم عاشوراء منة كبرى ونعمة عظيمة سارع بالشكر لهذه النعمة بأن صام ذلك اليوم لله تعالى ، وأيضا صامه نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وأمر بصيامه...

فأين من يشكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ؟ يا من أعطاك الله المال ومنع غيرك هل أديت شكر هذه النعمة ؟ يا من رزقك الله الوظيفة وحرم منها الكثير هل أديت شكر هذه النعمة ؟ يا من أكرمك الله بمسكن واسع وبسيارة ولم يمتلكهما غيرك هل أديت شكر هذه النعمة ؟ يا من رزقك الله بزوجة صالحة تعينك على دنياك وأخراك هل أديت شكر هذه النعمة ؟ يا من أعطاك الله الصحة والعافية وابتلى غيرك بالأمراض هل أديت شكر هذه النعمة ؟ يا من دفع الله عنك المصائب والفتن التي كثرت في هذا الزمان هل شكرت الله على هذه النعمة ؟

هذه حوار أسوقه إلى كل ساخط ، إلى كل من يردد دائما: (بماذا انعم علي ربي) ، إلى كل من لم يرض بما قسمه الله له ... هذا رجل ذهب إلى أحد العلماء، وشكا إليه فقره، فقال العالم: أَيسُرُّكَ أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا. فقال العالم: أيسرك أنك أخرس ولك عشره آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا. فقال العالم: أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا. فقال العالم: أيسرك أنك مقطوع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفًا؟ فقال الرجل: لا. فقال العالم، أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك نعم بخمسين ألفًا.... فعرف الرجل مدى نعمة الله عليه، وظل يشكر ربه ويرضى بحاله ولا يشتكي إلى أحد أبدًا.... هذا سيدنا الحسن البصري يقول: كلما شكرتَ نعمة، تَجَدَّدَ لك بالشكر أعظم منها. قال تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم ْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]. وقال سبحانه: { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147]...

بل يروى أن رجلا ابتلاه الله بالعمى وقطع اليدين والرجلين، فدخل عليه أحد الناس فوجده يشكر الله على نعمه، ويقول: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به غيري، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلا... فتعجب الرجل من قول هذا الأعمى !! مقطوع اليدين والرجلين ومع ذلك يقول: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به غيري، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلا... ، فسأله: على أي شيء تحمد الله وتشكره؟ فقال له: يا هذا، أَشْكُرُ الله أن وهبني لسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا وبدنًا على البلاء صابرًا...
فدرس من يوم عاشوراء لكل من رزقه نعمة إذا أردتم أن تحافظوا على هذه النعم فاشكروا الله عليها وإلا فإنها معرضة للزوال وتذكروا قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ )(النحل : 112) .