وفيك بارك الله.
* من الشائن -مع وافر الاحترام- تضمين إسقاطات "المحاماة"، و"المدافعة"، و"التبرير"، و"تطويع الكلام"، و"على غير الجادة"، وقلة "الإحاطة"، و"العراقيل النفسية"= في النقاش العلمي.
ومثل هذا التعامل مع المناقش (ولا أقول المخالف) أول المزالق، والحاجة إليه تكون أحيانًا لتدعيم الضعف الذي يعتري كلام صاحبه علميًّا. هذا كلام عام لا بخصوص ما هنا، فليُتأمل.
وسأكتفي بهذا عن نقل ما كان من هذا الجنس في النقاش، والكلام عليه.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السكران التميمي
- أما قولك: (أما حديث هشام بن عروة؛ ففي كلام الحافظ الخطيب البغدادي، ثم كلام العلامة ابن القيم= ما يبطل القول بأنه محفوظٌ عن سويد، أو أنه حدَّث به ويتحمَّل تبعته؛ فضلاً عمّا في إسناده -قبل راويه عن سويد- من الجهالة).
لم أشك في هذا أصلاً.. ولكن كونه ليس بمحفوظٍ عنه = لا يعني هذا النفي الكامل لعدم روايته له خطأ وتخليطا.. فلم يسلم سويدٌ من الجرح حتى يسلم من قبله من الرواة.
وما تنازعنا هنا إلا لكونه مخلطٌ مخطئ فيما رواه غالباً في أخرة.. فكون المحفوظ غير طريق هشام = لا يعني أنه لم يروه مخطئاً فيه مخلطا.. فليست المسألة مسألة بيان المحفوظ؛ فإنه لا خلاف في كون المحفوظ هو رواية ابن أبي يحيى القتات.
كيف يكون غيرَ محفوظٍ عن سويدٍ -بلا شك-، ويمكن -مع ذلك- أن يكون سويدٌ نفسُه رواه خطأً وتخليطًا؟!
وقضية الصواب في نهاية الأمر ليست محل البحث، وإنما الكلام في المحفوظ عن سويد، وإذا لم تكن رواية هشام محفوظةً عنه؛ لزم أن يكون لم يروها أصلاً، وأن الخطأ في ذكرها ممن دونه.
وبعيدًا عن المحفوظ؛ فإسناد الرواية التي فيها هشام ضعيفٌ من أوله، وقد أشرتُ إلى هذا في مشاركة سابقة.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السكران التميمي
- أما قولك: (وأما كلام الدارقطني؛ فليس بـ"واضح جدًّا" في إفادة تفرد ابن الخصيب بالحديث، بل غاية ما فيه: أن البلية من الوضّاع، وأن سويدًا بريء من العهدة، وهذا يحتمل أن المراد به: أن الوضّاع أدخله على سويد، فبُلي به، وأصل البلاء من ذاك).
بل هو أوضح من شمسٍ ساطعة في سماء صافية.. وما فعلت أنتَ رحمك الله سوى ترديد كلام الدار قطني بأسلوب آخر فقط!
أما الشمس الساطعة والسماء الصافية؛ فمن أساليب الخطابة التي لا تجوز على كل أحد.
وأما ترديد كلام الدارقطني؛ فلأنه هو كلامه، ولأن هذا احتمالٌ في المراد منه غيرُ بعيد.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السكران التميمي
فإنه فعلاً في كلامه أراد ما تفضلت به: (بل غاية ما فيه: أن البلية من الوضّاع، وأن سويدًا بريء من العهدة، وهذا يحتمل أن المراد به: أن الوضّاع أدخله على سويد، فبُلي به، وأصل البلاء من ذاك).. فسويدٌ عنده ثقةٌ أصلا، وثقته هذه عنده هي التي جعلته يقول هذا القول ويلزقه بغيره. فتأمل
ليس سويدٌ عند الدارقطني بثقة بهذا الإطلاق؛ بل قال الدارقطني -وكلامه منقول أعلاه، غير بعيد-: (ثقة، ولكنه كبر، فربما قرأ القوم عليه بعد أن كبر، قرئ عليه -كذا- حديث فيه بعض النكارة، فيجيزه).
فتبرئتُه سويدًا وتوثيقه إياه لا يتعارض -بنصِّ كلامه- مع كون بعضهم يُدخل الأحاديث المنكرة عليه.
ولكني أظنك أردتَ هنا: احتمال إرادة التفرد في كلام الدارقطني، فأخطأتَ في النقل. وسيأتي لقضية التفرد هذه مزيد كلام.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السكران التميمي
- أما قولك (وهذا يفيد تزييف الروايات الأخرى عن سويد؛ التي جاء بها المجاهيل والضعاف والأدباء والأخباريّون، بل وبعض الرافضة!).
قد قلنا أن الحديث أصلاً لا يصح؛ وأنه على الصواب بتمشيته من قول ابن عباس رحمه الله تعالى ورضي عنه.
ليس الكلام في صحة الحديث، بل في صحة الروايات عن سويد.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السكران التميمي
لكن مع ذلك قلنا أنه قد رواه عن سويدٍ اثنين من الثقات المتعهدين له؛ بل هم أقدم من ابن الخصيب هذا، وقد ذكرناهما أعلاه في مشاركتنا، والسند إليهما عنه جيد لابأس به إن شاء الله.
وهذا الذي عناه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كلامه لما أن نسف جميع الطرق والوجوه ما عدا ما صحت روايته عن سويدٍ منها.. وهذا هو الذي يرد تعليقك عليه رحمه الله بقولك: (وقول ابن القيم: [ولكن رواية الأكابر عنه هذا الحديث كان قبل ذهاب بصره] هو الذي يحتاج إلى إثبات العرش قبل النقش؛ فأين الأكابر؟ وأين صحة الرواية عنهم؟ وأين كون روايتهم إياه عنه قبل ذهاب بصره؟).
فأخبرناك من هم الأكابر، وأخبرناك أنها مروية إليهم عنه بأسانيد جيدة، وأخبرناك في مشاركتنا أعلاه أنهم صرحوا بالتحديث عنه، وأخبرناك أنهم من أقدم أصحابه.. فاستنتج ابن القيم رحمه الله تعالى من هذا كله ما نقدته عليه.
قد أخبر
ناك! أن رواية القاسم بن محمد المهلبي لا وجود لها -فيما وقف
نا! عليه-، ولم تجب عن هذا.
وأما رواية داود الظاهري، فقد تفرد بها عنه ابنه: محمد بن داود.
وابنه هذا على فقهه وعلمه؛ كان أخباريًّا أديبًا شاعرًا، وكان معترفًا بعشقه وهواه، وعُلم عنه ميله إلى أحد أصحابه، وحبه له، وعشقه وهيامه به، حتى قيل: مات من أجله! نسأل الله العافية.
ومثل هذا لا يُستجاز قبول ما يرويه في باب العشق خاصة، ولا يصح أن تُرَدَّ به أقوال الأئمة النقاد.
هذا فضلاً عن أن القصة مروية عنه بطريقين أحدهما فيه رافضي ليس له كتب ولا أصول، ويحدث من حفظه، والآخر في إسناده جهالة.
ثم لو صحت الرواية؛ فظاهر السياق أن ابن داود أسنده على طريق المذاكرة والحكاية، وهذا بابٌ مفتوحٌ على مصراعيه للأوهام والأغلاط والتدليس وغير ذلك.
وأما باقي الروايات عن سويد؛ فكما سبق: إما في إسنادها نظر، أو في رواتها أنفسهم نظر.
هذا ما أراه حقًّا، وأدعو إليه، ولا أثرب على من يأخذ برواية داود الظاهري، فينفي التفرد، وإن كان الركون إليها -مع ما سبق مما فيها- في رد كلام أئمة النقد مزلة كبيرة.
وهذه خلاصة الكلام، ومربط الفرس، وهذا كله على التسليم بأن الدارقطني يريد الحكم بتفرد الوضّاع عن سويد بن سعيد.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السكران التميمي
- وأما قولك: (وأما الرواية الموقوفة؛ فلم تكتمل في إسنادها دواعي القبول، فضلاً عن أنه لا يصحُّ تغليط سويدٍ برواية سويدٍ نفسِه؛ الرواية التي رفعها هو، ووَقَفها من جاء بعده؛ اجتهادًا في التقصير بالحديث؛ لتن*زيه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قوله).
ولن تكتمل أصلاً بارك الله فيك؛ فهي من أولها وهم وخطأ لم ينضبط.. وتغليطنا لسويدٍ ما حصل إلا لروايته هذا الخبر مخلطاً مضطرباً.. وليس لتنزيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا دخلٌ في الموضوع؛ فلم يضعف الخبر من أجل هذا، بل هو مضعفٌ من أجل خلط سويدٍ فيه وعدم ضبطه له.. وإلا فمنازل الشهادة فمعروفة لا يحتاج إلى حديث سويدٍ لبيان نوعٍ منها.
إنما تحدَّثت عن تخطئة المرفوع وترجيح الموقوف؛ لا عن تضعيف الحديث بالكلية، وهذا الموضع الثاني (أو الثالث) الذي أدخلتَ فيه هذا بهذا.
وقد ذكرتُ أن الذي وقف الحديث وقفه تن*زيهًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم أقل: إن الذي ضعَّفه ضعَّفه لأجل ذلك، فانتبه.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السكران التميمي
- أما قولك: (المتأمل لأسانيد الحديث يجد أن أصحها والذي جاء من وجهين مختلفين: رواية محمد بن زكريا الوضّاع، وهذا يدل على أن هذه الرواية هي الأصل والمرجع، وهذا يؤيد كلام الحافظ الدار قطني).
فأعتقد أنه محاولة لتطويع الكلام ليتوافق وكلام الإمام الدار قطني في محاولة الدفاع عنه ولو على غير جادة!!
كيف تختار هذا الطريق الذي فيه وضاعٌ وتجعله أصح أسانيد الخبر لكي ترجع كلام الدار قطني إليه؛ وتترك رواية الثقات عنه فيما قدمناه لك؟!!
ما شأن الوضّاع بصحة الطريق؟
هل يمكن أن يقول من عنده مسكة عقل: إن أصح الأسانيد: إسنادٌ فيه وضّاع؟!
أما ما قلتُه -وهو واضح-؛ فإنما قلتُ: إن أصح الأسانيد المروية لهذا الحديث: إسناد رواية محمد بن زكريا، أي: الإسناد الذي جاءت به هذه الرواية.
وهذا لا شك فيه ولا إشكال، وإسناد رواية الوضّاع أصح من إسناد رواية داود الظاهري وغيره.
بل جاء الحديث عن محمد بن زكريا من طريقين عنه، بخلاف جميع الروايات عن أصحاب سويد، فكلها غرائب جاءت عنهم بأسانيد مفردة.
وإسنادا رواية محمد بن زكريا الخصيب -وهو المروزي فيما يظهر-:
أولهما: ما أخرجه الخطيب، قال -في تاريخه (13/185)-: (حدثنا المؤمل بن أحمد من لفظه، قال: حدثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم الكتاني، قال: حدثنا أبو القاسم بن بكير التميمي، قال: حدثنا محمد بن زكريا الخصيب...)، فساقه، والإسناد إلى الخصيب صحيح مسلسل بالثقات.
والثاني: ما أخرجه الخطيب -أيضًا-، قال (11/295): (حدثنا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري، قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي بجرجان، قال: حدثنا عثمان بن زكريا بن يحيى المروزي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن زكريا المروزي...) فساقه، وليس بهؤلاء بأس، إلا أن في عثمان بن زكريا جهالة؛ يزول أثرها بمتابعة أبي القاسم ابن بكير التميمي له.
ولا تجد مثل هذين الإسنادين في جميع الروايات الأخرى.
ومن فقه النقد: أن يركن الناقد إلى المشاهير الصحاح، ويرتاب من الغرائب -وإن كان ظاهر الغرائب الصحة-، خاصةً إذا وافق ذلك قولٌ لإمامٍ يُعتمد عليه.
والله -تعالى- أعلم.