الموضوع: مع أحداث وشخصيات معركة الهجرة ...

ها نحن نعيش في شهر محرم الحرام ، وهذا الشهر في كل عام يذكرنا بأروع عملية جهادية ، إنها معركة الهجرة النبوية ، وذكرى إقامة دولة الإسلام الخالد .

معركة الهجرة ... معركة عظيمة ...وأنا أقول عنها معركة لان فيها صورا فدائية ، فيها التضحية بأبهى صورها فقد ترك أكثر المهاجرين ديارهم وأموالهم وأهليهم من اجل الدين والعقيدة ، نعم إنها المعركة التي كانت وستبقى خالدة في ذاكرة الإنسان إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها ، ما دام هناك حق وباطل ، مادام هناك مظلوم وظالم ، ما دام هناك خير وشر ...

فالنبي (صلى الله عليه وسلم) بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو قومه إلى الإسلام ولكن القليل منهم من آمن بدعوته ووقفت الكثرة الكاثرة من طواغيت قريش في عناد وإصرار ، فقاموا بتعذيب أصحابه (صلى الله عليه وسلم) فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالهجرة وتبعهم بعد ذلك ... وحاولوا أن يقضوا على هذه الرسالة ولكن ما هم إلا كمثل العنكبوت التي اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون . ..

فتعال أخي المسلم لنقف قليلا مع أحداث وشخصيات معركة الهجرة النبوية وهجرة أصحابه .. تعال لنستذكر تلك الدروس والعبر من هذه المعركة المباركة لنستفيد منها .. ولن نسعد إلا إذا استفدنا منها و طبقناها في حياتنا.. تعالوا لنسترجع معا ونستذكر تلك اللحظات التاريخية من هجرة رسولنا الكريم وهجرة أصحابه الكرام .. التي تطرح أمامنا الكثير الكثير من التساؤلات التي تؤلم القلب.. وتوجع الضمير.. وتدمع لسماعها العين..

فكونوا معنا دائما مع أحداث وشخصيات هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) واصحابه الكرام) ......

ولنبدأ بهجرة أصحابه الكرام رضي الله عنهم ...
ومع الشخصية الأولى : ( البطل صهيب الرومي)

الصحابي الجليل صهيب بن سنان بن مالك والمعروف بـ (صهيب الرومي ) ... وهنا انبه على خطأ انتشر بين كثير من العامة وبعض الخاصة أن الصحابي الجليل (صهيب الرومي ) أصله من الروم .وهذا خطأ ، بل هو عربي " نمري " ، وإنما سمي الرومي لأنه أقام في بلاد الروم مدة بسبب السبي فعرف بذلك ...

صهيب قصته في معركة الهجرة عجيبة جدا، هذا الرجل كان من الفقراء في مكة، فراح يعمل فيها حتى أصبح من أثريائها ...

ولما أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة اخذ صهيب الرومي أمواله ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقف له المشركون في الطريق، وقالوا: يا صهيب ! أنت الرجل الدخيل فينا، أتيت من بلاد الروم رجلاً فقيراً، وإذا بك اليوم تحمل هذه الأموال الطائلة وتهاجر بها إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، والله لا نتركك أبداً...

فنزل عن راحلته، وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش : لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأيم الله لا تصلون إلى حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، فافعلوا ما شئتم ...فقالوا : لا نتركك أبدا تهاجر إلى محمد بهذه الأموال .. فقال: وماذا تريدون مني؟ قالوا: نريد كل أموالك..

فماذا يفعل صهيب يا ترى ؟ أيختار المال أم يختار محمداً والإسلام؟ إن القوم وضعوا له المال عقبة في سبيل هجرته فماذا يفعل صهيب؟ أيختار المال ويظل مع أهل مكة أم يختار محمدا ويتنازل عن المال؟ المال الذي جمعه بعرق الجبين .. المال الذي يفعل بالناس ما يفعل ..فكم من أخوين ناما في فراش واحدا ، وأكلا من رغيف واحد ، وعاشا في رحم واحد ، ورضعا من ثدي واحد فرق بينهما الدرهم والدينار ... المال له سره المال له سحره له بريقه له رنينه!!!

فقال لهم صهيب : اذا تركت لكم مالي تتركوني اذهب الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ فقالوا له : نعم .. فقال: هذه كل أموالي خذوها، ودعوني ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: الآن فاذهب ...

الله اكبر ما أجمل التضحية في سبيل الله ؟ فأين المسلم في دنيا من هذا الموقف الرائع ؟ أين المسلم الذي يضحي بالشي القليل من ماله في سبيل الله ؟ ان الإنسان إذا عرف الله هان عليه كل شي ، الرجل إذا ذاق طعم الإيمان هانت عليه الدنيا ، وهان عليه المال ، وهانت عليه نفسه ...

وهاجر صهيب إلى حبيبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وقبل أن يخبر حبيبه (صلى الله عليه وسلم) بما حدث له مع كفار قريش ...قال له الرسول (صلى الله عليه وسلم) : لقد ربح البيع يا صهيب ... ربح البيع يا أبا يحيى..

الله اكبر ... الله اكبر ... من الذي أخبرك بما حدث يا رسول الله ؟ من الذي شرح لك موقف صهيب العجيب يا حبيبي الله ؟

إن الذي اخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) انه الأمين جبريل ( عليه السلام ) نزل بآيات على رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، بآيات تتلى إلى يوم القيامة ، بآيات يخبره عن هذا الحدث الجميل وهو قول الله تعالى ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) (البقرة : 207)

ومعنى يشرى: يبيع نفسه أي باع نفسه ابتغاء مرضات الله ... إنه صهيب الرومي تلميذ من تلاميذ الحبيب صلى الله عليه وسلم ...

فأين المسلم الذي يفهم الإسلام والحب لله ولرسوله والتضحية في سبيل الله كما فهمها سيدنا صهيب رضي الله عنه ..أين المسلم الذي يصنع أو على الأقل يتشبه بما صنع سيدنا صهيب رضي الله عنه ..

انتظرونا في لقاء آخر ... ومع شخصية أخرى من شخصيات معركة الهجرة ... والى ان نلتقي أقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...