الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
فإن تأويل النصوص " التحريف " بمعنى :" صرف اللفظ عن ظاهره لمعنى آخر " دخيل على هذه الأمة , وإنه الناظر لهذا النوع من التحريف ليرى أنه سرى إلى عقائد المسلمين من مذهب الباطنية والذي بدوره اكتسبه من عقائد اليهود والنصارى والفلسفة اليونانية .
وإليك أخي الكريم بعض ملامح هذه العلاقة بين تأويل النصوص وبين مذاهب الباطنية .

تقريب الصورة في دور الباطنية في نشأة تأويل النصوص
" الباطنية" لقب أطلق على مجموعة من الفرق التي ادّعت أن للإسلام ظاهراً وباطناً وأن لكل تنزيل تأويلاً، وبالغت في "التأويل" حتى جعلته هو الأصل والقاعدة.
ويعرف أبو حامد الغزالي الباطنية بقوله:" أما الباطنية فإنما لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر، وأنها بصورها توهم عند الجهال الأغبياء صوراً جليّة، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة" .
فضائح الباطنية (11)
وبشيء من التفصيل يقول د. عبد الرحمن بدوي: "الباطنية لقب عام مشترك تندرج تحته مذاهب وطوائف عديدة، الصفة المشتركة بينها هي تأويل النص الظاهر بالمعنى الباطن تأويلاً يذهب مذاهب شتى، وقد يصل التباين بينها حد التناقض الخالص؛ فهو يعني أن النصوص الدينية المقدسة رموز وإشارات إلى حقائق خفية وأسرار مكتوبة، وأن الطقوس والشعائر، بل والأحكام العملية هي الأخرى رموز وأسرار، وأن عامة الناس هم الذين يقنعون بالظواهر والقشور، ولا ينفذون إلى المعاني الخفية المستورة التي هي من شأن أهل العلم الحق .
مذاهب الإسلاميين (7)
نشأة الفكر الباطني وبيان أن جذوره ترجع إلى اليهودية والنصرانية .
عُرف التأويل الباطني قبل الإسلام بزمن طويل، "ولم يقتصر الأمر على الكتب المقدسة، بل امتد إلى النصوص القانونية، وإلى الآثار الأدبية حين تصبح ذات سلطة, فحينما صار شعر هوميروس نصّاً ذا سلطة، أخذ المفكرون اليونانيون والأدباء في القرّن الخامس قبل الميلاد في تأويله.."
مذاهب الإسلاميين ص 10.
ثم انتقل التأويل الرمزي إلى اليهودية على يد فيلون اليهودي في القرن الأول الميلادي، الذي يعد من أكبر ممثلي النزعة إلى التأويل في العصر القديم، وإن كان قد سبقه في اليهودية كثيرون، فسّروا "إبراهيم" بالنور أو العقل، و"سارة" بالفضيلة، لكن فيلون تميز عليهم بأن جعل من التأويل مذهباً قائماً برأسه ومنهجاً في الفهم
والذي دفع فيلون إلى اتخاذ مذهب التأويل الباطني، تلك الحملة التي قام بها المفكرون اليونانيون على ما في التوراة (المحرفة) من قصص وأساطير ساذجة أو غير معقولة... فاضطر فيلون إلى الدفاع عن التوراة بتأويل المواضيع غير المعقولة تأويلاً بالباطن، ورأى أن التأويل الباطني هو روح النص المقدس، وأن التفسير بالمعنى الحرفي هو مجرد جسم هذا النص، وأنه يؤدي إلى الكفر... وفي التوراة، أوّل فيلون الجنة بأنها ملكوت الروح، وشجرة الحياة بأنها خوف الله، والأنهار الأربعة في الجنة هي الفضائل الأربعة الأصيلة، وهابيل بأنه التقوى الخالصة من الثقافة العقلية، وقابيل بأنه الأناني...
ثم انتقلت فكرة التأويل من اليهودية إلى النصرانية على يد أوريجانس الذي تأثر بفيلون، وقال إن الكتاب المقدس يفسر على ثلاثة أوجه:
1ـ فالرجل البسيط يكفيه "جسد" الكتاب المقدس.
2ـ والمتقدم في الفهم يدرك "روح" هذا الكتاب.
3ـ والكامل من الرجال هو الذي يفهمه بالناموس النفساني الذي يطلع على الغيب .
وكان أوريجانس يقف موقف الدفاع إزاء ما يثيره اليونانيون عن بعض ما حواه الإنجيل (المحرّف)، وقد أقر أوريجانس بأن كثيراً من القصص الوارد في التوراة لو أخذ بحروفه لكان محالاً غير معقول، وكذلك في الإنجيل.
لكن النهج الذي نهجه أوريجانس في التأويل لاقى معارضة شديدة بين النصارى، تولاها خصوصاً أتباع ما يعرف باسم "مدرسة إنطاكية"، ورغم ذلك استمر أنصار التأويل في نمو وازدهار.
مذاهب الإسلاميين ص 10- 14
كيف وصل التأويل الباطني إلى المسلمين؟
يقول د. الخطيب: "والجواب على هذا السؤال يرجعنا إلى ابن سبأ اليهودي الذي تكاد معظم المصادر التاريخية تجمع على أنه كان من الأشخاص الرئيسيين الذين أوصلوا هذه المؤثرات إلى العالم الإسلامي، وخاصة أنه من اليهود المقيمين في اليمن الذين امتزجت ديانتهم فيها بالنصرانية"
الحركات الباطنية ص( 41)
ويضع د. بدوي السؤال السابق في صيغة أكثر وضوحاً، فيقول: "كيف وصل التأثير اليهودي والمسيحي إلى الإسلام؟" لكنه قبل الإجابة عليه يتساءل: "هل تأثر أصحاب مذهب التأويل بالباطن من المسلمين، بأصحاب التأويل في اليهودية والمسيحية
مذاهب الإسلاميين ص( 15 )
ولعل من المناسب قبل بيان تأثير اليهود والنصارى فيما يتعلق بالتأويل أن نورد شيئاً من أفكار وعقائد ابن سبأ اليهودي، التي أدخلها إلى المسلمين.
يروي الطبري في تاريخه عن يزيد الفقعسي قال: كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، أمه سوداء فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم.
فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول " لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمداً يرجع! وقد قال الله عز وجل {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} محمد أحق بالرجوع من عيسى".
قال: فقبل ذلك عنه, ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها. ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي، ولكن نبي وصي، وكان عليٌ وصي محمد ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء. ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يُجِز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة! ثم قال لهم بعد ذلك إن عثمان أخذها بغير حق. وهذا وصي رسول الله صلى الله علية وسلم فانهضوا في هذا الأمر، فحرّكوه، وابدأوا الطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر"
تاريخ الأمم والملوك 2/647.
يقول د. الخطيب: "وكان تأويل ابن سبأ لقوله تعالى {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} وقوله: "إني لأعجب ممن يقول برجعة عيسى ولا يقول برجعة محمد" أول تأويل لمعاني القرآن الكريم"
وبهذا التأويل للآية الكريمة السابقة، وضع ابن سبأ المذهب الباطني "بما فيه من قول بالرجعة، والذي نشأ عليه مذهب التناسخ، وقالت به باقي حركات الغلو الأخرى. وهذا يعني أن عبد الله بن سبأ حاول أن يوجد نفس العوامل الشبيهة التي أدت إلى تحريف وتأويل التوراة والإنجيل من قبل على غرار ما فعل فيلون وطائفة القبالية.
فكان نشره لمبدأ الوصاية ـ بمعنى أن عليّا وصي محمد صلى الله عليه وسلم ـ من جملة هذه العوامل التي أراد أن تتحقق، لذا نجده ينادي بعد ذلك بحلول جزء إلهي في علي وذريته وهو المذهب الذي يرجع إلى المؤثرات اليهودية والمسيحية المأخوذة عن الفلسفة الأفلاطونية .
الحركات الباطنية ص32
وهكذا استغل ابن سبأ التأويل الباطني ليدخل إلى الإسلام عقائد باطلة مثل الرجعة، والوصية، وألوهية علي، وإنكار موته، وهي العقائد التي تبنتها بعض فرق الشيعة، أما عن تأثر ابن سبأ بالعقائد اليهودية والمسيحية، ومحاولة إدخالها إلى الإسلام فينقل د. بدوي عن المستشرق فريد ليندر أن إنكار ابن سبأ لموت علي
وقوله أن ذلك شبه للناس، وأنه سيرجع من السحاب فكرة أصلها يرجع إلى يهود اليمن، وما يقوله الفلاشا في الحبشة من اليهود الذين تصوروا المسيح المنتظر هكذا
مذاهب الإسلاميين ص 20
وبعد هلاك ابن سبأ، استمر تلامذته في نفث سمومهم، فادّعى المختار بن أبي عبيد الثقفي أن محمد بن الحنفية ـ ابن الإمام علي ـ هو الإمام بعد أبيه لأن ابن الحنفية حمل راية أبيه يوم البصرة (معركة الجمل) دون أخوية فسموا الكيسانية.
وبدأ من خلال هذا الادعاء ببث أفكاره الضالة، فقال بـ (البداء)، وهو الظهور بعد الخفاء، أي أن تكون الحكمة قد ظهرت ولم تكن ظاهرة من قبل، وهذا يستلزم البداء، وسبق الجهل على الله سبحانه وتعالى ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ وزعم بعد ذلك أن جبرائيل يأتيه بالوحي من عند الله عز وجل، وقال بتناسخ الأرواح وبالرجعة، وبأن الدين طاعة رجل، حتى حملهم هذا الاعتقاد على تأويل الشريعة، فاعتبروا أن طاعتهم لذلك الرجل تبطل الصوم والحج والصلاة وغيرها من الفرائض
الحركات الباطنية ص( 23ـ 24) ، والملل والنحل( 1/118)
وقد ذكر الإمام الشهرستاني أن " محمد بن الحنفية تبرأ من (المختار) حين وصل إليه أنه قد لبّس على الناس أنه من دعاته، ورجاله، وتبرأ من الضلالات التي ابتدعها المختار، من التأويلات الفاسدة، والمخاريق المموهة".
الملل والنحل (1/119)
وبعد موت محمد بن الحنفية ظهر ابنه أبو هاشم، وقال أتباعه بانتقال الإمامة إليه ولقبوا بـ "الهاشمية"، وقالوا: فإنه أفضى إليه أسرار العلوم، وأطلعه على مناهج تطبيق الآفاق على الأنفس، وتقدير التنزيل على التأويل، وتصوير الظاهر على الباطن.
وقالوا: إن لكل ظاهر باطناً، ولكل شخص روحاً، ولكل تنزيل تأويلاً
الملل والنحل( 1/119)
مقتبس من مقال قيم عن الباطنية في موقع " فيصل نور "
ولزيادة التوضيح في هذه المسألة :
نقول : معلوم أن العلماء يقسمون التأويل إلى ثلاثة أقسام بالاستقراء :
أ-التأويل بمعنى التفسير.
ب-تأويل بمعنى عاقبة الشيء
ج- التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل وهو من باب التحريف .

وهنا يجدر بنا التنبيه بأن التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر لم يرد في المعاجم اللغوية المتقدمة وإنما هو من نتاج العصور المتأخرة عن عصر الرواية والاستشهاد والاحتجاج .

ذكر الأستاذ محمد السيد الجليند في كتابه الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل (30) : من أقدم ما نجده من المعاجم اللغوية القديمة هو تهذيب اللغة للأزهري( أبو منصور محمد بن أحمد ) المتوفى سنة 370هـ فينقل لنا عن ابن الأعرابي أن "الأول" هو الرجوع وقد آل يؤول أولا ...
وإذا تأملنا كل ما سبق من استشهادات حول كلمة التأويل نجد أن مادة " أول " في كل استعمالاتها تفيد معنى الرجوع والعود , وهكذا في بقية الأمثلة التي ذكرها الأزهري نجد أن المادة في أصلها الاشتقاقي تدور حول معنى الرجوع والعود .
ومما هو جدير بالاعتبار أن تهذيب اللغة من نتاج القرن الرابع الهجري ومعنى ذلك أن مادة" أول" حتى هذه الفترة كانت تستعمل في هذه المعاني التي وضحها وشرحها .
ومما يزيد الأمر وضوحا أن " مقاييس اللغة " لابن فارس المتوفى سنة 395هـ قد نقل إلينا هذه المعاني التي استعملت فيها الكلمة والتي بينها الأزهري في تهذيبه ولم نجد عنده ما يخالف هذا المعنى .. .
ونخرج من ذلك بنتيجة هامة هي: أن كلمة التأويل كانت تستعمل على ألسنة اللغويين من رواة ومحدثين حتى بداية القرن الخامس الهجري في معنى المرجع والمصير والعود حيث لم يرد إلينا في المعاجم التي وضعت في هذه الفترة وهي المصدر الوحيد لكل المعاجم التي وضعت بعد ذلك ما يخالف ذلك .
وإذا انتقلنا إلى "لسان العرب" وهو من نتاج القرن السابع الهجري وقد جمع فيه ابن منظور المتوفى سنة 711 هـ كل ما يتصل بمادة " أول " ومشتقاتها وما استعملت فيه من معاني نجد أنه ينقل لنا أمثلة واستشهادات تؤكد لنا هذا المعنى وتوضحه فمن ذلك: " ألت عن الشيء " ارتددت عنه .. وأول الكلام وتأوله: دبره وقدره, وأوله وتأوله: فسره ..
وفي حديث ابن عباس " اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل "
وعن الليث قال : " التأويل تفسير ما يؤول إليه الشيء " .
وإذا أضفنا إلى ما تقدم من معنى التأويل الذي بينته لنا معاجم القرن الرابع الهجري هذا المعنى الذي نقله ابن منظور عن الليث والجوهري والذي مضمونه أن من معاني التأويل التفسير والتدبر وحسن تقدير الأمور يتضح لنا أن التأويل كان يستعمل عند علماء اللغة من رواة ومحدثين في هذين المعنيين :
الأول : المرجع والمصير والعاقبة كما بينت ذلك معاجم القرن الرابع الهجري .
الثاني : التفسير والتدبر والبيان كما وضح ذلك ابن منظور ونقله عن الليث والجوهري .
وهذان المعنيان هما اللذان استعملا في عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم ولم يعرف لهما معنى آخر ...
ثم نجد ابن منظور في القرن السابع الهجري ينقل لنا عن ابن الأثير في معنى التأويل :" أنه نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ ".
وهذا المعنى ينقله الزبيدي في تاج العروس عن ابن الكمال إذ يقول : قال ابن الكمال : التأويل صرف الآية عن معناها إلى معنى تحتمله إذا كان المعنى المحتمل الذي تصرف إليه الآية موافقا للكتاب والسنة .
ثم ينقل عن جمع الجوامع للسبكي أن التأويل: " هو حمل الظاهر على المحتمل المرجوح؛ فإن حمل لدليل فصحيح أو لما يظن دليلا ففاسد أو لا لشيء فلعب لا تأويل .
وعن ابن الجوزي – وهو من الحنابلة – أن التأويل نقل الكلام عن موضعه إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ .
وبذلك يصبح للتأويل ثلاثة معان : المعنيان السابق ذكرهما , والثالث هو : نقل ظاهر اللفظ إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل أو بمعنى آخر صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله اللفظ .
وهذا المعنى الثالث لم يرد في المعاجم المتقدمة , وإنما ورد في لسان العرب وتاج العروس , وكلاهما من نتاج العصور المتأخرة عن عصر الرواية والاستشهاد والاحتجاج .

ثم قال بعد ذلك
:" إن استعمال التأويل بهذا المعنى كما يبدو لي نشأ تحت ظروف عقائدية خاصة وأخذ ينمو هذا الاستعمال تحت أعين حارسة عليه تحوطه وترعاه بعنايتها حتى كتب له الذيوع والانتشار .
ولو ألقينا نظرة فاحصة في تاريخ الفرق السياسية والكلامية, وخاصة في ظروف نشأة الشيعة والباطنية أقول لو تأملنا ظروف نشأة هذه الفرق فربما وجدنا بداية الطريق .
وإذا ألقينا نظرة على معتقدات هذه الفرق , وخاصة على ما أسموه بعلم الظاهر والباطن وما وضعوه من مصنفات حول هذا العلم فقد نجد ما يقوي هذا الافتراض
وإذا علمنا أن هناك أثرا تردد كثيرا في كتب الشيعة وهو" أن لكل ظاهر باطن ولكل تنزيل تأويل " أن نكون بذلك قد وضعنا يدنا على بداية الطريق .
لقد تردد الأثر المذكور في كثير من المصنفات الإسماعيلية وخاصة في كتب القاضي الفاطمي " النعمان بن حيون التميمي " مثل أساس التأويل " و" تأويل الدعائم" .
وتردد أيضا في كتب المتصوفة فنجده عند الغزالي في الإحياء والمشكاة مرفوعا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وعند الشيعة مرفوعا إلى الإمام جعفر الصادق .
ولو وضعنا الأثر أمام أعيننا ووضعنا بجانبه التعريف الاصطلاحي للتأويل لوجدنا الشبه واضحا , والعلاقة قوية بين التأويل بمعناه الاصطلاحي وبين الأثر المتردد على ألسنة الشيعة والصوفية السابق ذكره .
فهنا ظاهر وباطن وتنزيل وتأويل .
وفي التأويل الاصطلاحي ظاهر غير مراد وباطن مراد يجب البحث عنه فالقول بالباطن هو الأساس الذي وضع لأجله تعريف التأويل بهذا المعنى .
ومن هنا استطاع الباطنية أن يستغلوا التأويل بهذا المعنى أسوأ استغلال مستندين في ذلك إلى الأثر المذكور ( لكل ظاهر باطن ولكل تنزيل تأويل )
ووضعوا قواعد عقائدهم تحت ستار علم الباطن بعيدا عن أعين الظاهر المصروف عنه اللفظ .
وإذا كنت لا أملك الآن أدلة حاسمة تؤكد لي هذا الافتراض أو تحدد الفترة التاريخية التي بدأ استعمال التأويل فيها بهذا المعنى إلا أنه لا ريب في أن النصيب الأكبر في ذلك يرجع إلى الدور الذي قام به أصحاب الاتجاه الباطني من الصوفية والشيعة ؛ يشاركهم في هذا كثير من الفرق الذين نادوا بفكرة الإمام المعصوم الذي يؤتى من لدنه تأويل التنزيل؛ فلقد ساهم هؤلاء جميعا في شيوع استعمال التأويل بهذا المعنى .
"الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل" ص (48)
وأظن لو تتبع طالب العلم هذه المسألة لوجد ملامح كثيرة في بيان ترابط تأويل الباطنية للنصوص بتأويل المتكلمين لصفات الله .