في بداية ممارستي للكتابة وأنا صغير كنت أكتب على أوراق المناديل الورقية ذات الطبقات الثلاثة وأجعل كتابتي في الطبقة الثانية ثم أعيد تطبيقها كما كانت واخفائها حتى لا يقرأها أحد وكان مجرد تصور أن يطلع أحدٌ عليها يثير في نفسي خجلاً لا حدود له كأن أحدهم تطلع إليَّ وأنا عريان ... لم يكن ما أكتبه غزلاً أو نقداً ولعلي لا أكون كاذباً إذا أخبرتكم الآن أني لا أذكر ماذا كنت أكتب في ذلك الحين إلا أني أعرف جيداً أنه كان تعبيراً صادقاً عن مشاعري في حينها ولم أتصور أن يعرف أحد مكنونات نفسي بهذه الطريقة المباشرة.
وعندما كنت شاباً كانت الكتابة بالنسبة لي فعلاً اضطرارياً يجتاحني بلا ميعاد وكنت أمارس الكتابة بدافع التخلص من الحاح الأفكار على رأسي أو حرقة المشاعر على قلبي غير أنه من الغريب أني كنت لا أقرأ ما أكتب ... أقصد لم أكن أطيق قراءته ... كتبت في أحد المرات نصاً فلم أقرأه إلا بعد عدة أشهر فوجدته قابلاً للقراءة وربما كان جميلاً لكني كنت أشعر بخجل شديد كلما تخيلت أن أحداً غيري سوف يقرأه.
وحتى الآن ينتابني شعور بأني أكره اسلوبي في الكتابة مع أني أحب بعض نصوصي ... أشعر أن مفرداتي بحاجةٍ إلى عملية إحلال وإبدال وأشعر أن جملي تحتاج إلى إعادة هيكلة والنص كله بحاجةٍ إلى كاتبٍ غيري له عقلٌ غير عقلي وقلبٌ أرحب من قلبي ينتابني شعور جارف بالإشفاق على الموضوع أن تُضِيعَ معانيه كلماتي وأن تذهب جملي بمقاصده
أما القاريء وما أدراك ما القاريء ... تابع في صورة متبوعٌ وحاكم في صورة محكوم ... كم سكن عقلي فأمرني أن أمحو وأثبت وأن أخفي وأعلن ... وكم أسرني وأطلقني ... تباً له كم أحبه وأخشاه!
ما الذي يدفعني للكتابة إذن... لا أدري!
إنها سورة الرغبة تنتابني حتى إذا انتهيت من فعلتي أقول لنفسي ما الذي فعلتِ بنفسك أيتها الحمقاء.... حقاً لا أدري.