معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله)
عن أبي هريرة، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنز الجنة»[1]، فالكنز هو المال النفيس المحفوظ، وكنز الجنة الأعمال الصالحة التي يقبلها الله ويرضاها، فيحفظها ويدَّخرها لصاحبها، فيكون سببًا في دخوله الجنة، ورفع منزلته فيها.
وعنه رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلُّك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقول الله: أسلم عبدي واستسلم»[2]، قال الطيبي: ((أسلم عبدي واستسلم))؛ أي: فَوَّض أمور الكائنات إلى الله بأسرها، وانقاد هو بنفسه لله مخلصًا له الدين، وقال النووي: هي كلمة استسلام وتفويض، وأن العبد لا يملك من أمره شيئًا.
والحول يأتي على عدة معانٍ:
1- بمعنى الحائل؛ أي: لا حائل عن الشر وعن الخير إلا بالله، ومنه قوله تعالى: ﴿ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ *بَيْنَ *الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24]، وقوله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ: 54].
2- وبمعنى الصرف: ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوتهُ»[3]؛ أي: انصرف، ومنه قول الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ *نَظَرَ *بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 127]، وقوله تعالى: {كَذَلِكَ *لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].
3- وبمعنى الحيلة: ومنه قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ *الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13]؛أي: الحيلة والمكر بأعدائه، قال ابن الأنباري: الحول: معناه في كلام العرب: الحيلة، يقال: ما للرجل حَوْلٌ، وما له احتيال، وما له محالة، وما له محال بمعنى واحد.
فالمعنى: لا حيلة في دفع شر، ولا قوة في درك خير إلا بالله.
4- وبمعنى التحول: ومنه قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا *حِوَلًا} [الكهف: 108]؛أي: تحولًا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم أخذها ابن أبي قحافة، فنزع بها ذنوبًا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربًا»[4]؛ أي: تحولت دَلْوًا عظيمة، والتحول من حال إلى حال، جاء معناه في القرآن كثير، مقرونًا بالمشيئة، منه قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ *أَنْ *يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28-29]، وقوله: {فَمَنْ *شَاءَ *ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [المدثر: 55-56]، وقوله: {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ *يَجْهَلُونَ} [الأنعام: 111]، وقوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي *نَفْعًا *وَلَا *ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعراف: 188]، وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ *أُمَّةً *وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93].
وهذه المعاني الأربعة، يرجع معناها إلى آية واحدة من القرآن الكريم؛ وهي قوله سبحانه: {وَلَوْلَا إِذْ *دَخَلْتَ *جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39]؛ أي: الأمر ما شاء الله، أو الجواب محذوف، والتقدير: ما شاء الله كان، وما لا يشاء لا يكون.
فهذه الجملة: (لا حول ولا قوة إلا بالله) من أنواع الذكر التي دلَّت السنة على عظم شأنها؛ وذلك لأنها متضمنة لتوحيد الربوبية، ودليل على إثبات القدر، ومتضمنة فقر العباد إلى الله، فلا مشيئة لهم، ولا قدرة لهم إلا أن يشاء الله، قال الله سبحانه: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ *يَشَاءَ *اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30]، فنقول: لا حائل ولا صرف لأحد عن شيء، ولا حيلة لأحد، ولا حركة لأحد، ولا تحوُّل لأحد عن شيء، إلا بمشيئة الله، ولا قوة لأحد على فعل ذلك الشيء إلا بتوفيق الله.
فكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، كما في الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ماضٍ فِيَّ حكمُك، عَدْلٌ فِيَّ قضاؤك»[5]، ولن يمضي ولن يتم إلا حكم الله وقضاؤه؛ لكن الخلق يقدرون على فعل الأسباب، والإنسان مأمور بفعل الأسباب والتدابير التي توصل إلى ما أمر الله به، أو أباحه لعباده، ولكن هذه الأسباب والتدابير محكومة بقضاء الله، ولن يتم شيء إلا ما قضاه الله سبحانه، وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام، وجفت الصحف»[6]، غلبت مشيئة الله المشيئاتِ كلَّها، وغلب قضاؤه الأسباب كلها، يفعل ما يشاء، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]، وهو غير ظالم أبدًا، قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ *النَّاسَ *أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44]، فيعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويهدي ويضل، ويحيي ويميت، {يُدَبِّرُ *الْأَمْرَ} [يونس: 3]، {يَبْسُطُ *الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26]، و {يُعَذِّبُ *مَنْ *يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} [العنكبوت: 21]، كل ذلك جارٍ على وفق حكمته تعالى، فله الحكمة في كل تدبير، وأفعاله دائرة بين الفضل والعدل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار»، وقال: «أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما في يده»، وقال: «عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان، يخفض ويرفع»[7].
ومن المفاهيم الخاطئة المتعلقة بهذه الكلمة:
1- أن من الناس من يجعلها كلمة استرجاع، والاسترجاع يكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( «(ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا *إِلَيْهِ *رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها»[8].
2- أن من الناس من يجعلها كلمة استعانة؛ بل هي كلمة إسلام واستسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فيقول الله: أسلم عبدي واستسلم»، فهي عبادة قولية وذكر، وكلمة توحيد من الباقيات الصالحات يثاب عليها العبد ويعان، ألم تر أن (سبحان الله وبحمده) سبب للرزق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في وصية نوح لابنه: ((وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق كل شيء))[9]، وأن (لا إله إلا الله) سبب لتفريج الكرب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض، ورب العرش الكريم»[10].
فكذلك (لا حول ولا قوة إلا بالله) سبب للهداية والكفاية والوقاية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له حينئذٍ: هديت وكفيت ووقيت؛ فيتنحى له الشيطان، ويقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي»[11]، وأنها مع أخواتها من الباقيات الصالحات سبب لاستجابة الدعاء، وقبول العمل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعار من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله»، ثم قال: «اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته»[12]، وأنها سبب لمغفرة الذنوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر»[13]، وأنها باب من أبواب الجنة يدخله من أكثر قولها، (عالمًا بمدلولها، وعاملًا بمقتضاها))؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلُّك على باب من أبواب الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله»[14].
3- أن من الناس من يجعلها للتبريك، والحفظ من العين، وهذا الحديث موضوع، وفيه: "من أنعم الله عليه بنعمة، فأراد بقاءها؛ فليكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْلَا إِذْ *دَخَلْتَ *جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39]"[15]، ومن الناس من يجعل معناها {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ *إِلَّا *بِاللَّهِ} ، كذلك للتبريك والحفظ من العين، كما قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ولده أو ماله، فليقل: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ *إِلَّا *بِاللَّهِ} ، وهذا القول مردود؛ لأن الحديث ضعيف، وفيه: «ما أنعم الله على عبد نعمة في مال، أو أهل، أو ولد، فقال: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، فيرى فيها آفة دون الموت»، وقرأ: «ولولا إذ دخلت جنتك قلت: ما شاء الله لا قوة إلا بالله»[16].
وفي السنة الصحيحة ما يغني عن هذه الأحاديث الموضوعة والضعيفة، فقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التبريك، وهو الدعاء بالبركة، بقوله: «إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله، أو من أخيه ما يعجبه، فليدع له بالبركة، فإن العين حق»[17]، وعلمنا صلى الله عليه وسلم أذكار الصباح والمساء والنوم ما يكفي للحفظ واجتناب الآفات[18].
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
[1] صحيح سنن الترمذي: 3601.
[2] صحيح الجامع: 2614.
[3] صحيح مسلم: 16 - (389).
[4] صحيح البخاري: 3664.
[5] صحيح الترغيب والترهيب: 1822.
[6] صحيح الترمذي: 2516.
[7] صحيح البخاري: 7411.
[8] صحيح مسلم: 4 - (918).
[9] صحيح الأدب المفرد: 426.
[10] صحيح البخاري: 5986.
[11] صحيح أبي داود: 5095.
[12] صحيح البخاري: 1154.
[13] صحيح الجامع: 5636.
[14] صحيح الجامع: 2610.
[15] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: 4564.
[16] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: 2012.
[17] صحيح الجامع: 556.
[18] إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وإلا: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا *كَسَبَتْ *أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].
______________________________ ____________________ ___
الكاتب: محمد حباش