قال ابن قتيبة (وقد يتعثر في الراي جلة اهل النظر والعلماء المبرزون والخائفون لله الخاشعون فهولاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم -وهم قادة الأنام ومعادن العلم وينابيع الحكمة واولى البشر بكل فضيلة واقربهم من التوفيق والعصمة - ليس منهم احد قال برأيه في الفقه الا وفي قوله ما يأخذ به قوم وفيه ما يرغب عنه آخرون وكذلك التابعون والناس يختلفون في الفقه ويرد بعضهم على بعض في الحلال على انه حرام وفي الحرام انه حلال وهذا طريق النجاة او الهلكة لاكالغريب والنحو والمعاني التي ليس على الهافي بها كبير جناح كالشافعي يرد على الثوري واصحاب الراي وعلى معلمه مالك بن انس وابوعبيد يختار من اقاويل السلف في الفقه ومن قراءتهم ويرذل منها ويدل على عورات بعضها بالحجج البينة وعلماء اللغة يختلفون وينبه بعضهم على زلل بعض والفراء يرد على امامه الكسائي وهشام يرد على الفراء والاصمعي يخطىء المفضل وهذا أكثر من أن يحاط به او يوقف من ورائه ولانعلم ان الله عز وجل اعطى احدا من البشر موثقا من الغلط وامانا من الخطأ فتستنكف له منها بل وصل عباده بالعجز وقرنهم بالحاجة ووصفهم بالضعف والعجلة فقال (وخلق الانسان ضعيفا) (وخلق الانسان من عجل) (وفوق كل ذي علم عليم) ولانعلمه خص بالعلم قوما دون قوم ولاوقفه على زمن دون زمن بل جعله مشتركا مقسوما بين عباده فتح للآخر منه ما اغلقه عن الأول وينبه المقل منه على ما أغفل عنه المكثر ويحييه بمتأخر يتعقب قول متقدم وتال يعتبر على ماض وأوجب على من علم شيئا من الحق أن يظهره وينشره وجعل ذلك زكاة العلم كما جعل الصدقة زكاة المال وقد قيل اتقوا زلة العالم وزلة العالم لاتعرف حتى تكشف وان لم تعرف هلك بها المقلدون لانهم يتلقونها من العالم بالقبول ولايرجعون الا بالاظهار لها واقامة الدلائل عليها واحضار البراهين وقد يظن من لايعلم من الناس ولايضع الامور مواضعها ان هذا اغتياب للعلماء وطعن على السلف وذكر للموتى وكان يقال اعف عن ذي قبر وليس ذاك كما ظنوا لان الغيبة سب الناس بلئيم الاخلاق وذكرهم بالفواحش والشائنات وهذا هو الأمر العظيم المشبه باكل اللحوم الميتة فاما هفوة في حرف او زلة في معنى او اغفال او وهم او نسيان فمعاذ الله ان يكون هذا من ذلك الباب او ان يكون له مشاكلا او مقاربا او يكون المنبه عليه اثما بل يكون مأجورا عند الله مشكورا عند عباده الصالحين الذين لا يميل بهم هوى ولاتدخلهم عصيبة ولايجمعهم على الباطل تحزب ولايلفتهم عن استنابة الحق حسد وقد كنا زمانا نعتذر من الجهل فقد صرنا الآن نحتاج إلى الاعتذار من العلم وقد كنا نؤمل شكر الناس بالتنبيه والدلالة فصرنا نرضي بالسلامة وليس هذا بعجيب مع انقلاب الاحوال ولاينكر مع تغير الزمان وفي الله خلف وهو المستعان ونذكر الاحاديث التي خالفنا الشيخ اباعبيد رحمه الله في تفسيرها على قلتها في جنب صوابه وشكرنا ما نفعنا الله به من علمه معتدين في ذلك بامرين احدهما ما اوجبه الله على من علم في علمه والاخر الا يقفناظر في كتبنا على حرف خالفناه فيه فيقضي علينا بالغلط ونحن من ذلك ان شاء الله سالمون وما اولاك رحمك الله بتدبر مانقول فان كان حقا وكنت لله مريدا ان تتقلاه بقلب سليم وان كان باطلا او كان فيه شيء ذهب عنا - ان تردنا عنه بالاحتجاج والبرهان فان ذلك ابلغ في النصرة واوجب للعذر واشفى للقلوب)