هذا الأمر يحتاج إلى تأنٍّ وتريث ، ثم تفصيل .
فيقال : إن الذي ينفي صفة من الصفات الثابتة بالنصوص القطعية لا يخلو من أحد ثلاثة أحوال .
أحدها : أن يكون النافي عالماً بالنص الذي ثبتت به الصفة المنفية كتاباً كان أو سنة ، ولا توجد لديه شبهات قد تغير مفهومه للنص وإنما نفى لعناده ، وفساد قصده ، ومرض قلبه ، ومشاقته للرسول من بعد ما تبين له الحق .
فهذا كافر ؛ لتكذيبه كلام الله أو كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
الثاني : أن يكون النافي مجتهداً في طلب الحق ، معروفاً بالنصيحة والصدق ولكنه أخطأ وتأول : لجهله بالنص ، أو لعدم علمه بالمفهوم الصحيح . فحكمه أنه معذور ، وخطؤه مغفور ؛ لأن نفيه ناتج عن تأويل ، لا عن عناد وفساد قصد .
الثالث : أن يكون النافي متعباً لهواه ، مقصراً في طلب الحق ، متكلماً بلا علم ، ولكنه لا يقصـد مشاقة الرسول ، ولم يتبين له الحق تماماً فحكمه أنه عاصٍ مذنب ، وقد يكون فاسقاً .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقصد الحق فأخطأ لم يكفر ، بل يغفر له خطؤه ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاقَّ الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين - فهو كافر . ومن اتبع هواه ، وقصَّر في طلب الحق ، وتكلم بلا علم - فهو عاصٍ مذنب ، وقد يكون فاسقاً ، وقد تكون حسناته ترجح على سيئاته ؛ فالتكفير يختلف باختلاف حال الشخص ؛ فليس كل مخطىء ، ولا مبتدع ولا جاهل ، ولا ضال يكون كافراً ، بل ولا فاسقاً ، بل ولا عاصياً " .
وقال - رحمه الله - : " هذا مع أنني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير ، وتفسيق ومعصية إلا إذا عُلِم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى . وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية ، والمسائل العملية .
وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ، ولا بفسق ، ولا بمعصية .
إلى أن قال : " وكنت أبيِّن أن ما نقل عن السلف ، والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول : كذا وكذا - فهو أيضاً حق .
لكن يجب التفريق بين الإطلاق ، والتعيين " .




منقول من موقع الشيخ/محمد بن إبراهيم الحمد.