بسم الله الرحمن الرحيم
يقول العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله : " وقع كثيراً في أسانيد "سنن البيهقي" في أكثر النسخ التي وقفنا عليها صيغةُ " انبا(1) " ، وطُبعت(2) تبعاً لبعض النسخ الحديثة الكتابة هكذا " انبأ " .
وأرى أن الصواب " ابنا " ، وهي اختصار " أخبرنا " ، بحذف الخاء والراء ؛ كذلك اختصرها البيهقي وجماعةٌ ؛ ذكره ابن الصلاح في " مقدمته " ، ثم النووي في " تقريبه " ، والعراقي في " ألفيته " ، وغيرُهم .
قد تصفحتُ النسخَ الموجودةَ عندنا في الدائرة ، فلم أر هذه الصيغة مضبوطة هكذا " انبأ " ، صريحاً ، في شيء من النسخ القديمة ؛ بل ضُبطت في مواضع هكذا " ابنا " ، وفي الباقي(3) مهملة(4) أو مشتبهة .
لم تقع هذه الصيغة(5) في بعض النسخ القديمة ؛ وإنما وقع بدلها " أنا " ؛ و" انا " اختصار " أخبرنا ".
البيهقي يعبر في أول الأسانيد بقوله " أخبرنا " غالباً ؛ وكتبتْ(6) صريحةً(7) في أكثر النسخ ؛ أما في المصرية فكُتبت هكذا " ابنا(8) ".
صفحة رقم - 5 -
____________
النسخ التي وقع فيها " ابنا "(1) لم يكد يقع فيها " أخبرنا " ، ولا " انا " ، إلا في أوائل الأسانيد ، في غير المصرية ؛ مع أن صيغة " أخبرنا " كثيرة في الاستعمال ، كما يُعلم من مراجعة كتب الحديث ، ونص عليه(2) الخطيبُ وغيرُه ؛ قال الخطيب في " الكفاية " : " حتى أن جماعة من أهل العلم لم يكونوا يخبرون عما سمعوه إلا بهذه العبارة " أخبرنا " ، منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهُشيم بن بشير وعبدالله [كذا] بن موسى وعبد الرزاق بن همام ويزيد بن هارون---- "(3) ؛ بل إن البيهقي نفسه لا يكاد يعبر في روايته عن شيوخه إلا بـ" أخبرنا "(4).
إن أكثر ما في " سنن البيهقي " مروي عن كتب مصنفة ؛ وقد قابلت بعضَ ما فيها بمآخذه من الكتب كـ" الأم " و " سنن أبي داود " و " سنن الدارقطني " ، فوجدتُ(5) محلَّ هذه الصيغة(6) : " أخبرنا " ، أو " انا " .
وتتبعتُ في " سنن البيهقي " مواضع من رواية الأئمة الذين نص الخطيبُ على أنهم لم يكونوا يعبرون عما سمعوه إلا بلفظ " أخبرنا " ، فوجدت عبارتهم تقع في " السنن " بهذه الصيغة " ابنا "(7).
صفحة رقم - 6 -
____________
إن صيغة " أنبأنا " عزيزة ، كما يُعلم بتصفح كتب الحديث ، ونصَّ عليه الخطيب وغيرُه ؛ ونص السخاوي والبقاعي وغيرهما من علماء الفن أنه لم يَجْرِ للمحدِّثين اصطلاحٌ في اختصار " أنبأنا "(1) .
وحذفُ الضمير في الصيغ مع الاتصال عزيز جداً ، لا تكاد تجد في الكتب " حدّث فلانٌ " أو " أخبر فلان " على معنى " حدثنا " أو " أخبرنا "؛ لأن مثل ذلك(2) محمول على الانقطاع عند الخطيب ، واختاره الحافظ ابن حجر ؛ ومن خالف فيه فإنه موافق على أنه محمول على الانقطاع في عبارات المدلسين؛ وكثيراً ما تقع عبارات المدلسين في " سنن البيهقي " بهذه الصيغة " ابنا "(3) ، وهي في الكتب المأخوذِ منها " أخبرنا ".
إن صيغة " أخبرنا " للسماع ، اتفاقاً ؛ وصيغة " أنبأنا " في اصطلاح شيوخ البيهقي ومشايخهم وأهل عصرهم ، للإجازة ، نص عليه الحاكم ؛ فكيف يختار البيهقي لنفسه " أخبرنا " ثم يبدلها باطراد في كلامِ غيرِه مما ثبت في الكتب المصنفة حتى من لم يكن يعبر إلا بها [أي] بـ " أنبأنا " ، مع كثرة " أخبرنا " وعزة " أنبأنا " وتغاير معنييهما اصطلاحاً ، ثم لا يكتفي بذلك حتى يشفعه بحذف الضمير الذي هو دليل السماع فيصير الظاهر الانقطاع؟!
وبالجملة فالصواب ضبط هذه الصيغة هكذا " ابنا " قطعاً ، وهي اختصار " أخبرنا " ؛ ولهذا تقع في محلها فيما رواه عن الكتب المصنفة ويقع محلها في النسخ " أخبرنا " أو " انا " ، لأن الأمر في ذلك موكول إلى الكاتب ، فإن شاء كتبها صريحةً " أخبرنا " ، وإن شاء اختصرها على أحد الاختصارات المنصوص عليها، لأن القارئ يتلفظ بها دائماً " أخبرنا " ، فلا حرج في الكتابة ؛ فأما إبدال صيغة بأخرى دونها ، أو مغايرة لها في المعنى الاصطلاحي ، أو فيما ثبت في الكتب المصنفة ، فغير جائز، فضلاً عن أن يُحذف الضمير الدال على السماع.
صفحة رقم - 7 -
_____________
قد وقعت هذه الصيغة " ابنا "(1) في كتب أخرى غير " سنن البيهقي " ، وطبعتْ بعضُها هكذا " أنبأ " ؛ والصواب في عامة ذلك " ابنا ".
الأدلة على ما ذكرتُ أكثر مما تقدم، وأرى أن فيما لخصتُه ههنا غِنى عن البسط والتطويل ؛ وحسبي الله ونعم الوكيل، وصلى الله على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه وسلم ". انتهى كلام العلامة المعلمي، كما نقله هاشم الندوي ، رحمهما الله تعالى. (انظر لسان المحدثين 2/5-8 لمحمد خلف سلامة) .
صفحة رقم - 8 -

الحواشي :
================
صفحة رقم - 5 -
(1) الكلمة في الأصل دون نقط ، ولكن لم يتيسر لي رسمها على ما هي عليه . محمد .
(2) أي في المجلدات الأولى من (سنن البيهقي).
(3) أي من المواضع في النسخ القديمة .
(4) أي بلا نقط .
(5) يعني صورة ابنا أو أنبأ .
(6) أي في أول الأسانيد .
(7) أي من غير اختصار .
(8) دون نقط ، ولكني لم أستطع رسمها على ما هي عليه . محمد .
______________
صفحة رقم - 6 -
(1) دون نقط ، ولكني لم أستطع رسمها على ما هي عليه . محمد .
(2) أي على الكثرة .
(3) انظر (الكفاية) (ص379).
(4) يريد أن يقول أن (ابنا) في هذه النسخ غير مصحفة عن (أنبأ) أو (انبا) ، لأنها اختصار (أخبرنا)، كما دلت عليه القرائن التي ذكرها؛ فلو كان المقصود (أنبأ) التي هي اختصار (أنبأنا) كما توهمه من توهمه ، فأين (أخبرنا) في أسانيد الكتاب، والمعروف أنها كثيرة التكرر في الأسانيد.
(5) أي في تلك الكتب .
(6) يعني التي على صورة ابنا .
(7) دون نقط ، ولكني لم أستطع رسمها على ما هي عليه . محمد .
__________________
صفحة رقم - 7 -
(1) أي فما معنى كثرة ورودها في النُّسخ؟! فالظاهر أن (انبا) التي ظن بعضهم أنها مختصر (أنبأنا) وظن آخرون أنها (أنبأ) مثل (حدّثَ) ليست بالمعنى الذي ظنوه، وإنما هي محرفة عن (أبنا) التي هي اختصار (أخبرنا) كما تقدم. محمد.
(2) يعني حدّثَ وأخبرَ ، مجردةً عن ضمير المفعول .
(3) دون نقط ، ولكني لم أستطع رسمها على ما هي عليه . محمد .
_________________
صفحة رقم - 8 -
(1) دون نقط ، ولكني لم أستطع رسمها على ما هي عليه . محمد .