قـامـوس البدع العقـديــة
كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم صافية واضحة في كل معالمها، وأشد مناحي دعوته وضوحاً وأكثرها بياناً دعوته أمته إلى التوحيد الخالص، والعقيدة الصافية النقية؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على بيان التوحيد بياناً لا لبس فيه، حريصاً على إرساء قواعد العقيدة حرصاً لا يعادله حرص، وكان يحرص على تكرار أحاديث التوحيد حتى يرسخ في النفوس، وتتلقاه الأمة دون غشاوة أو كدر، إلا أنه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ظهرت الخلافات، وانتشرت الفرق والأحزاب، وشذت كل فرقة منهم بأقوال تحزبت عليها، فتفرقت الأمة تفرقاً عظيماً، إلا أن العلماء ما زالوا يتلمسون نهج السلف الصالح ويبنونه للناس، ويؤلفون الكتب في بيان البدع والتحذير منها، وقد جمعنا في هذا القاموس جملة من البدع التي حدثت في الأمة ونص عليها العلماء، مع ذكر الدليل على بدعيتها ومخالفتها للكتاب والسنة وإجماع السلف حتى يحذرها الناس، فمن تلك البدع:بدعة تكفير مرتكب الكبيرة
وهي بدعة قال بها الخوارج قديماً، فكفروا بها عموم الأمة وحكامها،
ولم يحكموا لأحد بإسلام إلا لمن انضم إليهم وقال بقولهم، وهو مذهب مخالف للكتاب والسنة والإجماع، فالمسلم الذي ارتكب بعض المعاصي كالزنا والسرقة من غير استباحة لها لا يكفر،
بل هو فاسق ناقص الإيمان، وليس كافراً، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}(الحجرات: 9).
حيث حكم بإيمان الطائفتين وإحداهما عاصية باغية بقتال أختها، فلو كان قتال المسلم – وهو من أكبر الكبائر - كفراً لما أطلق على الطائفة الباغية اسم الإيمان، وقال تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} (البقرة: 78)، فقد سمى الله القاتل أخاً في الدين، ولو كان كافرا لنفى عنه الأخوة الإيمانية، وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله[ قال لجماعة من أصحابه:
«بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفىَّ منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه» فبايعناه على ذلك. متفق عليه، وهو حديث صحيح صريح بيّن فيه النبي[ أن أصحاب الكبائر من السراق والزناة والقتلة إن أقيم عليهم الحد في الدنيا فهو كفارة لهم عن خطاياهم، وإن قدموا على الله بتلك الذنوب فهم تحت مشيئته إن شاء عفا عنهم، وإن شاء عاقبهم، ودخولهم تحت المشيئة دليل على عدم كفرهم، لأن مصير الكفار محسوم، وهو النار وبئس المصير.
2- تعطيل صفات الله عز وجل بحجة نفي التشبيه:
وهو مذهب مبتدع أدى بأتباعه إلى نفي صفات الله عز وجل جميعها أو جلّها، وقد رد علماء السلف هذا المذهب وأبطلوه، وأثبتوا ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم مع نفي المشابهة بين الله وخلقه، قال نعيم بن حماد - شيخ الإمام البخاري-: من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه ورسوله فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه!!. وهذا هو منهج القرآن في إثبات الصفات ونفي المماثلة، قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 11).
3- تأويل الصفات:
وهي بدعة أخرى قال بها طوائف هرباً من التشبيه، وذلك أنهم ظنوا أن إثبات ظواهر نصوص الصفات يقتضي تشبيه الله بخلقه، فدفعهم ذلك إلى تأويلها، فأولوا اليد وقالوا: هي بمعنى القدرة، وأولوا الوجه بمعنى الذات، إلى غير ذلك من أنواع التأويلات، فخالفوا بذلك السلف الذين رأوا أن إثبات هذه الصفات لا يقتضي تشبيهاً بل يمكن إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه مع نفي التشبيه عنه سبحانه، فأثبتوا لله يدا تليق بجلاله من غير تمثيل ولا تعطيل ، وأثبتوا لله وجها يليق بجلاله،
وعيناً تليق بجلاله، فاتفق قولهم: على إمرار الصفات كما جاءت من غير تكييف، فعن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث ابن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في الصفات، فقالوا: «أمروها كما جاءت بلا كيف» (ذكر ذلك ابن عبد البر في «التمهيد).
4- تفويض معاني الصفات:
وهي بدعة أخرى تتعلق بكيفية التعامل مع صفات الباري، وهذه البدعة نسبها أصحابها إلى السلف من الصحابة والتابعين،
وزعموا أن مذهبهم في الصفات هو التفويض، فجمعوا إلى بدعتهم افتراءً على السلف وجهلاً بمذهبهم، وشرح مذهب التفويض – وفق هؤلاء - أن السلف ما كانوا يعرفون معاني صفات الله عز وجل، فأوكلوا وفوضوا علمها إلى الله سبحانه،
وهذا تطاول بيّن على الصحابة - رضوان الله عليهم – ورمي لهم بأشنع الأوصاف، وهو الجهل بأعظم ما جاء الكتاب ببيانه من صفات الرب سبحانه، وإذا كان الصحابة الكرام يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما أشكل عليهم من الأهلّة والنفقة واليتامى والمحيض وما أحل لهم من الطيبات، وغير ذلك كثير، فكيف لا يسألون عن أعظم معارف الكتاب مع جهلهم بها؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
5- إنكار رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة:
وهذه بدعة مخالفة لما أخبر به الله في كتابه الكريم، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته، حيث قال تعالى في سياق تعداد نعم أهل الجنة: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}(القيامة: 22-23)
وقال صلى الله عليه وسلم : «إنكم سترون ربكم»، رواه البخاري ومسلم. وقد اتفق السلف على ذلك، ورويت عنهم في ذلك آثار كثيرة.
6- إنكار الشفاعة في أصحاب الكبائر:
وهي بدعة قال بها الخوارج والمعتزلة بسبب تكفيرهم أصحاب الكبائر، إذ الكافر لا شفاعة له، وهذه البدعة مخالفة للأحاديث المصرحة بالشفاعة لأصحاب الكبائر، والمصرحة بخروج المذنبين من النار بعد أن يشفع فيهم الشافعون أو يستوفوا عذابهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة - إن شاء الله - من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا»
رواه مسلم، ولا شك أن من زنى أو سرق أو شرب الخمر لم يشرك بالله فهو ممن تناله الشفاعة إن شاء الله.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال – بخطاياهم، فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر – أي جماعات - فبُثّوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل – جانب - السيل»
رواه مسلم.
اعداد: أبومعاذ السلفي